وفاة ملاكم بعد أسبوع من فوزه باللقب الذهبي لرابطة الملاكمة العالمية    البطولة... نهضة الزمامرة يرتقي إلى الوصافة واتحاد طنحة يعود لسكة الانتصارات    كلميم..توقيف 394 مرشحا للهجرة غير النظامية    الكعبي ينهي سنة 2024 ضمن أفضل 5 هدافين في الدوريات العالمية الكبرى    عملية أمنية تنتهي بإتلاف كمية مخدرات بوزان    الريسوني ل"اليوم 24": تعديلات مدونة الأسرة خالفت الشريعة الإسلامية في مسألة واحدة (حوار)    مرتيل: تجديد المكتب الإقليمي للجامعة الوطنية للصحة    حملة مراقبة تضيق الخناق على لحوم الدواجن الفاسدة في الدار البيضاء    زياش يضع شرطا للموافقة على رحيله عن غلطة سراي التركي    بوتين يعتذر لرئيس أذربيجان عن حادث تحطم الطائرة    قوات إسرائيلية تقتحم مستشفى بشمال غزة وفقدان الاتصال مع الطاقم الطبي    المغرب داخل الاتحاد الإفريقي... عمل متواصل لصالح السلم والأمن والتنمية في القارة    تشديد المراقبة بمحيط سبتة ينقل المهاجرين إلى طنجة    تأجيل تطبيق معيار "يورو 6" على عدد من أصناف المركبات لسنتين إضافيتين    الاحتفاء بالراحل العلامة محمد الفاسي في يوم اللغة العربية: إرث لغوي يتجدد    الداخلة : اجتماع لتتبع تنزيل مشاريع خارطة الطريق السياحية 2023-2026    غزة تحصي 48 قتيلا في 24 ساعة    "العربية لغة جمال وتواصل".. ندوة فكرية بالثانوية التأهيلية المطار    ارتفاع ليالي المبيت بالرباط وسط استمرار التعافي في القطاع السياحي    خبراء "نخرجو ليها ديريكت" يناقشون موضوع مراجعة مدونة الأسرة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    هذا ما قضت به محكمة عين السبع في حق محمد أوزال    اليابان.. زلزال بقوة 5.1 درجة يضرب شمال شرق البلاد    مدرب الوداد: بالنسبة للمغرب الفاسي كل مباراة ضدنا بمثابة نهائي الكأس    حصيلة الرياضة المغربية سنة 2024: ترسيخ لمكانة المملكة على الساحتين القارية والدولية    حجم تدخلات بنك المغرب بلغت 147,5 مليار درهم في المتوسط اليومي خلال أسبوع    ترامب يطلب من المحكمة العليا تعليق قانون يهدد بحظر "تيك توك" في الولايات المتحدة    مطالب بإنقاذ مغاربة موزمبيق بعد تدهور الأوضاع الأمنية بالبلاد    فرح الفاسي تتوج بجائزة الإبداع العربي والدكتوراه الفخرية لسنة 2025    مجلس الأمن يوافق على القوة الأفريقية الجديدة لحفظ السلام في الصومال    عائلة أوليفيا هاسي تنعى نجمة فيلم "روميو وجولييت"    دراسة: أمراض القلب تزيد من خطر اضطراب الخلايا العصبية    مباحثات مغربية موريتانية حول تعزيز آفاق التعاون الاقتصادي بين البلدين    مونديال الأندية.. الوداد الرياضي يشارك في ورشة عمل تنظمها "الفيفا" بأمريكا    مبادرة مدنية للترافع على التراث الثقافي في لقاءات مع الفرق والمجموعة النيابية بمجلس النواب    استثناء.. الخزينة العامة للمملكة توفر ديمومة الخدمات السبت والأحد    وفاة زوج الفنانة المصرية نشوى مصطفى وهي تناشد جمهورها "أبوس إيديكم عايزة ناس كتير تيجي للصلاة عليه"    الرئيس الموريتاني يجري تغييرات واسعة على قيادة الجيش والدرك والاستخبارات    كيوسك السبت | الحكومة تلتزم بصياغة مشروع مدونة