لا شك أن المتأمل للخطاب الإعلامي السطحي السائد اليوم والذي خرج عن رهانات المعرفة والموضوعية لصالح التهريج حول موضوع الشيعة والتشيع بالمغرب ليجد نفسه أمام العديد من الأسئلة المؤرقة بخصوص هذا الأمر، لعل أبرزها هل ما يزال في الواقع مبرر جدي للتمايز بين المسلمين؟ وكيف استطاع الخلاف التاريخي القديم الذي حدث بين المسلمين في القرون الأولى حول شروط الخلافة ومواصفات الخليفة أن يمتد طيلة هذه القرون دون أن تكون لنا القدرة على تجاوزه، في الوقت الذي نسيت فيه أوربا شعار ألمانيا فوق الجميع الذي تم رفعه منذ سنوات خلت بل وصارت تتوحد اليوم تحت راية ألمانيا مثل الجميع؟ وهل بإمكان هذا الخلاف التاريخي أن يؤجج معارك وأزمات دبلوماسية كما هو الحال اليوم بخصوص العلاقات المغربية الإيرانية؟ وبعيدا عن هذا الجدل الطائفي العقيم الذي لم ولن يستطيع إعادة عقارب الساعة إلى الوراء نرى من الأجدى وعلى النقيض مما تقوم به معظم وسائل إعلامنا اليوم القيام بالغوص في ثنايا وأعماق هذا الفكر الديني لسبر أغواره والكشف عن حقائقه للوقوف عند مدى قدرته في الانتشار إن صحت؟ وما العوامل الذاتية التي مكنته من ذلك؟ "" لاشك أن الجميع يعلم أن النبي الأكرم الذي بعث رحمة للعالمين لم يكن شيعا ولا سنيا بل كان حنيفيا، وأن تقسيم سنة وشيعة لم يكن سوى إفرازات الظرفية السياسية التي كانت سائدة في القرن الأول الهجري والتي ألقت بظلالها على ما سيأتي فيما بعد من جهة، ومن أخرى فعلت فعلتها في عملية الوضع التي عرفتها المنظومة النصية (نصوص الحديث) السنية والشيعية وإن تفاوتت درجاتها، وعلى سبيل المثال يجد الباحث في الفكر السياسي الإسلامي الذي ألبس أردية عقدية عن طريق وصل النصوص بالتأويل جملة من الوقائع التاريخية التالية على زمن النص قد تحولت إلى جزء من الدين التي يتدين به اليوم كثير من الناس. إن الرأي السائد في الإعلام بسهولة ويسر تغلغل الفكر الشيعي في المجتمع المغربي لقول يحتاج لأكثر من إثبات، لأسباب عدة من أبرزها: تركيبة المجتمع المغربي الخاصة التي عجز كبار السوسيولوجيين عن الإلمام بمختلف الدواليب المتحكمة فيه والمسيرة له. بنية المنظومة الشيعية والأسس التي تقوم عليها هذه الأخيرة من قبيل الإمامة ذات الطابع الميثولوجي، العصمة، الغيبة ،التقية والانتظار، المهدوية... كل هذا يجعلنا نقر بصعوبة أمر انتشار التشيع بالمغرب، وإن كان من يخالفنا هذا القول يحتجون بانتشار الأدبيات الشيعية في المكتبات المغربية وغزو القنوات الفضائية وتزايد الدعم الشعبي لحزب الله ومن والاه وهلم جرا من الأقوال التي نراها مفرغة من أي أساس علمي، على اعتبار أننا كباحثين وناقدين للتراث نرى من جهة أن تلك الكتب والمجلات وكتابها كالرفاعي، الجبران، يحيى، موسوي و شريعتي... في غالبتهم تمثلون التيار الحداثي أو المتحرر إن جاز لنا قول ذلك في المنظومة الشيعية الرافض لها والساعي لتجاوزها كما هو الحال عند السنة مع محمد عابد الجابري، عبد الله العروي، نصر حامد أبوزيد، الصادق النيهوم، محمد أبو القاسم الحاج حمد وحسن الترابي... ومن أخرى فالدعم الشعبي قائم على ركيزة المقاومة ضد الكيان الصهيوني لا غير بل أكثر من هذا برهن المغاربة مؤخرا على رفضهم لاستغلال توابثهم(الملكية، الوحدة الترابية و الدين الإسلامي) من أي شخص كان (الرئيس الفينزويلي هوكو تشافيز). بعد هذا نرى من الأجدى التوقف قليلا عند بعض المنظومة الشيعية لكشف تناقضاتها والتضارب