شكلت هيئة مندوبي الأجراء آلية أساسية في تنظيم وضبط العلاقة بين المشغل والأجير داخل النسيج المقاولاتي.. تقوم بدور مهم في الحفاظ على التوازن داخل المقاولة.. فهي تدافع عن حقوق ومكتسبات المستخدمين والعمال وتسعى لترسيخها وتحسين ظروف العمل المهنية والاجتماعية والاقتصادية.. وتساهم في الحفاظ على التدبير الجيد والتسيير الحكيم للمقاولة.. أطرها في البداية الظهير الشريف رقم 116611 الصادر بتاريخ 29 أكتوبر 1962، إلى حين صدور القانون رقم 65.99 بمثابة مدونة الشغل بتاريخ 08 دجنبر 2003، التي حددت اختصاصات ومهام مندوبي الأجراء منذ هذا التاريخ.. "" في هذا الحوار المطول يسلط مندوب الأجراء بالقرض الفلاحي للمغرب والباحث في المهن القانونية والقضائية محمد المعاشي الضوء على هذه الهيئة، إطارها القانوني، علاقتها بالممثل النقابي، معيقات اشتغالها، الإصلاحات الضرورية قانونيا لاجل تمكينها من القيام بمهامها واختصاصاتها على أكمل وجه.. وفي هذا الإطار يصرح محمد المعاشي:
لقد تطاول المشرع على مؤسسة مندوبي الأجراء حينما حذر المشغل من استعمالها كأداة لإضعاف الممثلين النقابيين
نقترح إجراء تعديلات على بعض المقتضيات التشريعية وإحداث هيئة وطنية منتخبة لمندوبي الأجراء تنضاف إلى أطراف الحوار الاجتماعي الثلاثة
أصدرتم مؤخراً كتابا في موضوع:(مندوبو الأجراء في "القرض الفلاحي": بين الواقع القانوني وضرورة الإصلاح)، وهو في الأصل أطروحة جامعية لنيل دبلوم الدراسات العليا في "المهن القانونية والقضائية" بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي الرباط، جامعة محمد الخامس. أين تكمن أهمية موضوع الكتاب الذي أصدرتموه؟
* يندرج هذا الكتاب في سلسة متواصلة من أشكال التحسيس التي تصبو إلى تحقيقها إصلاحات مدونة الشغل، كإحدى أبرز المحطات التي عرفها المغرب في بداية الألفية الحالية، وضمنها إصلاح مؤسسة القرض الفلاحي للمغرب، بتحويلها من مؤسسة عمومية إلى شركة مساهمة، ذات مجلس إدارة جماعية ومجلس رقابة. على أن مختلف الأوراش المفتوحة، وهي تخضع لهذا الوضع الجديد، في القطاع البنكي، تمنح البحث مصداقيته لما للموضوع من أهمية على مستوى التجربة الشخصية، بالنسبة لي، والتي دامت حوالي عقدين من الزمن، كمندوب للأجراء، أولا، ثم مسؤولا نقابياً وعضوا في لجنة متابعة الحوار الاجتماعي ولجنة المقاولة ولجنة صياغة النظام الداخلي في " القرض الفلاحي" بعد ذلك. وتنبع الأهمية أيضا من الاقتناع الموضوعي بضرورة توفير شروط التوازن في العلائق المختلفة في المؤسسة البنكية، كيفما كان شكلها، وبين الممارسة التمثيلية في كل اللجن المذكورة وغيرها من اللجن التي قد تفرضها شروط الإصلاح على ضوء مدونة الشغل دائما. كما إن هذا البحث هو عصارة احتكاك مباشر مع إدارة المقاولة والأجراء، لكنه في نفس الوقت مشروع لجمع وترتيب وتحليل لمظاهر مهام مندوب الأجراء في أفق تقويمها واقتراح تطويرها سعياً إلى اعتماده كدليل عملي للاسترشاد والاستئناس به نظراً لما يقدمه، في تقديري المتواضع، من سند أكاديمي من حيث التوثيق والاستدلال المنهجي القانوني.