الأسرة في آجال معقولة    أزولاي يشيد بالإبداعات في الصويرة    حريق يأتي على منزلين في باب برد بإقليم شفشاون    البرازيل: ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار جسر شمال البلاد إلى 10 قتلى    يامال يتعهد بالعودة أقوى بعد الإصابة    اقتراب مسبار "باركر" من الشمس يعيد تشكيل فهم البشرية لأسرار الكون    لأداء الضرائب والرسوم.. الخزينة العامة للمملكة تتيح ديمومة الخدمات السبت والأحد المقبلين    المدونة: قريبا من تفاصيل الجوهر!    بورصة البيضاء تغلق التداولات بالأحمر    لقاء تواصلي حول وضعية الفنان والحقوق المجاورة بالناظور    2024.. عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية بين المغرب وقطر    استهلاك اللحوم الحمراء وعلاقته بمرض السكري النوع الثاني: حقائق جديدة تكشفها دراسة حديثة    الثورة السورية والحكم العطائية..    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ردا على دعوى الأستاذ طارق رمضان...زلة أبريل الكبرى- بقلم الدكتور مولاي عمر بن حماد
نشر في التجديد يوم 05 - 04 - 2005

لقد أثارتني كما أثارت أكثر من واحد بلا ريب دعوة الأستاذ طارق لتعليق الحدود الشرعية المنشور بجريدة التجديد. وأول ما أود قوله هو كلمة للقائمين على التجديد أن يتخيروا المواضيع التي تستحق كل هذه التغطية: فأن يبرز في الصفحة الأولى دعوى الأستاذ طارق وتكتب الردود ببنط أقل. ثم أن تنشر الدعوى بأصلها الفرنسي وبترجمتها وفي بلد فيه نخبة فرنكفونية لن تقرأ أكثر من النص الفرنسي. فهلا ترجمت الردود أيضا إذا كان ذلك خدمة للناطقين كليا أو جزئيا بالفرنسية؟ ولقد غطت دعوى الأستاذ طارق ست صفحات من الجريدة بالإضافة إلى الصفحة الأولى، ثم إعادة نشر فتوى الشيخ يوسف القرضاوي التي قد تؤول لصالح الدعوى بحيث يمكن اعتبار عدد فاتح أبريل عدد الأستاذ طارق. ولتزامن هذا العدد مع أول شهرأبريل الذي جعل الغرب يوما للكذب المباح، فاصطلحوا على ذلك ما يعرف عندهم بكذبة أبريلوبناء عليه يجوز أن نقول نحن عما نشر أنه: زلة أبريل الكبرى.
حق البيان
وأطالب القائمين على الجريدة بمنح الذين يردون على الأستاذ طارق نفس المساحة وهم بحمد الله ليسوا أقل منه علما و لا خدمة للإسلام... فإن القضية خطيرة وتستحق البيان الكافي. وآسف ألا يوجد بين كل الذين نشرت الجريدة ردودهم مغربي واحد، والجريدة مغربية، وتخاطب جمهورا مغربيا.
أما ما كتبه الحاج علال العمراني بين يدي الملف قي حق الأستاذ طارق فكلها شهادات تزكية من دوائر غربية وأسوأها نعته بأنه أشبه ما يكون بمارتن لوثر، ومن حقنا أن نطرح أكثر من علامة استفهام حين يتعلق الأمر بشهاداتهم في أي واحد منا والله يقول: ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى
أما الحديث عن كونالأستاذ طارق حفيد حسن البنا فليس تزكية مطلقة لكل ما يقول، كيف و الله تعالى لم يضمن ذلك لخليله ابراهيم عليه السلام قال تعالى: وإذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين فلم يجعل ذلك ضمانة لكل ذرية ابراهيم وهذا ما لا نضمن نصفه ولا عشره ولا أقل من ذلك لحسن البنا مع كل حبنا له وتقديرنا لتضحياته رحمه الله.
