بالرغم من العدد القليل لمفتشي الشغل في المغرب، والذي وصل حسب ما أفادت به الجمعية المغربية لمفتشي الشغل، إلى 462 مفتش شغل إلى غاية نهاية دجنبر من السنة الفارطة، إلا أن دورهم حيوي في المساهمة في إرساء سلم اجتماعي داخل مؤسسات العمل بمختلف أنواعها، وذلك من خلال مهمتين أساسيتين يضطلعون بهما، وهما: مراقبة تطبيق أحكام تشريع العمل، وتسوية نزاعات الشغل الفردية أو الجماعية وديا، وقبل وصولها إلى المسار القضائي. وقد زادت مدونة الشغل الجديدة والتي ستدخل حيز التنفيذ في السابع من الشهر المقبل من مهام ومسؤوليات ممارسي هذه المهنة، التي ظهرت في المغرب في سنة 1926 إلا أن واقع تفتيشية الشغل ماديا ومعنويا تقهقر في السنين الأخيرة، وجعل المفتشين يدقون ناقوس الخطر منذ سنتين لتنبيه الدوائر المسؤولة إلى مطالبهم. بيد أن هذه التنبيهات لم تجد لها صدى لدى الحكومة، مما دفع المفتشين إلى اتخاذ قرار هو الأول من نوعه في تاريخهم، ألا وهو الإضراب عن العمل في فاتح ماي الحالي (على عكس العمال يشتغل المفتشون في ذلك اليوم بغية تغطية احتفالات الشغيلة به). وينتظر أن ينظموا وقفة احتجاجية وطنية يوم الجمعة 14 من الشهر الجاري استجابة لدعوة مكاتب النقابة الوطنية لقطاع الشغل الموحد، والنقابة الوطنية لمفتشي الشغل، والجمعية المغربية لمفتشي الشغل. وفي ما يلي تقدم التجديد مقالا لأحد مفتشي الشغل يتحدث فيها عن جديد ما أوكل إلى جهاز تفتيشية الشغل في مدونة الشغل، بخصوص دورهم في إقرار سلم اجتماعي، والسهر على حسن تطبيق مقتضيات قانون الشغل.
يعتبر جهاز تفتيش الشغل الوجه البارز لوزارة التشغيل بالنظر إلى الأدوار الموكولة إليه، وبحكم احتكاكه اليومي والدائم مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي، وأحد مهندسي السلم الاجتماعي داخل سوق الشغل، الذي يعتبر أهم شرط من شروط الإقلاع الاقتصادي، والاستقرار الاجتماعي. فقد نصت المواد 530 إلى 533 على أن تفتيش الشغل ضمن الشروط المحددة في المدونة يعهد إلى مفتشي ومراقبي الشغل والشؤون الاجتماعية، وإلى مفتشي ومراقبي القوانين الاجتماعية في الفلاحة، وإلى الأعوان التابعين للإدارة المكلفة بالمعادن، في ما يتعلق بتفتيش الشغل بالمقاولات المنجمية... ويضطلع مفتشو ومراقبو الشغل والشؤون الاجتماعية، ومفتشو ومراقبو القوانين الاجتماعية في الفلاحة في نطاق مهامهم بمراقبة تطبيق النصوص القانونية، والتنظيمية المعمول بها في المقاولات، والمؤسسات التابعة للدولة، والجماعات المحلية، ما لم تسند هذه المهمة بنص خاص إلى أعوان آخرين. حددت المادة 532 من مدونة الشغل أهم اختصاصات مفتشي الشغل في المهام التالية: 1 السهر على تطبيق الأحكام التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالشغل. 2 إعطاء المشغلين والأجراء معلومات ونصائح تقنية حول أنجع الوسائل بمراعاة الأحكام القانونية. 