د. حبيب عنون / باحث في العلوم الاقتصادية والاجتماعية لقد بات من الموضوعي والضروري، في إطار دولة الحق والقانون وتكافؤ الفرص، إلى الانتباه إلى أمر قد يبدو عاديا وبسيطا ولكنه ذو عواقب سلبية تثير كثيرا من التساؤلات. ويتعلق الأمر بالإعلانات عن مباريات توظيف حاملي شهادة الدكتوراه كأساتذة مساعدين في مختلف الكليات والمعاهد المغربية. فالإعلان عن المباريات واضح ولكن تفعيله غير ذلك. لنتخذ كمثال لتوضيح ما تقدم إعلانا من الإعلانات الصادرة ولا داعي لتحديد المؤسسة لأن الإعلانات، في شكلها وصياغة مضمونها، كلها متشابهة. وهي كالتالي: كل شيء يبدو من الوهلة الأولى عاديا، لكن الذين عايشوا التجربة اقتنعوا بأن الأمر غير عادي وغير عادل بل أن تفعيل إجراءاته غير قانونية ولعل بعض الأمثلة التي اشتكى منها بعض المرشحين ورفعوا شكواهم إلى معالي وزير التعليم العالي، أدت إلى إلغاء نتائج بعض مباراة التوظيف. 1- إذا كان الإعلان يحدد تاريخ إيداع ملفات الترشيح فهذا يعني أن أي مرشح لا يمكنه إيداع ملفه بعد هذا التاريخ. وإذا كان نفس الإعلان يحدد تاريخ انعقاد المباراة فلماذا لا يتم احترامه. ربما ان انشغالات بعض أعضاء اللجن تباغتها بعض المهام ويصعب عليها الحضور. هذا أمر محتمل ووارد ولكن، قانونيا، يصبح من واجب المؤسسة المعلنة عن المباراة الإعلان، قصد الاخبار، عن تأجيل أو تحديد تاريخ جديد لانعقاد المباراة خصوصا وأن كل الكليات والمعاهد متوفرة في الوقت الراهن على موقع إلكتروني خاص يمكن من الإعلان عن أية معلومة. ولكن هذا الواجب القانوني الصبغة لا يتم القيام به ليظل المرشحون، حتى تاريخ غير مسمى ومبهم، معلقو الأذهان أو وجب عليهم، مرغمون على ذلك، الاتصال يوميا بالمؤسسة للاستفسار عن التاريخ “المجهول” للمباراة. … ليفاجئوا، يوما، بكون اللجنة قد انعقدت وقد تم اختيار المؤهلين لاجتياز المباراة. ولقد تم هذا الأمر في كل من كليات العلوم الاقتصادية والقانونية والاجتماعية بكل من الجديدة وأكادير وسلا الجديدة وكلية السويسي بالرباط… وهذا الأمر يطرح عدة تساؤلات…كان بالامكان تجاوزها وتجنب التأويلات المحتملة بالاعلان عن أي تغيير يهم تاريخ انعقاد لجنة المباراة. أما المعهد الوطني للزراعة والبيطرة بالرباط (خلال هذه السنة) فقد قام بما هو أغرب إذ تم الإعلان عن مباراة لإدماج أساتذة مساعدين وبعد مدة تم نشر إعلان جديد دون إخبار المرشحين بإلغاء المباراة المعلن عنها سابقا، ليطلب من المرشحين بسحب ملفاتهم وتجديدها (للإشارة هناك من طلب منه سحب ملفه وتجديده وهناك من طلب منه فقط إعادة تغيير تاريخ مراسلة السيد مدير المؤسسة) هذا كان ممكنا فقط لمن انتبه لهذا الأمر(أي إما كان قاطنا بالرباط ويتردد على المعهد شبه يوميا أو تم إخباره…) أما الذي لم يتمكن من تتبع هذه التطورات، أي القاطن في مدن أخرى أو ذاك الذي ليس لديه من يخبره، فيظل غافلا عن الأمر إلى حين سماعه لاحقا بأن المباراة قد تمت وقد اختير من تم اختياره ليصاب بخيبة أمل وليلبسه اليأس وانه لا أمل في التغيير حتى في موقع العلم والمثقفين. ولكن لماذا كل هذا…؟ اليس الجامعيون المثقفون من يطالبون بدمقرطة الحرم الجامعي وعدم تسييسه وفتح الآفاق أمام كل المؤهلات الشابة والعمل على تكافئ الفرص… أليس هؤلاء الجامعيون هم من يدرسون اسس وقواعد القانون وعلوم الاقتصاد والاجتماع… آه لقد نسيت قولة أحدهم ما زالت، منذ عشرين عاما، ترن في أذني حين قال وهو أستاذ جامعي “personne n'est content et chacun agit à sa manière ” لقد قالها هذا الأستاذ الجامعي “اتبارك الله” حينها وكان يقصد بها كما يقول المثل الشعبي “وَاشْ كَاتْبرّدْ حَرْ اخْديجة ففاطنة؟”. لا أعتقد بل لا أتمنى أن تكون مثل هذه العقلية سائدة. إذا كنت غير راض عن وضعيتك وأنت أستاذ جامعي، فمن الأحسن لك أن تبحث لك عن مقام آخر، هذا إذا قبل بعقليتك الحقيرة، واترك أبناء الشعب في حالهم لكي لا تسوس لهم عقليتهم واترك المجال لأستاذ جامعي أصيل بمغربيته ومعتز بأبناء هذا البلد ويكد في تكوينهم وترسيخ التفاؤل والوطنية والأمل في عقولهم. 2- – ضرورة موافاة المرشحين بوصل إيداع ملف الترشح. وهذا أمر لا يتم العمل به في جل الكليات إذ يظل المترشح يتساءل عن ما مآل وضعيته في حالة إتلاف أو ضياع ملفه أو نكرانه. بكل بساطة فكل الاحتمالات واردة إذا كنت لا تتوفر على وصل إيداع ملف الترشح. وهذا أمر غير قانوني إداريا ذلك أنه عند وضع أي ملف في أية مؤسسة وجب استلام وصل إيداع. 3- ولا وجود لأي بند يشير إلى إقصاء أي مرشح ما عدا عدم موافاة المؤسسة بكل الوثائق المعلن عنها. وبالتالي، فمن حق كل من يوافي مصلحة الموارد البشرية التي تتأكد من كل وثيقة قبل قبول ملف الترشيح، أن يتقدم أمام لجنة المباراة. وهنا يكمن الأمر القانوني الذي يجب الحسم فيه وذلك بتوضيحه. لأن ما يقال للمرشح الذي لم يسعفه الحظ في المثول أمام لجنة المباراة أن “هذه اللجنة لها كامل الصلاحيات والسيادة (la commission est souveraine) في اختيارها لمن تراه كفؤا لاجتياز المباراة”. فعالم العلم والمعرفة وتكوين أطر المستقبل يتحول من الاستقلالية إلى “السيادة”. يقال، أن اللجنة تختار، لكل منصب، ثلاثة مرشحين. ولكن على أي أساس؟ مرة أخرى، (la commission est souveraine) فهذا ما يراد معرفته لتعم الشفافية وتغيب الضبابية والتأويلات السلبية وينجلي اليأس. هذا مع العلم أن الإعلان ينص حرفيا أن المباراة ستهم مناقشة مختلف الأبحاث والمقالات وغيرها للمرشح علاوة على مناقشة مضمون أطروحته. 4- هنا أيضا تكمن إشكالية موضوعية وجب ربما الانتباه إليها لتجاوزها ذلك ان مناقشة البحوث والمقالات لا تتم بتاتا بالرغم من كون المرشح مطالب بتقديم كل بحوثه ومقالاته في خمسة نسخ (وكم هي مكلفة ماديا إذا كانت عديدة) . ما الفائدة من إعادة مناقشة أطروحة قد تمت مناقشتها من طرف لجنة علمية متكونة من رئيس وعدد من أساتذة التعليم العالي؟ لا بأس ربما لكي يدرك أعضاء (la commission est souveraine) من قدرة المرشح على التعبير والإلقاء “بدون خجل” (خصوصا إذا كان المرشح دون تجربة في مجال التدريس الجامعي) … ولكن كيف يمكن للجنة معرفة مدى إمكانية المرشح في إعداد الدروس وإلقاء المحاضرات… إذا كان غير ذي خبرة؟