من خلاصات تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الأخير «لم تشهد سنة 2017 تحقيق تقدم كبير في مجال المساواة بين الجنسين والمناصفة الفعلية بين النساء والرجال .بل على العكس من ذلك، بالإضافة إلى العنف الجسدي والنفسي في حق النساء، ظهرت أشكال جديدة للعنف ضد المرأة، تتعلق بالعنف المرتبط بالظروف الاقتصادية للنساء» ، يقول المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ، في تقريره الأخير المعلن عنه يوم السبت 22 شتنبر 2018، مشيرا إلى أن « سنة 2017 ، سجلت العديد من الوفيات في صفوف النساء في ارتباط مع وضعية الفقر التي يعشنها ، إذ لقيت 15 سيدة حتفهن في إقليمالصويرة على إثر حادث تدافع وقع خلال عملية توزيع مواد غذائية على الأسر الفقيرة، كما فارقت 4 نساء، يعشن من أنشطة التهريب على الحدود، الحياة في حادث تدافع في معبر باب سبتة»المحتلة ، تنضاف إلى ذلك «حالات العنف المنزلي الذي تتعرض له النساء» ، لافتا إلى أنه «في العديد من الحالات، فإن النساء ضحايا العنف لا يتمتعن بالاستقلال المادي أو يعشن في وضعية فقر». وحسب التقرير ، فإن «محاربة العنف ضد النساء تقتضي حتما تعبئة متعددة الأبعاد: سياسية، يعكسها انخراط وإرادة صانعي القرار في وضع حد للعنف ضد النساء، و قانونية، من خلال سن قوانين ملزمة توفر الحماية؛ ومؤسساتية، عبر إحداث هيئات لتوفير الحماية وتتبع تنفيذ السياسات ذات الصلة على المستوى الوطني وعلى صعيد المجالات الترابية. وتتخذ هذه العملية أيضا بعداً ثقافيا، يتجسد في المبادرات الرامية إلى تغيير العقليات وتوعية المواطنات والمواطنين، من خلال التربية والتعليم والصحافة المكتوبة والسمعية والبصرية والرقمية». « كما أنه من الضروري، يؤكد التقرير ، الحرص على مواكبة جهود مكافحة العنف ضد النساء بسياسات ترمي إلى تشجيع ولوج النساء إلى سوق الشغل، من أجل ضمان استقلالهن المادي « . من أجل صون كرامة النساء «لئن كان إرساء مبدأ المساواة بين الجنسين في بلادنا مكسبا قانونيا، فإن وتيرة إعماله لا تزال بطيئة سواء على الصعيد المؤسساتي أو التنظيمي. ويتجسد ذلك، وفق التقرير ، في تأخر إخراج هيئة المناصفة ومحاربة كافة أشكال التمييز، التي ينص عليها الدستور. وتوقف التقرير عند «غياب رؤية سياسية في مجال التمكين الاقتصادي للمرأة، إن على المستوى الوطني أو على صعيد المجالات الترابية، وذلك رغم الجهود الرامية إلى تعميم الولوج إلى التعليم والتي سمحت بظهور أجيال من النساء المتعلمات»، مستشهدا بكون الإناث يمثلن 49 في المائة من مجموع الطلبة المسجلين بالتعليم الجامعي و 46 في المائة من مجموع عدد الطلبة في التعليم العالي الخاص « ، مشيرا إلى أنه «كان من المفترض أن يسمح تأخر سن زواج المرأة وانخفاض معدل الخصوبة بتشجيع عمل المرأة. لكن، يلاحظ ، منذ عدة سنوات، وجود ظاهرة استبعاد النساء من سوق الشغل، مما يؤدي إلى تراجع مستمر في معدل نشاط النساء، سيَّما في المناطق الحضرية، وإلى استمرار اشتغال النساء في أعمال غير مدفوعة الأجر» ، مستدلا بمعطيات رقمية للمندوبية السامية للتخطيط، تقول إن «معدل نشاط النساء انخفض من 27.1 في المائة سنة 2007 إلى 22.4 في المائة سنة 2017 ، وتتراجع هذه النسبة بشكل أكبر في الوسط الحضري، حيث بلغت 18.4 في المائة خلال سنة 2017» . في أفق التمكين الاقتصادي «قد يصطدم إعمال مشاركة المرأة في مختلف جوانب الحياة بعقبات مختلفة ذات طبيعة اقتصادية واجتماعية وثقافية» يقول التقرير ، مفصلا الأمر بأنه «على الصعيد الاقتصادي، لا بد من الإشارة إلى أن تعزيز ولوج النساء إلى سوق الشغل يقتضي تحسين منظومة التعليم والتكوين المهني الحالية، بغية تمكين النساء من اكتساب الكفايات اللازمة لضمان ولوجهن إلى سوق الشغل. وفي هذا الصدد، من شأن رفع تحدي إنجاح ورش إصلاح المدرسة المغربية أن يساهم بشكل فعال في تحسين قابلية النساء للتشغيل. كما يمكن أن يساهم تشجيع النساء على ولوج