السيد الوزير: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،،، أما بعد، فيؤسفني أن أسارع بالقول إن السيل قد بلغ الزبى، وإن بعض لجن الانتقاء قد تمادت في الإقصاء؛ أعني انتقاء مترشحين للتباري حول مناصب أساتذة التعليم العالي مساعدين. لست أول من يثير هذا الموضوع الذي أضحت روائحه تزكم الأنوف، ولن أكون الأخير إذا لم تتدخلوا السيد الوزير، فتضعوا حدا لما يجري في عدد لا يستهان به من هذه المباريات التي فقدت مصداقيتها بشهادة كثير من المترشحين منذ زمن ليس بالقصير. هل قرأتم كتاب الدكتور خالد طحطح "بؤس المباريات الجامعية بالمغرب، شعبة التاريخ نموذجا"، الذي ألفه بعد إحباط ويأس أصاباه بفعل ما يجري في هذه المباريات؟ هل شاهدتم فيديوهات الدكتور عبد الرحيم حزل، التي نشرها في حلقات، واختار لها من العناوين: "الإجرام الجامعي أو كيف أصبحت الجامعة المغربية بؤرة للفساد". السيد الوزير: لم يعد الملف العلمي معيارا حاسما في ولوج أسوار الجامعة والتدريس بمدرجاتها في غالب الأحيان، إنما الشرط الأساس غير ذلك، إذ لو كان الملف العلمي هو المعيار الوحيد الموحد لكان كثير من الباحثين الجادين المجدين ضمن المترشحين الذين يتم انتقاؤهم للتباري حول منصب أستاذ التعليم العالي مساعد، على الأقل مرة واحدة من بين المرات العديدة التي ترشحوا فيها لهذا المنصب بمؤسسات جامعية مختلفة. لا أقول هذا الكلام من باب الزهو الزائف، ولا مبالغة في مدح هؤلاء الباحثين في مختلف المجالات والتخصصات، وإنما مقالاتهم العلمية والنقدية الرصينة تشهد لهم بذلك، وبحوزة كل واحد منهم ما يزيد عن عشرة مؤلفات تتوافر فيها الشروط العلمية والأكاديمية. أما إذا كان المعيار الأساس -غير المصرح به- هو الانتماء الحزبي أو القرابة العائلية أو ما شابه ذلك، فأقر بأن جل الباحثين الذين أعرفهم لا ينتمون إلى أي حزب، وإنما انتماؤهم إلى هذا الوطن الذي يلازمهم ويلازمونه، ويشعرون فيه بنوع من السكينة والطمأنينة، وفيه يتحقق لهم شيء من الاكتفاء وشروط البقاء. وعن الوطن بهذا المعنى أجدني أردد مع الشاعر اللبناني بطرس البستاني (توفي 1883م): سوادُ العينِ يا وطني فداكا *** وقلبي لا يوَدُّ سوى عُلاكا نشأتُ على هواكَ فتى وفياًّ *** وما عوّدتني إِلا وفاك وأما إذا كان المعيار هو التملق والخضوع للذين يعتقدون أنهم يمسكون بأيديهم مفاتيح الكليات والمعاهد والمدارس العليا، يفتحونها لِمَنْ هم راضون عنهم، ويغلقونها في وجوه المغضوب عليهم، فلسنا من المتملقين ولا من الخاضعين لأي كان، وما ينبغي لنا، ذلك بأننا رضعنا عزة النفس والكبرياء من أثداء أمهاتنا، ولسنا من الذين يبدلون جلودهم وفق تبدل الظروف والأحوال والأجواء، أو يبدلون ألوان جلودهم مثل الحرباء. إننا مثل القوم الذين قال عنهم أبو الطيب المتنبي: وإنّي لَمِنْ قَوْمٍ كأنّ نُفُوسَهُمْ *** بها أنَفٌ أن تسكنَ اللّحمَ والعَظمَا كذا أنَا يا دُنْيا إذا شِئْتِ فاذْهَبي *** ويا نَفس زيدي في كرائهِها قُدْمَا فلا عَبَرَتْ بي ساعَة لا تُعِزّني *** ولا صَحِبَتْني مُهجَة تقبلُ الظّلمَا السيد الوزير: لا أبالغ إذا قلت لكم إن ولوج مدرجات الكليات لم يعد يستهويني ولا يغريني، أنا شخصيا، في ظل هذا الواقع المرير لسببين اثنين: أولهما راجع إلى أن الوضع الذي أنا فيه الآن بصفتي إطارا من أطر التأطير والمراقبة المنتمين إلى وزارة التربية الوطنية، يجعلني أشتغل في ظروف أشعر فيها بهامش من الاستقلالية الوظيفية والمبادرة الفردية، اللتين قد أفقدهما إن أنا ولجت أسوار الجامعة خلال مسار الترقي بعد إعادة الترتيب من جديد. ثانيهما، لم تعد الجامعة فضاء للبحث العلمي كما ينبغي لها، ولا منارة للرقي الخلقي والسمو الفكري بعدما غزت بعضا منها سلوكات وممارسات لا تسر أي مهتم غيور. السيد الوزير: لا شك في أنكم جادون في إصلاح التعليم الجامعي بعدما اتضح للمهتمين والمتتبعين جميعهم أن الجامعات المغربية ترزح تحت وطأة التدني والتردي على المستويات جميعها، وما تذيل جامعاتنا أسفل الترتيب في التصنيفات العالمية سوى القشة التي قصمت ظهر البعير. أي نعم، إنكم عازمون، بمعية غيركم، على إنقاذ سفينة التعليم الجامعي من الغرق، حيث إنه من المقرر ابتداء من الموسم الجامعي الحالي -حسب تصريحاتكم- أن تشرع الجامعات المغربية في تطبيق إصلاح بيداغوجي جديد، يقوم على أربعة أركان أساسية تهدف إلى تحقيق التميز الأكاديمي والعلمي، والإدماج الترابي والتنمية الشاملة، والإدماج الاقتصادي والتنافسية، والإدماج الاجتماعي والاستدامة، وذلك بهدف تلبية متطلبات سوق العمل الحديثة، لكن ما لا ينبغي نسيانه أو التغاضي عنه، السيد الوزير، هو وضع الرجل المناسب في المكان المناسب "The right man in the right place"، وذلك بحمل جل لجن الانتقاء المشار إليها أعلاه على القيام بعملها بشفافية ومصداقية، وبشكل علمي وموضوعي، بعيدا عن الذاتية الضيقة ومعايير القبلية الحزبية والقرابة العائلية وهلم جرا. والله ولي التوفيق