3 إحاطة السلطة الحكومية المكلفة بالشغل علما بكل نقص أو تجاوز في المقتضيات التشريعية والتنظيمية المعمول بها. 4 إجراء محاولات التصالح في مجال نزاعات الشغل الفردية. ولتسهيل هذه المهمة، فقد خول المشرع في المادة 533 لمفتشي الشغل إذا كانوا يحملون الوثائق التي تثبت المهام الموكولة إليهم أن يدخلوا بحرية دون سابق إعلام كل مؤسسة تخضع لمراقبة مفتشية الشغل، في أي وقت من ليل أو نهار، وأن يباشروا كل أنواع المراقبة والبحث والتحري، التي يرونها ضرورية للتأكد من أن الأحكام القانونية والتنظيمية مطبقة فعلا، ويحررون تقريرا عن كل زيارة يقومون بها. وللوقوف على أهم المستجدات التي حملتها مدونة الشغل في هذا المجال، سنتطرق إلى هذا الموضوع من خلال التقسيم التالي: 1 الوظيفة الوقائية لجهاز تفتيش الشغل. 2 الوظيفة الرقابية. 3 وظيفة المتابعة. 4 وظيفة المصالحة والتصالح
1 الوظيفة الوقائية: إضافة إلى الأدوار التقليدية المناطة بجهاز تفتيش الشغل والمتمثلة في الوظيفة الرقابية، أعطى المشرع لهذا الجهاز في ظل مدونة الشغل الجديدة أدوارا جديدة، منها الوظيفة الوقائية التي تتوخى وتروم إضافة المزيد من الضمانات على استقرار علاقات الشغل من جهة، وتفعيل الأدوار الموكولة لجهاز التفتيش من جهة أخرى. هكذا يمكننا أن نحصر هذا الدور الوقائي لمفتشي الشغل من خلال نقطتين أساسيتين: أ فتح المقاولات ب بخصوص تدابير الصحة والسلامة المهنيين
أ فتح المقاولات: تنص المدونة في فصلها 135 على أنه يجب على كل شخص طبيعيا كان أو اعتباريا، يخضع لمقتضيات هذا القانون يريد فتح مقاولة أو مؤسسة أو ورش، يشغل فيه أجراء أن يقدم تصريحا بذلك إلى العون المكلف بتفتيش الشغل وفق الشروط والشكليات المحددة بنص تنظيمي. بل إن المشرع يزيد في توسيع هذا الإجراء من خلال إلزام المشغل بتقديم تصريح مماثل في أحوال أخرى حددتها مقتضيات المادة 136 من المدونة. ونعتقد أن الغاية من هذه الإجراءات هو جعل مفتش الشغل على علم تام بالنسيج المقاولاتي في الدائرة الترابية الخاضعة لمراقبته، حتى تكون مراقبته أكثر فعالية، وألا يفاجأ بواقع يجهله أو يفاجئه من خلال نزاعات، وتوترات في المناخ الاجتماعي داخل هذه المقاولات. وبالتأكيد فإن مثل هذه التصاريح تجعل مفتش الشغل يتتبع مواقع ومستجدات هذه المقاولة عن كثب.
ب بخصوص تدابير الصحة والسلامة المهنيين: خول المشرع في المدونة الجديدة للعون المكلف بتفتيش الشغل صلاحية تحرير محضر زجري ضد كل مقاولة أو مشغل أخل إخلالا خطيرا بمقتضيات حفظ الصحة والسلامة، يعرض صحة الأجراء أو سلامتهم بخطر حال، بعد توجيه تنبيه للمعني بالأمر بضرورة الامتثال للمقتضيات التشريعية والتنظيمية المتعلقة بحفظ الصحة والسلامة. فيحرر محضرا يثبت فيه امتناع المشغل عن الامتثال لمضمون التنبيه، ويتم توجيه الأمر فورا إلى رئيس المحكمة الابتدائية بصفته قاضيا للأمور المستعجلة بمقتضى مقال مرفق بالمحضر المحرر ضد المشغل. حيث يأمر رئيس المحكمة الابتدائية بكل التدابير التي يراها ملائمة لإيقاف الخطر الحال، وله أن يمنح المشغل أجلا لهذه الغاية، كما له أن يأمر بالإغلاق عند الاقتضاء، مع تحديد المدة الضرورية لذلك الإغلاق. علما أنه إذا استنفذت الإجراءات المنصوص عليها سالفا دون أن يستجيب المشغل لما أمر به، فإن العون المكلف بتفتيش الشغل يحرر محضرا جديدا يوجهه إلى وكيل الملك، الذي يتوجب عليه إحالة هذا المحضر في أجل لا يتعدى 8 أيام من تاريخ التوصل به إلى المحكمة الابتدائية، التي تطبق المقتضيات الزجرية الواردة في الباب الأول من القسم الرابع من الكتاب الثاني من المدونة.