التخصصات العلمية والتكوين المهني في المهن الجديدة في توجيههن نحو القطاعات الإنتاجية ذات القدرة العالية على توفير مناصب الشغل» . و»على المستوى الاجتماعي، يُمكن للصور النمطية والأدوار الاجتماعية التي تُختَزَلُ فيها النساء، أن تحول دون ولوجهن إلى سوق الشغل. ذلك أن النساء يخصصن 79 في المائة من وقتهن للأعمال المنزلية، في حين لا يخصص الرجال لهذه الأعمال سوى 12 في المائة من وقتهم « . «إن الصورة المرتسمة عن المرأة كمسؤولة حصرية عن المنزل وعن تربية الأبناء، يمكن أن تشكل عائقا لمشاركتها في سوق الشغل. وتنضاف إلى ذلك العديد من المشاكل التي تثني المرأة عن المشاركة في الحياة المهنية، من قبيل نقص البنيات الخاصة برعاية الأطفال في سن مبكرة، والصعوبات في الولوج إلى وسائل النقل، خاصة في ضواحي المدن، بالإضافة إلى المشاكل المرتبطة بالأمن، وكلها عوامل قد تدفع النساء إلى البقاء في منازلهن عوض الخروج للعمل» يخلص التقرير. كما شدد التقرير على ضرورة « العمل على الحد من الآثار السلبية التي يحدثها زواج القاصرات، الذي يهم بالأساس فتيات العالم القروي، وذلك من خلال الحرص على تطبيق سليم وصارم لمدونة الأسرة، في أفق مراجعة بعض أحكامها ، حتى لا تُحرَم الفتيات القاصرات من حقهن في التمدرس والتكوين والعمل» . و وفق المصدر ذاته ، فقد» استفادت النساء ، لكن بمستويات غير متكافئة، من البرامج الرامية إلى تحسين قابلية التشغيل والنهوض به. وفي هذا الصدد، مكن برنامج «إدماج »، الموجه إلى حملة الشهادات الباحثين عن الشغل، من إدماج 75613 شخصاً في سنة 2016 ، شكلت النساء 48 في المائة منهم. وفي إطار برنامج «التشغيل الذاتي »، لم تتجاوز نسبة المشاريع التي أحدثتها النساء والتي استفادت من المواكبة، 25 في المائة. وبخصوص برنامج «تحفيز »، فإن المقاولات النسائية لا تشكل سوى 21 في المائة من مجموع المقاولات المستفيدة . وبخصوص برنامج «إليكِ » ، البرنامجَ الوحيد المخصص حصراً للنساء، فإنه يظل غير كافٍ لبث دينامية إيجابية تكفل تحقيق التمكين الاقتصادي للمرأة وحمايتها من مظاهر العنف الاقتصادي. ومنذ وضع البرنامج في مارس 2013 وإلى غاية شتنبر 2017 ، أي على مدى أزيد من أربع سنوات، حظي 480 ملفاً بالموافقة تطلبت غلافا ماليا بلغ 157 مليون درهم « . إكراهات عدم تحقيق « الإنصاف» «على الرغم من التقدم المحرز في مجال تعليم المرأة، لم يتحقق بَعْدُ مبدأ الإنصاف على مستوى مقاعد الدراسة . وهكذا، وحسب القطاع المكلف بالتربية الوطنية، فإن مؤشر المناصفة بين الجنسين في التعليم الابتدائي ظل مستقرا في حدود 0.94 في الموسم الدراسي 2016 / 2017 ، و 0.88 في طور التعليم الثانوي الإعدادي، مع تسجيل تفاوتات بين الوسطين الحضري والقروي، حيث بلغ هذا المؤشر 0.95 و 0.74 على التوالي. وَحْدَهُ طور التعليم الثانوي التأهيلي الذي يُحقق مبدأ المناصفة بين الجنسين»، يشير التقرير ، لافتا إلى أنه «على صعيد التكوين المهني، لا تتجاوز نسبة الإناث30 في المائة من مجموع المسجلين برسم الموسم الدراسي 2016 / 2017 «، علما بأن «معدل الأمية لايزال مرتفعا في أوساط الفتيات، حيث بلغ 41.9 في المائة، مقابل 22.1 في صفوف الذكور . كما بلغت نسبة الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و 24 سنة ممن لا يزاولن عملا ولا يتلقين تعليما أو تدريبا 45.1 في المائة في سنة 2015 ، مقابل 11.4 في المائة بالنسبة للذكور». وفي «ما يتعلق بالولوج إلى الرعاية الصحية، بلغ معدل وفيات الأمهات 72.6 لكل 100000 ولادة حية، وفقاً للمعطيات المستمدة من البحث الوطني حول الصحة والأسرة – نُشِر في 2017 – ولا تزال الفجوة كبيرة بين الوسطين القروي والحضري في هذا المجال، حيث بلغ عدد الوفيات 111.1 لكل 100000 ولادة حية في الوسط القروي، مقابل 44.6 في الوسط الحضري. وسُجِّل تقلص ملموس في الفارق في معدل الخصوبة بين الوسطين القروي والحضري. ولا يزال المنحى التنازلي