بعدما نشر خالد طحطح، باحث في التاريخ، تفاصيل ما أسماه ب"تنظيم مباريات لولوج الجامعة على المقاس" في مجموعة من المدن المغربية، قرّر نشر "صرخة أخيرة"، أسماها: "بؤس المباريات الجامعية: مباريات شعبة التاريخ نموذجا". وسبق أن تقدم طحطح بطعون لوزارة التعليم العالي يشكك فيها في مباريات انتقاءِ أساتذة التعليم العالي بكليات في مدن مثل المحمدية والجديدة وعين الشق وتطوان والرباط، كما سبق أن قام بحملة مشابهة منذ سنتين، نشر خلالها على صفحته بموقع "فيسبوك" احتجاجات على ما اعتبره "مباريات على المقاس" في كلّ من ابن مسيك، وأكادير، وتازة. وقال طحطح إن هذا المنشور آخر ما سيصدره في حياته، وفيه "شهادة من أجل حقّ الأجيال القادمة، حتى تعرف ما وقع، وحتى لا يذهب الجهد الذي بُذِل سدى، لأن التوثيق يجعل الحدث حيّا لا يُنسى، وليظل، كذلك، شاهدا على بؤس الجامعة المغربية، من خلال تسليط الضوء على مباريات تخصص التاريخ، وسيتضمن تفاصيل أوفى، وحقائق صادمة ستنشر لأول مرة". وأضاف الباحث أن كتابه هذا "سيطبع خارج المغرب في بلد يسمح بالحرية"، لأنه "سيتضمن الأسماء والوثائق والشهادات"، وبعده سيعتزل بشكل نهائي النشر والعلاقة بالوسط الأكاديمي وسينصرف لحياته الشخصية والمهنية، مع ترك ما سيكتبه لنفسه مرقونا في حاسوبه والتّوصية بطبعه بعد وفاته، وبذلك يكون قد قام بما يمليه عليه ضميره وأكثر، ووثق جزء من ذاكرة ما سيختم به مساره العلمي". وأبرز المتحدّث أنّ "في التوقّف عن النشر رسالة أيضا؛ لأنه لا معنى لأن يكتب إنسان، ويؤلِّفَ، وأن يكون له إشعاع داخل المغرب وخارجه، ثم يحارَب بهذه الطريقة"، بالتالي، يضيف طحطح: "لم يعد لاستمراري معنى، وتوقُّفي عن النّشر سيكون، ربما، موقفا يسجَّل تاريخيا، وهو ليس استسلاما، بل سأستمرّ في الكتابة، لكن لنفسي. وهو تسجيل لموقف حتى يبقى العار عليهم؛ لأنهم أقصوا كفاءة تشتغل، وتريد أن تعمل معهم، دونَ أن يكون موقفهم مفهوما.. لأنني لم أطالب سوى بحقّي، وتقدّمت بطلبي -لولوج الجامعة المغربية-كأيّها النّاس". وشدّد طحطح على أنّ سبب توقّفه عن الترشّح لمباريات اللجان المحلية التي تشرف على عمليات انتقاء أساتذة التعليم العالي مساعدين، هو أنّه سيشعر بالعار والهوان، ولا يشرفّه أن يتقدّم بملفّ علمي يتضمن 15 كتابا وأكثر من 50 مقالا محكما، "لمنافسة من حصل على الدكتوراه قبل أشهر وله مقال واحد، ووُضِعَ المنصب على مقاسه من طرف لجنة فاسدة، تضع معايير غير مبررة ولا أخلاقية"، قبل أن يستدرك قائلا: "حين تتغير الأمور، وتتوفّر النزاهة في اللجان، وحين يتم وضع معايير واضحة وشفافة، آنذاك فقط يمكنني التنافس بشرف". وذكر الباحث في التاريخ أن كتابه الموجود قيد النّشر "سيبقى وصمة عار في تاريخ الجامعة المغربية، لأنه سيُقْرأ في مختلف الدول"، وأضاف: "كأنّه نشر لغسِيلنا في الخارج، وسيقرأه الناس ليعرفوا حقيقة الفساد في الجامعة، ومن يتحمّل مسؤوليته. ودخلتُ معركة وقلت كل شيء، والآن قلت إني سأخرج بشرف؛ فالاعتزال أفضل لكرامتي، وأتركُ لهم المناصب والعار". ووضّح طحطح أن كتابه يتألف من فصلين اثنين، خصّصَ أوَّلَهما لقصته مع المباريات الجامعية، ويحكي فيه ما وقع، مستهدفا القارئ الذي ينتظر معرفة حقيقة ما جرى، والأسباب الخفية التي تقف وراء الإقصاء الذي تعرَّضَ له، ويوثّق فيهِ حجمَ الفساد الأخلاقي، والممارسات التي تضرب مبدأ تكافؤ الفرص والاستحقاق. بينما يتضمّن الفصل الثاني قراءات في كتب وأعمال بحثية، تعبّر عن "بؤس البحث التاريخي"، وهو ما سيحاول ملامسته على مستوى الأعمال أيضا، لأن المؤسسات الجامعية، تعيش وفق قراءته، "تراجعا كبيرا على مستوى جودة الأعمال مقارنة بالسابق". وشدّد الباحث خالد طحطح في كتابه الموجود قيد النّشر على أنّ "فكرة اللجان الوطنية هي الحل"، ودعا إلى "إعادة الاعتبار للكفاءَة باعتبارها مدخلا للإصلاح، مع تفعيل مبدأ المحاسبة"، و"مراجعة قانون الجمعية المغربية للبحث التاريخي". كما تحدّث في كتابه عن ضرورة القيام بوقفة نقدية لتدارك "السّكتة القلبية" و"موت الجامعة للأبد"؛ لأن الكثيرين يتحدّثون عن غياب الخلَف في الجامعة، "بينما هم من يقطعون الطريق على الخلَف المتمَيِّز، ويدخلون الناس الضّعاف ثمّ يشتَكون من تراجع الجامعة".