ولقد سعدت برد الأستاذ أحمد الراوي رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية بوصفه لهذه الزلة الكبرى بتقليعة جديدة تأتي بعد تقليعة إمامة المرأة للرجال وإن كانت المرأة المقصودة أمت رجالا ونساء في أوضاع غير شرعية.
مغالطات وخلط
وأول ما يقال أنالأستاذ طارق تعمد الخلط وافتعال عدم الوضوح، ومن ذلك إدراج الرافضين للنصوص ضمن التيارات الفكرية حين يقول: ثم هناك آخرون وهم بمثابة أقلية صغيرة جدا ترفض النصوص المتعلقة بالحدود وتعتبر أن هذه المصادر ليس لها مكان في المجتمعات الإسلامية الحديثة. ويسكت الأستاذ طارق عن هذا الفريق ويجعل رأيه ضمن الآراء المعتبرة ويعقب على الجميع بقولهدون أن يكون في الإمكان القول بأن أدلة كل طرف واضحة موضحة بما فيه الكفاية...
ومن المغالطات القول بأن تطبيق هذه العقوبات يتم بحق الرجال والنساء في الوقت الذي لم يتحقق فيه إجماع بعد حولها بين المسلمين أنفسهم و لا أدري عن أي إجماع يتحدث؟ ثم ما معنى بين المسلمين أنفسهم؟ هل يعني ذلك أن يدخل في الإجماع غيرهم ؟ ومتى كان الإجماع هو الدليل عل تطبيق العقوبة من عدم تطبيقها...
الاضطراب الواضح بين عدالة العقوبة التي تنص عليها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وبين التطبيق العادل أو غير العادل لها؟ فهل السؤال عن ذات العقوبة أم عن تطبيقها ودرجة العدل فيه؟ والفرق بينهما كبير جدا... فمن يجرؤ على القول بأن عقوبة شرعية مقررة غير عادلة والله تعالى يقول:(وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم. ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا)الأحزاب 36؟
ومن المغالطات الحديث عن شروط تطبيق العقوبات بأنها ضرب من المستحيل عمليا لأن تجتمع في آن واحد فيما يتعلق بعقوبة الزنا على سبيل المثال لينتهي لنتيجة متعجلة فيقول وهي بالتالي غير قابلة للتطبيق.أو العبارة التي نسبها للعلماء في الشرق والغرب وهي قولهم بشكل متنوع الصيغة التالية :تقريبا مستحيلة . وما دام الأستاذ اختار التمثيل بجريمة الزنا بالذات، فمن قدر الله أنها الجريمة التي نفدت أحكامها في عهده صلى الله عليه وسلم ومن أشهرها قصة ماعز والغامدية. فعن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: جاء ماعز بن مالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله طهرني. فقال: ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه. قال: فرجع غير بعيد ثم جاء فقال: يا رسول الله طهرني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه. قال: فرجع غير بعيد ثم جاء فقال: يا رسول الله طهرني. فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك حتى إذا كانت الرابعة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيما أطهرك؟ فقال: من الزنى. فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبه جنون؟ فأخبر أنه ليس بمجنون. فقال أشرب خمرا؟ فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح
خمر. قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أزنيت؟ فقال: نعم فأمر به فرجم.
فكان الناس فيه فرقتين قائل يقول لقد هلك لقد أحاطت به خطيئته وقائل يقول ما توبة أفضل من توبة ماعز أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده في يده ثم قال اقتلني بالحجارة قال فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم جلوس فسلم ثم جلس فقال: استغفروا لماعز بن مالك. قال فقالوا: غفر الله لماعز بن مالك قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم.
