كثر الحديث مؤخرا من داخل مجموعات الأطر العليا المرابطة بالرباط، عن سر ومغزى الدورة التكوينية التأهيلية المقترحة من طرف الدولة، خصوصا بعد استدعاء بعض الجامعات المغربية لبعض من قواعدها الذين بات عددهم يرقى إلى 140 إطارا. لا سيما أن مكاتب هاته المجموعات والمنضوين إليها، لا يملكون أدنى معلومة عن هذا البرنامج الحكومي الذي يستهدف إعادة تكوينهم وتأهيلهم، والذي مر على إخراجه إلى حيز الوجود ما يقارب السنة. دون أن تكلف الحكومة نفسها عبر ممثليها المحاورين لمكاتب المجموعات، عناء إخبارهم بمقتضياته، مادام الأمر يهمهم بالدرجة الأولى. لكن لا شيء من ذلك حدث، بل تم التزام الصمت من قبل الجهات الحكومية ولا يزال إلى حدود كتابة هاته الأسطر سيد الموقف. ولم يتم نشر البرنامج قصد الإطلاع عليه إلا لدقائق عبر الموقع الالكتروني للوزارة الأولى، ثم سرعان ما تم حجبه. حيث الصدفة وحدها قادتني إلى "لتحميله" في الوقت المناسب، حيث كنت كعادتي كل مساء أتصفح بعض المواقع الحكومية علها تجد بمباراة أو امتحان ينتشلني من وحل البطالة... "" لإجلاء أي لبس، سأقوم بتلخيص مقتضب لمحتويات هذا البرنامج، قصد تمكين كل من يتلهف إلى معرفة جديدة من فرصة الإطلاع على كنهه، ثم سأذيله بقراءة نقدية تقف عند بعض هناته ومساوئ الانخراط فيه. وقبل الشروع في هذا المرام لابد من تقديم يستعرض بعض الحيثيات من داخل دوائر القرار، والتي سبقت طرح البرنامج إلى حيز الوجود. لقد ترأس الوزير الأول السيد عباس الفاسي، اجتماعا في مقر عمله بالوزارة الأولى، و ذلك في 20 نونبر 2007، يهدف إلى أجرأة الاتفاق الذي أبرمه سلفه السيد إدريس جطو مع 25 مجموعة للأطر العليا، والمعروف اختصارا بمحضر 02 غشت. ونص اجتماع السيد الوزير الأول على ضرورة خلق برنامج تأهيلي يهدف إلى إعادة تكوين أصحاب الشواهد العليا تيسيرا لولوجهم إلى سوق الشغل. وقد خصص مبلغ إجمالي لتمويل هذه العملية يناهز 167 مليون درهم. 1- ملخص البرنامج الحكومي لإعادة تأهيل الأطر: كما سبقت الإشارة إليه، تم نشر البرنامج بالموقع الرسمي للوزارة الأولى، لكن سرعان ماتم حذفه. ويتكون من 15 ورقة من الحجم الكبير، مكتوب باللغة الفرنسية. معنون ب: Programme de Formation Reconversion au Profit des Diplômés : Objet du PV du 02 août 2007 سهر على إنجازه لجنة تحوي ثلة من عمداء الجامعات ومسؤولي بعض المراكز"لم تحدد صفتهم". هذه اللجنة عقدت عدة اجتماعات خلصت إلى: 1- إعداد قاعدة بيانات للأطر العليا المستهدفة من البرنامج. 2- إنجاز قائمة تضم الوحدات المقترحة من أجل التكوين والتأهيل. 3- تحديد التخصصات من داخل هذه الوحدات. 4- تهيئ دفتر للتقنين البيداغوجي. ثم الانتقال إلى مرحلة وضع خطاطة أو تصميم عام للبرنامج المراد تطبيقه، وهو على الشاكلة التالية: 1- البرنامج التكويني: يستغرق 11 شهرا، توفر فيه للمستفيد مصاريف التكوين والسكن والأكل...، وينقسم إلى ثلاث مراحل: - المرحلة الأولى: تهم التكوين في المواد التي تستهدف إعادة التأهيل، وهي مكونة من وحدتين إلى ثلاث. - المرحلة الثانية: تهم التكوين في المواد التي تساعد المستفيد على الاندماج السلس في سوق الشغل، وهي أيضا تتكون من وحدتين إلى ثلاث. - المرحلة الثالثة: تهم التكوين في مواد التخصص من أجل التعمق فيها، وهي تتكون من أربع إلى خمس وحدات، إضافة إلى 3 أشهر من الدورة التدريبية. 