هو صديق المهاجرين والمسلمين ومناضل ضد التمييز والعنصرية، وغيرها من الألقاب التي يوصف بها زعيم حزب "فرنسا الأبية"، جان لوك ميلانشون، الذي تصدر تحالفه الانتخابات التشريعية المبكرة في فرنسا بعد حصوله على 182 في الجمعية الوطنية الفرنسية متفوقا على معسكر الرئيس ماكرون والتجمع الوطني. ولد جان لوك ميلانشون في غشت 1951 بمدينة طنجة المغربية لأبوين من أصل إسباني، حيث كان والده موظف بريد وأمه مدرّسة. بعد طلاق والديه، انتقل مع والدته إلى فرنسا واستقر في منطقة الجورا (شرق البلاد)، حيث تلقى تعليمه وحصل على إجازتين في العلوم الإنسانية والآداب الحديثة. بدأ حياته المهنية في مجال التعليم والصحافة قبل أن يتوجه إلى السياسة، وانضم إلى الحزب الاشتراكي الفرنسي في عام 1976، ومنذ ذلك الحين بدأ مسيرته السياسية الحافلة، إذ شغل عدة مناصب داخل الحزب، وأصبح عضواً في مجلس الشيوخ في عام 1986. وفي عام 2002، تولى منصب وزير مفوض للتعليم المهني في حكومة ليونيل جوسبان. في عام 2009، انتُخب نائباً في البرلمان الأوروبي، وهو المنصب ذاته الذي شغله بعد إعادة انتخابه عام 2014. بمرور الوقت، أصبح ميلانشون من أبرز الوجوه اليسارية المتشددة داخل الحزب الاشتراكي، مما دفعه في النهاية إلى تأسيس حزب اليسار. وفي عام 2016، أسس حزبه الحالي "فرنسا الأبية"، الذي يسعى من خلاله لتحقيق رؤية يسارية جذرية. خاض ميلانشون سباق الانتخابات الرئاسية ثلاث مرات. في عام 2012، حصل على نحو 11% من الأصوات. في 2017، زادت شعبيته ليحصل على 19.6% من الأصوات. وفي 2022، اقترب أكثر من الفوز بحصوله على 21.95% من الأصوات، محققاً المركز الثالث خلف إيمانويل ماكرون ومارين لوبان. ميلانشون معروف بخطاباته القوية وشخصيته الكاريزمية، مما أكسبه لقب "تشافيز فرنسا"، نسبة إلى الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز. رغم انتقاداته الكثيرة وأخطائه التي يستغلها خصومه ضده، يظل ميلانشون شخصية محورية في السياسة الفرنسية. وفي تصريح لجريدة "العمق"، أشار أحمد نور الدين، الخبير في العلاقات الدولية، إلى أن جان لوك ميلانشون قد ازداد في المغرب من ابوين ولدا في الجزائر الفرنسية ومن أصول اسبانية. هذا التنوع في أصوله جعله شخصاً منفتحاً يحارب العنصرية والتمييز، وربما يكون الحنين الذي يحمله للمسلمين بسبب مسقط رأسه والذكريات التي عاشها في المغرب خلال طفولته، قد أثّر في مواقفه. بالإضافة إلى ذلك، فإن انتماءه للفكر اليساري الذي يدعو للأممية الاشتراكية ونضال الطبقة العاملة، يعزز موقفه الإنساني الذي يرفض التمييز ويدعو للمساواة وتحسين الظروف لجميع المواطنين. وأضاف نور الدين أن ميلانشون يدافع عن الأشخاص المقيمين في فرنسا الذين لديهم جنسية فرنسية ووضع قانوني مستقر وديانة خاصة بهم. وأوضح أن ميلانشون يعتبر أن قانون العلمانية الصادر عام 1905 يقتضي معاملة جميع المواطنين على قدم المساواة بغض النظر عن ديانتهم، لأن فرنسا يجب أن تكون دولة مدنية وليست دينية، مؤكدا أن الكراهية للإسلام تتناقض مع مفهوم العلمانية في الدولة الفرنسية، وأن التطرف في التعامل مع المسلمين يتنافى مع قيم الجمهورية. وفي سياق آخر، تناول نور الدين، دفاع ميلانشون عن غزة رغم الهجوم الإعلامي الذي تعرض له من قبل وسائل الإعلام الفرنسية والتيارات السياسية المختلفة، بما في ذلك الرئيس ماكرون. ورفض ميلانشون وصف حماس بالحركة الإرهابية، وأكد أنها حركة مقاومة، واعتبر ما تقوم به إسرائيل في غزة جرائم ضد الإنسانية وهذا جعل المجتمع الفرنسي ضد ميلانشون ووصفوه بالمعادي للسامية علما أن هذه التهمة هو بريء منها لأنه يحترم اليهود ويدافع عنهم وهو أصلا كيساري لا يؤمن بالتفرقة على أساس الدين لكنه يدين إسرائيل كدولة وليس كيهود، فهو احد الأصوات الفريدة التي تدين الاعمال الاجرامية التي تقوم بها إسرائيل في غزة. وأشار نور الدين إلى أن فوز ميلانشون وتحالف "الجبهة الشعبية الجديدة" في الانتخابات يعكس تأييد جزء كبير من الشعب الفرنسي لمواقفه، وإيمانهم بأن ما تقوم به إسرائيل في غزة يعد جرائم حرب، وأن للشعب الفلسطيني الحق في المطالبة بالاستقلال. ورغم الهجمات التي تعرض لها ميلانشون، استطاع أن يحقق هذا الفوز مع "الجبهة الشعبية الجديدة". وتصدر تحالف اليسار الذي يجمع بين حزب جان لوك ميلانشون اليساري المتشدد "فرنسا الأبية" والحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي وناشطي البيئة والعديد من المجموعات الأصغر ذات الميول اليسارية نتائج الانتخابات التشريعية المبكرة في فرنسا، وذلك بعد حصوله على 182 في الجمعية الوطنية الفرنسية، وحل معسكر الرئيس إيمانويل ماكرون في المرتبة الثانية ب168 مقعدا، بينما حصل التجمع الوطني (أقصى اليمين) وحلفاؤه على 143 مقعدا. في خطاب الفوز، دعا جان لوك ميلانشون، زعيم اليسار الراديكالي، إلى تشكيل "فرنسا جديدة" تخلو من الذكورية والعنصرية والإسلاموفوبيا ومعاداة السامية وكراهية الأديان. كما طالب رئيس الوزراء بالاستقالة، مؤكداً ضرورة تولي "الجبهة الشعبية الجديدة" الحكم.