الواضح والجلي في جل النصوص المؤسسة لها، وهو أمر من المفترض أن تقوم به كل تلك الأقلام التي تسعى لتأسيس المجتمع الديمقراطي الحداثي عوض الاكتفاء بالتناول السطحي للموضوع. فنقول بأن ثمة أربعة كتب تعد مرجعا في الأصول والفروع لدى الشيعة وهي "الكافي/16199 حديث" للكليني و "من لا يحضره الفقيه/5963 حديث" للقمي(الملقب بالصدوق) و "الاستبصار/13590حديث" و "التهذيب/5511حديث" لمحمد بن الحسن(الشيخ الطوسي). لا شك أن من يتصفح هذه الكتب ليندهش حقا من الكم الهائل للنصوص حول موضوع الإمامة وإثباتها فمثلا الكليني يروي عن الباقر "من مات وليس له إمام مات ميتة كفر ونفاق"، درجة تجعلنا نتساءل عن دواعي سكوت القرآن عن التنصيص على هذا الأمر الذي تظهره تلكم النصوص من الأهمية بمكان بل هو رأس الدين حسب النص الذي أثبتناه. إن فكرة الإمامة أو الوصية حسب المؤرخين الشيعة )النوبختي، الأشعري القمي و الكشي) أنفسهم تعود إلى عبد الله بن سبأ الذي قال بموضوع الوصية الروحية والشخصية الثابتة من الرسول عليه السلام إلى الإمام علي قياسا على موضوع الوصية النبي موسى إلى يوشع بن نون وتوارت الكهانة في أبناء يوشع." كيف يمكن تقبل هذا الأقوال التي بعث نبي الرحمة لإلغائها وإقرار المساواة بين الجميع "ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون" (آل عمران /79). أما عن موضوع العصمة الخاصة بالأئمة فحدث ولا حرج، غير أن مكمن الإشكال لدينا كباحثين هو كيف لم تكن العصمة من نصيب من كان خلقه القرآن وهو الرسول الكريم الذي عاتبه هذا الأخير غير ما مرة سورة عبس مثلا فبالأحرى أن تكون حليفة باقي البشر مهما كانوا "ولا تزكوا أنفسكم هو أعلم بكم". هذه نقطة فقط من بحر سنحاول مقاربته في دراسات مقبلة بما يفترضه المقام من علمية وموضوعية تتناول خرافات وأوهام في الجانبين العقائدي والتشريعي من قبيل التقية والمهدوية و الخمس وزواج المتعة و... وفي الختام أود التوقف عند مقولتين كثيرا ما عجز من تطرح عليه عن الإجابة عنهما: الأولى "وعلى كل حال لم تنشأ داخل الحقل الشيعي مذهبية فقهية مماثلة لمذهبية الفقهاء الأربعة لدى أهل السنة، وهي مذهبية التقليد التي انتهت إلى إغلاق باب الاجتهاد اكتفاء بفقه هؤلاء الفقهاء". والثانية "إذا كان البعض يقول أن التشيع لعلي في بداية الأمر لم يكن سوى نصرة وإتباعا وولاء سياسيا وأن عقائد الشيعة تكونت فيما بعد، قلنا أن الكل تغير وانتظم. فمذهب أهل السنة والجماعة نفسه تغير وانتظم من جديد، بل كل المذاهب الأربعة تطورت حتى أعقد نظما مما في أصولها". إنهما سلاح استخدم في غير محله فما فيهما صحيح تماما وهو ما جنب المنظومة السنية نسبيا) خصوصا في مجال العقيدة) من الخرافات والأوهام التي لحقت نظيرتها الشيعية. هذا والقادم من الدراسات التي تكشف ألاعيب التاريخ في هذه المنظومات تجعلنا نتساءل عن مقاربة الدولة لهذا الملف الذي لم يكن شيئا مذكورا غير أن إعطاءه أكثر مما يستحق حوله إلى موضوع الساعة. ثم إن كان الموضوع ذات صلة بالعقيدة وتهديد ديننا كمسلمين حسب منطوق الفصل السادس من الدستور "الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية" فإن ما يروج مؤخرا حول المثليين وما رافقهم تغطية إعلامية لبعض الصحف يستوجب متابعة فهو أيضا يهدد العقيدة الإسلامية والمذهب المالكي وقبلهما النظام والأخلاق العامة. * باحث في العلوم القانونية وعلم الاجتماع جامعة ابن زهر أكادير [email protected]