قال: ثم جاءته امرأة من غامد من الأزد فقالت: يا رسول الله طهرني. فقال: ويحك ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه. فقالت: أراك تريد أن تردني كما رددت ماعز بن مالك؟ قال: وما ذاك؟ قالت إنها حبلى من الزنى. فقال: آنت؟ قالت نعم. فقال لها: حتى تضعي ما في بطنك. قال فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت. قال فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد وضعت الغامدية. فقال: إذا لا نرجمها وندع ولدها صغيرا ليس له من يرضعه. فقام رجل من الأنصار فقال: إلي رضاعه يا نبي الله. قال فرجمها صححه مسلم
فهل يقبل عاقل أن تتوفر شروط تطبيق حد الزنا في عهده صلى الله عليه وسلم ثم تتحول إلى غير قالبة للتطبيق بعده؟ سبحانك هذا بهتان عظيم . وفي المغرب عبر أجدادنا عن هذا المنحى في التفكير و السلوك حين بلغ أحدهم أن شخصا سقط من على دابته، فلم يستغرب وقال من باب الخيمة خرج مائلا. إن الذي ينطلق من مقدمات خاطئة لا يحصد إلا أخطاء متراكمة وهو ما وقع فيه الأستاذ طارق وكان بإمكانه ألا يفعل وهو مدعو إلى المسارعة إلى الاعتذار وسحب ندائه لا فتقاره للأدلة العلمية التي تجعله محل احترام.
مفارقات
ومن المفارقات العجيبة أن يعيد الأستاذ طارق ما يقوله المرجفون عندنا من نحو الصورة الخيالية غير الواقعية في نحو قوله:اتضح أن ثمة واقعا كئيبا يرزح تحت خطاب إسلامي يختصر واقع الأمور، في هذا الواقع يعاقب الرجال و النساء ويضربون ويرجمون ويعدمون باسم الحدود...
وتصل الجرأة بالرجل أن يصور ذلك بأنه خيانة بحق تعاليم الإسلام! وقد تكرر الحديث عن هذه الخيانة في أكثر من مرة في المقال وعبر أحيانا أخرى بالخسة!! إن الذي يقرأ هذا يخيل إليه أن العالم الإسلامي كله يطبق نظام العقوبات الإسلامي، وأن هذا التطبيق هو سبب تأخر قطار التنمية. فعن أي دول يتحدث الأستاذ طارق؟ ألا تكون مجتمعات خيالية افترضها ؟ وهل المجتمعات التي تركت هذه التشريعات وهي الأغلبية ساد فيها العدل وقلت فيها الجريمة، وسلمت من الخيانة بحق تعاليم الإسلام؟ من منح الأستاذ طارق كل هذا الحق ليتكلم باسم كل المسلمين ؟ أين هي مجامعنا الفقهية؟ أين هو الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين؟وأين وأين؟
وتبلغ الجرأة مداها حين يقول الأستاذ طارق: إن المجتمع الدولي عليه هو الآخر مسؤولية كبرى وظاهرة أمام التعاطي مع مسألة الحدود في العالم الاسلامي وهنا نقول: متى انصفنا هذا المجتمع الدولي ؟ !ومتى اهتم المجتمع الدولي بصدق بقضايا المسلمين غير ما يظن أنه يحقق مصلحته؟ وهل تمتد المطالبة بما يسمى الإصلاح إلى مراجعة الشريعة الإسلامية بعد المصحف الجامع المسمى ظلما الفرقان وما هو بفرقان! وبعد الدعوة إلى مراجعة المناهج التعليمية وتطهيرها من كل عناصر الحياة... وبعد إلصاق تهمة تمويل ما يسمى الإرهاب بالعمل الخيري والمطالبة بتجميد أرصدة كثير من المنظمات! وغير ذلك كثير... هل كل هذا الذي تقدم هو ما جعلالأستاذ طارق يرشح المجتمع الدولي للتدخل؟ كيف يستعدي علينا الأستاذ طارق خصومنا وينكر عليهم أن إدانتهم لهذا التطبيق تأتي خجولة؟
وبأي مقياس يحكم على ما سماه الممالك النفطية أنها لا تعرف عدلا هكذا وبالجملة، بدليل أن التطبيق الحاصل باستمرار لهذه العقوبات يستهدف الفقراء والفئات المجتمعية الأكثر ضعفا؟ فعن أي قضية يدافعالأستاذ طارق؟ أهو توفير الشروط العادلة للتطبيق؟ أم توسيع دائرة التعطيل للشريعة الإسلامية؟
ومن هي الجهة التي نظمت استفتاء للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وبينت أن المتعلمين منهم وغير المتعلمين إنما يطلبون بتطبيق نظام العقوبات مع العلم أنهم سيكونون أول ضحاياه ؟ أين نضع هذا القول مع قوله صلى الله عليه وسلم في شأن ماعز كما في الحديث السابق لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم إن القوم يطلبون التطهير، وهو طريق التوبة. شتان بين أن يكون المرء متطهرا تائبا وأن يكون ضحية .