ملاحظات هامة: رغم هذه المقتضيات الجديدة والهامة التي جاءت بها المدونة في هذا الباب، لا بد أن نثير الملاحظات التالية: أ كنا نتمنى أن تسير المدونة، في هذا الشأن، على غرار ما تنص عليه مقتضيات التوصية رقم 81 الخاصة بتفتيش الشغل في الصناعة، والفقرة 11 من التوصية رقم 133 في الزراعة، والتي تعطي دورا وقائيا أكثر فاعلية لمفتش الشغل، وذلك بتمكينه من إبداء رأيه عن استعمال موارد أو طرق جديدة للاستعمال، أو تعديل يعوض المواد التي يمكنها أن تشكل خطرا على صحة العمال وسلامتهم، وتمكينه من الاطلاع على تصاميم المنشآت، والمؤسسات التي استعملت فيها آلات خطيرة، أو وسائل عمل خطرة. فمثل هذه الصلاحيات، إذا أعطيت لمفتش الشغل، ستجعل دوره الوقائي أكثر فعالية، وأكثر نجاعة، مما سيساهم في تعزيز الدور الحمائي للأجراء وسلامتهم، ويقلل لا محالة من عدد حوادث الشغل والأمراض المهنية التي قد تنشأ بسبب هذه الآلات، أو المواد الخطرة المستعملة من قبل المقاولة. ب الملاحظة الثانية، وتتعلق بمقتضيات الفقرة الثانية من المادة 543 من مدونة الشغل، والتي تخول لرئيس المحكمة الحق في منح المشغل أجلا لامتثال الأوامر الصادرة له بخصوص تدابير حفظ الصحة وسلامة العمال. ذلك أن تحرير المحضر من قبل مفتش الشغل إنما يتم بناء على معاينة خطر حال يهدد صحة وسلامة العمال، ومنح المشغل قبل أن يحرر المحضر آجالا لاتخاذ ما يلزم من التدابير لذلك. وبالتالي نرى أن المشرع عندما خول لرئيس المحكمة تلك الصلاحية، فإنه قد أفرغ سلطة مفتش الشغل من محتواها، وشل دوره الوقائي في ذلك. كما أن من شأن هذه الآجال أن توقع كوارث يكون ضحيتها العمال.
2 الوظيفة الرقابية: لقد أوكل المشرع لجهاز تفتيش الشغل صلاحية السهر على تطبيق الأحكام التشريعية، والتنظيمية المتعلقة بالشغل، وقد جاءت المدونة ببعض المقتضيات الجديدة في هذا الباب، سنحاول الحديث عنها من خلال التطرق إلى دور جهاز تفتيش الشغل بخصوص ظروف الشغل، وعند انتهاء عقد الشغل.
أ بخصوص ظروف الشغل: دور مفتش الشغل بخصوص مدة الشغل: عمل المشرع في مدونة الشغل الحالية على التقليص من مدة العمل، بأن جعلها في القطاع الصناعي محددة في 2288 ساعة في السنة، أو 44 ساعة في الأسبوع، ويمكن توزيع المدة السنوية الإجمالية للشغل على السنة حسب حاجيات المقاولة، شريطة ألا تتجاوز مدة العمل العادية 10 ساعات في اليوم، مع مراعاة بعض الاستثناءات. أما في القطاع الفلاحي، فحدد مدة الشغل العادية في 2496 ساعة في السنة بدل 2700 ساعة في التشريع الحالي، تجزأ على فترات حسب المتطلبات الضرورية للمزروعات، وفق مدد يومية تتولى السلطة الحكومية المختصة تحديدها بعد استشارة المنظمات المهنية للمشغلين، والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا. وإذا كان المشرع يمنع تشغيل العمال أيام الأعياد، والعطل المؤدى عنها، وأيام العطل، والتي تحدد بنص تنظيمي، كما هو مشار إليه في المادة 217 من المدونة، فإنه خول للمشغل إمكانية استدراك ساعات الشغل الضائعة بسبب الأعياد المؤدى عنها، أو العطل بعد استشارة مندوبي الأجراء، والممثلين النقابيين بالمقاولة عند وجودهم، شرط أن تستدرك خلال الثلاثين يوما الموالية لتاريخ تلك العطلة، وألا يباشر الاشتراك في اليوم الذي يجب أن يستفيد منه الأجير من راحته الأسبوعية مع عدم تجاوز مدة الشغل 10 ساعات في اليوم. وفي كل هذه الأحوال، يجب على المشغل أن يبلغ كتابة إلى العون المكلف بتفتيش الشغل التواريخ التي سيباشر فيها الاستدراك (يؤدى فيها الأجر بسعر الساعة العادية). وقد رتب المشرع جزاءات زجرية في حال عدم احترام هذا الإجراء بغرامة بين 300 و500 درهم، تتعدد بتعدد الأجراء الذين لم يراع في حقهم هذا الإجراء، على ألا يتجاوز مجموع الغرامات 20 ألف درهم.
