مع صمود المقاومة الفلسطينية، رغم مشاهد الدمار والموت الجماعي الناجمة عن العدوان، تتصاعد في إسرائيل حالةٌ من الجدل والبلبلة حول أهداف عملية "الرصاص المسكوب"، في ظل استمرار تساقط صواريخ "القسام وجراد والقدس" للمقاومة، على مغتصبات الاحتلال في جميع أنحاء الكيان. "" وتؤكد معظم التقارير والتحليلات الإسرائيلية ذاتها أن الهجوم المضاد بالصواريخ الذي تشنه الفصائل الفلسطينية يعتبر بمثابة ضربة على رأس إسرائيل؛ لتصحو من نشوة ارتكاب المجازر, وهى الصواريخ التي حصدت العشرات من الجرحى الإسرائيليين, فضلًا عن وقوع أعدادٍ من القتلى, وهم قتلى جنود جيشٍ، كثيرًا ما كان يُرَدِّدُ بأنه "الجيش الذي لا يقهر". ولم يكن يَتَصَوَّرُ هذا الجيش، الذي أصبحت تطوله صواريخ المقاومة في عمق أجهزته ومؤسساته النظامية, بسالةَ المقاومة الفلسطينية وجهوزيتها العالية, على الرغم من ضعف إمكاناتها, وعدم تكافؤ الفُرَص بين طرفٍ يمتلك أحدث الأجهزة, وآخر يتعامل معه بِنِدِّيّة, لا يملك من قوته المادية سوى أقل القليل, فيما يملك كنزًا زاخرًا من الإرادة والصمود. هذا السيل الجارف من الإرادة والصمود للمقاومة, أدركه جيش الاحتلال بعد ساعات قليلة من عدوانه الجوي, وتأكد له ذلك أيضا بعد ساعات مشابهة من هجومه البري, وبعدما عانى من ضراوة المقاومة, وأنه لم يكن في رِحْلَةٍ خَلَوِيَّة في محيط غزة, أو في نُزْهَةٍ على ضفافها, أو جولةٍ في أجوائها. هذه الحقيقة تأكدتْ بِجِلَاءٍ لجيش الاحتلال, الذي لم يكد تطأ أقدامه أرض غزة , حتى استهدفتهم المقاومة , لتوقع فيه الخسائر ما بين قتلى وجرحى, ما أصاب جنودَهُ بالذعر وحالات الهلع , وأدرك سريعًا أن الحرب لم تكن نزهة, وأنه إذا كان قد رغب في بدء إعلان الحرب, فإنه لا يمكن له أن ينهيها . وفي هذا السياق , فقد سبق أن اعترفت صحيفة "هآرتس" العبرية، نقلًا عن مصادر جيش الاحتلال، بأنه حاول اختراق شبكات الهاتف الفلسطينية لبث تحذيرات تخويفية مسجلةٍ عن طريق الهاتف، أو البريد الصوتي، أو الرسائل النصية القصيرة للمحمول, للإرشاد عن عناصر المقاومة, لما وجده من ضراوة المقاومة واستبسالها ضده. وبحسب ما نقلته تقارير صحفية إسرائيلية، فإن مسئولين عسكريين نصحوا رئيس وزراء الاحتلال المستقيل إيهود أولمرت، بالسَّعْيِ لمبادرة سياسية لوقف الحرب ضد "حماس" والتقاط الأنفاس، وإعلان وقف إطلاق النار, خاصةً بعد فشل الجولة الأولى من الغارات الجوية العنيفة ضِدّ سكان غزة في تحقيق أهدافها. ووفق ما نقله موقع "يديعوت أحرونوت "الإليكتروني عن الإسرائيلي "عاموس عوز"، فإنه لا يوجد لإسرائيل ما يمكن أن تكسبه من الهجوم على قطاع غزة، وأن سكان القطاع لن يثوروا ضد حركة "حماس"، كما أن إسرائيل لن تتمكن من إقامة سلطةٍ مؤيدة لها في غزة, وأنّ الهجوم البري من