يجادل الإسلاميون عن أفكارهم بوسائل استدلال متنوعة وأحدها سنا وأشدها مضاء قولهم إن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان، وإن تطبيقها كفيل بحل كل المشاكل وتحويل العالم إلى جنة تجري من تحتها الأنهار عند الطوباويين، أو على الأقل إلى مكان أفضل عند من يسمون أنفسهم بالوسطيين أو البراغماتيين. "" لقد قضيت زهاء خمس عشرة سنة في صفوف الحركة الإسلامية، وحاضرت في المغرب وخارجه منافحا عن أديولوجية الإسلام المسيس، وتعلمت طرق الجدال والمناظرة التي تلجيء فيها خصمك إلى أن يصمت حانقا خوفا من انقلاب الدهماء عليه. وكنت واثقا بأن الله معنا نحن، وأن الحق إلى جانبنا نحن وكان الحوار الذي نلجأ إليه تكتيكا لجلب الناس والظهور بمظهر المتسامح وكنا نقرأ بعض الكتب التافهة عن الإعجاز العلمي في القرآن أو شذرات عن الماركسية وورقات عن الوجودية وكان يكفي أن تقول إن الماركسية تنكر وجود الله ليتحول هذا الدليل إلى برهان دامغ على فساد أكبر فلسفة حديثة أعطت تنظيرا منهجيا عن موضوعية العوامل الإنتاجية وأثرها في أنساق التمثلات الذهنية ونظرت لبيان كيفيات الاستغلال الطبقي مع العيوب الكبيرة التي صاحبت تطبيق هذه الأفكار. لقد برع الإسلاميون في تشويه الماركسية مثلا من خلال سقوط الاتحاد السوفياتي وكانت نهاية الدولة العظمى في نظرهم نهاية للنظرية . ومع أن للتطبيق أثرا واضحا في إجرائية النظرية فإن الإسلاميين يرفضون استصحاب منطقهم على حالة السودان وأفغانستان والجزائر لا ولا حتى مصر حيث أعطى التطبيق داخل الجماعات كما في مصر وخارجها على نطاق تسيير الدولة كما في السودان او على نطاق المعارضة كما في الجزائر دليلا على فساد تطبيق أفكار الإسلام السياسي وتشابه انظمة التفكير في التجمعات العربية سواء في السلطة أو المعارضة لأنها تمثل ثقافة واحدة وهي ثقافة الانحطاط والغرائزية سواء لدى الإسلاميين او غيرهم من الأحزاب الأخرى. ولو عدنا إلى مسألة تطبيق الشريعة لألفينا أن الشريعة اصطلاحا مفهوم مشترك بالمعنى الأصولي فهي تعني أحيانا النصوص المؤسسة للنظر الفقهي من قرآن وسنة وإجماع، وقد تعني النظر في هذه الأصول وتأويلها فإذا كان الإسلاميون يعنون المفهوم الأول رددنا عليهم بان النصوص المؤسسة للدين لم تفصل في بناء الدولة وأشكال التعامل الاقتصادي والعلاقات الدولية والتسرب النووي والتجارة الخارجية والفصل بين السلطات وغير ذلك كل ما في القرآن الكريم هو إرشادات هداية عامة لا يتطرق إليها التفصيل فالشورى مثلا مفهوم عام لم يفصله المسلمون على مدى قرون متعددة ولا يخجل الإسلاميون من التبجح بان البرلمانات وفصل السلط والاستفتاءات تطبيقات لأصل الشورى وكأن هذه المؤسسات عبارة عن امور تقنية وليست خلاصة لنظرة وجودية للعالم بدأت مع اليونان وانتهت إلى أوروبا وقوامها أن الإنسان قادر على الاجتماع بدون حاجة إلى الاجتماع الديني. لا يخجل الإسلاميون من انتقاد الغرب الفاسد والاستيلاء على إبداعاته ثم القول من دون خجل ولا حياء إن الديموقراطية هي الشورى مع أن العالم الإسلامي لم يشهد طيلة تاريخه الطويل تطبيقا ولا تنظيرا لكيفيات تنزيل الشورى مع أنهم ترجموا الفكر اليوناني إلا أنهم لم يقتبسوا من اليونان ديوقراطيتهم ولا من الرومان قوانينهم ومؤسساتهم بل اكتفوا بأشكال بدائية من الحكم تغيب فيها المحاسبة ويستبد فيها الحاكم بامر الله يعطي ويمنع ويحيي ويميت ولله المثل الأعلى. وإذا كانت الشريعة تعني النظر في النصوص المؤسسة للدين انتقل نقاشنا إلى أساليب النظر وطرق التأويل فيتحول الأمر إلى مجرد اجتهادات بشرية في كيفيات فهم النص وتطبيقه وهنا لا يمكن للإسلاميين أن يرفعوا شعار تطبيق الشريعة بل الأولى شعار تطبيق رأيهم حول الشريعة وإذا كانت المسألة رأيا انتفت القداسة وسقط الوهم وفهم الناس أن الإسلاميين كغيرهم بشر من الناس ياكلون ويشربون ويخطئون ويصيبون ويسرقون ويزنون ويتآمرون ويقتلون ويعطفون ويرحمون ويرجمون ويستهزئون ويسكتون خصومهم ويسجنون، ويتآمرون وينقلبون على بعضهم ولا يخجلون ويحبون ويكرهون ويساعدون ويجاهدون ويخافون ويقدمون ويدبرون ويسافرون ويتبحبحون ويحلمون بالكراسي الوثيرة ولا يعلنون ويتظاهرون ويخشعون ويصدقون ويكذبون ويخططون ويبنون ويهدمون ويقرأون ولا يقرأون ويضاربون ويحبون المال ويزكون وينفقون ويبخلون ويجمعون ويفرقون .... وإذا جرت عليهم كل سنن الله في خلقه فلماذا يتميزون ولماذا يظنون انهم المسلمون وغيرهم الضالون؟ وإذا كانوا بهذه الصورة الموضوعية فلماذا يرفعون شعار تطبيق الشريعة؟ ولماذا لا يركزون على تقوية الديموقراطية وتوسيع المشاركة السياسية ودعم الهيئات المنتخبة وتقوية المؤسسات التشريعية والدفاع عن حقوق الإنسان أينما كان ودعم البحث العلمي والترقي بالإنسان إلى مراتب إنسانيته واحترام حريته في الاختيار؟