كشفت المندوبية السامية للتخطيط، بالتزامن مع الاحتفالات باليوم العالمي للمرأة اليوم الجمعة، عن معطيات صادمة بخصوص تفاقم التمييز بين الجنسين في بيئة العمل، خصوصا على مستوى الأجور، إذ أكدت أن 91 في المائة من الفجوة في الأجور بين الذكور والإناث ترجع إلى التمييز بين الجنسين، فيما 9 في المائة الباقية تفسرها الاختلافات بين الخصائص الفردية للمرأة والرجل. وفي مذكرة صادرة عنها بشأن "الفوارق في الأجور بين الجنسين في المناطق الحضرية دون التمييز بين الجنسين"، قسمت المندوبية السامية للتخطيط التمييز بين الجنسين بالتساوي، وذلك بين "ميزة الذكور"، التي تمثل 46 في المائة من الفجوة في الأجور، و"التقليل من خصائص النساء" الذي يساهم بنسبة تصل إلى 45 في المائة، معتبرة أن "تثمين السمات الذكورية" و"تقليل السمات النسائية" في مكان العمل هما عاملان هامان في استمرارية الفجوة في الأجور بين الجنسين. وحسب فئة الأجور، شددت المذكرة على بروز التمييز الجنسي بشكل واضح أسفل سلم الأجور، ما يفسر 93 في المائة من الفجوة في الأجور بين 60 في المائة من الأجراء الأقل أجرا، مع مساهمة قدرها 45,7 في المائة ل"ميزة الذكور" و47,3 في المائة ل"تقليل السمات النسائية"، موضحة أنه بالمقارنة مع 40 في المائة من الأجراء ذوي الأجور المرتفعة، فإن 79 في المائة من الفجوة في الأجور بين الجنسين ترجع إلى التمييز بين الجنسين، مع مساهمة ب 25,2 في المائة ل"ميزة الذكور" و53,9 في المائة ل"تقليل السمات النسائية". أغلب "الباطرونات" ذكور أكدت المؤسسة الإحصائية الوطنية أن تحليل العلاقة الثلاثية الجنس-الأجر-المهنة يظهر تفاوتات تكافؤ مهمة حسب الفئات المهنية، موضحة أن الرجال أكثر تمثيلية من النساء بين "المسؤولين التسلسليين والأطر العليا" أو "الباطرونات"، حيث يبلغ مؤشر التكافؤ 1,7، وكذلك بين "الأطر المتوسطة والمستخدمين" (1,5)، مشيرة إلى أن هذا التفاوت يظهر بشكل واضح بين "الحرفيين والعمال المؤهلين" حيث يصل مؤشر التكافؤ إلى 3,4، وبين "العمال اليدويين غير الفلاحيين" حيث يصل إلى2 . وحسب التوزيع الاجتماعي للأجور، أفادت المذكرة التحليلية بأن التكافؤ واضح بين 20% من المأجورين الأقل أجرا بمؤشر يبلغ 1,1، مشيرة إلى أنه بالنسبة إلى فئات الأجر الأخرى، يظهر مؤشر التكافؤ تفاوتات كبيرة، حيث يصل إلى 2,3 بالنسبة لمأجوري الخُمس الثاني الأقل أجرا، و2,6 للخُمس الأعلى، في حين يبلغ ذروته بالنسبة للخُمس الرابع بمؤشر تكافؤ يقدر ب 2,9. وخلصت الوثيقة إلى أن الفوارق بين الجنسين في مجال العمل المأجور واقع راسخ في سوق الشغل، موضحة أن مصادر هذا التفاوت تظهر إلى أي مدى تحدد الخصائص الفردية للمرأة مكانتها في هذا السوق، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تفاقم فجوة الأجور بين الجنسين. وبهذا الخصوص، أكد محمد يازيدي شافعي، خبير اقتصادي، في تصريح لهسبريس، أن مستوى التعليم ينتصر للمرأة في سوق الشغل، ويحدد بشكل كبير مكانتها داخل الهرم الإداري وكذلك الأمر بالنسبة للأجور، مع التنبيه في هذا الشأن إلى أن تفاوتات الأجور تظل عائقا أمام القضاء على التمييز في بيئة العمل بمستوياتها المختلفة، موضحا أن صيغة التشغيل والتوظيف في القطاعين العام والخاص تشكل فرقا بهذا الخصوص. عدالة أجرية في القطاع العام نبهت مندوبية التخطيط إلى أن الفجوة في الأجور تقتصر على 2,4% في القطاع العام، حيث يبلغ متوسط الأجر 8500 درهم للرجال و8300 درهم للنساء، موضحة أنه أما في القطاع الخاص، يبلغ هذا المتوسط على التوالي 5400 درهم و3800 درهم، أي بفجوة تبلغ 43%، معتبرة في السياق ذاته أن هذه التفاوتات أقل حدة أو لصالح الأجيرات الشابات اللائي تتراوح أعمارهن بين 18 و29 سنة، حيث تبلغ الفجوة ناقص 15,9 في المائة في القطاع العام و6,8% في المائة في القطاع الخاص. وتعليقا على هذه الأرقام، أوضح الخبير الاقتصادي يازيدي شافعي أن التشغيل في القطاع العام يرتكز على نظام المباريات ويتيح الفرصة أمام النساء لإثبات كفاءتهن، بخلاف ما عليه الأمر في القطاع الخاص، الذي يخضع التشغيل فيه للعلاقات المهنية والشخصية ومقابلات التوظيف، مشددا على أن نظام الوظيفة العمومية القائم على السلالم والدرجات والترقي، لا يميز بين الذكور والإناث عكس ما عليه الأمر في المقاولات الخاصة. ونبه يازيدي إلى أهمية القضاء على التمييز بين الجنسين في بيئة العمل، باعتباره ظاهرة تكبد الاقتصاد الوطني خسائر مادية مهمة، إذ تحرم سوق الشغل من خدمات كفاءات منتجة وأكثر نجاعة، مضيفا أن المغرب مرتبط بمجموعة من الاتفاقيات الدولية في هذا الشأن تظهر كمعايير ضمن الاتفاقيات والمعاملات التجارية الخارجية. وأرجعت المؤسسة الإحصائية التحولات المشار إليها في أجور النساء إلى سلوك النشاط لدى الأجيرات الشابات، اللائي يتمتعن عموما بمكانة أفضل في سوق العمل لكونهن أكثر تعليما وأكثر تأهيلا من نظرائهن الرجال، فيما تتباين الفجوة في الأجور بوضوح حسب الفئة السوسيو-مهنية، باعتبار أنه خلال السنوات الأولى من الحياة المهنية تكون هذه الفجوة صغيرة نسبيًا، حيث تتراوح بين 4 في المائة لفئة "المديرين التسلسليين والمهن الحرة والأطر العليا"، و9 في المائة لفئة "الأطر المتوسطة والمستخدمين"، قبل أن تصبح أكثر وضوحا مع تقدم العمر.