طلبة إبن طفيل يضربون عن الدراسة بسبب تردي الأوضاع    مجموعة "العدالة والتنمية" تطلب رأي مجلس المنافسة في مدى احترام الفاعلين في قطاع الدواجن للمنافسة الشريفة    ملكة الأردن رانيا ترد بطرافة على طلب طالب جامعي    وسط إنزال أمني مشدد.. المجلس الجماعي للقنيطرة ينتخب مكتبه الجديد    محاميان مغربيان يطالبان بإعتقال ومحاكمة نتنياهو بتهمة الإبادة الجماعية في غزة    4 ميداليات للمغرب في الأولمبياد العربية للرياضيات    ابتدائية الجديدة تدين المالكي بالحبس والغرامة    اندلاع حريق مهول داخل وحدة صناعية بطنجة    محمد العلالي يؤطر لقاء حول دور الإعلام في التربية بمؤسسة ابن خلدون بالناظور    فرح الفاسي تكشف ل"القناة" تفاصيل إدمانها القمار في "آخر اختيار"    مجلس المستشارين يشرع في المناقشة العامة لمشروع قانون المالية لسنة 2025    8.5 مليون من المغاربة لا يستفيدون من الحماية الصحية ونسبة تحمل المصاريف لا تتجاوز 50% (الشامي)    السفارة المغربية ببلجيكا والقنصلية العامة بأنفيرس تنظمان حفل استقبال بمناسبة عيد الاستقلال    36 قتيلا و2787 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    سيدات الجيش الملكي تبلغن نهائي أبطال إفريقيا على حساب "مسار" المصري    زيلينسكي يحذر من أن بلاده "ستُهزم" إذا قطعت عنها واشنطن المساعدات العسكرية    إغلاق مئات المدارس بسبب التساقطات الثلجية القوية بالمملكة المتحدة    وقفة احتجاجية بالرباط للتنديد بالإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة    السيناتور الأمريكي بيرني ساندرز يدعو لإنهاء تواطؤ بلاده في الإبادة الإسرائيلية بغزة    نائبة أميركية ترفض "متحولة جنسيا" في مراحيض النساء    أستراليا تواجه جذب منصات التواصل الاجتماعي للأطفال    الطريق السريع تزنيت–الداخلة.. شريان تنمية جديد للصحراء المغربية أبهر العالم    بسبب "فضيحة" عقد 62 مليون سنوياً مع فندق.. حماة المال العام يطالبون النيابة العامة بالتحقيق مع الميراوي    رغم الانتصار على الغابون وليسوتو... المنتخب المغربي يتراجع بمركز في الترتيب العالمي        المنتخب الوطني لمواليد 2000 فما فوق يتعادل مع المنتخب الإيفواري في بنجيرفيل    المغرب يصدر سنويا 700 ألف سيارة لأكثر من 70 دولة        الذهب يواصل الارتفاع مع تراجع الدولار    نقابة: إفلاس المقاولات في تزايد وسط توقع بإفلاس أكثر من 16 ألف مقاولة في 2024    كيوسك الأربعاء | المغرب يسير بثبات نحو تأسيس صناعة دفاعية متطورة    الإعلام الإسباني يشيد ب"جنود الصحراء" المغاربة    نقابة تعليمية تطالب بإسقاط الأحكام القضائية ضد أساتذة        اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    أوكرانيا تستخدم صواريخ "أتاكمس" الأمريكية في ضرب الأراضي الروسية..    