هل يمكن أن تبرز لنا الأهداف المتوخاة من وراء إنجاز هذا البحث وما تحقق منها؟
إذا كان لي أن أبرز بعض ما كنت أصبو إليه في هذا البحث وما تحقق، فإنني أشير إلى ما يلي: أولا: إن التجربة والممارسة تفرضان تصوراً ديناميا ومتحركاً باستمرار بين مندوبي الأجراء والمقاولة، وذلك لتنمية هذه المقاولة وتحقيق السلم الاجتماعي. ثانياً: لا بديل عن ضرورة الحفاظ على الحد الأدنى من التوازن في الحوار بين الإدارة الجماعية والأجراء وذلك لمزيد من ترسيخ قيم الديمقراطية. غير أن الدينامية والحوار ليسا " شراباً سحريا " كما بدا لنا من خلال التجربة والممارسة ومن خلال هذا البحث، وذلك لانتصاب العراقيل والتحديات والصعوبات، التي تترتب عادة عن توتر العلاقة بين الأطراف على أرض الواقع، خاصة حينما يغيب النص القانوني الصريح والشافي لا الكافي فقط، أو حينما تنعدم التجربة والحمولة الفكرية في ممثل الأجراء. ومن ثم يقترح هذا البحث توفير شروط الإنصات بين الأطراف المسؤولة على تنظيم المجال، لحماية المكاسب من جهة وتحقيق مكاسب أخرى، دون إهمال للبعد القانوني المنظم، هذا البعد الذي يتطلب المزيد من إعمال الفكر والتفكير، من خلال أبحاث قانونية نظرية وأخرى ميدانية، تستند إلى الاستقراء والاستنتاج والاستخلاص، وأبحاث توافق بينهما، مستأنسةً كلها بما تحقق إلى الآن في مجال العلاقة بين المؤسسات–المقاولات وبين الأجراءالشغيلة والمستخدمين، مع ضمان حرية الفعل والممارسة النقابيين وترشيدها وتعميق سبل جعلها وسيلةً وليس مجرد "سلاح" رهين بلحظات التوتر. وبمعنى آخر: إن العلاقة بين المؤسسةالمقاولة، المؤسسة البنكية هنا، وانطلاقاً من هذا البحث الذي أنجزناه، وبين مؤسسة الأجراء، ليست مجرد علاقة ظرفية رهينة بشد الحبل مطلقاً، بل هي علاقة نابعة من الشعور بالمسؤولية المشتركة بين الأطراف فيهما لمزيد من الإنتاج والربح وتحقيق شروط النماء والتنمية. وهي علاقة، تبعاً لذلك، مهنية تخضع للشرط الإنساني والاجتماعي والنفسي، خاصة بالنسبة للأجراء الذين يعتبرون المحرك الأساس لسير المؤسسة المقاولة، لهم مطالب وحقوق بقدر ما عليهم من واجبات، وهم أيضا "مواطنون". و"المواطنة" تقتضي هنا مزيداً من احتساب تطورات الحياة المادية والمعنوية للأجراء، وجعل مطالبهم وحقوقهم محل اهتمام ورعاية وتشجيع على تحمل المسؤولية في ظروف مواتية، لا ضرر فيها ولا ضرار بنوع من التوازن الخصب النافع ومن "عقلنة" مجالي الإدارة العمل معاً. هذه، مجمل القناعات التي انطلق منها هذا البحث الذي أعد في إطار الشراكة القائمة بين مؤسسة القرض الفلاحي وجامعة محمد الخامس السويسي، والذي كان رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا للجامعة في " المهن القضائية والقانونية". كما سعى هذا البحث إلى بث روحها في خضم التحليل والأمثلة بالمعنى الأفقي. أما المعنى العمودي فهو متروك للقراءات المتعددة التي ستخصب وتخصب لا شك في ذلك مجمل النتائج والخلاصات. وضع عنوان الكتاب مندوبي الأجراء بين الواقع القانوني وضرورة الإصلاح، بنظركم هل جاء قانون الشغل الحالي لصالح ترسيخ مكانة هيئة مندوبي الأجراء أم حد من بعض اختصاصاتها؟
لابد من التذكير أن مدونة الشغل الجديدة دخلت إلى حيز التطبيق ابتداء من 8 يونيه 2004، كأهم حدث طبع هذه المرحلة ضمن سلسلة من الإصلاحات القانونية والقضائية التي عرفها المغرب في بداية الألفية الثالثة، واندرج إقرار مدونة الشغل ضمن إصلاح المنظومة القانونية، الاقتصادية والاجتماعية للنهوض بالتنمية البشرية المستدامة وترسيخ الحقوق الأساسية للأجراء وتعزيز دولة القانون والتأهيل الشامل لمواجهة مختلف التحديات التي تفرزها عولمة الاقتصاد، ثم إن إيجاد نوع من التوازن الذي سعت إليه مدونة الشغل، من خلال خلق آليات لتمثيل الأجراء على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، يقتضي الحفاظ للمشغل بسلطة التدبير، مما يسمح بالقول بضرورة دعم مبدأ المقاولة المواطنة.