2- الفئة المستهدفة: هي الفئة الحاصلة على إحدى هاته الشواهد ((DESA.DESS.DES.DEA.ING.MASTER.DOC عددها الإجمالي هو: 1878 مستفيد، المنتمين للمجموعات الموقعة على محضر 02 غشت، يضاف إليهم 9 من ذوي الإعاقات البصرية. ولا بأس من إدراج بعض الإحصائيات الدالة التي تهم 1878 مستفيدا: - 56,7 بالمائة تخصص علوم.(نصفهم كيمياء و فيزياء، وثلثهم بيولوجيا) - 33,7 بالمائة تخصص آداب.(نصفهم أدب عربي،أزيد من الثلث د.اسلامية) - 9,6 بالمائة تخصص قانون واقتصاد. - 78 بالمائة حاصلون على DESA. - 11 بالمائة حاصلون على Doc. - 8 بالمائة حاصلون على DESS. 3- فترة التنفيذ: سيتم التحضير لانطلاق البرنامج في شهر يوليوز 2008. ثم سينادى على 170 مترشحا في شهر أكتوبر 2008، ليتم استدعاء الباقي في دجنبر من نفس السنة. 4- الهدف من البرنامج وشروط إنجاحه: - تخليص أصحاب الشواهد العليا من فكرة حتمية التوظيف المباشر في أسلاك الوظيفة العمومية. - تيسير انفتاحهم على القطاع الخاص وعلى الوسط السوسيواقتصادي. - منحهم شواهد نظير التكوين الذي سيخضعون له، تمكنهم من رفع فرص حصولهم على وظيفة. - ملائمة التخصصات العليا لمتطلبات سوق الشغل. - متابعة ملفات المتخرجين من البرنامج التكويني، من طرف لجنة مكونة من: الوالي أو من ينوب عنه، رؤساء الجامعات أو من ينوب عنهم، CRI/ANAPEC/CGEM، ثم فعاليات المجتمع. 2- قراءة نقدية للبرنامج: يتسم البرنامج بالتخبط و العشوائية وعدم ضبط للمعطيات، حيث يخيل لمتتبع ملف عطالة الأطر أن المسؤولين لا يملكون أدنى معلومة عن الملف، وأن البرنامج تم طبخه بسرعة، لذا يتبادر إلى الذهن ومن الوهلة الأولى فشل المشروع الحتمي كونه لا يستند إلى أي معطى واقعي. وسنعمل على تبيان ذلك نقطة بنقطة. 1- عدم ذكر أو إيلاء أي أهمية للقرارين الوزاريين:695.99 / 888.99و اللذان ينصان على توظيف حاملي الشواهد العليا بالوظيفة العمومية كمتصرفي الإدارة المركزية، مما يضرب بعرض الحائط بهذين القرارين واللذان نشرا بالجريدة الرسمية. 2- قضية التكوين و التأهيل ضرب صريح في مصداقية الشواهد المغربية، من لدن من يفترض فيهم أن يعلوا من شأنها. فما فائدة إعادة تكوين إطار في تخصص حصل فيه على شهادة الدكتوراة. اللهم إن كان هذا الأخير سيتم في تخصص جانبي يكون مشفوعا بالتزام بتوظيفه. 3- لم يأخذ البرنامج في حسبانه التوظيفات التي تمت بعد توقيع محضر 02 غشت 2007 و التي ناهزت 1100 منصب، وذلك بعد المقابلة سيئة الصيت، و التي سجلت فيها مختلف الخروقات، نذكر منها: - تطعيم لوائح المجموعات المناضلة و المرابطة بالرباط، بأعداد هائلة من شبيبة الأحزاب المكونة لحكومة السيد ادريس جطو، وبعناصر أخرى اتخذت من الزبونية والمحسوبية مطية لتسجيل أسمائها، حيث لم يسبق لها النزول ولو ليوم واحد للاحتجاج أمام ساحة البرلمان،. والأغرب أن يكون لهؤلاء النصيب الأوفر من كعكة المناصب، وهذا سر عودة بعض المجموعات الموقعة على المحضر للإحتجاج (م. الأربع و م. التنسيقية). - حصول عدد هائل من المترشحين لتنويه لجنة المقابلة، لكن هؤلاء كان وقع صدمتهم كبيرا يوم اعلان النتائج، لأن أغلبيتهم رسب. وهذا ما يفسر التلكؤ والتأخير في الإعلان عن نتائج المقابلة، وذلك للسمسرة التي شابت عملية توزيع المناصب التي استحقوها عن جدارة. - اعتبار العديدين ممن اجتازوا المباراة بأنها كانت ذات طبيعة شكلية، واستنتاجهم هذا راجع إلى طبيعة الأسئلة التي طرحت على بعضهم. فماذا يعني مسائلة دكتور في الدراسات الاسلامية عن استظهاره للمعوذتين، أو مطالبة حامل لشهادة عليا في العلوم الرياضية بناتج طرح أو قسمة بسيط...