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    وجبات "السيبيا" ترسل أزيد من عشرة أفراد للمستعجلات في اشتوكة        رئيس الحكومة: الشروع في الإطلاق التدريجي للمنطقة الصناعية محمد السادس "طنجة تيك"    الصحافة الإسبانية تشيد بإبراهيم دياز بعد تسجيله هاتريك مع أسود الأطلس        ليدي غاغا سحبت قبالة واحدة من أفضل عروض الوقت الحقيقي من أي وقت مضى    "اليونسكو" تدرس إدراج الحناء في قائمة التراث الثقافي غير المادي    بورصة البيضاء تنهي التداولات ب"الأخضر"    وزارة الصحة الروسية تطلق اختبارات سريرية لعلاج جديد لسرطان الدم    حاتم عمور يصدر كليب «بسيكولوغ»    أربع جهات مغربية تفوز بجائزة "سانوفي" للبحث الطبي 2024    الشاعرة الروائية الكندية آن مايكلز تظفر بجائزة "جيلر"    في تأبين السينوغرافيا    ما هي الطريقة الصحيحة لاستعمال "بخاخ الأنف" بنجاعة؟    فريق بحث علمي يربط "اضطراب التوحد" بتلوث الهواء    صحتك ناقشوها.. إضطراب النوم / الميلاتونين (فيديو)    عرض الفليم المغربي "راضية" لمخرجته خولة بنعمر في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نفى أن يكون اهتمام الجزيرة بالمغرب والمغاربة من باب الاهتمام المقصود
نشر في المساء يوم 12 - 05 - 2009

هو أحمد منصور، الإعلامي في قناة الجزيرة.. أطل على المشاهد العربي من نافذة هذه القناة، التي خلقت الاستثناء في المشهد السمعي البصري العربي، رغم بعض المؤاخذات التي توجه إليها. ولعل أقوى ما أطل به منصور على المشاهد المغربي تقديمه لشهادة على العصر على لسان أحمد المرزوقي، سجين تازمامارت المعروف، واستضافته، في وقت سابق، لعبد الهادي بوطالب. «المساء» التقت أحمد منصور وطرحت عليه مجموعة من الأسئلة التي أثارتها معالجة الجزيرة لقضايا العالم العربي عامة والمغرب خاصة، وأخرى تتعلق بمواضيع وقضايا لم يكشف بشأنها الضيف عن الشيء الكثير، إلا أن طرحها عليه وطريقة جوابه عنها كان فيها الكثير من التوضيح.
- ما هي الأسباب التي جعلتكم، في الجزيرة، تسجلون مع أحمد المرزوقي؟
< أنا أعتقد أن فترة حكم الملك الحسن الثاني كانت فترة غنية ومليئة بالأحداث الكثيرة، التي كنت أتوقع أن أهل المشرق لا يعرفون عنها شيئا. ولكن بعد أن سجلت مع المرزوقي، اكتشفت أن أهل المغرب أيضا لا يعلمون عنها الكثير، فحجم الرسائل التي أتتني في الموضوع كان مذهلا، وقد بعث بها الكثير من أبناء العشرينات والثلاثينات، ومن كبار السن أيضا، إذ توصلت بحوالي 1500 صفحة من التعليقات وردود الفعل. فكانت حلقات المرزوقي، إذن، حالة خاصة.
- ربما كان تأثير التلفزيون أكبر في التعريف بقضية تازمامارت، وربما كان هذا التأثير والطريقة التي روى بها المرزوقي مأساته ومأساة من كانوا معه هما اللذان أعطيا الرواية نفسا جديدا، لأن مأساة تازمامارت قيل عنها الكثير في الصحف وفي الكتب...
< أنت تتحدث عن مجتمعات نِسْبَتا الأمية والفقر تصلان فيها إلى 60 في المائة تقريبا. الثقافة التي نشأت عليها الشعوب العربية هي الكراهية والعداء للقراءة، الكتاب في الدول الغربية يصبحون من الأثرياء بينما الكتاب يتسولون في بلادنا؛ أكثر الكتب طبعا لا يتجاوز عدد نسخها 5000 نسخة، وممكن ألا تباع إلا بعد عدة سنوات، وإذا اشتراها 5000 شخص ربما لن يقرأها منهم إلا 100 أو 200 أو 500 شخص... فنحن لسنا أمة قراءة للأسف الشديد، نحن أمة تسلية، وبالتالي فحينما يصبح التلفزيون، الذي هو وسيلة تسلية، وسيلة تسلية نافعة بحيث يقدم معلومات إلى الناس، يصير هو المصدر الأساسي للمعلومة...
