تابعت ككثير من المشاهدين، ضمن برنامج شاهد على العصر، الحلقات التسع التي خصصتها قناة الجزيرة "مشكورة على هذا السبق الإعلامي الفريد" لأحمد المرزوقي، احد المغرور بهم في الهجوم البليد على القصر الملكي بالصخيرات يوم 10 يوليوز1971. "" وككل المغاربة تمنيت ساعتها أن يستفيد الجناة من محاكمة عادلة وأن يعتقلوا في سجن تتوفر فيه أدنى شروط الكرامة والإنسانية جزاءا لهم عما اقترفوه في غمرة احد الأعياد الوطنية المجيدة وما ارتكبوه من جرائم قتل وتعذيب لضيوف المملكة الأجانب وكبار رجالاتها من سياسيين وعلماء وعسكريين سامين وانتهاك لحرمات الدولة التي ينتمون لمؤسستها العسكرية والتي يعهد إليها بالدفاع عن حوزة وكرامة الوطن وصيانة مكتسباته. وكانت الأمور وقتذاك ذاهبة في هذا الاتجاه، بحيث شكلت محكمة عسكرية تمتع فيها الأضناء بكل الضمانات المنصوص عليها بالقوانين الجاري بها العمل، وكانت قد أصدرت هذه المحكمة أحكاما بالسجن على بعض الضباط فيما برئت جل التلاميذ المنتمين لمدرسة ضباط الصف يأهرمومو (رباط الخير حاليا) الذين شاركوا غدرا وقهرا وزج بهم في "مناورة" لم يكونوا على علم بأهدافها الخفية، من طرف المجرم السفاك عبابو ، الذي نحمد الله تعالى انه لم ينجح فيما كان يسعى إليه وإلا فكان المغرب سيكون الآن عبارة عن دويلات متناحرة لا تفوق مساحتها مساحة دولة قطر الشقيقة. ماذا حدث في الفترة الموالية ليوليوز1971 وبالأخص بعد محاولة غشت 1972 لتأخذ الأشياء اتجاها آخر ويتقرر إرسال المعتقلين إلى قرية تازمامارت قرب مدينة الريش، هذا سؤال مهم، وموضوع اكبر بكثير من الأحمدين ومن كل قناة الجزيرة، فقد تكون هناك خبايا لا تزال السرية مضروبة عليها. على أي حال، انتهت هذه المأساة وتعلم منها المغاربة "رسميون وعاديون" الكثير من الدروس، وتصالح المغرب مع ذاته في إطار هيأة اعترف فيها كل واحد بمسؤولياته، وتقرر جبر الضرر لمن يستحقه فعلا لتستمر قافلة المغرب في السير. وللإشارة فقط ، فإن المغرب، هو الدولة الوحيدة في العالم الثالث التي كانت لديها الشجاعة لتأسيس هذا الإطار الذي هو مفخرة المغاربة كلهم والذي هو ثورة حقيقية تثير غيض وحسد من يكرهوننا، ولسنا في حاجة أن تتكلم فضائية أجنبية على هذه المنجزة العظيمة، فيكفينا أن نعرفها لوحدنا نحن المغاربة. وعلى ذكر الفضائية، والشيء بالشيء يذكر، من حقنا أن نتساءل عن سبب كل هذه "العناية الفائقة" بالمغرب من طرف قناة الجزيرة الفضائية في هذا الوقت بالذات، بينما توجد مواضيع أكثر إثارة، وشهود عصر لديهم الكثير ما يقولون دون "أكل الثوم بأفواههم" أو التكلم مكانهم لتمرير أي شيء باسمهم، فيختلط الأمر أحيانا على المشاهد الذي لا يعرف من هو الضيف ومن هو منشط البرنامج. وإذا كان لقناة الجزيرة حنين على العمليات الانقلابية العسكرية، ولديها الشجاعة على النبش في أشياء أصبحت في مقبرة التاريخ، فعلى مقربة من مركزها في الدوحة ، هناك مادة دسمة، متنوعة وخصبة، وفي نفس الوقت مسلية، في هذا الاتجاه، وتهم بعض دول الشرق الأوسط، في بداية ستينيات القرن الماضي، فمن كان يستيقظ الأول، كان يِؤسس جمهوريته على طريقته أو مجلسه الأعلى للثورة أو تصحيح الثورة أو مجلس الخلاص الوطني أو ما شئت من ألأسماء السريالية، بحيث أنه في بعض الأحيان، كان الحاكم لا يستطيع حتى الذهاب إلى المرحاض مخافة أن يسطو احد على كرسيه أثناء غيابه، ويكتب تاريخ القرن العشرين انه في إحدى الدول العربية لم يستطع