بعد الجدل الذي جرى مؤخرا، بخصوص عدد من المزاعم بوجود خروقات، شهدتها مباريات أساتذة التعليم العالي المساعدين، تواصل موقع “لكم” مع الأستاذ الباحث خالد طحطح الذي قاد هذا النقاش من خلال مجموعة من التدوينات على صفحته الشخصية التي وجدت صداها في وسائل الإعلام طيلة الأسبوع الماضي. وطالب طحطح في هذا الحوار، بإعادة المباريات التي وصفها ب”المشبوهة” في تطوانوالمحمديةوالجديدة والمدرسة العليا للأساتذة بالرباط، مؤكدا على ضرورة توضيح المعايير، ونشر لائحة كل من تقدم لاجتياز المباراة ونشر لوائح اللجان.
وفي ما يلي النص الكامل للحوار: خلقت جدلا كبيرا من خلال نشرك لما سميته ب”خروقات عن مباريات ترشحت لاجتيازها”، هل من معطيات وتفاصيل حول المباريات التي أشرت إليها ؟ صحيح فقد نشرت تدوينات تتضمن خروقات في عدد من مباريات التاريخ التي جرت مؤخرا بعدد من الجامعات المغربية، ففي مباراة الجديدة نجد أن المترشح الفائز بدون ملف علمي، وبالتالي فانتقاؤه الأولي غير قانوني، حيث إن قرار وزير التعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي رقم 11125٫97 الصادر في الجريدة الرسمية عدد 4522 بتاريخ 29 جمادى الأولى 1416 ((2أكتوبر 1797) يحدد شروط وإجراءات تنظيم المباراة الخاصة بتوظيف أساتذة التعليم العالي المساعدين، ومنها التأكيد على اختبار خاص بشهادات المترشحين وأعمالهم العلمية والبيداغوجية في المادة رقم 6 و 8، وتقيم بناء على المادة 8 هذه الأعمال بناء على عرض ومناقشة المترشحين فيها، مع التأكيد على أن المعيار الوحيد هو الكفاءة والاستحقاق. وما يعزز ما ذهبنا إليه افتقار المترشح الفائز لملف علمي وعدم فهم إقصاء ملفي العلمي الذي يتكون من 15 كتاب و40 مقال في مجلات محكمة، نفس الأمر حدث بمباراة المحمدية، حيث إن منصب التاريخ المعاصر كان على مقاس مترشح من ذات الكلية، ناقش قبل أشهر من الإعلان عن المباراة، وتسرب اسمه في الصحافة قبل المباراة. كما أن اللجنة غير قانونية لأنها تتطلب مشاركة ثلاثة أساتذة من كلية المحمدية حسب منطوق قرار الوزير، ولعلمكم لم يشارك في هذه اللجنة ولا أستاذ واحد من كلية المحمدية، كل الأعضاء كانوا من الخارج لإقصاء الملفات الوازنة وإنجاح المرشح المحظوظ، والذي لا يتوفر على ملف علمي وازن يؤهله ليكون ضمن لائحة الانتقاء، بالنظر للأسماء التي ترشحت. أما مباراة المدرسة العليا للأساتذة بالرباط، والتي جرت قبل شهرين من الآن، فهي غير واضحة المعايير، حيث تم الغاء ملفات التاريخ المعاصر والحديث والقديم دون سند قانوني. بل إن اللجنة استهترت بالمسؤولية، حيث تقدم لهذه المباراة تقريبا ستين مترشحا، تسجلوا في المسطحة الالكترونية، وغالبية الملفات لم تفتح كما هو مؤكد من خلال شهادات متواترة، فتم إلغاؤها دون وجه قانوني، حيث لا يتحمل المتبارون خطأ تقنيا ناتجا عن برنامج التسجيل الخاص باستقبال الملفات العلمية والشواهد الخاصة بالمتبارين، لأنه في القانون المنظم للمباريات وجب الاستناد إلى الملفات الورقية المطبوعية للمترشحين، والتي لم يتم استقبالها في الأصل، حيث اكتفت اللجنة بالملفات الإلكتروني والملفات التي لم تفتح تم إلغاؤها من طرف اللجنة، وهذا خرق وجب فتح تحقيق فيه. فما دام أن الموقع غير مجهز لاستيعاب الملفات العلمية للمترشحين، كان من اللازم قانونيا إعادة المباراة، لكن اللجنة لا يهمها المترشحون