يعرف المغرب قبل حلول أيام الحملة الانتخابية، لانتخابات الجماعية لسنة 2009 بقليل، حركة غير عادية يتنافس فيها المرشحون المفترضون ومحترفو الانتخابات وسماسرتها، بنفس أسلوب انتخابات 2007 وما قبلها، وذلك ببرامج وبشعارات ووعود وأساليب متشابهة في غالبيتها، تختلف فقط في الصياغة والترتيب وفي التقديم والتأخير وشطارة المرشحين، ولا تختلف في مضمونها وشكلها عن الانتخابات السابقة. "" لقد لاحظ المتتبع الموضوعي المحايد، التجاهل الشبه التام والبرودة واللامبالاة، التي يستقبل بها جل المواطنين هذه الانتخابات، خصوصا في المدن وفي صفوف الشباب. أما في القرى والبوادي، باعتبارها خزان الناخبين، لا زالت تحركهم أيادي خفية عند الحاجة، لخلق توازن يخدم الخريطة السياسية المرتقبة، مستغلين في ذلك، من جهة، زعماء القبائل وشرفائها وأصحاب النفوذ فيها، ومن جهة أخرى، فقر وخوف الساكنة وجهلهم، إذ ينعدم فيها وجود التنظيم السياسي الحزبي بشكل شبه كلي، باستثناء مناسبة الانتخابات. لقد بدأنا نسمع، منذ انتخابات 2002 بالنزاهة وحياد السلطة، بعدما عزل وأقيل مهندس الانتخابات، وصانع الخرائط السياسية على المقاس المرغوب فيه منذ السبعينات. ومنذ سنوات قليلة قبل انتخابات 2007، عرف المغرب قانون الأحزاب ومدونة الانتخابات في اتجاه الإقلاع السياسي الصحيح. إلا أنه رغم غياب نزاهة الانتخابات والتحكم في الخريطة السياسية وتسرب المكشوف لاستعمال مال الحرام في شراء الذمم في العهد السابق آن ذاك، كان بعض المرشحين على الأقل مناضلين في أحزابهم، منتهجين أسلوب التشاور بين القمة والقاعدة لاختيار المرشحين المناضلين، وذلك طبقا للعمل السياسي الحقيقي وصيرورته التاريخية والنضالية والاجتماعية والثقافية، إذ لا نسمع بالتنقل والترحال من حزب إلى آخر إلا ناذرا جدا. واليوم أصبح الترحال والتنقل الفردي والجماعي موضة العصر، تعتمد على التزكية الفوقية من طرف المكاتب السياسية حسب نظام الاقتراع الجديد (نظام اللوائح). هذا إلى جانب ظهور رهط جديد من المرشحين الذين يمكن تصنيفهم إلى صنفين: - فمنهم أصحاب الجاه والمال والنفوذ الذين يفتقرون إلى التكوين والكفاءة والمصداقية وروح المواطنة. - ومنهم من يطلق عليهم أرانب السباق لتنشيط الانتخاب من أجل استكمال عدد المرشحين للوائح المطلوبة من جهة، ومن جهة أخرى، لخدمة مصالح الأحزاب الصغرى من أجل الحصول على الدعم والتشويش على الأحزاب الكبرى. وقد يتحول هؤلاء إلى "شناقة كبار" يبيعون أتباعهم المفترضين والمحتملين إلى الصنف الأول، عندما تتأجج الحملة الانتخابية ويصل التنافس أوجه ويبدأ العد العكسي في اتجاه النتيجة المرجوة حيث يصبح الفوز يغري البعض، يجعلهم يلجئون مرغمين إلى خدمات أرانب الانتخابات. فجل المرشحين اليوم لا جذور ولا ثقافة سياسية لهم، ولا قاعدة اجتماعية وحزبية لديهم، ولا رصيد نضالي لهم في إطار حزبهم الجديد الذي ترشحوا باسمه في آخر لحظة. فهم مقطوعون من الشجرة سياسيا، تقودهم روح النرجسية والمصلحة والانتهازية إلى المغامرة الانتخابية. فهؤلاء يعتمدون في دعايتهم وحملاتهم على الشباب العاطل والنساء " المحترفات في الميدان " والتلاميذ والأطفال مقابل أجر يومي ووعود براقة فارغة. كذا على "الشناقة" المحترفين والهاوين لاستمالة الناخبين المفترضين بالمال و"بونات" (قواسم