- لقاؤك مع حشاد الطيار السابق في الجيش المغربي، هل هو حرص على إعادة تجربة ناجحة أم هو اهتمام استثنائي بما جرى في المغرب دون غيره من البلدان؟
< ليست قضية اهتمام استثنائي. فحينما درست مرحلة انقلاب الصخيرات، وجدت أنني لا أستطيع فصل هذه القضية عن محاولة انقلاب أوفقير، التي حدثت بعدها بعام. وبالتالي، كان لا بد من البحث عن شخص يكمل هذا المشهد، ولاسيما أن من بقي من ضباط الصخيرات وضباط أوفقير ذهبوا سويا إلى تازمامارت بعد ذلك. فهناك روابط أساسية بين المحاولتين، لذلك لا بد أن أستكمل شهادة المرزوقي بشهادة شخص آخر، وكان حشاد هو أفضل شخص اعتبارا لأنه كان قائد سرب الطائرات التي هاجمت طائرة الملك، واعتبارا لأنه يتكلم اللغة العربية. فأنا أواجه مشكلة مع المغاربة، الذين لهم ثقافة فرنسية ولكنتهم ربما تكون غريبة بعض الشيء، حيث أجد صعوبة في الحديث إليهم... ثم إن علاقة المحاولة الانقلابية الثانية بالأولى جعلتني أنتظر عاما ونصف العام حتى يشفى حشاد من عملية أجراها في القلب وأكمل المشهد، ليس للمغاربة فقط، بل للناس جميعا.
- في قضية العربية هاته بالذات هنالك ما أعتبره، شخصيا، تعاملا استثنائيا من قناة الجزيرة، حيث يحاول المسؤولون، جهد الإمكان، تفسير أو «ترجمة» اللهجة المغربية إلى بقية المشاهدين بينما لا يفعلون الشيء نفسه مع لهجات المشارقة...
< أنا لن أدخل معك في هذه التعقيدات، المشاهد إذا لم يعجبه ما يشاهده يمكنه أن ينتقل إلى محطة أخرى ويتفرج على قناة أخرى! أريد أن أقول لك إن أحمد المرزوقي بهر أهل المشرق، قبل أهل المغرب، ببلاغته وأدبه وأدائه وقدرته على الرواية بفصاحة لغوية مبهرة وهو رجل عسكري، ليس أديبا ولا فقيها ولا سياسيا... لقد بهر الناس فعلا، وهنالك من الناس في المشرق من لا استطاعة لهم على ذلك الإبهار... فالقضية، إذن، ليست قضية مشرق ومغرب، ولكنها قضية تلفزيون يقوم على الحكاية والحضور والأداء، فمن كانت له القدرة على الأداء من أي جنس ولون كان، يستطيع أن يستقطب الناس؛ أما إذا جئت بأعلى الناس مكانة دون أن تكون له قدرة على التعبير، فلن يشاهده أحد. التلفزيون صورة وأداء.
- معنى هذا أنك كنت ستصرف، ربما، النظر عن التسجيل مع المرزوقي لو لم يكن بهذا الأداء اللغوي والحضور التلفزيوني الذي تحدثت عنه بصرف النظر عن طبيعة موضوع التسجيل؟
< .. أنا أسجل مع ناس لا يفهمهم إلا قليل من الناس... وأنا لا أعتقد أن هناك كثيرا من المغاربة بنفس بلاغة وفصاحة المرزوقي، ومع ذلك فهذا لم يمنعني من التسجيل معهم...
- هل كان ثمة تعاقد، من أي نوع كان، بينك وبين المرزوقي...
< نحن لا نتعاقد مع أحد. شهود العصر لا ندفع لهم أي مبالغ.. وقد أعلنت عن هذا مرارا في البرنامج؛ لأنه كانت هناك إشاعات كثيرة حول هذا الموضوع... وحتى المرزوقي أثيرت حوله إشاعات كثيرة، وقيل إن المكان الذي سجلنا فيه الحلقات هو بيته الخاص، بينما نحن كنا نسجل في متحف مستأجر. والرجل قال لي إن الناس يعتقدون أن المكان هو بيتي بينما هو رجل بسيط...
- لقد اغرورقت عيناك بالدموع أكثر من أربع مرات، خاصة في الحلقة الأخيرة، ألم تشعر بأنك انحرفت عن مسؤوليتك المهنية شيئا ما؟
< لا، لم أشعر بذلك على الإطلاق. أكون منحرفا عن المسؤولية المهنية حينما أنحرف في المواقف السياسية وليس في المواقف الإنسانية. دموعي كانت إنسانية ولم تكن سياسية، وكانت في مواقف إنسانية بكى فيها كل الناس تقريبا. فعدد كبير من الرسائل التي توصلت بها والتي نشرت على النت... قالت إن أصحابها بكوا في نفس اللحظة وتأثروا بتلك المأساة.