احد الرؤساء أن يعمر أكثر من 24 ساعة قبل أن يتم الانقلاب عليه وتغييره. أما في المغرب الذي هبت عليه بدوره رياح هذه العدوى في السبعينيات، فلم تكن هناك إلا محاولة أو محاولتين عسكريتين معزولتين تمت السيطرة عليهما خلال ساعات قليلة وأعيد والحمد لله استتباب الأمن والنظام، لكنها رغم ذلك خلفت بعض المآسي والجروح في نفوس ضحاياها وعائلاتهم وتألم الجميع من حالهم، لكن معد البرنامج احمد منصور، الشديد الإحساس، كان أكثر ملكية من الملك ولم يستطع السيطرة على دموعه أكثر من مرة وهو يستنطق احمد المرزقي، وهذا على بعد ما ينيف على 38 سنة من الأحداث، وأنا متيقن أنه ما كان ليذرف دمعة واحدة أو يفكر حتى في إعداد برنامجه المشهور لو أنه كان ابن الدكتور بنيعيش الطبيب الخاص لجلالة الملك المرحوم الحسن الثاني الذي اغتيل برصاص المتآمرين أو الجنرال النميشي احد أمهر الطيارين في العالم، أو العقيد أبوالحيمص الذي صفاه عبابو بيده كالدبابة، أو أخ سفير سلطنة عمان في الرباط أو حتى صديق سفير بلجيكا الذي قتل أمام أعين زوجته أو كانت للصديق منصور أية صلة بالعشرات الذين حصد تهم يد الغدر وماتوا شهداء في ذالك اليوم المشئوم من شهر يوليوز سنة 1971 بقصر الصخيرات، ذنبهم الوحيد أنهم كانوا ضيوفا للمملكة بمناسبة عيد الشباب. جميل جدا أن تستضاف شخصية من عيار الأستاذ عبد الهادي بوطالب في حلقة سابقة من برنامج " شاهد على العصر" كشخص عايش الملك الراحل الحسن الثاني خلال كل حياته تقريبا، ولكن الأجمل كان سيتحقق لو أن صاحب البرنامج ، المنتمي لقناة رفع أصحابها منذ البداية شعار "المصداقية والمهنية"، لو انه حاول الرصد والتنقيب عن مكونات شخصية وعبقرية هذا الرجل وعن ثقافته المتنوعة والواسعة التي أبهرت عظماء العالم الذي نعيش فيه وعن أحداث زعزعت عقارب ساعة السياسة والتي لم يجرؤ احد تقاسم البطولة معه فيها، وطبيعي أن الحسن الثاني هو إنسان مثلنا جميعا، له مساوئه وله حسناته، فعكس هذا، كان معد البرنامج، الذي لا تنقصه لا الثقافة العالية ولا المعرفة الكبيرة بتاريخ البلاد العربية، كان يحلو له‘ وكأنه يستنطق الضيف، وأحيانا يستدرجه لقول ما لا يريد قوله أو التصريح بما لا يعرفه، وهكذا كنا نراه يخوض مطولا في أشياء وجزئيات لا تفيد المشاهد العربي في شيء، كالحياة الخاصة للملك المرحوم أو الحفلات التي كانت تقام بمناسبات عديدة أو تقبيل يد الملك. وعلى ذكر تقبيل يد الملك، نحن المغاربة، كنا دائما، عن طواعية وعن اقتناع ومنذ الكتاب القرآني، نقبل يد الوالدين والأخ الأكبر وكل من هو أكبر سنا أو شأنا منا، وتلك أبسط علامات الاحترام الواجب إظهارها للعائلة ولأهل العلم والساسة، وليعرف الجميع أن المغرب يعتبر من أقدم الحضارات في العالم وله تقاليد راسخة وقوية في التعامل والتعايش منذ إدريس الأول إلى محمد السادس، والمغاربة لهم طريقتهم في احترام الملك وتقديم الولاء له، كرمز تكتلهم وقوتهم التي هي أساس سيادتهم، ورثوها أبا عن جد، مقابل بيعتهم التي هي في عنق الملك، فنحن لسنا بكيان خلقنا الاستعمار على خريطة بقلم رصاص ومسطرة، بل لنا هوية وجذور قوية عبر التاريخ، ولا شأن لأحد أن يعلمنا أو يعطينا الدروس في كيفية تقديم الطاعة وأدبياتها. هذه الأشياء نابعة من تربية وكرم المغاربة ولطفهم كشعب تجمع رعاياه، وحدة الدين والملة واللغة والعرق والرغبة في العيش المشترك، وبالإضافة إلى هذا وذاك، نحن أمة كنا ولا زلنا ننادي بالأخوة العربية