… بل الأهم، ففي ظل هذه الأجواء، ما هي الضمانات المتوفرة لدى المرشحين للإيمان بمصداقية هذه اللجان؟ في الواقع لا شيء ولا شيء بتاتا. فالنطق بمصطلح (la commission est souveraine) يصدك عن وضع بل عن محاولة وضع أي سؤال لأن الجواب سيكون فرنسي اللهجة. والغريب هو أنه عندما تتعامل مع جهة أجنبية كندية أم فرنسية أم اسبانية…، منظمة كانت أو معهد أو أي مؤسسة تجد لكل سؤال جواب واضح وموضوعي ومقنع مع كامل الاحترام لا من خلال الحوار ولا من خلال المراسلات… إنها، والحق بَيّنْ، مسألة ضمير والجد في المسؤولية والوضوح التام. لكل ذي حق حقه ولكل مقام مقال. 5- ما يمكن اقتراحه هو: - تمكين كل من تقدم بملف متضمن لكل الوثائق من اجتياز المباراة لكون الصيغة التي هو عليها يبيح ذلك هذا مع العلم أن الواقع يثبت أن الأمر يهم فقط بعض المدن وبعض التخصصات. ذلك أن بعض الكليات بالرغم من إعلانها عن مباراة توظيف حملة الدكتوراه كأساتذة مساعدين، لا أحد يضع ملف ترشيحه هناك. - وحتى ما إذا رغبت بعض الكليات في الاقتصار على ثلاثة مرشحين لكل منصب، فبإمكانها الإشارة ضمن الإعلان إلى ذلك وفق عملية تنقيط تهم السيرة الذاتية والتجربة في التدريس والبحوث والمقالات وأهمية موضوع الدكتوراه ومضمونها. كما أن المؤسسة بإمكانها مثلا طلب المرشحين بموافاتها بالمواد التي بإمكانهم تدرسيها وفقا لاقتراحات برامج لهذه الدروس والمنهجية التي سيعتمدونها في مزاولة هذه المهنة النبيلة…. هذا النحو هو علمي وموضوعي ويمكن المؤسسة من الاحتفاظ بمن هو أنسب علاوة على هذا النحو سيمكن من تجاوز الثغرة القانونية التي تشغلها، من دون حق، عبارة: (la commission est souveraine) التي لا تترك لمتلقيها، علاوة على الطريقة التي تنطق بها، سوى صدى سلطويا محضا . - موافاة المرشحين غير المنادى عليهم لاجتياز المباراة بالسبب أو الأسباب التي أدت إلى إقصاءهم وهذا أمر جد إيجابي من منظور الشفافية والموضوعية. وأعتقد أن لمثل هذه الأمور يُطلب من المرشح ضم ظرفين حاملين لعنوانه الشخصي لملف ترشيحه. - موافاة المرشح الذي اجتاز المباراة ولم تتم المناداة عليه بسبب عدم اختياره. - ضرورة تزكية لجنة المباراة بأعضاء مراقبين لا ينتمون إلى نفس المؤسسة ولا نفس المدينة، ولما لا من القطاع الخاص، يتم تعيينهم من طرف الوزارة الوصية باقتراح من رئاسة الجامعة. - دراسة إمكانية تسجيل بالصوت والصورة كيفية محاورة المرشح. وتجدر الإشارة إلى انه بعد سفر طويل لاستعادة ملف الترشيح يجد المرشح ملفه إما أنه لم يتم لمسه تماما وإما أنه مبعثر ليعود حاملا هم مصاريف إعادة لم الملف لإعادة محاولة الترشيح عند إعلان آخر من طرف مؤسسة أخرى. إننا نعيش في دولة الحق والقانون وقد أكد جلالته على ضرورة العمل على توفير ظروف تكافؤ الفرص لكل رعاياه، كل في مجاله، لكون كل مواطن ليس فقط له الحق بل الواجب الوطني على المساهمة في خدمة ملكه ووطنه عوض الارتماء في عالم الغربة.