وقد دار بيني وبين بعض الزملاء نقاش في هذه النقطة. قلت لهم ينحرف الإعلامي إذا انحاز سياسيا، أما في لحظات الضعف الإنساني فلا أعتقد أنه يكون في الأمر انحراف إعلامي، لكن يجب أن تظهر إنسانية الإعلامي، لأنه، في النهاية، إنسان... وقد قلت للناس: كنت أتمنى أن أبقى مهنيا، لكنني لم أستطع.
- قضية السجناء العسكريين (تازمامارت) أثارت نوعا من الغيرة لدى بعض السجناء السياسيين السابقين حتى ينفرد هؤلاء ب«التميز النضالي» حسب بعض الغاضبين، والمرزوقي منهم. هل من رأي في هذه القضية؟
< نحن نناقش وقائع تاريخية مهما كانت طبيعتها؛ تلك مآس إنسانية وقعت، أما كونها وقعت لعسكريين فتلك ليست مسؤوليتنا، ولو كانت وقعت لسياسيين لما اختلف الأمر.
- لا بد أنك شعرت بسهولة التحاور مع المرزوقي مقارنة بعبد الهادي بوطالب، مثلا...
< المرزوقي سهل المهمة لأنه إنسان يريد أن يتكلم، وبعض الشهود يفاجئونني لأنهم يريدون أن يتكلموا. ولكن كثيرا من الشهود من طبيعتهم أنهم لا يريدون أن يتكلموا. بعض الشهود يرفضون حتى لقائي. شخصيات سياسية مغربية رفضت حتى أن تلتقي بي، أو تتناول معي فنجان شاي، رغم امتلاكها للكثير من المعلومات التي من حق الناس أن يعرفوها منهم، لأنهم عندما تبوؤوا المناصب العامة تبوؤوها باسم الشعب ولأجل الشعب. فمن حق الشعب أن يعرف ماذا فعل هؤلاء، وماذا دار وراء الكواليس حين كانوا في السلطة.
-هل لنا أن نعرف بعض الأسماء؟
< عبد الرحمان اليوسفي، مثلا، وامحمد بوستة..! لكنني لا أركض وراء أحد. لأن الشاهد واجب عليه أن يؤدي شهادته أمام الناس وللتاريخ.
- هل لقاءاتك خاضعة لأجندة معينة، فيها نوع من التركيز على شخصيات وبلدان معينة، أم إنها أجندة عادية؟
< ممكن أن تطبق عملي على أي دولة. كل العالم العربي شارك في الشهادة على العصر... أجندتي هي المشاهد.. وأنا لا أستثني أحدا؛ ودوري في النهاية هو أن أخبر المشاهد. أنا أعلن دائما أنني موظف عند المشاهد، أتقاضى راتبي من قناة الجزيرة، لكنني موظف عند الناس. أقوم بكل هذه الجهود حتى يعرف الناس ما خفي عنهم من حقائق ومن معلومات طوال السنوات الماضية على قدر ما أستطيع.
- ما رأيك في العلاقة المتوترة بين السلطات المغربية والمسؤولين في قناتكم حول ترحيل مكتب القناة من المغرب.. ما المشكل؟
< لا أعرف. ولست مهتما بأن أعرف.
رغم أنك من الأشخاص المهمين في القناة ورغم ترددك الكثير على المغرب!
< لست مقربا من أحد... أنا مقرب من عملي يا سيدي...
- لكنك قريب جدا من وضاح خنفر...
< ليست قضية مقرب أو غير مقرب. وضاح خنفر هو مدير الجزيرة، وأنا موظف رئيسي في الجزيرة... فهل سنحارب بعضنا؟ هل ينبغي أن تكون هناك حرب بيني وبين المدير؟ هو مدير الجزيرة.. هو يقوم بعمله وأنا أقوم بعملي، أنا لا أتدخل في عمله، وليست لي أي علاقة بالإدارة لا من قريب ولا من بعيد، ولا أعبر عن قناة الجزيرة رسميا. أنا لا أتحدث إلا عن برامجي التي أنا مسؤول عنها...