مفتش الشغل والعطلة السنوية المؤدى عنها: خول المشرع للأجير الذي قضى 6 أشهر متصلة من الشغل في المقاولة نفسها أو لدى المشغل نفسه عطلة سنوية مؤدى عنها، تحدد مدتها على أساس يوم ونصف، أو يومان عن كل شهر من الشغل حسب كل حالة، ويضاف إلى هذه المدة يوم ونصف، أو يومان من الشغل الفعلي عن كل فترة شغل كاملة، مدتها 5 سنوات متصلة أو غير متصلة، على ألا تؤدي هذه الزيارات إلى أزيد من 30 يوما من أيام الشغل الفعلي. وقد خول المشرع صلاحيات واسعة للمشغل في تحديد تواريخ العطلة السنوية بعد استشارته لمندوبي الأجراء، أو الممثلين النقابيين بالمقاولة عند وجودهم، مع تحديد تواريخ المغادرة بعد استشارة الأجراء المعنيين بالأمر، مع مراعاة الحالة العائلية للأجراء، ومدة الأقدمية في المقاولة. ويمكن تقديم تواريخ المغادرة أو تأخيرها بعد اتفاق مع المعنيين بالأمر، وفي هذه الحالة يستوجب على المشغل في أجل أقصاه اليوم الذي كان مقررا في البداية لمغادرة الأجير لشغله قصد قضاء عطلته السنوية المؤدى عنها الأجر، بإدخال ما يلزم من تغيير على الملصق أو السجل. ويقوم المشغل علاوة على ذلك بإشعار مفتش الشغل بالتغيير، وذلك بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل، بل إن المشرع ألزمه بأن يضمن جدول المغادرة في سجل يوضع باستمرار رهن إشارة الأجراء، وكذا مفتش الشغل. كما يتوجب إشعار مفتش الشغل كذلك في حال ما إذا اقترنت العطلة السنوية المؤدى عنها بالإغلاق الكلي أو الجزئي للمؤسسة.
دور مفتش الشغل في حماية الطفل: رفعت المدونة من سن القبول في التشغيل بالنسبة للأطفال، وذلك بجعله 15 سنة كاملة. وقد خول المشرع لمفتش الشغل مجموعة من الصلاحيات كإجراءات حمائية للطفل في ميدان العمل. وهكذا فإنه يحق لمفتش الشغل أن يطلب في أي وقت عرض جميع الأجراء الأحداث الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة على طبيب بمستشفى تابع لوزارة الصحة قصد التحقق من أن الشغل الذي يعهد به إليهم لا يفوق طاقتهم، ويمكنه أن يأمر بإعفائهم من شغلهم، دونما إخطار إذا أبدى الطبيب المعالج رأيا مطابقا لرأيه، وأجري لهم فحص مضاد بطلب من ذويهم. كما خول المشرع لمفتش الشغل الحق في أن يمنع تشغيل أي حدث دون الثامنة عشرة ممثلا، أو مشخصا في العروض العمومية المقدمة من قبل المقاولات، التي تحدد لائحتها بنص تنظيمي دون إذن مكتوب، يسلمه مسبقا العون المكلف بتفتيش الشغل بخصوص كل حدث على حدة، وذلك بعد استشارة ولي أمره. وله أن يسحب هذا الإذن من تلقاء نفسه أو بطلب من كل شخص مؤهل لهذا الغرض. كما أوجب المشرع على من يتعاطى المهن المشار إليها في المادة 147 من المدونة التوفر على نسخ من عقود ولادة الأحداث الذين يتولى توجيههم، أو بطاقات تعريفهم الوطنية، وأن يدلي بها في حال طلبها من العون المكلف بتفتيش الشغل، أو من السلطات الإدارية المحلية. وقد خول المشرع لمفتش الشغل إمكانية طلب تسخير القوة العمومية للتدخل لمنع إقامة أي عرض يخالف المقتضيات المشار إليها، وتحاط النيابة العامة علما بذلك.