ثم ما بالالأستاذ طارق لا يتحدث عن الإسلام و المسلمين إلا بكل ما هو سلبي مثل عبارات: النظرة السطحية، و التناقض ثم الحديث عن العديد من العلماء والفقهاء أنهم يلتزمون الحذر خوفا من أن يفقدوا صدقيتهم في نظر هذه الجماهير، ومثله الضغط النفسي الممارس على جمهور العلماء. إننا بحسب الأستاذ طارق لسنا أمام حالات شاذة بل الحديث هنا عن العديد من الفقهاء والعلماء بل وجمهور العلماء ... وحده الأستاذ طارق لا يخشى شيئا من ذلك...هلا تحدثنا عن علماء الأمة بقليل من الاحترام؟
كيف سمحالأستاذ طارق لنفسه ليقول:جمهور العلماء باتوا يخشون من مواجهة المزاعم الشعبية والتي لا تخلو من تبسيط وتفتقد للمعايير المعرفية، وبالتالي صاروا هم أيضا عاطفيين وأحاديي التفكير وذلك لخوفهم من فقدان مكانتهم ... فلا الجماهير سلمت، ولا العلماء سلموا؟ لقد ألفنا اتهام العلماء بموالاة السلطان وأنهم يحافظون على امتيازاتهم من أجل ذلك لا يغضبونه فما بال الجماهير؟
لقد قدم الأستاذ طارق كلاما كثيرا يمكن اعتباره ممهدا لدعواه، ثم لما جاء للتشخيص الذي يقدمه للأزمة لم يخرج فيه عن الكلام المألوف مع تغييب كلي ومطلق للتأثيرات الخارجية، إذ حصر الأزمة في أبعاد أربع ذكر منها ثلاثة وغابت الرابعة:
النظم السياسية المنغلقة والقمعية،
المؤسسات الدينية التي تروج لمطالب متناقضة مع بعضها البعض
معدلات أمية عالية بين شعوب تسعى لأن تكون مندمجة بالتعاليم الإسلامية من خلال حماسة دينية وعاطفية وليس من خلال فكر حقيقي.