-هل في منع الجزيرة من المغرب، في رأيك، خسارة للمشاهد العربي أم إن وجود مكتب للقناة في الرباط مثل عدمه؟
< يجب أن يفهم المسؤولون العرب شيئا، وهو أن الحرية تجاوزت كل الوسائل القمعية التي يمكن أن يلجأ إليها هؤلاء؛ وأنه من مصلحتهم أن يقيموا علاقات قوية وجيدة مع القنوات الجادة والمحترمة، وعلى رأسها قناة الجزيرة. لن يستطيعوا أن يمنعوا الناس من مشاهدة قناة الجزيرة، وإغلاق مكتب الجزيرة هنا أو هناك أو في أي مكان آخر لا يغير شيئا... فأنا أديت حلقتي من الرباط، لكن من مكتب خاص ومن شركة خاصة؛ ما الفرق بينها وبين قناة الجزيرة.
- لكن المغرب لا حرج لديه في أن يفتح المجال للجميع، شرط...
< هذا ما يعبر عنه المسؤولون المغاربة...
- ... شرط احترام بعض الأشياء والالتزام بالمهنية...
< شوف... أنا أكلمك هنا عن رأيي الشخصي في قضية عامة.. دائما أقول إن أغبى شيء يمكن أن يمارسه السياسيون هو معاداة الإعلاميين. وهناك زعماء ورؤساء وملوك دفعوا أثمانا غالية من حياتهم ومن ملكهم ومن سمعتهم بسبب معاداتهم لبعض الإعلاميين الشرفاء، وهناك ملوك قضوا، عانوا طيلة حياتهم لمجرد أنهم عادوا إعلاميين...
أحد الملوك العرب أخطأ حينما سب صحافيا بريطانيا في مؤتمر صحفي وظل، إلى آخر يوم في حياته، يؤدي ثمن هذا الخطإ.
- ملك الأردن الراحل الحسين؟
< مثلا، ملك الأردن السابق سب صحافيا في بريطانيا في مؤتمر، فنذر هذا الأخير حياته كلها لتتبع الملك وظل يحفر له أينما حل وارتحل، حتى ضاق به الملك ذرعا، وظل كذلك حتى انتهت حياته...
- وفيم كان يهمه ما يكتبه الصحافي في وقت لا يمكن أن تنعكس فيه آثار الكتابة الصحافية الغربية على سياسته الداخلية؟
< لا، الملك يهمه العالم العربي، وليس العالم الغربي... فكان يشعر بأن الكتابة عنه في الغرب تسيء إليه هناك. ثم حينما صدر كتاب «جيل بيرو» (صديقنا الملك) اهتز العرش هنا في المغرب! وأنت تعلم ماذا حدث هنا... الإعلامي المحقق يستطيع، إذن، أن يهز عروشا.
- لو طلب منك أن تنجز برنامجا حول شعب البدون في الكويت، هل كنت ستقدر؟
< أنا مشكلتي أن أجد من يتكلم...
-معنى هذا أن المشكل ليس مشكل اتخاذ القرار في بعض المواضيع الحساسة على مستوى قناة الجزيرة...
< عملي أنا ليس أن أشتغل على البدون، عملي أن أقابل صناع القرار والسياسيين!
- هل هذا يعني أنه يمكن لأي صحافي آخر في الجزيرة أن يشتغل على مثل تلك المواضيع، أن يقارب قضية البدون؟
< لا أعرف... كلمني على عملي فقط. أنا أكلمك على ماذا أفعل، وما أقوم به... لا أتكلم بلسان أحد، ولا أعبر عن رأي أحد، ولست متكلما باسم الجزيرة...
- أعرف جيدا أنك، ما شاء الله، من الصحافيين المهمين في القناة، أريد...
< لست في الإدارة، ليس لي في الإدارة شيء... أكرر لك، حتى لا تخلط الأمور... ولا أتكلم باسم الجزيرة. الأمر واضح... وليس هروبا من شيء.
- ألم تفكر يوما في مقابلة أمير قطر، المخلوع من قبل ابنه الذي يمارس الحكم الآن، وطلب شهادته على العصر...؟
< هنالك عوامل كثيرة تحكم اختياري لضيوفي. من أهمها أن هذا تلفزيون، وأن الضيف يجب أن تكون له قدرة كبيرة على الحديث، ولا بد أن يوافق على الطلب بينما الكثير من الناس يرفضون.