مفتش الشغل والأجير المعاق: نصت المدونة في فصلها 166 على أنه يحتفظ كل أجير أصبح معاقا لسبب من الأسباب بمنصب شغله، ويسند إليه شغل يلائم نوع إعاقته بعد إعادة تأهيله، إلا إذا تعذر ذلك لحدة إعاقته، أو لطبيعة الشغل، وذلك بعد أخذ رأي طبيب الشغل، أو لجنة السلامة وحفظ الصحة. هذا ويحق لمفتش الشغل حسب مقتضيات المادة 144 من المدونة أن يطلب في أي وقت عرض جميع الأجراء المعاقين على طبيب عمومي تابع لوزارة الصحة، للتأكد من أن الشغل الذي يعهد به إليهم يناسب، أو لا يتناسب مع إعاقتهم، وفي هذه الحالة الأخيرة يمكن أن يأمر بإعفائهم من عملهم، دون إخطار، إذا أبدى الطبيب رأيا مطابقا لرأيه. وقد خول المشرع للأجير المعاق مزيدا من الضمانات قصد تعزيز حمايته في عالم الشغل: (منع تشغيلهم في أشغال تعرضهم لأضرار، أو تزيد من حدة إعاقتهم، وعرض الأجير المعاق على طبيب معالج قبل تشغيله، يجري هذا العرض بشكل دوري كل سنة، وتجهيز أماكن الشغل بالولوجيات...إلخ).
ب بخصوص إنهاء عقد الشغل: لقد خول المشرع لكلا طرفي عقد الشغل إمكانية إنهائه، شريطة احترام المقتضيات الواردة في طريقة الإنهاء. وقد نصت المدونة على صلاحية جديدة لمفتش الشغل في ما يتعلق بإنهاء عقد الشغل، وهي إجراء محاولات التصالح في نزاعات الشغل الفردية. وهكذا نصت المادة 41 في فقرتها الثانية أنه يمكن للأجير الذي فصل عن الشغل لسبب يعتبره تعسفيا اللجوء إلى مسطرة الصلح التمهيدية المنصوص عليها في الفقرة 4 من المادة 532 من المدونة من أجل الرجوع إلى عمله، أو الحصول على تعويض، ويوقع توصيل استلام مبلغ التعويض من لدن الأجير والمشغل، أو من ينوب عنه، ويكون مصادقا على صحة إمضائه من لدن الجهة المختصة، ويوقعه بالعطف العون المكلف بتفتيش الشغل. ويعتبر الاتفاق الذي تم التوصل إليه في إطار الصلح التمهيدي نهائيا، وغير قابل للطعن أمام المحاكم.
دور مفتش الشغل في حماية مندوب الأجراء: بالنظر إلى المهام الموكولة لمندوب الأجراء، عملت المدونة على إحاطة هذه المؤسسة بمجموعة من الضمانات القانونية لحمايته من أي إجراء محتمل يرمي إلى التضييق عليه، أو التعسف ضده. ولهذا أوجبت المادة 457 من المدونة أن يكون كل إجراء تأديبي يعتزم المشغل اتخاذه في حق مندوب الأجراء، أصليا كان أو نائبا، موضوع مقرر يوافق عليه العون المكلف بتفتيش الشغل، إذا كان الإجراء يرمي إلى نقل المندوب أو نائبه من مصلحة إلى أخرى، أو من شغل إلى آخر، أو إلى توقيفه عن شغله، أو فصله عنه. وقد أوجب المشرع احترام هذه المسطرة في حق قدماء مندوبي الأجراء خلال ستة أشهر من تاريخ انتهاء انتدابهم، إذا كانوا محل إجراء يرمي إلى نقلهم من مصلحة إلى أخرى، أو من شغل إلى آخر، أو إلى توقيفهم عن شغلهم، أو فصلهم عنه. كما شرع المسطرة ذاتها للمترشحين لانتخابات مندوبي الأجراء بمجرد وضع اللوائح الانتخابية، وتظل سارية لمدة ثلاثة أشهر من تاريخ إعلان النتائج. ويجب على مفتش الشغل في الحالات المشار إليها أعلاه أن يتخذ قراره بالرفض، أو الموافقة خلال الأيام الثمانية الموالية لإشعاره، ويجب أن يكون القرار معللا. وقد خولت المدونة للممثل النقابي التسهيلات نفسها والحماية التي يستفيد منها مندوبو الأجراء بمقتضى القانون (المادة 472).