فأي جديد في هذه العناصر؟ وهل صحيح أن المؤسسات الدينية يقتصر دورها على الترويج لمطالب متناقضة؟ وهل صحيح أن شعوبنا تملك عاطفة ولا تملك فكرا حقيقيا؟ أي استخفاف بمقدرات الشعوب أكبر من هذا؟ وهل يملك الأستاذ طارق أن يتحدث عن دور الدوائر الغربية الداعمة للأنظمة السياسية القمعية والمحاربة لكل العناصر الحية في الأمة؟
ثم ما يلبث الأستاذ طارق أن يعود إلى هؤلاء الذين لم يترك وصفا قدحيا إلا ألصقه بهم ليرفعوا أصواتهم بالاحتجاج؟
ولعله يستدرك فيخص المسلمين الغربيين بذلك ولسبب بسيط أنهم يعيشون في فضاءات من الحرية السياسية ويستطيعون الحصول على التعليم و المعرفة ! فإذا سلمنا بالحرية السياسية، وليست على إطلاقها فما بال العلم والمعرفة ؟ أليس في بلاد المسلمين إمكانية الحصول عل التعليم والمعرفة؟ فماذا تقدم كل هذه الجامعات والمعاهد والمدارس والمراكز العلمية الحكومية والأهلية؟ وأين هي نظائر كل ذلك عند المسلمين الغربيين إذا جارينا الأستاذ طارق على اصطلاحه؟
تعليق أم وقف أم تجميد
ثم نأتي إلى النداء العالمي المزعوم، فلم يحدثنا الأستاذ طارق عن فريق بحث، ولا عن مجموعة من العلماء بل سمح لنفسه مفردا أن يوجه نداء عالميا من أجل تعليق فوري لمسألة العقوبات الجسدية وعقوبة الرجم والحكم بالاعدام في الدول ذات الأغلبية المسلمة. أليس من حقنا أن نسأل بأي حق يقول الأستاذ طارق ما قال؟.
هل يملك عالم يحترم العلم وأهله ويقدر ما يقول، أن يرسل نداء عالميا في صيغة قرار: التعليق الفوري فما معنى الفورية؟ وما معنى في الدول ذات الأغلبية المسلمة؟ إن الذي أعلمه أن الدول التي تطبق بعضا من هذه العقوبات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة فلماذا كل هذا الضجيج؟ إنه يشبه في حالات عديدة الدعوة إلى رفع سن الزواج في زمن تفشي العنوسة! أو الدعوة إلى منع تعدد الزوجات في زمن العزوف والإعراض عن الزواج !
ولا يقفالأستاذ طارقعند هذا الحد بل ينتقل إلى المطالبة بوقف تطبيق الحدود التي يتم إلحاقها بالشريعة الإسلامية بشكل مصطنع! وهذا اضطراب واضح فلا ندري حقيقة الدعوة أهي تعليق تطبيق أم وقف تطبيق أم تجميد تطبيق ؟ وهل هذه الحدود فعلا يتم إلحاقها بالشريعة بشكل مصطنع؟ومن يفعل ذلك؟ ومتى كان ذلك؟ وإن كانت العبارة لا تنفي استمرار عملية الإلحاق!
الاحتجاج بعمر
إن من الآفات الكبرى التي يعاني منها العالم الإسلامي التطاول عليه ممن يظن منهم الإنصاف ولا أقول الدفاع. فهل أمر بهذا الحجم يطيق فرد مهما كان أن يقول بهذا الشكل الذي لا يتجاوز الخواطر بحيث لم نجد أدلة علمية سواء نصية أوغيرها... ومن ذلك التوسع في دعوى مقاصد الشريعة السمحة إلى الدرجة التي تتحول المقاصد إلى مدخل للمفاسد كلها.
ثم أين ضوابط القياس وقد قال العلماء لا قياس مع وجود الفارق ! كيف سمح الأستاذ طارق لنفسه بأن يشبه دعواه بالذي فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه عام المجاعة! ويظهر أنه ظفر بذلك أثناء التحرير دون أن يعد له إذ أدرجه إدراجا دون استثمار حقيقي ولم يزد على أن قال : وبالتالي فالمطالبة بتعليق العمل بالحدود هو أمر له سابقة ذات أهمية بالغة
فأما عمر فقد فعل ذلك من موقع كونه أميرا للمونين فهل يكون الأستاذ طارق نصب نفسه أميرا للمومنين من غير إعلان.
ولا يملك أحد أن ينفي عن عمر أن يكون فعل ذلك بمشورة من الصحابة وقد كان من هديه أن يستشير أهل بدر في النوازل، فمن استشار الأستاذ طارق حتى يطلق دعواه.
