علاقة عجيبة تجمع صاحب المقهى أو المطعم بالنادل (الكارصون) تخص الأجر؛ ذلك أن هذه العلاقة "الأجرية" تعتمد على مساعدة الزبون في أداء أجر هذا الأجير، على أساس كثرة ما يجمع النادل من كرم الزبون، حتى أن الإكراميات (البوربوار) تتجاوز الأجر الشهري في بعض المقاهي أو المطاعم الناجحة (أحيانا، يجمع المحل بين المقهى والمطعم؛ وهي خدمة موجودة في الفنادق أيضا). لذلك، ليس من المستبعد وجود أجور متدنية لا تتجاوز 1500 درهم، وأحيانا أقل. وقد يعمد صاحب المحل – إذا كان يؤدي أجورا معقولة – إلى تنبيه الزبون إلى أن ثمن ما يستهلك يتضمن خدمات النادل. وقد يمنع المأجورين من أخذ الإكرامية بتثبيت كاميرات في كل زوايا المقهى أو المطعم أو الفندق. هذه العلاقة نفسها تقيمها أندية الرياضات المختلفة المنتمية إلى مختلف الأقسام بمدربيها؛ كرة القدم، اليد، المضرب، السباحة، وغير ذلك. علاقة مالية النادي بمدربي المستويات التي تشكل هيكل النادي الرياضي؛ الشباب، الفتيان، الصغار، الكتاكيت... ويتولى تدريب رياضيي هذه المستويات مدربون، عبارة عن لاعبين أو أبطال قدامى في الغالب، تُسند إليهم مهمة تأهيل فئات الفريق الصغرى والفتية والشابة، بأجور هزيلة، يُترك هؤلاء في مواجهة "الزبناء" أي أولياء المواهب الواعدة. يتدبرون بقية الأجرة بمعرفتهم وحذقهم وكياستهم ولباقتهم في علاقتهم بالأولياء. في هذه الحالة، يضطر المدرب إلى الاهتمام بالرياضيين الذين يدفع أولياؤهم الإكرامية المحددة حسب مستوى المتدربين وأهمية التأهيل الذي يضمنونه لهم. الصغار 200 درهم للشهر، الفتيان 300 درهم، الشباب 500 درهم، إلى غير ذلك. كما أن المدرب لا يقحم المتدربين في المباريات الإقليمية أو الجهوية أو الوطنية أو الدولية إلا بمقابل متغير حسب قيمة المنافسات. أذكر، هنا، أحد المواهب الواعدة في فريق كرة القدم، كان ينتمي إلى القسم الوطني الأول قبل عصر الاحتراف. وكان هناك تقليد معروف يقتضي إجراء مقابلة رفع الستار بين شباب الفرق المتنافسة قبل المباراة الرسمية. وكان والد هذه الموهبة "يهمل" مدرب الشباب الذي كان يفرض إتاوة تصل إلى أكثر من 500 درهم للمباراة، لمن أراد لفلذة كبده أن يتألق بين شباب النادي على الصعيد الوطني. وبدوره، كان المدرب يهمل الموهبة المذكورة. والنتيجة كانت هي عزوف هذا الأخير عن ممارسة كرة القدم بالإطلاق والتطليق، موجها كل اهتمامه إلى مساره الدراسي. لا يمكن أن نعمم هذه الظاهرة على جميع الرياضات وجميع النوادي؛ لكن المسيرين الذين يستغلون المدربين بهذا الشكل يجهدونهم ويطلبون منهم النتائج الباهرة دون تحفيز مادي معقول، يدفعونهم إلى الارتزاق ولو على حساب المواهب الرياضية. كما أن كثيرا من الرياضات تعرف، منذ زمن بعيد، انخراطات واسعة في البلاد كلها، دون أن تنتج أبطالا دوليين، ولا أرقاما محترمة في مجال التنافس؛ مثل التنس والسباحة والجمباز والفروسية والغولف. كثير من الضجيج، وفي النهاية يتمخض الجبل فلا يلد ولا فأرا صغيرا. أين منا الزمن الذي كان صيادو المواهب ينزلون إلى الدروب والأزقة يبحثون عن لآلئ الرياضة المتوارين عن الأنظار؟ وأين الزمن الذي كانت فيه الأندية تشجع على إقامة دوريات شعبية لانتقاء المبدعين في سن مبكرة؟ اليوم، يأخذ الناس المواهب إلى النوادي ويؤدون بقشيشا عليها، وينتظرون رحمة الله بعد أن جفت الرحمة في الضمائر والقلوب.