شراء) لجلب السكر والزيت والدقيق.. من متاجر متفق معها مسبقا وغيرها من أساليب النصب والاحتيال على المواطنين، خارج دائرة المراقبة، إن كانت هناك مراقبة. فإذا سلمنا نظريا بنزاهة الانتخابات وحياد السلطة وأعوانها وصرامة القوانين في مراقبة سلامتها هذه المرة، رغم أن حليمة المخزن والمرشحين ذوي المال المجهول مصدره، لم يتخلصوا بعد من عادتهم القديمة، فإن نوعية المرشحين من حيث المعرفة والكفاءة والمصداقية تراجعت بشكل كبير جدا، لا مجال للمقارنة، ولم يبق في معظمهم إلا الذئاب والثعالب والثعابين ومصاصي الدماء البشرية، إن لم نقل الناطحات وما عاف الضبع، لا خير يرجى منهم، فهم يبحثون عن تحقيق مصالحهم الذاتية على حساب طيبوبة الناخبين وسذاجتهم وجهلهم من جهة، وعلى ضعفهم وفقرهم واحتياجهم من جهة أخرى. فهم يتعاملون مع المواطنين الناخبين بقفازات من أوراق مالية تنسيهم صورتهم البشعة وأنيابهم الظامئة لدماء بشرية التي تتحول إلى أرقام في صناديق زجاجية شفافة، تسمح له بولوج دهاليز الجماعة ثم بعد ذلك قبة البرلمان(جنة الخلد)، فأغلبية المرشحين لا مستوى ولا ثقافة ولا كفاءة ولا أخلاق ولا روح المواطنة، فهم لا يعلمون شيئا عن قانون الأحزاب ومدونة الانتخابات ولا يعلمون شيئا عن عمل الجماعات والبرلمان ولجنه ودوره التشريعي والعمل السياسي برمته. ولو طلب من هؤلاء تقديم نهج سيرتهم الذاتية(CV) تحدد مؤهلاتهم وكفاءتهم العلمية والعملية، وتجربتهم السياسية والحزبية، ثم اجتياز امتحان الترشيح يتم من خلاله اختيار أنسب المرشحين حسب معايير دقيقة، لما تقدم فيهم أحد. فكل ما يعرفونه حق المعرفة هؤلاء، هو أنهم عندما يصبحون في الجماعة أو البرلمان سيوسعون نفوذهم وينمون مصالحهم ومشاريعهم المشبوهة والغير المشبوهة، من خلال العلاقات الجديدة المبنية على " كول أوكل "، إلى جانب إمكانية العودة مرة أخرى ومرة أخرى.. بعد ما سيكونون قد عبدوا الطريق لذلك، كما هو الشأن بالنسبة للذين "حفظوا"( بتشديد الفاء ) مقاعدهم في السجل العقاري الجماعي أو البرلماني، كأن التاريخ توقف وأن التغيير تجمد وأن الحياة السياسية لا تتحرك إلا بأمر هؤلاء. فهذه الأيام، يعيش المغرب والمغاربة نهاية ربيع حار هذه السنة (2009) رغم اعتداله من حيث المناخ الطبيعي، إذ أن المناخ السياسي يعرف ارتفاعا غير مسبوق في درجة الحرارة في صفوف الأحزاب السياسية التي كانت تتهيأ لخوض غمار الانتخابات الجماعية القادمة وفي صفوف المرشحين الأحرار والمنتمين. أما بالنسبة للمواطنين، في غالبيتهم العظمى، فمناخهم السياسي هذا الصيف جد بارد، كأن الأمر لا يعنيهم بالمرة، رغم ما كانت تروجه الأحزاب ووسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية من دعاية وإشهار ووعود وبرامج في نسخها المتكررة، لإٌنجاح هذه الانتخابات ولو في إطارها الشكلي الظاهري، وكأنها ستجرى لأول مرة في المغرب. ناسين أو متناسين أنهم يكررون نفس الشيء الذي كانوا ينادون به سابقا، ولم يتحقق منه أي شيء، دون أن ينتبهوا إلى منطق الأشياء وهو الحرس على عدم الوقوع في التناقض، أو على الأقل العمل بالقول المشهور " إذا كنت كذوبا فكن ذكورا "، حتى لا يتم الوقوع في التكرار الممل والمميت، وفي احتقار ونقص من ذكاء المواطنين وفطنتهم الفطرية. لقد مل المواطنون اللعبة ولم يعد