لمعدل الخصوبة مستمرا مع تقارب بين الوسطين القروي والحضري، حيث بلغ متوسط عدد الأطفال لكل امرأة 2.01 بالوسط الحضري، مقابل 2.5 بالوسط القروي سنة 2014 . ومن ناحية أخرى، سُجل تحسن طفيف في مجال ولوج المرأة إلى ملكية السكن بفضل برنامج «مدن بدون صفيح ». ووفق بحث أنجزته هيئة الأممالمتحدة للمرأة، فقد انتقل هذا المعدل من 15.3 إلى 18.7 في المائة، في سنة 2014 ، علماً بأن هذا المعدل يبلغ 80.9 في المائة في صفوف الرجال. ودائما في مجال ولوج النساء إلى السكن، فإنهن استفدن بنسبة 57 في المائة من تمويل صندوق «فوغاريم »، وبنسبة 40.5 في المائة من تمويل صندوق «فوغالوج » الموجَّه للموظفين ومستخدَمي القطاع العام 2016 « . و»تعكس هذه الفوارق، حسب التقرير ، غياب سياسة عمومية مندمجة للتقليص من التفاوتات القائمة على النوع وللحد من سيادة ثقافة التمييز ضد المرأة. إذ يجب أن يكون التمكين الاقتصادي للمرأة هدفاً عرضانيا يشمل جميع القطاعات ويستهدف جميع فئات النساء، مع إعطاء الأولوية للمرأة القروية في البرامج الوطنية والجهوية والمحلية، مشددا على أنه «ينبغي أن يستأثر موضوع ضعف معدل نشاط النساء باهتمام السلطات العمومية وجميع الفاعلين والمتدخلين» . و»وفق دراسة أنجزها كل من مركز الدراسات والأبحاث ، التابع للمجمع الشريف للفوسفاط ووزارة الاقتصاد والمالية ، فإن هذا التراجع الذي سُجِّل في السنوات الأخيرة، يعزى إلى مستوى التحول البنيوي للاقتصاد الوطني الذي لا يتيح فرص تشغيل ملائمة للنساء. كما تجدر الإشارة إلى الانعكاسات السلبية للتوسع للعمراني على مشاركة النساء في سوق الشغل، بسبب عدم ملاءمة مِؤهلات النساء القرويات اللائي هاجرن إلى المدن لمتطلبات فرص الشغل في الوسط الحضري. وبالإضافة إلى ذلك، فإن نوعية دينامية التوسع العمراني على مستوى البنيات التحتية وخدمات النقل والأمن ومدى توفر الخدمات الخاصة بحضانة الأطفال، كلها عوامل تؤثر سلبا على مشاركة المرأة في سوق الشغل. وتزيد هذه العوامل كلها من حدة تأثير الجوانب الاجتماعية والثقافية والصور النمطية القائمة داخل المجتمع، التي تَحُدُّ من ولوج المرأة إلى سوق الشغل « . شروط تفادي الوضعية الراهنة «في الأخير، فإن المساواة بين الجنسين تقتضي بالأساس تعزيز التمكين الاقتصادي للمرأة، في إطار رؤية متجانسة ومندمجة وتنزيل مجالي. وهي رؤية تقتضي توفر جملة من الشروط. ويتعلق الأمر في البداية، بتطبيق سليم وصارم لمدونة الأسرة في أفق مراجعة مقتضياتها ذات الصلة، من أجل تعزيز الاستقلالية الاقتصادية للمرأة»يؤكد التقرير ، لافتا إلى أنه « يتعين الحرص على إعمال ما ورد في الدستور والنصوص القانونية من مقتضيات حول المساواة بين الجنسين، من قبيل إخراج الهيئة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز إلى حيز الوجود، واحترام مبدأ المناصفة في المؤسسات الدستورية الأخرى، وعلى مستوى المجالات الترابية؛ وهو ما أوصى به المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في إحالته الذاتية رقم 08 / 2012 تحت عنوان «النهوض بالمساواة بين النساء والرجال في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية ». وفضلا عن ذلك، يُعَدُّ تعزيز قابلية المرأة للتشغيل شرطا أساسيا من أجل تمكينها. وهذا يقتضي على وجه الخصوص ضمان ولوجها إلى المهن الجديدة وذات القيمة المضافة العالية، وذلك من خلال تعليمٍ وتكوينٍ مهني جيد في القطاعات الجديدة، فضلا عن تشجيع وتعزيز ريادة الأعمال في صفوف النساء في مختلف القطاعات. وبغية توجيه المبادرات العمومية نحو تفعيل مبدأ المناصفة، ينبغي على مختلف القطاعات والمؤسسات، على المستويين الوطني والترابي، المساهمة في تعزيز المنظومة الإحصائية المتعلقة بتتبع مدى احترام حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين. وأخيراً، يتعين إعمال مبدأ المناصفة داخل المنظمات المهنية والنقابية ومختلف الهيئات الحكومية والترابية».