وفي نهاية النداء يعود الأستاذ طارق مرة أخرى للمسلمين ويدعوهم لفتح نقاش في أمورهم، لكن ما جدوى النقاش حين يستعجل هو ويتخذ القرار الفردي ويطالب بالتنفيد الفوري؟ ثم هو لا يخص المسلمين بهذا الحق بل يوسع الدائرة لتشمل غير المسلمين فيقول غير أن هذا لا يعني أن يحرم المفكرون والمواطنون غير المسلمين حق طرح تساؤلات... بالنسبة للمسلمين كل التساؤلات مرحب بها سواء كانت من ذويهم المسلمين أو من رجال ونساء لا يشاركونهم بالضرورة إيمانهم بدينهم فهل صارت الفتوى تلتمس حتى عند غير المسلمين؟ إن هذا لهو العجب العجاب!
ويختم الأستاذ طارق دعواه بتحديد برنامج العمل ويبدأه بدعوة عموم المسلمين لأن يطلبوا من حكوماتهم تعليق تطبيق الحدود وإذا سلمنا له بدعواه والتي لا تعني إلا بعض الحكومات ، فبقي عليه أن ينصح الذين تركوا الحدود وأشياء أخرى بما يراه مناسبا !
الإجراء الثاني الذي ينصح به الأستاذ طارق هو مساءلة العلماء ودفعهم ليجرؤوا على مكاشفة مجتمعاتهم... فعن أي علماء يتحدث، ولما الحاجة لمثلهم وهم يحتاجون لكل هذا ؟ أي مصداقية تبقى لعلماء المسلمين حين نتحدث عنهم بهذا الشكل؟ ثم هو يطلب منهم تعديل فوري لمبدأ العقوبات فمن يملك تعديل هذه العقوبات على الفور أو الاسترخاء؟
الإجراء الثالث والأخير هو الأخطر حين يقترح نشر المعرفة التي تقود إلى الاستغناء الكلي عن العقوبات وذلك حين يقول بان تطبيق العقوبات لن يجعل المجتمع أكثر إيمانا بالتعاليم الإسلامية! فهل هي طوباوية من الأستاذ طارق؟ أم هو الجهل بالدين؟ هل تأمل الأستاذ طارق كل النصوص التي تحدثت عن هذه العقوبات وقريب منها قوله تعالى : ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب هل عرفت المجتمعات البشرية مجتمعا لا يجرم الجريمة و لا يعاقب عليها؟ هل عقدالأستاذ طارق مرة أخرى المقارنة كما فعل ذلك من قبل الشهيد عبد القادر عودة في التشريع الجنائي في الإسلام؟
مناشدة
يناشد الأستاذ طارق في دعواه كل الذين يلتزمون بدعوته أن يصطفوا معه وأن يرفعوا أصواتهم مطالبين بالتعليق الفوري لتطبيق الحدود في العالم الإسلامي وأشياء أخرى لا تخرج عن هذا المضمون العام. و نسألالأستاذ طارق مرة أخرى أما كان الأولى به أن يناشد أهل الاختصاص بمراجعة دعوته وبيان ما يكون وقع فيها من أخطاء مع التعبير عن الاستعداد للتراجع عنها؟ أم المسألة بلغت عنده درجة من القطعية لا تحتاج إلا لتعبئة الجماهير من أجل فرضها على العلماء والحكام؟
إني أناشد الأستاذ طارق أن يعجل بسحب مقترحه من التداول العام و إدخال التنقيحات الضرورية عليه وصياغته بشكل علمي دقيق ثم تحويله إلى الجهات العلمية التي يرشحها لمثل هذه المهمة لإبداء الرأي. وأناشده أن يحدد موقفه الصريح من الدعوة إلى تطبيق الشريعة، أهو مع تطبيق الشريعة أم مع تعليق الشريعة؟ . وأناشده أن يدعو إلى احترام هوية الشعوب الإسلامية التي تتوق إلى إقامة الدين على كل المستويات العامة و الخاصة. وأناشده ثالثا أن يواصل عمله في إطار توضيح صورة الإسلام للمجتمعات الغربية وأن يترك لكل أهل اختصاص اختصاصهم.