للانتخابات طعم يستساغ، بل يعتبرونه زوبعة موسمية وشر لا بد منه، يتعامل معه البعض باللامبالاة، والبعض بالانتهازية الظرفية لقضاء بعض المآرب الآنية، والبعض بالنفاق المناسب تجنبا لأي اصطدام ممكن.. الكل يتظاهر بالمشاركة كما هو الشأن بالنسبة للمرشحين الذين هم الآخرون يتظاهرون بالمصداقية وخدمة المصلحة العامة، في حين أهدافهم عكس ذلك. فهم لا يعملون على تحقيق الرهانات المنشودة في مجال تدبير الشأن العام المحلي للمواطنين بقدر ما يعملون على تدبير الشأن الخاص بهم وبمصالحهم الخاصة على حساب المصلحة العامة. في الحقيقة مهزلة وأية مهزلة، فالكل يعمل على إخفاء الشمس بالغربال. اللعبة واضحة وضوح شمس ربيع هذه السنة.. فلتقريب الاختلالات التي تعيشها جل الجماعات إن لم نقل كل الجماعات، نقدم مثالا للنقص والتهور في التسيير المالي والإداري في الجماعات المحلية في المغرب: - تراجع حجم الادخار الإجمالي لميزانية التسيير، مع انخفاض محسوس في ميزانية التجهيز؛ - ارتفاع حجم الاعتمادات المنقولة بالنسبة لميزانية التجهيز من سنة لأخرى، مما يشكل مؤشرا على سوء التسيير وتعطيل العديد من المشاريع؛° - غياب سياسة جبائية محلية، وإدارة جبائية محلية قادرة على تحصيل الموارد المستحقة لصالح المدينة أو القرية؛ - هزالة المداخل المستخلصة من الرسوم على المرافق والممتلكات الجماعية؛ - الإفراط في استعمال الهاتف والماء والكهرباء والوقود، مما زاد في تضخيم نفقات التسيير؛ - التعثر والبطء في مسطرة الإعلان عن الصفقات وطلبات العروض، والتأخر الكبير في الدراسات المرتبطة بالمشاريع الكبرى؛ - صعوبة تأمين مصالح الجماعة وسكانها، باعتبار أن عددا من المسئولين عن تدبير الشأن المحلي يبدو أن لهم مصالح عقارية أو تجارية هامة بدائرة النفوذ الترابي للمدينة أو القرية؛ - وجود خلل واضح في إعداد وتدبير اجتماعات المجلس، وفي طريقة اشتغال لجانه الدائمة، وغياب هيكل تنظيمي للإدارة الجماعية مبني على الاستحقاق والكفاءة؛ - عدم اعتماد التخطيط كآلية لتنمية المدينة أو القرية وسوء الحكامة؛ - وعموما، غياب تصور واضح لترتيب الأولويات، وتحديد الأسبقيات، على مختلف المستويات.. إن الحديث عن الإصلاح والانتقال الديمقراطي والعدالة الاجتماعية والحرية وحقوق الإنسان وتحقيق التنمية الشاملة المستدامة، ينقصها الصدق والموضوعية والإرادة الوطنية والقرار السياسي المتزن المسئول المنفتح على كل جديد. لقد أصبح الحديث عن هذه الأمور، يغلب عليه الطابع الإشهاري الاستهلاكي باعتبارها وسيلة لتحقيق مصالح وامتيازات خاصة وذاتية لا غير، دون التفكير في مصلحة البلاد والعباد، كأن البلاد والعباد وجدا من أجلهما وحدهما، فلا معنى لهما ولا وجود لهما خارج منافعهم الخاصة.. فمع حلول نهاية الربيع مع موعد الانتخابات الجماعية في المغرب(2009 )، بدأت حمى الانتخابات في الانتشار، لكن هذه المرة بطعم قديم جديد ؛ القديم يتمثل في استعمال نفس اللغة ونفس البرامج ونفس الوعود ونفس طرق النصب والاحتيال، ونفس الأسلوب في الانتقال من حزب إلى آخر، ربما نفس الوجوه.. إلا أن الجديد هذه المرة يتجلى في الخوف الذي بدأ يربك المرشحين رغم اندفاعهم الأعمى نحو الأمام، وذلك من جراء التعليمات الفوقية الجديدة ومن غياب الحماس المطلوب من المواطنين، وكذا ظهور فئة جديدة من المرشحين كأرانب السباق للأحزاب التي ترغب في تغطية اللوائح والخريطة السياسية الوطنية للفوز على الأقل بالنسبة التي تخول لهم الحصول على دعم الدولة الذي هو في الحقيقة مال عمومي من مساهمة ضرائب المواطنين. وهي توزيع التزكيات ذات اليمين وذات الشمال، دون مراعاة أدنى شروط التزكية المعترف بها في حياة الأحزاب وقانون الأحزاب.