لكن الملاحظ، من خلال التجربة الميدانية، أن غياب الدفاع عن هيئة مندوبي الأجراء أثناء صياغة المشرع والأطراف المشاركة لمدونة الشغل جعل مقتضيات هذه المدونة تقلل من أهمية الدور الذي تقوم ويمكن أن تقوم به هذه الهيئة لصالح الأجراء سواء داخل المقاولة أو داخل المشاورات والمفاوضات التي تجري في إطار الحوار الاجتماعي. الأمر الذي أقصاها من أن تكون طرفا رابعا فاعلا في هذا الحوار الذي يقتصر فقط على تمثيلية الحكومة وأرباب الشغل والنقابات. ويبقى السؤال مطروحا حول لماذا هذا الإقصاء؟ ومن يقف وراءه؟.
لماذا إذن، عمل المشرع المغربي على حصر الأطراف المنشئة للاتفاقية الجماعية في النقابات وأرباب العمل فقط؟
أولا لابد أن أشير إلى أن هذه الاتفاقية التي تعتبر اختيارية في صياغتها وإلزامية بعد التوقيع، وأبعد بذلك الطرف الأساسي في علاقات الشغل الذي هو مندوبو الأجراء من خلال عدم استشارتهم وإطلاعهم على الاتفاقية الجماعية أثناء الصياغة، في الوقت الذي سمح المشرع لمندوبي الأجراء أسوة بالممثلين النقابيين بالإطلاع على مشروع النظام الداخلي قبل توجيهه للسلطات الحكومية المكلف بالشغل من أجل الموافقة عليه (المادة 138 من مدونة الشغل)، وباعتبار أن مندوبي الأجراء يشكلون المقياس الحقيقي للنقابات الأكثر تمثيلا، كان على المشرع أن يفطن لهذه الإشكالية، باعتبارها مسألة أساسية للشغيلة، وباعتبار الأهمية التي يحظى بها مندوب الأجراء أثناء وبعد عقد الاتفاقية أو وضع النظام الداخلي للمؤسسة، هذا مع العلم أن المشرع في المادة 432 من مدونة الشغل أبرز بشكل صريح هذه الأهمية من خلال إعطاء صلاحية تقديم جميع الشكايات الفردية الناتجة عن تطبيق اتفاقية الشغل الجماعية لمندوبي الأجراء، مما يشكل تناقضا في نظرنا بين مقتضيات المادة 104 والمادتين 138 و432 من مدونة الشغل، لذا كان على المشرع أن يجعل الاتفاقية الجماعية مهيئة ومبرمة بين الأطراف الثلاثة (المشغل والمنظمات النقابية الأكثر تمثيلا وكذا مندوبو الأجراء ) كما هو الشأن بالنسبة للجنتي المقاولة والصحة والنظام الداخلي والفصل الجماعي أو الجزئي (المادة 66). على أن هذا الوضع يفتح أبواب التساؤل مشرعة. إذ كيف ألزم المشرع المشغل إشراك مندوبي الأجراء في الفصل الجماعي أو الجزئي لأسباب تكنولوجية أو هيكلية أو اقتصادية و إغلاق المقاولات (المادة 66) من جهة، في حين أقصاهم من العضوية في اللجنة الإقليمية(المادة 68 )، التي تتولى دراسة ملف الفصل الجماعي أو الجزئي والبت فيه، وأن نتائج المشاورات والمفاوضات تدون في محاضر محررة من طرف إدارة المقاولة يوقعه الطرفان(الإدارة ومندوبي الأجراء الذي يتسلم نسخة من المحضر) من جهة أخرى. في نفس الوقت نلاحظ أن المشرع عمل على إشراك الممثلين النقابيين في هذه اللجنة إن وجدوا، وإن لم يوجدوا فيبقى الملف بين يدي السلطة الإدارية والمنظمة المهنية للمشغلين وبدون من يتولى الدفاع عن الأجراء المعنيين بالأمر.