والإسلامية منذ غابر الأزمان، وحذار من سوء تقدير اسود الأطلس، فلهم من الشجاعة والباع الثقافي والمعرفي، الشيء الكثير، ناهيك عن مقومات قلما وجدناها في عالم أصبح فيه المال والذاتية طاغيين على كل شيء، وهي انه مهما كانت خلافاتهم وانتماءاتهم السياسية وتوثر العلاقات بينهم حول مواضيع مختلفة تعود أساسا لغيرتهم على وطنهم، فإنهم سرعان ما يتكتلون، كتلك الصخرة الصلبة، ضد كل دخيل يحاول التطاول على أشياء يعتبرونها مقدسة، وتهمهم أكثر من غيرهم ومن صميم عاداتهم وتقاليدهم ومن شأنها أن تجمع عراهم وتشد أزرهم. وما يسري على برنامج شاهد على العصر، يسري على الأخبار بنفس القناة، فحسب خطها التحريري، ليس هنا في المغرب لا مشاريع نماء ضخمة ولا مخططات تمنية ولا مبادرات بشرية وسياحية تكون بمثابة الرئة التي يتنفس منها الوطن العربي، تقف القناة على التعريف بها، إلا الأنشطة المتعلقة بالمخدرات لتخصص القناة نفس الروبورطاج حول زراعة الحشيش (مملكة النساء في غياب الرجل) خلال يومين متتالين، أليس في العالم ما يناهز أو يفوق من 54 دولة تنتج المخدرات ومنها من لا يقوم بأي مجهود لمحاربة هذه الآفة، أما المغرب فيجند يوميا جيشا من رجاله بمعدات و ألآت جد متطورة ليشن حربا ضروسا ضد هذه النبتة الخبيثة، لم تراها، ما شاء الله، عدسة كاميرا الأشقاء أو ربما رأتها بومضة عين ثم قطعها مقص الإخوة أثناء المونطاج "ربحا للوقت"، وقناة الجزيرة التي لم يسبق لها أن غطت بطريقة مهنية مهرجان موازين بالرباط الذي هو ربح لكل الوطن العربي ويقدر جمهوره بالملايين كل سنة ويجلب العشرات أو عشرات العشرات من الفنانين المرموقين من كل بقاع العالم، حتى انه أصبح موعدا كونيا لموسيقى العالم بكل أنواعها، حج له الكثير من الإخوة العرب والأجانب للاستمتاع بالموسيقى، أقول أمتعتنا هذه القناة، نحن وملايين المشاهدين بصوره القاتمة هذه السنة، بتكرار مرات عديدة، الحادث المأساوي، الذي نأسف له ملكا وشعبا، إذ نحن الذين رزئنا في ضياع رجال ونساء وشبان أحبوا الفن حتى سقطوا شهداء من أجله، فنحن المكلومون الحقيقيون من جراء ما وقع، ومن ماتوا إنما هم مغاربة خسرهم الوطن بأكمله، ولا أظن، أيها الزملاء، أن المغرب هو وحده من يعرف مثل هذه الحوادث في العالم، فملاعب كرة القدم لوحدها بأوربا عرفت العديد من إزهاق الأرواح في عمليات تدافع الجمهور، ومرد كل هذا، هو نجاح تلك التظاهرات والإقبال عليها من طرف الجمهور التواق إلى الفن، نحن لا ننكر انه كانت هناك بعض الأخطاء في التقييم أو التقدير ولكننا ضد ألأسلوب الذي تنقل به وكذا الخطاب الخفي الذي يتم تمريره ضد بلد يحاول مند عشرات السنين تلميع صورته. أين كانت الجزيرة يوم 4 مايو المنصرم حينما نقلت كل قنوات أوروبا و أمريكا ودول اخرى، صورة ذلك الخليجي النافذ، الذي كان يبرح ضربا احد المواطنين الباكستانيين المغلوبين على أمرهم بعصا بها مسامير حديدية، يمارس عليه علنا جميع أنواع التعذيب، يرغمه على أكل وابتلاع الرمل، يدوسه عدة مرات بسيارته الرباعية الدفع، ليلا وبمنطقة خالية، أمام مصوره الذي كان يطلب منه الاقتراب أكثر من العملية لتصوير التفاصيل بالكاميرا؟ آه، فهمت الآن، كانت القناة منشغلة "بشد أزر" دعاة الانفصال وتغطية دخول العشرات منهم إلى منطقة تفاريتي بالصحراء المغربية معززة الموضوع بصور أعارها لها التلفزيون الجزائري مثلما أعارها "بوكطاية" أحد أبواق الجنرالات ليعطي وجهة نظر الجزائر في هذا "الفتح العظيم" للمرتزقة الصحرازائريين، دون التفكير في برمجة رأي الطرف الأخر الذي هو المغرب, بالله عليكم, هل انتم فعلا قناة الرأي والرأي الأخر؟. ومن ينسى إحدى حلقات برنامج "تجربة حياة" التي خدشت فعلا شعور المغاربة حينما فتحت قناة الجزيرة بابها على مصراعيه لمحمد حسنين هيكل "التحفة الأثرية"، الذي لا يستطيع أن يتكلم دون قراءة الفاتحة على طريقته "قلت لجمال عبد الناصر" "قال لي جمال عبد الناصر" "نبهت عبد الحكيم عامر في عدم استعمال الخطة الفولانية""ذهبت عند الملك الفلاني أو الرئيس الفلاني" "أكلت مع الوزير الأول الفلاني" "أهداني الأميرال الفلاني ..." الخ أو مفردات تعال أخرى كان يستحيي اخناتون الفراعنة العظيم التلفظ بها، ليكذب هذا الهيكل، كدبته التاريخية، زاعما أن جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله، لما كان وليا للعهد، كان على علم بمخطط اختطاف الطائرة التي كانت متجهة يوم 22 أكتوبر 1956 من الرباط إلى تونس، وهي تقل القادة الجزائريين الخمسة، الزعماء التاريخيين لجبهة التحرير الجزائرية : الحسين ايت احمد – محمد خيضر – مصطفى لشرف – محمد بوضياف وأحمد بنبلة الذين كانوا في ضيافة المغرب إبان حرب التحرير الجزائرية، وإرغام الطائرة على الهبوط بمطار الجزائر العاصمة وإلقاء القبض عليهم من طرف سلطات الاستعمار، والحمد لله أن الحسين أيت احمد وهو رئيس حزب عتيد في الجزائر الآن، كذب هذه الافتراءات في حينها واصفا إياها بتزوير التاريخ وبالكلام اللامسؤول والفارغ، وفعلا، كيف يمكن أن نتصور بلدا جعل كل حدوده الجنوبية قاعدة للمجاهدين، وشجع أبناءه للدفاع عن الجزائر وأعطى بسخاء كل شيء لتنعم الجزائر الشقيقة باستقلالها، كيف نتصوره يقوم بغدر بلد المليون شهيد "جزء منهم من أصل مغربي" ، حفدة الأمير عبدالقادر الذي كان يقول دائما "أنا امتداد لسلطان مراكش" ، والتاريخ الذي لا يرحم، كتب بجلاء، انه على اثر حادث اختطاف طائرة القادة الجزائريين، كان المغفور له محمد الخامس، ملك المغرب، قد قرر قطع العلاقات بين فرنسا والمغرب الذي كان حديث العهد بالاستقلال. ألم يكن ممكنا القيام بعملية تقصي فيما افتراه هذا الشيخ "الصديق الحميم للمغرب" قبل البث ؟ ألا يعرف صناع القرار بالجزيرة أن تجاهل الحقائق أو طمس التاريخ ، هو بمثابة محاولة يائسة لإشعال النار في الرماد. أقول قولي هذا وأنا أكن الاحترام الكبير للصحفيين الأجلاء بقناة الجزيرة الذين نعرف بالكاد مسيرتهم وحتى بدايات البعض منهم ونعتز بأصدقائهم وعلاقاتهم هنا بالمغرب وكل ما أتمنى هو أن يعرفوا انه لدينا في هذا البلد الجميل المضياف، الذي يطل شامخا على بحرين، وتوجد مصادر مياهه العذبة بجبال الأطلس والريف التي خلقها وأنبتها الله تعالى في وسطه، تحيط بها وتصونها قبائل منسجمة مؤلفة ومتآلفة، أقول لدينا مئات الصحفيين من كل الأعمار، متضلعين في ثقافات مختلفة ولغات حية، أذكياء وفرسان قلم وميكرفون وشاشة، مشهود لهم بكفاءات مهنية عالية، أغنياء فكر، لا يتقاضون أجرا من ال BBC أو من جهات أخرى، لو أعطتهم الفرصة التي أعطيت لأمثالهم في بعض الفضائيات العربية لاستطاعوا أن يبدعوا وينفذوا لعقول الإنس وحتى الجن بمهنيتهم، ولكن مع الأسف لدينا كل شيء وتنقصنا الشجاعة و ينتابنا الخوف في أخد القرار وأحيانا يتم تغييب مجالنا السمعي البصري عن مواضيع تهمنا تاركا مكانه لمن يسيء إلينا ولا يقدر مكانتنا. *ممثل مغربي [email protected]