أما الظاهرة التي تسترعي الاهتمام في هذه الانتخابات هي تنامي وانتعاش عدد " الشناقة " (بتشديد النون) وتنوعها. فماذا تعني كلمة " الشناقة " في اللغة وكمفهوم وكمصطلح في قاموس المغاربة؟ " الشناقة " لغة ومفهوما واصطلاحا، تعني فيما تعنيه من حيث الاشتقاق اللغوي على أن كلمة " الشناقة " تنطلق من فعل " شنق ( بتشديد النون) يشنق تشنيقا أو شنقا " الذي يعني القبض على عنق شخص بقوة إلى درجة شنقه من أجل انتزاع شيء منه. أما كمفهوم، فيعني الأشخاص الذين يمارسون الوساطة أي السمسرة بين الباعة والمشترين في مجال الغنم والمعز بمناسبة عيد الأضحى. وكاصطلاح يعني أيضا الأشخاص الذين يمارسون الوساطة بين المرشحين والمواطنين قصد شراء الذمم بطرق غير مباشرة بعيدا عن الرقابة والمحاسبة، إذا ما كانت هناك هذه المراقبة وهذه المحاسبة.. وهؤلاء " الشناقة " أصناف منهم كبار وصغار ومنهم محترفين وهاوين ومنهم نساء ورجال في مختلف الأعمار.. هؤلاء يصطادون الزبناء وإغرائهم بثمن الصوت والوعود الفارغة عن طريق جمع بطاقات هؤلاء وعرضها على المرشحين، كل واحد على حدة، قصد التفاوض في شأنهم، ومن يدفع أكثر يفوز بالتصويت عليه، إن لم نقل يستفيد منهم جميعا حسب شطارته، ويدفع بالأصوات في الاتجاه الذي يرغب فيه. ينشط هؤلاء " الشناقة " في الأوساط الشعبية بشكل كبير حيث الفقر والخوف والأمية، والتخلف وغلاء المعيشة و البطالة و ارتفاع الجريمة و انتشار الفساد بشتى أنوعه. فالمواطن في هذه الأوساط، لا يدرك معنى السياسة ولا الديمقراطية ولا الأحزاب ولا هم يحزنون. فهمهم الوحيد الحصول على لقمة العيش بأي ثمن كان. فالانتخابات عند هؤلاء مناسبة تجعل بعض المحضوضين منهم يزورونهم ويفكرون فيهم ولو لدقائق معدودة. لكن الحصيلة المطلوبة هي درجة سخاء هؤلاء في تلك اللحظة أو خلال فترة الحملة الانتخابية عن طريق ما يغدقه عليهم كرم المرشحين و" الشناقة " في انتظار يوم الاقتراع حيث يساقون كالأغنام إلى صناديق الاقتراع.. فما يتذكرونه هؤلاء المغلوبون على أمرهم من موعد الانتخاب الحالي إلى موعد الانتخاب القادم، هو ما تقاضوه إبان الحملة الانتخابية ولو كان ذلك يسيرا جدا. هذا هو حال المواطنين مع الانتخابات الجماعية وغيرها. هل هي كوميديا بطعم تراجيدي أم الدراما بطعم كوميدي. أين المستقبل في كل هذا؟ أين الإصلاح؟ أين مصلحة الوطن؟ أين المواطنة؟ أين الحياد الإيجابي للدولة؟ فجل مسيري المغرب لم يعودوا مواطنين بمعنى المواطنة الوطنية، الكل "احرك " (هجر ) بالقوة أو بالفعل حسب تعبير أرسطو، وذلك إما برجله (رجل هنا ورجل هناك) أو بلسانه ( لا يتحدث إلا بلغة أجنبية) إن لم يستطع فبقلبه (لا يحب إلا ما هو أجنبي) أو بعقله (لا يفكر إلا بعقلية أجنبية).. فكبار قومنا لا يتحدثون إلا على الجنسية المزدوجة تخول لهم الهروب عندما يضيق الحال.. لقد انكشفت اللعبة وأضحى الكذب صدقا والنفاق فضيلة والتحايل ذكاء، والنصب شطارة والجشع قيمة أخلاقية والرشوة حق مشروع.. وما إلى ذلك في مجتمع العجائب والغرائب الذي يختلط فيه الحابل بالنابل والصالح بالطالح والقبيح بالجيد.. لم يعد التمييز بين الحق والباطل، بين العدل والظلم، بين العلم والجهل، بين الغنى والفقر.. فالكساد يعم ثقافتنا والإفلاس يرهق أحزابنا ومنظماتنا وجمعياتنا والفساد ينخر إدارتنا والتخلف يجتث على مجتمعنا.. فأين المفر؟؟ في الحقيقة يبقى السؤال المعلق هو ما جدوى هذه الانتخابات، إذا لم تعبر عن محطة دورية منتظمة يسترجع فيها الشعب سيادته وثقته، فيعاقب أو يكافئ من كان انتخبه في دورة انتخابية سابقة، ومكنه من السلطة لتدبير أمور البلاد والعباد؟ فالانتخابات هي إذن، في ابسط معانيها ديموقراطيا، دورة للمحاسبة من أجل تجسيد إرادة الشعب والتداول الحقيقي على السلطة، من خلال الانتخابات النزيهة عبر التعددية السياسية المسئولة السليمة. فأين نحن من كل هذا اليوم؟ إن نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة (2007) عرفت اختلالات عميقة، أفرزت برلمانا ضعيفا مشكلا بالأساس من أصحاب المال والأعيان والنفوذ. وكذلك ما عرفته مهزلة مشاورات تشكيل الحكومة ، وما أنتجه ذلك من حكومة محدودة الصلاحيات، نصفها من التيقنوقراط.. فالآمر ليس إقناع المواطنين وخصوصا الشباب على الإقبال على العمل السياسي وعلى المشاركة في الانتخابات بكثافة، وإنما المهم هو الإجابة على الأسئلة الجوهرية التالية أولا وقبل كل شيء: - لماذا يشارك المواطن في هذه الانتخابات التي مل من نتائجها؟ - هل ستكون الانتخابات القادمة نزيهة وشفافة بما فيه الكفاية؟ - هل هناك إرادة سياسية للدولة لتطبيق القانون والتخلي عن الموقف الحيادي السلبي؟ - وما هي ضمانات وآليات مراقبة ومحاسبة ذلك؟ - وعلى من يصوت المواطن، والكل يعلم نوايا جل المرشحين؟ - هل المرشحون يتمتعون بمصداقية والكفاءة اللازمة وروح المواطنة؟ - وهل يستحق هؤلاء، الذين كشفوا عن نواياهم، أصوات المواطنين يا ترى؟ إن الإجابة عن هذه الأسئلة، حتى إن كانت موضوعية منطقيا بشتى أشكال التبريرات، ستبقى غير واقعية وغير صادقة. إذ يلفها الغموض وعدم الوضوح، لا تنم على نية صادقة تقنع الشرفاء، والشريفات والشباب الحر، والوطنيين الغيورين ذوي الضمائر الحية، والمجتمع المدني النظيف الغير الملطخ بالسياسة النفعية المباشرة والغير المباشرة. فلإنجاح العملية الانتخابية النزيهة لابد من توفر الإرادة الرسمية لدى الدولة للتفاعل الإيجابي مع مطالب القوى الحية في البلاد، من أجل تدشين مرحلة الإصلاحات الدستورية والسياسية الكفيلة ببناء الدولة الديمقراطية الحداثية، ومحاربة الفساد وتفعيل المراقبة والمحاسبة،وإعمال الآليات للتوزيع العادل للثروة الوطنية. فالوضع الحالي بمؤشراته السلبية المستجدة، يتطلب من الدولة ومن كل القوى الوطنية والديمقراطية الحية في البلاد، التحلي بالوضوح الكافي على مستويات التحليل والرؤية والخطاب والبرامج، كما يفرض على الجميع تكثيف الجهود وتوحيد المساعي وفتح حوار جدي بين كل مكونات المجتمع، لإعادة الثقة للمواطنين وتوسيع المشاركة السياسية لقطع الطريق أمام المفسدين والضرب على يدهم بقوة القانون، لتحقيق نهضة حقيقية بعيدة كل البعد عن المزايدات القاتلة التي لا تعمل إلا على تخلف هذه الأمة وتقهقرها.