وأخيرا يسدل الستار على نتائج مباراة توظيف خمسة أساتذة التعليم العالي تخصص الاقتصاد والتدبير بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس, وليتأكد من زيارتنا لموقع الكلية، بكون ما كان بالأمس يشكل تشكيكا بخصوص القرابة والمحسوبية وغياب اعتماد الكفاءات، بات للأسف واقعا، حيث عمدت لجنة المباراة إلى اختيار كل من زينب الادريسي (طالبة بكلية فاس وبنت الرئيس السابق لشعبة التدبير) وسميرة توات (موظفة بنفس الكلية) اللتين حصلتا على الدكتوراه في 2013 فيما تم إقصاء الخمسة مرشحين الموظفين الآخرين، وفتح مباراة ثانية بخصوص الثلاث مناصب المتبقية قصد استكمال الخمسة مناصب المعلن عنها خلال المباراة الأولى. ويبقى التساؤل مطروحا على لجنة التوظيف وعلى الوزارة الوصية بخصوص مدى توفر هاتين السيدتين- مع كل الاحترام الواجب لهما- على الملفات العلمية، وكذا المؤهلات العلمية والفكرية للتدريس وتأطير الطلبة التي ينص عليها إعلان المباراة إذا كانتا حديثتي العهد بالحصول على الدكتوراه. وهذا ما يقود أيضا إلى التساؤل التالي: في غياب الملف العلمي للمعنيتين- حسب ما أفاد به مراقبون- ما الذي ناقشته اللجنة معهما، وعلى أي أساس تم اختيارهما وطمس حق باقي الموظفين في الحصول على الثلاثة مناصب المتبقية، رغم توفرهم على ملف علمي متكامل؟ إن شرعية هذا التساؤل تبقى قائمة في ظل تصويت الشعب المغربي على دستور الشفافية والمساواة، وخصوصا الحق في الحصول على المعلومة. فإذا تدخلت وزارة التعليم العالي بإلغاء نتائج عدة مباريات والتحقيق في جديتها، فلم لم يطالب الوزير الداودي بفتح تحقيق حول ملفات المرشحين ومجريات المباراة على ضوء إشارة جريدة الاتحاد الاشتراكي في عدد سابق للتساؤلات التي صاحبت هذه المباراة. علاوة على ذلك، فإن بعض المصادر تؤكد بكون أحد أعضاء لجنة التوظيف يدرس بمدرسة خاصة للتعليم العالي، والتي تعود إلى رئيس الشعبة السابق، قريب إحدى الناجحتين. لن تعلو مصداقية قرارات لجنة التوظيف فوق مقتضيات الدستور الجديد. وبالتالي فمساءلة الوزارة للجنة التوظيف بكلية الحقوق بفاس، وكذا مطالبة المرشحين بضرورة موافاتهم بتعليل عدم قبولهم هو منحى يندرج ضمن روح الدستور. وللإشارة فإن أحد الموظفين المرشحين الذي نبذته لجنة كلية الحقوق بفاس قد توفق في إبراز مؤهلاته أمام لجنة التوظيف بكلية الحقوق بمراكش، ولم يكن عناء سفره من فاس اتجاه مراكش سلبيا، حيث تم الاعتراف بمؤهلاته وضمه إلى هيئة أساتذة التعليم العالي ليمحو من ذاكرته عبثية وضبابية تجربة مثوله أمام لجنة التوظيف بكلية الحقوق بفاس. لهذا يحق التساؤل، مرة أخرى، حول مصداقية المعايير المتبناة من طرف لجن التوظيف في مختلف الكليات، وفي كليتي فاسومراكش كنموذج معيش، علامة استفهام قد تجد لها وزارة التعليم العالي تبريرا بكونها لا سلطة قانونية لها على لجن التوظيف في ظل الاستقلالية التي تتمتع بها الجامعة المغربية. إننا لا نستغرب فعلا عندما يتساءل البعض عن انحطاط مستوى التعليم العالي في المغرب في وقت تشهد فيه الجامعات المغربية مثل هذه الممارسات. هذا من جهة، أما من جهة أخرى فوجب التحقيق في نتائج مباريات توظيف الموظفين بسلك التعليم العالي، ذلك أنه إذا كان الوزير الداودي قد صرح بفتح هذا الباب تحت ذريعة أنه لا مكانة للدكاترة داخل الإدارات، وأن مكانهم الحقيقي هو الجامعات، بالنظر إلى الخصاص الهائل الذي وجب تغطيته، فالمنهجية التي اعتمدت تخفي واقعا آخر. ذلك أنه من خلال التحقيق في نتائج المباريات نجد أن مجمل الموظفين الذين تم الاعلان عن نجاحهم في المباريات، وبالتالي إلحاقهم بسلك أساتذة التعليم العالي هم في واقع الأمر موظفون كانوا يزاولون مهامهم بالكليات التي أعلنت نجاحهم، وبالتالي فصدق من قال إن المناصب كانت محجوزة مسبقا للموظفين المحليين بالكليات، قصد تسوية وضعيتهم. وعليه يطرح تساؤل عريض ومخجل حول ما المقصود من الاعلان عن المباراة أمام كل حاملي الدكتوراه طلبة وموظفين، في حين أن المناصب محجوزة. لقد تحولت المباراة من مفهومها الحقيقي إلى تسوية أوضاع موظفين كانوا يشتغلون إداريين بالكليات فأصبحوا أساتذة. وإذا كان هذا هو عمق «المباراة»، فإن هذا يعني أنها مباراة لاستهبال الذين يتحملون عناء السفر ومصاريف إعداد ملفات الترشح. وكان على الوزارة مثلا أن تعلن أنه وقع اتفاق بين وزارة التعليم العالي ومؤسسات التعليم العالي وفاعلين آخرين على تخصيص هذه المناصب لتسوية إدارية لموظفي الكليات، وأن ما يتم الاعلان عنه كمناصب شاغرة بأية كلية إنما هو عدد الموظفين الاداريين الذين ترغب الكلية في تسوية وضعيتهم من خلال تعبيد الطريق لهم للاندماج كأساتذة بسلك التعليم العالي. وبالتالي، كان عليها أن تعلن أن مباريات التوظيف بحثا عن مؤهلات جامعية ليست بمباراة بقدر ما هي تسوية للوضعية الإدارية لبعض الموظفين. إذا كانت هذه هي حقيقة «المباراة» التي يخفيها الوزير الداودي، فإن هذا يعني، في العمق، أن العدالة والتنمية يبحث عن ربح أطر لجانبه تكون امتدادا له داخل الإدارة والجامعة المغربية. ووحده البحث الدقيق في من نجحوا في هذه المباريات المزعومة لكفيل بإثبات أنهم ينتمون إلى مؤسسات كانوا يشتغلون بها كإداريين لتفتقد نتائج هذه المباريات كل مصداقية من ناحية الموضوعية انطلاقا من الاعلان عن المباراة مرورا عبر لجن صورية وانتهاء بالإعلان عن نتائج كانت مرتقبة ومتفق بشأنها. فإذا اعتبرت وزارة التعليم العالي كون ما ورد في هذه السطور غير ذي مصداقية فهي مطالبة بنشر لائحة الناجحين في هذه المباريات أو بالأصح المستفيدين من تغيير الوضعية الإدارية مع تبيان وظيفتهم الأصلية وتاريخ حصولهم على الدكتوراه والمؤسسة الأصلية التي كانوا يشتغلون بها كإداريين والمؤسسة الجامعية التي نجحوا بها.