3 وظيفة المتابعة: ويمكن هنا أن نرصد مستويين من مستويات المتابعة: مستوى عادي: وهو استمرار لوظيفة المراقبة الموكولة لهذا الجهاز بمناسبة زيارات المراقبة للمؤسسات الخاضعة لمدونة الشغل، بحيث يعمد مفتش الشغل إلى تسجيل المخالفات، وتوجيه ملاحظات قبل تحرير محاضر زجرية، إذ تحرر في ثلاث نظائر يوجه واحد منها مباشرة إلى المحكمة المختصة، من قبل المندوب الإقليمي المكلف بالشغل، والثاني على مديرية الشغل بالمصالح المركزية، ويحتفظ بالنظير الثالث في الملف الخاص بالمؤسسة. المتابعة في حالة وجود خطر حال: قد سبقت الإشارة إليها في الوظيفة الوقائية لمفتش الشغل. ويمكن للمشغل أن يوجه تظلما إلى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل، قبل انصرام الأجل المحدد له في التنبيه خلال 15 يوما من تلقي هذا التنبيه على أقصى الآجال، بحيث يترتب عن ذلك إيقاف إعداد المحضر، وتقوم المصالح المختصة بتبليغ المعني بالأمر قرارها وفق الشكليات الإدارية، ويوجه إلى مفتش الشغل إشعار بذلك.
4 وظيفة المصالحة والتصالح: سبق أن أشرنا لوظيفة المصالح عند الحديث على إنهاء عقد الشغل. التصالح: يكون كل خلاف بسبب الشغل من شأنه أن يؤدي إلى نزاع جماعي موضوع محاولة للتصالح، ويقصد بالنزاعات الجماعية للشغل كل الخلافات الناشئة بسبب الشغل، والتي يكون أحد أطرافها منظمة نقابية للأجراء أو جماعة من الأجراء، ويكون هدفها الدفاع عن مصالح جماعية، ومهنية لهؤلاء الأجراء. كما تعد نزاعات الشغل الجماعية كل الخلافات الناشئة بسبب الشغل، والتي يكون أحد أطرافها مشغل واحد، أو عدة مشغلين، أو منظمة مهنية للمشغلين. ويكون هدفها الدفاع عن مصالح المشغل أو المشغلين، أو المنظمة المهنية للمشغلين المعنيين. وقد حدد المشرع شكل هذه المسطرة، والجهة المختصة للنظر فيها كالتالي: تتم محاولة التصالح أمام المندوب الإقليمي للشغل لدى العمالة أو الإقليم، إذا كان الخلاف الجماعي يهم أكثر من مقاولة. تتم محاولة التصالح أمام مفتش الشغل إذا كان النزاع الجماعي يهم مقاولة واحدة. ويتم الشروع فورا في محاولة التصالح، سواء بمبادرة من الطرف الراغب في التعجيل، وذلك بمقال يحدد فيه نقاط الخلاف، أو بمبادرة من المندوب الإقليمي للشغل، أو من العون المكلف بتفتيش الشغل في المقاولة بحسب نوعية النزاع، بحيث يتم استدعاء الأطراف بواسطة برقية في أجل لا يتعدى 48 ساعة من تاريخ رفع النزاع الجماعي. يتم تحرير محضر حسب الأحوال من قبل المندوب الإقليمي، أو مفتش الشغل فورا في ختام جلسات الصلح يتم فيه إثبات ما توصل إليه الأطراف من اتفاق تام أو جزئي، أو عدم التصالح، وكذا عدم حضورهم عند غيابهم. يوقع المحضر المندوب الإقليمي أو مفتش الشغل حسب الأحوال، كما توقعه الأطراف المعنية، وتسلم لهم نسخة منه، أو تبلغ إليهم عند الاقتضاء. علما أنه إذا لم تسفر محاولة التصالح عن أي اتفاق فإن النزاع يتم رفعه في أجل ثلاثة أيام إلى اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة. وقد نظم المشرع هذه الاختصاصات في الفصول من 511 إلى 556 من المدونة.
خاتمة يتضح من خلال هذا الجرد لبعض المستجدات التي أتت بها المدونة في مجال تفتيش الشغل أهمية الدور الموكول لجهاز تفتيش الشغل، الشيء الذي يفرض ضرورة الاعتناء به ماديا ومعنويا، وذلك بتوفير كل وسائل العمل الضرورية الكفيلة بأداء هذا الدور على أحسن وجه ممكن، ومعنويا بتوفير وسائل التكوين، وإعادة التكوين بغية مواكبة التطورات المتسارعة التي يعرفها عالم الشغل، والعلاقات المرتبطة بها. لكن واقع حال تفتيش الشغل في المغرب يفتقد لأدنى الشروط الكفيلة للقيام بواجبه، والتكيف مع الأوضاع الجديدة التي ستفرضها المستجدات التي أتت بها المدونة، الشيء الذي يطرح أكثر من علامة استفهام على مصير المدونة، وآفاق جهاز التفتيش في المغرب.