في كل بقاع العالم، تتحد الشعوب المحرّرة من الأنظمة القمعيّة، في هذا الفاتح من ماي، بكل حماس من أجل الإحتفال بالعمل المحرّر. لو يستسلم الجزائريون لسطوة الحكام، فسيجدون أنفسهم ، بعد سبعة و خمسين سنة من الاستقلال، أمام خيارين لا ثالث لهما : الطاعون و الكوليرا. هل وصلنا إلى حالة الندم على حقبة بوتفليقة ؟ السؤال الذي يبدو سخيفا، إن لم نقل متفزّا، له شرعيّته على الأقل. بالنظر إلى ما آلت إليه الأمور، تظهر الإقتراحات التي أتى بها رئيس الدولة السابق، أياما قبل نسفه من قبل رئيس أركانه الوفيّ، الذي أرغمه، بدوره، الشارع، أقل إلزامية بكثير من البالوعة التي يسعى هذا الأخير أن يحشر فيها الأمة. نتذكّر جيّدا أن بوتفليقة اقترح مرحلة انتقاليّة شاملة و محدودة الزمن ، لها واجب تحديد الآفاق التي تليق بالبلاد. رئيس الأركان، الذي أصبح رئيسا بحكم الأمر الواقع، يشترط من الجميع الخضوع لإملاء غير مادي : يجب على هيئات النظام القديم تنظيم انتخابات رئاسيّة في ( أحسن الآجال ). كمن يقول أن أمام النظام الذي ندّد به ملايين الجزائريين منذ شهرين و نصف، أيّام حلوة تنتظره يحقّ لنا أن نشكّك في مدى استعداد بوتفليقة لاحترام تعهدّاته التي أخذها لو استطاع انقاذ حكمه. و لكن أن يقول عسكري شيئا و نقيضه في مداخلة واحدة، فهذا ليس طريقة لتمرير مصداقية كانت، في الأصل، على المحك. لا يمكن أن ندّعي سماع صوت الشعب و الظهور كل ثلاثاء بالزيّ العسكري لقراءة فتوى، من على منصّات قواعد النواحي العسكريّة المختلفة، مفادها المحافظة على هياكل و ممارسات نظام نبذه الجزائريون على بكرة أبيهم و لا يجب أن ننسى أن نفس الشخص يجنّد، كلّ أسبوع، وحداته لمحاصرة العاصمة من أجل منع مواطني المدن الداخليّة من ملاقاة قاطني العاصمة للتعبير معا عن تطلّعهم للعزّة. شباب من زموري، أُغلقت في وجوههم الطرق البريّة للوصول إلى العاصمة، امتطوا قاربا و التحقوا بزملائهم في الحراك عبر البحر. قبل ثلاثة أشهر من الآن، لربّما استعملوا نفس القارب للهروب من البلاد، و لربّما ارتطم بهم في البحر. إنّه لرمزيّة بذاتها. و لكن كلّنا نعلم أن الاستبداد هو العنف القاسي الذي يتجاهل الرسائل التي تغذي الأحلام و ترفع الهمم. الرجل الذي طالما يكرّر أنه لا يمارس السياسة يصرّح أن ما يقوم به يصبّ في خانة الاحترام التام للدستور. إنّ القانون الأساسي للبلاد، ممسحة و راية الأوليغارشيّة في نفس الوقت، ديس بالأقدام دون أية شفقة عندما استلزم الأمر فرض تجاوزات أو إشباع نزوة، و يتمّ رفعه في وجه الشعب كأنّه طوطم كلّما عبّر عن رغبته في إنهاء أحد أواخر الرواسب السياسية لمرحلة ما بعد الاستعمار إن المزاعم و الادعاءات التي يتم بها تبرير الوصاية على الشعب عبر صلاحيات منحها الدستور للجيش لا تستند إلى أي واقع. لا وجود لأي نص دستوري يعطي الحق لرئيس الأركان، و لو كان نائب وزير دفاع، إملاء إرادته للوطن أو تكليف العدالة بأية مهمة كانت الإجراء بدا طائشا و منقوصا إلى درجة أن فتح الأبواب لكل التخمينات و المضاربات. ففي وسائل التواصل الاجتماعي و في أماكن النقاش العاديّة، يتساءل الناس عن ما إذا كان هذا التحدّي تعبير عن كبرياء شخص غمرته قوة النيران أم هو نابع من خوف كابت من إمكانية المحاسبة. آخرون يتكلّمون صراحة عن ضغوطات خارجيّة يصعب تجاهلها. إنّه غير لائق بتاتا التصريح بأقوال أو التموقع في وضعيات تشجع هذا النوع من التكهنات عندما يستعدّ البلد لإعادة ترتيب قدره. لقد تمّ، هذا الثلاثاء، و دون أي حس سليم، استدعاء البرلمان و الحكومة لتنظيم التجديد في وقت طلب الشعب بحلّ هاتين الهيئتين كشرط مسبّق لأي مبادرة. و قد تبع هذا الإعلان موجة من التعليقات الحادة في الانترنت نكون قد أخطأنا إن لم نرى في هذا الإنزلاق سوى الجانب التافه منه. إن القرارات ذات الصبغة الجهوية و القبليّة التي طبعت موجة التعيينات و الترقيات التي حصلت في الأسابيع الأخيرة تعمّق و توسّع الهوة الاجتماعية