وهذا يعتبر تناقضا سقط فيه المشرع، حينما أشرك مندوبي الأجراء في الفصل الجماعي أو الجزئي، وأقصاهم في كل من تقديم المطالب الجماعية ومن الأجهزة المتعلقة بتسوية نزاعات الشغل الجماعية الواردة في الكتاب السادس من مدونة الشغل، ونخص بالذكر منها اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة، واللجنة الوطنية للبحث والمصالحة وكذلك المشاركة في وضع لائحة الحكام.
ثم إن المشرع تطاول على مؤسسة مندوبي الأجراء، حينما حذر المشغل من استعمالها كأداة لإضعاف الممثلين النقابيين، حيث جاء في المادة 473 من مدونة الشغل ما يلي: "(...) اتخاذ الإجراءات الملائمة، حتى لا يستعمل تواجد المندوبين المنتخبين كوسيلة لإضعاف دور الممثلين النقابيين (...)"، وفي هذا الإطار ألم يتساءل المشرع عن التناقض الوارد في المادة المذكورة، حينما أشار في فقرتها الثانية إلى ما يلي: "(...) تشجيع التعاون بين هاتين المؤسستين الممثلتين للأجراء (...)" ؟ وكذلك ألم ينتبه إلى مفهوم عبارة " الأكثر تمثيلية " الوارد في بنود مدونة الشغل، والمسند إلا للنقابات، مع العلم أنه يتعلق أساسا بعدد المندوبين الذين تم انتخابهم بالمقاولات و المؤسسات الصناعية و التجارية؟ أي أن تحديد النقابات الأكثر تمثيلا، يتم حسب عدد مندوبي الأجراء التي تحصل عليها المنظمات النقابية، التي تفرزها صناديق الاقتراع خلال كل فترة انتخابية.
وفي الأخير، وأمام هذا القصور التشريعي. وانكباب السلطة الحكومية المكلفة بالشغل حاليا بدراسة مشروع قانون متعلق بإحداث تعويضات عن فقدان العمل بالنسبة للعمال والأجراء، الذي سيتم عرضه على الفرقاء الاقتصاديين والاجتماعيين، من أجل إبداء الرأي فيه والتشاور حوله، نقترح حلولا نراها ضرورية ومشروعة في ظل هذا البحث الميداني، حتى نفي، بكل تجرد وموضوعية، للأمانة العلمية، وذلك بإجراء تعديلات على بعض المقتضيات التشريعية موضوع بحثنا، انطلاقا من الاعتبارات سالفة الذكر، ويبقى مفتاح السر لهذه التعديلات هو إحداث هيئة وطنية لمندوبي الأجراء منتخبة، تنضاف إلى الأطراف الثلاثة المشاركة في الحوار الاجتماعي مع الحكومة، وبالتالي المساهمة في صياغة النصوص والمقتضيات المنظمة لعلاقات الشغل الفردية والجماعية.
ألا ترون أن ما تصفونه بالقصور التشريعي أو التناقض يكشف نية مبيتة للمشرع على اعتبار صياغة النص القانوني تمت في ظل موازين قوى معينة؟
لا يمكن إصدار حكم قيمة بتاتا والقول بوجود نية مبيتة لدى المشرع، بقدر ما يمكن القول أن موازين القوى أثناء صياغة المدونة لعبت دورا مهما في ذلك.
هل هناك تناقض أو تعارض أو تكامل بين مهام واختصاصات مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين؟ كيف؟
من حسنات مدونة الشغل جمعها لعشرات الظهائر ومئات المراسيم والقرارات، وهذه المدونة قانون 65.99 ، سهلت إبراز اختصاصات مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين بعد أن كانت متعثرة، وهناك تكامل بين المؤسستين، لكن من خلال التجربة والممارسة تبين أن المشرع المغربي في صياغته لهذه المدونة، تراجع عن بعض اختصاصات مندوبي الأجراء التي كانوا يمارسونها سابقا، مقارنة مع الفصل الثاني من ظهير 29 أكتوبر 1962، كما أشرنا إليها سابقا.
ما هي المعيقات" القانونية" لمهام مندوبي الأجراء التي صادفتكم بالقرض الفلاحي قبل صدور مدونة الشغل ؟