ممن لم تفتح ملفاتهم، لأن هدفهم إنجاح مترشح بعينه، ويمكن للوزارة أن تتأكد من هذه الأقوال بإرسال لجنة التفتيش. أما الخروقات التي شابت مباراة توظيف أستاذ للتعليم العالي مساعد، شعبة التاريخ، بكلية الآداب والعلوم الانسانية –مرتيل-، والتي مرت بتاريخ: 24 يونيو 2019م، فقد كنت أحد الذين تقدموا بملفاتهم لهذه المباراة وتم قبولي ضمن لائحة المترشحين الثلاثة، وتخصصي التاريخ المعاصر. وتتركز أهم الخروقات في عدم وضوح المعايير المعتمدة في الانتقاء الأولي، حيث أن المعيار الوارد في القانون المنظم للمباريات هو الإنتاج العلمي والمشاركات في الندوات والتجربة البيداغوجية، وقد أقصيت ملفات وازنة، وتم إعطاء نقطة الامتيار والمرتبة لأولى في الانتقاء الأولي للمترشح الذي لا يمتلك ملفا علميا وازنا، حيث نشر جزءا من الأطروحة ومقالين في مجلتين إحداهما غير محكمة، ولا علاقة لهما بتخصص التاريخ. كما أن تحيز رئيس اللجنة للمترشح الأول في لائحة الانتقاء الأولي بدعوى أن المباراة خاصة بالتاريخ الحديث أمر مريب ومشكوك فيه، فإعلان المباراة الرسمي يتحدث عن منصب في التاريخ دون تحديد أي تخصص. كما أن المترشح الذي حاز المرتبة الأولى في الانتقاء الأولي ملفه العلمي أقل بكثير من المترشحين الواردة أسماؤهم في المرتبة الثانية والثالثة. بل إنه لا يملك الملف العلمي الذي يؤهله للتنافس على المنصب، فهو حاصل على الماستر في تدبير التراث وليس في التاريخ، مما يجعل اختياره غير قانوني، كما أن ميزة أطروحته مشرف، ثم إن وضع معيار الانتماء للتاريخ الحديث في هذه المباراة، استنادا كما تقول اللجنة لقرار الشعبة الذي تم توقيعه في شهر ماي من السنة الماضية يتعارض مع الزج بملفين من التاريخ المعاصر ضمن لائحة الانتقاء الأولي، بينما توجد ملفات تنتمي للتاريخ الحديث تقدم بها مترشحون تم إقصاؤهم من المنافسة، ثم نسجل تناقض معيار التاريخ الحديث مع هوية اللجنة، حيث رئيسها من تخصص التاريخ الوسيط. إن هذه الأسباب المذكورة أعلاه تجعلنا نطالب الوزارة بإلغاء نتائج هذه المباراة، وفتح تحقيق في الخروقات التي أوردناها، والعمل على تحقيق مبدأ الشفافية وتكافؤ الفرص بين المتنافسين. هناك من اعتبر أن الحملة التي تقوم بها ضد المباريات واللجان الخاصة بالإشراف على المباريات هي فقط زفرة شخص لم يستطع النجاح في هذه المباريات، ما تعليقك؟ ذهب البعض إلى أن ما قمنا به من نشر خروقات المباريات الجامعية على صفحتنا بالدلائل والبراهين والمعطيات، ما هو إلا زفرة شخص فشل في نيل منصب داخل الجامعة المغربية. ولذلك أشهر سلاحه للنيل من بعض هذه اللجان التي لم تختره للفوز بأحد هذه المناصب. والحقيقة غير ذلك تماما. فما أنا بصدده هي معركة أكبر من ذلك بكثير. أنا متأكد أن الفساد ليس جديدا بالجامعة، فالفساد سرطان خبيث ينهش كل مفاصل مجتمعنا، ويسحق ما تبقى من كرامة لهذا الشعب، ولكني متأكد أيضا انه استشرى بشكل غريب في السنوات الأخيرة، بعد أن أصبح أغلب الأساتذة الأفاضل والشرفاء يتجنبون المشاركة في هذه القذارة، احتراما لعلمهم ولمكانتهم في قلوب طلبتهم. ومن شارك من هؤلاء يكون من باب المحاباة لزملائهم. المشكلة إذن أخطر بكثير، وإذا كنت أكتب عن مباريات شعبة التاريخ تحديدا، فلأنها هي التي اكتويت بنارها، أما الكليات الأخرى والشعب الأخرى فهي لا تقل فسادا، ولكن طلبتها وأساتذتها هم الأدرى بشعابها. كيف يتم اختيار اللجن؟ كيف يتم تحديد معايير الانتقاء والتقويم؟ هل يكون أعضاء اللجنة متكافئين من حيث تأثيرهم في قرار اللجنة؟ أم أن رئيسها أو أحد أفرادها يستطيع أن يوجهها مستغلا حسن نية الأعضاء الآخرين؟ هذه هي الأسئلة الحارقة التي لا يستطيع أن يجيبنا عليها أحد. لماذا لا يتم إعلان المناصب الشاغرة في الشعبة خلال الموسم الدراسي في جميع الكليات، وينظم انتقاء نزيه وامتحان كتابي ثم مقابلة شفوية، وتعلن نتائج الاختبارات بكل شفافية؟ ثم يتم تعيين الناجحين في الكليات التي يختارونها حسب استحقاقهم؟ لماذا لا يتم توحيد المعايير واعلانها مسبقا ليكون الناس كلهم على بينة. أليس التستر والكتمان يثير الشبهات؟ لماذا لا يتم اعلان أسماء اللجان المحلية في إطار الشفافية. على ضوء ما أشرت إليه، هل من حق أي أستاذ جامعي المشاركة في اللجان المحلية؟ لا منطق في أن يكون من حق الأستاذ الحامل للدكتوراه تزكية أستاذ آخر حاملا للشهادة نفسها، هذا أمر غير معقول، ولا يقبله العقل، بل الوزارة هي المعنية بتحديد من له الجدارة بدخول الكليات، فالأستاذ الجامعي ليس مصلحة بلدية ليمنح التزكيات والمناصب.. الأستاذ كل شأنه أن يهتم بالبحث العلمي والتدريس، فهما المهمتان الرئيسيتان له. ما له وللمشاركة في اللجان للاختيار بين المترشحين فتلك ليست مهمته، ولا تدخل ضمن تكوينه. إن مكان الأساتذة المدرسين الجامعيين هو القسم وليس في اللجان. كيف يمكن للمشاركين في اللجان المحلية القيام بعمليات الانتقاء للتفضيل بين الملفات التي تتجاوز الخمسين ملفا أو أكثر في مدة وجيزة. إن المشاركة في اللجان مسؤولية كبيرة وليست تشريف، وهي مهمة الوزارة فيما أعتقد، ووجب عليها اختيار لجان وطنية. لا بد من لجنة وطنية تختارها الوزارة المعنية بالتعليم العالي بمعايير واضحة، بل وجب التفكير في طرق جديدة للانتقاء، مثل اعتماد المباريات الكتابية أو مقابلات تجرى تحت إشراف مباشر للوزارة الوصية. لقد أسر لنا الكثير من الأصدقاء والزملاء الجامعيين أنهم يمتنعون عن المشاركة في مثل هذه اللجان لأن الأمر عبثي، وهذا أمر صحيح، لأنها ليست مهمتهم أصلا، والقانون لا يفرض الأمر عليهم، فلما التسابق إذن من طرف البعض للمشاركة في اللجان؟ وما القيمة المضافة؟ وبأي حق تقصي ملفات دون أخرى؟ ومن أعطى لأعضاء اللجان أصلا حق وضع المعايير؟ هذه ليست جامعات خاصة لتقرر فيها الكليات واللجان بهذه الطريقة غير المنطقية، فنحن نتحدث عن جامعات مغربية من حق الجميع أن يحصل على فرصته كاملة في إطار تكافؤ الفرص والنزاهة والمسؤولية. لقد تغيرت الأمور الآن وأخذت منحى خطيرا في شعبة التاريخ على سبيل المثال، حيث اختلط ما هو شخصي بما هو قانوني بما هو مؤسساتي في القضية المطروحة تحديدا الآن في وسائل الاعلام، وهناك من يختفي في الخلف، ويزج ببعض الأساتذة في اللجان لتصفية حساباته الخاصة الضيقة والتي لا نعرف بالضبط خلفياتها، دون أن يكون لهم ناقة ولا جمل في الأمر. نحن لا نعرف أسماء من يوجد في اللجان السرية في غالبية اللجان التي تم تشكيلها بعجالة، ولا الطريقة التي تم انتقاء الملفات بها، ولا المعايير المعمدة، وبالطبع لا تهمنا الأسماء مهما كانت، وإنما المبادئ هي الأصل. ماذا تقترحون للخروج من هذا النفق الذي وصفتموه ب”المظلم”؟ مشكلتنا مع اللجان المحلية، ولن نسكت أبدا عما يقع ولن نسكت، وبالتأكيد الكل يتحمل مسؤولية قراراته. فحين يختار أستاذ جامعي المشاركة في لجنة ما عليه أن يبرر اختياراته، وأن يقنعنا بوجهة نظره، فالأمر مسؤولية أخلاقية قبل كل شيء، ونحن من واجبنا أن نحاسبه، لأنه اختار موقع المسؤولية. فلا يطالبنا بالسكوت أبدا، فلسنا في زاوية ولا في كلية خاصة، ذلك أننا في مؤسسة عمومية، ونفس الأمر حين يختار أستاذا جامعيا الوزارة أو البرلمان فالأمر مسؤولية ومن حقنا محاسبته عما يقوم به في المواقع التي اختارها للعمل، أليس كذلك؟ كيف يزاول المرء مهمة خطيرة ويزج بنفسه في موقع المسؤولية ويطلب من الآخرين الصمت وعدم انتقاده، باعتبار أننا لو رفعنا صوتنا بالاحتجاج فنحن نحتج ضد الأساتذة الجامعيين، هذا غير صحيح، فالأستاذ الجامعي في قسمه وبين طلابه لن يجد منا سوى الاحترام والتقدير، ومن تكلف بالمشاركة في تحمل المسؤولية فعليه أن يتحمل سهام النقد منا ومن غيرنا، المراقبة والمحاسبة ليس عيبا. وأهل الجامعة باعتبارهم مثقفين هم أولى من غيرهم بتقبل النقد. لقد قمت سنة 2016 بحملة ضد المباريات الجامعية، وطالبت بلجنة وطنية وقدمت الطعون للوزارة لكنها لم تكترث، نبهتهم وقمت بالواجب الذي أملاه علي ضميري بعد تجربة مريرة، بعد ثلاث سنوات لازالت دار لقمان على حالها، اليوم لا بديل عن لجنة وطنية وإعادة المباريات المشبوهة في تطوانوالمحمديةوالجديدة والمدرسة العليا للأساتذة بالرباط، مع توضيح المعايير ونشر لائحة كل من تقدم لاجتياز المباراة ونشر لوائح اللجان، كلنا مغاربة ومواطنون ولنا الحق في تكافؤ الفرص والمساواة. هل من مقترحات في أفق إعادة الاعتبار للجامعة المغربية؟ أرى من وجهة نظري كخطوة أولى ضرورة إعادة الاعتبار للجامعة وللبحث العلمي، فهما المدخلان الحقيقيان لإعادة وظيفة الباحث المتنور والمفكر المثقف المطلوب منه إنتاج الأفكار والخطابات. لا نختلف في الدور الكبير للتعليم العالي في تعزيز مجتمع المعرفة، وهو أمر يفرض ضرورة القيام بعمليات إصلاحية مستمرة تحافظ على المكتسبات، وفي نفس الوقت تساهم في تطوير أداء الجامعات بمختلف تخصصاتها من خلال تشجيع البحث العلمي والابتكار، وضمان الجودة والامتياز، دون إغفال الدمقرطة والتنمية، ومبادئ المساواة بين الأفراد. ذلك أن تراجع جودة التعليم العالي تعود إلى واقع منظوماتنا التعليمية التي أصبحت عقيمة، حيث أبانت عن عجزها على مسايرة التطورات التي يعرفها قطاع البحث العلمي في الدول المتقدمة، ولا أدل على ذلك تصنيفات جامعاتنا على المستوى الدولي، وهو أمر يعرفه الجميع ويتفق عليه. في ظل عدم تحمل الدولة والوزارات الوصية على التعليم العالي مسؤوليتها في النهوض بالتعليم العالي، وجب على الأساتذة الجامعيين باعتبارهم النخبة المثقفة الوقوف في وجه السياسة التخريبية التي تسعى لتغييب دور الجامعة باعتبارها قلعة للتنوير والعلم، بل عليهم الوقوف في مواجهة المخططات التي تسعى لإقبار ما ناضل لأجله الشرفاء والمناضلين وباقي القوى الوطنية لدمقرطة الجامعة ومأسستها واستقلاليتها. كما أنه حان الوقت اليوم لإثارة موضوع التهافت على المواقع والمناصب، بالطبع قد يغضب هذا التوصيف الكثيرين لكن هذا هو الواقع، فالصورة تبدو قاتمة حقا، حيث اللجان المحلية تعمل على تكريس الرداءة من خلال تفصيل المعايير على مقياس مترشحين معينين، ومن خلال تجربتي المتواضعة يمكن أن أؤكد على أهمية فكرة اللجان الوطنية.