النقطة الثانية، أنني أقابل بعض الشهود، لكنني لا أسجل معهم لأنهم لا يصلحون لي تلفزيونيا...الأداء التلفزيوني مهم. ضيوف عندي قالوا كلاما مهما، لكن نسبة المشاهدة كانت ضعيفة، لأنهم لا يحسنون الحضور والأداء التلفزيونيين...
-... هل يمكن أن تؤكد لي نيتك وقناعتك بقدرتك على أن تقابل أمير قطر المخلوع؟
< نيتي اللقاء مع الجميع قائمة. لكن الخليجين، بشكل عام، يميلون إلى الامتناع عن الكلام، لذلك لم يخرج في برنامجي من الخليجيين، طوال هذه السنوات، إلا شخص واحد فقط هو الأمير طلال بن عبد العزيز، والباقون كانوا يعتذرون دائما عند محاولاتي استضافتهم في البرنامج.
- أين غابت الجزيرة عن نقل وتغطية ما تحدثت عنه تقارير منظمة العفو الدولية من أعمال العنف التي مارستها ميليشيات حماس على الفتحيين خلال وبعد الحرب؟
< قلت لك أنا لا أعبر عن موقف الجزيرة، فلا تسألني عن سلوكيات الجزيرة. أنت تسأل أحمد منصور عن برنامج «شاهد على العصر» وب«بلا حدود»، لست أنا من يضع سياسات الجزيرة، ولست مديرا في الجزيرة. أي شيء يتعلق بأداء القناة يمكن أن تعود فيه إلى إدارتها... أثبت لي أنني تكلمت مرة واحدة مع صحافي في هذه الأمور...
- حتى من باب إفادة المشاهد وحق المعرفة؟
< قلت، لا أعرف التفاصيل التي تتم في الإدارة...
- وما السر في انفراد الجزيرة ببعض الأشرطة الخاصة، مثل أشرطة خطب بن لادن والظواهري...؟
<تعود إلى سؤالي عن الجزيرة، وأنا أقول لك لا أعرف... أنا في سفر دائم خلال معظم فترات السنة... بصدق، ليس لدي علم بهذا. أنا بقائي في مقر الجزيرة محدود جدا. كما أن عملي يستغرق مني ما بين 15 و17 ساعة في اليوم، ومعناه أن ليس لي مجال للدخول في تفاصيل من هذا النوع.
- أليس الخط التحريري للجزيرة المساند لبعض الأطروحات الإسلامية هو ما يجعلها تنفرد بتلك الأشرطة؟
< أنا لا أعرف أن هذا هو الخط التحريري للقناة...
- كيف تنظر إلى الفكر الإسلامي المتطرف العنيف الذي لا يستثني اليوم أي منطقة من العالم العربي والذي طال المغرب بعد المشرق؟
< القضية الأساسية أن الأنظمة المستبدة هي التي تصنع الفقر والكراهية والتطرف في كل شيء. والظلم والفقر يصنعان من الإنسان أشياء مدمرة. لن تجد ما يسمى بالتطرف في مجتمع مستقر من الناحيتين الاقتصادية والسياسية ويمنح الإنسان حقوقه...
- لكن، ألا يسهم الإسلام السياسي في هذا التطرف؟
< أي إسلام سياسي؟ أنت تخلط الأمور...
- الإخوان المسلمون، مثلا...
< هل «العدالة والتنمية» في المغرب يتزعم التطرف؟ أليس هو ما تسميه الإسلام السياسي هنا؟ أليس التطرف هنا وليدا للاستبداد والظلم والفقر؟ ألم يخرج التطرف من مدن الصفيح؟...
- هناك أمثلة مخالفة لما تقوله خارج المغرب، الفقر والبؤس كانا دائما موجودين على مر التاريخ ولم يولدا عنفا بنفس الحدة كما هو عليه الحال في عالمنا الإسلامي...
< سؤالك كان عن المغرب، ويجب أن نبقى في المغرب...