و السياسية التي قد قد تضعف أكثر الإدارة التي أنهكتها و شلّتها منذ الأزل التعليمات الموازيّة و التسلّط. و لم يكن الأمر مفاجئا عندما كان أوّل ما بادر به الأمين العام الجديد للأفلان هو بعث رسالة تزكيّة للجيش لا شيء إذن حدث منذ 22 فيفري. العسكرة، هذا المرض المتفشي في الجزائر، أصبحت اليوم أكثر حضورا. لهذه اللحظة، لا يوجد أي مؤشر يسمح بالتفاؤل بوجود قليل من الحنكة أو ذرة إرادة في الحوار في خرجات رئيس الأركان. الأمر بتنظيم انتخابات رئاسية في ظل الأحكام الدستوريّة الحالية يعني إعادة تمرير النظام الرئاسي الذي قادنا نحو المأزق الذي نتخبط فيه حاليا. كل الفاعلين السياسيين و الاجتماعيين العقلاء يتفقون حول فكرة تنظيم انتخابات تشريعية تسبق الرئاسيات للفصل في طبيعة الحكم ( رئاسي، برلماني، نصف برلماني ) الذي يليق بجزائر اليوم. و حتى هذا الاستحقاق يستلزم وضع شروط ديمقراطية مسبّقة له، تقينا شرّ المغامرات الانتخابيّة التي لا رجعة فيها و تبقى مسألة الفانتازيا الكبرى : مكافحة الفساد التي يضن قائد الأركان أنّه باستطاعته الإلهاء عن مطلب التغيير و تبرير الإستحواذ على الحكم الذي لا اسم له سوى : الإنقلاب الأبيض. الحيلة ليست بأمر جديد. الإمبراطور المصري عبد الفتاح السيسي أودع السجن، عن حق أو باطل، كلّ من رأى فيه نوايا معارضة لهيمنته السياسيّة لا أحد يمكنه الإيمان أن قاضيا، غالبا ما تحوم حوله الشكوك و متعوّد دوما على استلام الأحكام التي ينطق بها بالتيليفون، يمكنه التحرّر من يوم لآخر من عبوديّته. لا أحد يمكن الإيمان بإرادة تطهير الحياة العامة عندما يُترك حرّا طليقا من استعمل بغير حقّ ختم الجمهوريّة. هل يوجد أكبر جريمة من هذه ؟. لا أحد يمكنه الإيمان بأن اختيار القوائم المقدّمة للنيابة من المصالح التابعة خصّيصا لقيادة الأركان، أتى خاليا من أيّ خلفيّة فكريّة أو أنّها ستضمّ من هم شركاء في الأعمال مع صناع القرار أو مقربّين منهم لأ أحد يمكنه الإيمان بأن اختيار الملفات المودعة للتحقيق من طرف الأمن العسكري قد تمّ اكتشافها صدفة لا أحد يمكنه الإيمان بجديّة عدالة يتمّ إصدار أحكامها عبر التلفزيون العمومي قبل ان تبدأ جلسات الاستماع هذه الملاحظات لم تكن سرّا على أحد. فهي حديث الساعة في كلّ أرجاء الوطن. ممّا يعني أن المناورة التي كُشفت بدأت تقصف أوّلا مُرقّيها إنّ الفساد جزء من النظام الذي حكم البلاد منذ 1962. إن إلقاء مواطنين جُرّدوا من حق البراءة لقمة صائغة للحكم الشعبي في حين يتمّ استقبال شخصيات مثيرة للجدل بحزام أمني و إدخالهم إلى المحكمة عبر ممرّات حاجبة للناظرين تعطي فكرة واضحة عن النوايا و المقاصد المسطرة لهذه المسرحيّة الدنيئة التي يزاحم فيها العنف قلة الحياء كثير من الأصوات قالت : الطريقة السليمة لمكافحة الفساد هي عدم عرقلة الانتقال الديمقراطي الذي يناضل الشعب الجزائري من أجله بكل ذكاء و سخاء و بطولة. الإجراءات الاحترازية كمنع مغادرة التراب الوطني، تجميد الحسابات البنكيّة، منع بيع أو التنازل عن الحصص و تعيين إداري، كفيلة بحماية ما يجب، في انتظار نظام سياسي جديد يفصل بين السلطات و يضمن بروز عدالة مستقلّة أمام هذه المواقف، وجدنا أنفسنا محتارين بين التهكّم على طمع بائس لا يتوانى في القيّام باختطاف ثورة شعبية لا نظير لها ، و شجب طموح غير مسؤول قد يؤدّي بالبلاد نحو الهاويّة في خضمّ كلّ هذا، شيء يلوح في الأفق من أسبوع لأسبوع. المؤكّد هو أن حظوظ التقاء الثورة الشعبية بقيادة الأركان تتآكل. فإن لم يعلو صوت الرزانة و التعقّل، و إذا لم تتجّه الأمور بسرعة نحو التبصّر ، فإن تقاطع الطرفين، إن كُتب له أن يقع، لن يكون في الهدوء و السكينة التي يتمنّاها الحراك إلى حدّ الساعة، عرف المواطن أن يكون صبورا و راشدا. و هو موقف مشرف له في مثل هذه المراحل التاريخيّة، كانت دائما الدروس نهائية. عندما نريد حيازة كلّ شيء ، ننتهي بالسقوط. سعيد سعدي الجزائر ، 01 ماي 2019