الممكن أنْ يُؤَدِّيَ إلى التورط والغرق في أوحال القطاع الذي يعتبر الوحل اللبناني إلى جانبه شيئًا لا يذكر, وفق"عوز". نهاية الفشل ويؤكد كثيرٌ من المراقبين أن إسرائيل كثيرا ما تبدأ حروبها العدوانية, ثم سَرْعَان ما تفشل في إنهائها, وهو ما ظهر في عدوانها على لبنان في يوليو 2006 , عندما بدأت عدوانها على مدى 33 يومًا. ولكن مع عدم تحقيقها لانتصارٍ يُذْكر على الأرض، وتعرضها لهزائم قوية ومزلزلة في الجنوب اللبناني, وفشلها في هجومها البري , فقد كانت تَبْحَثُ مع ذلك كله عن ملاذ سريع, يحفظ لها ماء الوجه العاري , لذلك كان قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار, الأمر الذي كان لها بمثابة استعادة الأنفاس التي كانت محبوسةً بين أنياب المقاومة وقتها. وإذا كانت الحالة السابقة تختلف عن الحالة الراهنة, فإن ما هو حاصل حاليًا هو أن التصعيد الإسرائيلي بعدوانه البري يهدف في اليوم الخامس على التوالي، واليوم الحادي عشر "الثلاثاء"، إلى إِحْدَاثِ أي إنجاز على الأرض , حتى لا يبدو أمام مجتمعه الصهيوني أنه هزم للمرة الثانية على التوالي, بعد هزيمته في لبنان قبل ثلاثة أعوام. ومن هنا, فإن قوات الاحتلال تسعى إلى تحقيق "انتصار إعلامي" على الأقل , بعد إخفاقها في "الانتصار العسكري" , بأن يروج الجيش الإسرائيلي إلى أنه حقق إنجازًا, بإظهار عمليات اعتقال للمقاومة, أو احتلال مواقع في غزة , وذلك كله بعد ما فشل في تحطيم منصات صواريخ المقاومة, بدليل استمرار إطلاقها, حتى بعد بدء الهجوم البري بعدة أيام, ووصولها لمواقع جديدة, لم تكن قد وصلت إليها منذ بدء العدوان. ولذلك يسعى الاحتلال إلى تحقيق ترويج دعائي بصور الاعتقالات واقتحام المنازل, على أنه "انتصار", وذلك لِعَرْضِهِ أمام الرأي العام, في محاولةٍ لتحقيق هدفين: الأول: وهو إثبات أن العدوان كانت له جدوى, والآخر: محاولة وزير الحرب الإسرائيلي إيهود باراك كَسْبَ ثقة الرأي العام في "تل أبيب"، خلال المعركة الانتخابية التي سيخوضها خلال شهر فبراير المقبل. كل ذلك يؤكد أن قوات الاحتلال تسعى إلى تحقيق انجاز هامشي، ليس على الأرض بالطبع , ولكن إنجازٌ دعائي تفاخر به أمام المجتمع الإسرائيلي, في الوقت الذي لم يدرك فيه الاحتلال، أنّ الحرب التي خاضها بدعوى القضاء على حركة"حماس" أكسبتها تعاطفًا شعبيًّا هائلًا, ليس فقط في داخل الأراضي المحتلة, ولكن في جميع الدول العربية والإسلامية والغربية. ومن هنا , ومع ضراوة المعركة التي تخوضها المقاومة بإرادة واستبسال أمام عدو همجي غاشم , أصبحت تدفع الاحتلال إلى التفكير في مخرج سياسي للحرب والعمل على وقفها، بِشَكْلٍ يحقق له على الأقل ما أصبح إعلامه يردده بعودة الشرعية إلى حركة "فتح" في غزة , وَفْقَ تأكيد الوسائط الإعلامية بدولة الاحتلال.