مما قوى لديهم يقين الحسم في بعض المناصب مقدما. - تنصيص محضر 02 غشت على توظيف ما سيتبقى من المقابلة من حاملي الشواهد العليا عبر مراحل وذلك في أسلاك الوظيفة العمومية، الشئ الذي تتنكر له الآن الحكومة باقتراحها لمشروع بدون ضمانات. 4- كون الاستدعاءات التي توصل بها المرشحون لتلقي التكوين لا تشير من قريب أو بعيد لمسألة التوظيف البعدية، بل مجرد دورة تكوينية لاغير، والتي يمكن لأي أحد الحصول عليها بعد إيداع طلب لذلك في أحد المؤسسات. 5- نكران الوزارة الأولى علمها بموضوع البرنامج التكويني من خلال سلسلة الحوارات التي تم عقدها مع ممثليها، وكذلك تعهدها في شهر غشت المنصرم بتكوين لجنة خماسية تضم كلا من (الوزارة الأولى.وزارة التشغيل. وزارة تحديث القطاعات العامة. وزارة المالية. وزارة الداخلية)، لتدارس مسألة توظيف الأطر. فلماذا هذا التعهد مع العلم بوجود برنامج تأهيلي. 6- من خلال هذا المشروع لاتزال النظرة الاقصائية تحكم تحركات الوزارة الأولى، فلماذا ياترى تستثنى باقي المجموعات(التجمع والفتية) من مخططات الوزارة رغم كونها تعد بالحل الشامل. 7- إصرار الجهات المعنية على إقحام القطاع الخاص في رؤاها لحل مشكل عطالة الأطر، الشئ الذي يرفضونه جملة و تفصيلا، كونه يفتقد أية ضمانة، فغالب الأطر قاموا بتجربة في هذا القطاع وخلصوا إلى حتمية عدم جدواه. 8- مآل هذا البرنامج الفشل الذريع، لأن جميع المجموعات الموجودة في الساحة اتفقت على نبذه، ويحق لنا منذ الآن المسائلة حول المبالغ المرصدة لتفعيله، و التي تبلغ 16,7 مليون درهم. وبعملية حسابية بسيطة"وساذجة" نجد أن هذا المبلغ رغم هزالته(ارتباطا بكونه مبلغا مخصص لمشروع حكومي) قادر على توظيف 800 إطار معطل لمدة 30 سنة براتب 6000 درهم في الشهر. 9- عدم تضمن البرنامج لأي ضمانات لتشغيل الأطر بعد عملية التكوين، لذا لا يعدو الأمر أن يكون سوى إعادة لنفس المعطى المتمثل في عطالة الأطر. فضحايا التكوين التأهيلي الحاملين لشهادة الإجازة لا يزالون مرابطين أمام البرلمان في انتظار ادماجهم. 10- إرجاء الوزير الأول السيد عباس الفاسي، حل ملف الأطر العليا إلى السنة المقبلة، وذلك في تصريحه في المجلسين الحكوميين، حيث أكد على تخصيص مناصب للأطر العليا في ميزانية السنة المقبلة. لكن ألا يحق لنا أن نتساءل عن مصير 16000 منصب المبرمجة في ميزانية هذه السنة، من بينها 1600 منصب تنتمي إلى درجة السلم 11. حيث إذا أخذنا بعين الاعتبار مجمموع المباريات التي همت هذه الدرجة لهذه السنة نجدها لا تتجاوز 100 على أقصى تقدير. 11- تنصل الهمة من وعوده، بعد سلسلة اللقاءات المطولة التي جمعته بمكاتب المجموعات. حيث أخذ على نفسه عاتق لعب دور الوساطة. لكن الرجل تنصل من التزاماته وعاد أدراجه. في الأخير نحذر جميع الأطر من مغبة الانخراط في هذا البرنامج درءا لإعادة نفس تجربة من سبقوهم إلى هكذا دورات تكوينية. والصبر والثبات على خطهم النضالي إلى حين تحقيق مطلبهم العادل والشامل، والمتمثل في الإدماج في أسلاك الوظيفة العمومية. [email protected]