- كيف بدأت علاقتك بالجزيرة؟
< بدأت بعد انطلاق الجزيرة بأربعة أشهر. كنت صحافيا أعمل في الصحافة المكتوبة، وكنت أتمنى أن أجد وسيلة إعلام تلفزيونية من مستوى معين كان في مخيلتي. وبينما كنت في زيارة لصديق لي في لندن، شاهدت الجزيرة في بدايتها، وقلت هذا هو المكان الذي أتمنى أن أعمل فيه، فسارت الأمور كما أردت وانتقلت من الصحافة المكتوبة إلى الصحافة المرئية.
- وهل كان الانتقال سهلا وسلسا؟
< في البداية، كنت غريبا على الوسط التلفزيوني، وكان ينظر إلي على أنني سأفشل في فترة وجيزة اعتبارا لأن كل الزملاء كانوا قادمين من التلفزيون. لكنني استطعت أن أثبت العكس. وأعتبر أن انتقال الصحافي من المكتوب إلى الصحافة التلفزيونية يجعله يملك أدوات كبيرة (...).
- هل من تقييم لأداء الإعلاميين المغاربة في الجزيرة، وما حكمك على مفارقة أن البعض منهم كان مهمشا في المغرب قبل أن تبرز مواهبه الحقيقية هناك؟
< دعني أقول شيئا. عوامل النجاح للإعلامي ثلاثة: الحرية والمهنية ثم الوسيلة التي يعمل من خلالها. مهما كانت مواهب الصحافي، فإنه لا يبرز إذا عمل في وسيلة إعلامية معقدة وتلفزيون رسمي أو تعامل مع مدير يحاربه... في كل محطات العالم، الناس لا تحفظ إلا أسماء قليلة مهما كان حجم المحطة، وهذا أمر رهين بمدى تمكن الإعلامي من تقديم أداء جيد.
بوطالب أماط اللثام عن أشياء كثيرة لم يكن يعرفها الناس
- إذا طلبت منك مقارنة شخصية بين أداء المرزوقي وعبد الهادي بوطالب، أي تقييم سيكون لك؟
< أنا لا أقارن بين أحد... كل إنسان له أداؤه وطريقته الخاصة. والمشاهد هو الذي يحكم، لست أنا. أنا عملي أن أقدم إلى الناس. في النهاية، المشاهد له «الروموت كونترول»، وهو من يقرر أن يشاهد هذا أو يشاهد ذاك... وكما قلت لك، التلفزيون هو أداء وحضور وإبهار... ومن يملك هذه المقومات، أيا كان شكله أو لونه، يستطيع أن يسيطر على المشاهد. ومن كانت له الثروة الفكرية والثقافية وغاب عنه الأداء والحضور واللغة فلن يسيطر ولن يجلب أحدا من المشاهدين.
- الكثير ممن تابعوا حلقتك مع عبد الهادي بوطالب لاحظوا أنك عانيت في جره إلى الكلام، لكنه كان متمنعا، ولعب معك لعبة سياسية هو متمرس فيها...
< دوري أن أحاول استنطاق من أمامي بكل الوسائل الممكنة، ومن أمامي يحاول ألا يقول إلا ما يريد قوله بكل الوسائل الممكنة. هي في النهاية مباراة وصراع بيني وبينه، كل كلمة وكل حرف أنجح في استخراجه من الشاهد لصالح المشاهد هو نجاح لي في ما أقوم به، وكل حقيقة يسعى الشاهد إلى كتمانها إنما يكتم حقا على الناس.
- كان هنالك شعور بأنك لم تحصل على ما كنت تريده من لقائك معه...
< بالعكس، أنا وصلت إلى ما استطعت الوصول إليه. بوطالب أماط اللثام لي عن أشياء كثيرة لم يكن يعرفها الناس. فقد تحدثنا، في حلقة كاملة، عن القصر ودواخل القصر والعلاقات داخل القصر والحاشية... وقد كانت معلومات مهمة، وإن كانت تبدو سطحية للبعض. ثم إن العلاقات المعقدة داخل القصور الملكية يكتنفها غموض وهالة وستار... بوطالب كشف، مثلا، عن كيف كان الملك (الحسن الثاني) يتعامل مع من حوله، وعن النهاية المحزنة لعلاقته بالملك... وصراعه مع الملك الذي جعله يقصيه... ربما أنتم في المغرب تعرفون هذه الأشياء، إلا أن أهل المشرق استفادوا كثيرا (...).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.