وفي الأخير أقول إننا نقدر الأستاذ طارق رمضان ونقول فيه ليس من أراد الباطل وأصابه كمن أراد الحق واخطأه، وما خاب من استخار ولا ندم من استشار.
توضيح لا بد منه
عندما قررنا نشر دعوة طارق رمضان بتعليق تطبيق الحدود الشرعية في بعض البلدان الإسلامية، لم نكن بذلك نتبنى طرحه أو ندافع عنه. وفي المقابل لم نكن بنشرنا أربعة ردود مضادة لدعوته ومنتقدة طرحه وما ذهب إليه نخالفه الرأي. فكل ما ينشر في الجريدة من مواقف وآراء لا يعبر بالضرورة عن رأيها.
إن تخصيص ملف من ثماني صفحات لهذه القضية أو لغيرها من القضايا التي ننشرها جاء بحسب تقدير هيأة التحرير لما تفرضه أهمية الموضوع وقيمته وكذا قيمة صاحب الدعوة ورمزيته، وبحسب ما نعتقد أنه يهم القارئ ويلبي رغبته في المعرفة والمتابعة، والأمر كذلك ينطبق على شكل الصفحة الأولى وعلى حجم المساحة المخصصة لعناوينها. ومن ثم فإن نشر دعوة طارق رمضان، والتي كانت في الأصل باللغة الفرنسية وترجمت إلى العربية، ليسهل الفهم على غير القارئين بالفرنسية، وكذا إبرازها في الصفحة الأولى بشكل أكبر من الردود، يأتي وفق ما تمليه القواعد والأعراف الصحفية، فما دعا إليه طارق كان هو الحدث، وهو الذي أثار النقاش واستفز الأقلام ومن شأنه أن يثير الردود. أما مطالبة الأستاذ عمر بن حماد بنشر الردود على نحو ما نشرت به الدعوة فإنه أيضا يخضع للعملية نفسها، فبقدر ما يكون الرد في مستوى الحدث فإنه سيفرض ذاته لا محالة.
إن ما كتب تقديما للملف الذي نشرناه عن دعوة الأستاذ طارق رمضان كان بحسب ما يقتضيه المقام والمقال، فلم نقل عنه أكثر مما هو معروف به، وإدراج موقف الآخرين منه هو من باب تأكيد أهمية الرجل ووزنه الدولي والحسابات التي تحسب له في البلاد الغربية، ولا يجب النظر إلى تزكيتهم له بالشكل الذي يدفعنا إلى التشكيك في أي أمر مرتبط بوضع الرجل الدعوي والسياسي. ثم إن ذكرنا بعض محاسن الرجل ومناقبه ليس بالضرورة مناصرة لفكرته ولا دفاعا عنها ولا تبنيا لها وإن ليس هناك من مانع في ذلك ولكن كان ذلك لأجل إعطاء القضية ما تستحق من أهمية وإبراز حجمها والأثر الذي سيترتب عنها وحساسية ما أقدم عليه الأستاذ طارق، الرجل الداعية الذي يلقى قبولا من لدن فئات عريضة من الناس، وهو يطرق بيت الفقه والاجتهاد من أخطر أبوابه، وهدفنا بذلك أيضا وضع القارئ في السياق المطلوب لمتابعة أكثر وفهم أعمق لما قد ينتج عن ذلك من ردود ومناقشات. ولعل مقال زلة أبريل الكبرى هو من أول الردود المغربية بقلم الدكتور مولاي عمر بن حماد، والتي ننتظر المزيد منها.
الحاج علال العمراني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.