سباق الأميال الأخيرة على خلافة بوتفليقة بدأ... من سيكون الرئيس القادم للجزائر..؟ يكرر الجزائريون في الجارة الشرقية هذه الأيام العبارة ذاتها في كل مكان، في الداخل والخارج، الشعب لا يريد إسقاط النظام ولا يرغب في إسقاط الرئيس، كل ما يرغب فيه هو أن يظهر رئيس الجمهورية للعموم في كامل صحته ولياقته، غير ذلك يعني أن الرئيس لا يحكم وأن أناسا غير معروفين يديرون الجزائر من وراء صور بوتفليقة المعلقة على جدران المكاتب الإدارية. هذه المواقف القوية من قبل الرأي العام الجزائري جاءت بعد أن شاهد ملايين الجزائريين الصور الحقيقية للرئيس بوتفليقة، الصور التي حاول المتحكمون الفعليون في الجزائر وهم مجموعة الجنيرالات حجبها عن 35 مليون جزائري، تم تسريبها في تلفزيونات فرنسا وأظهرت بوتفليقة وهو يستقبل رئيس حكومة فرنسا في وضعية صحية لا تسر عدوا ولا صديقا.. ومع ظهور صور بوتفليقة وهو في حالة متقدمة من التعب البدني والذهني عاد أيضا معها الحديث عن سباق الأميال الأخيرة على الفوز بمنصب الرئيس.. ورغم أنه لايعرف كيف سيحدث ذلك ومن هو البديل المرجح لحد الآن يبقى هناك خلفاء محتملون كثر، ولكن القوى التي ترجح الكفة تبقى محدودة جدا وفي المقدمة كبار قادة الجيش والمخابرات ومراكز النفوذ الاقتصادي والمالي، وأساسا باريسوواشنطن اللذان لن يقبلا بأي شخص لتحمل منصب الرئاسة دون أن يكون مقبولا وقادرا على خلق التفاف شعبي حوله، لاسيما في ظرفية صعبة ومشتعلة سواء في الجزائر أو على المستوى الإقليمي والجهوي.. مع ذلك يتفق الكثير من المتابعين ومحللي الشأن السياسي في الجزائر أن الصراع داخل أجهزة السلطة وصل إلى مرحلة كسر العظام والتحضير الفعلي لما بعد الرئيس بوتفليقة، ومما يؤكد ذلك التغييرات الكبيرة في الكثير من القطاعات الحكومية والإدارية والأمنية والعسكرية بمؤسسات الدولة، وحتى لدى أحزاب السّلطة. وأمام الحالة المضطربة التي تعيشها الجزائر سياسيا يصعب التكهن بهوية الرئيس لمرحلة ما بعد بوتفليقة، في ظل تعدد الأسماء التي طفت على سطح الساحة السياسية، وصراع الأجنحة المتحكمة في دواليب الشأن العام هناك، إلا أن المتتبعين يحصرون لائحة المرشحين لخلافة الرئيس بوتفليقة في أسماء بعينها. في المقدمة، سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس ومحمد أويحيى وزير الدولة ومدير ديوان الرئاسة ورئيس الوزراء عبد المالك سلال وقائد أركان الجيش أحمد قايد صالح ومدير المخابرات الجنيرال عثمان طرطاق ومدير الأمن الجنيرال عبد الغني هامل وقائد المنطقة العسكرية الرابعة عبد الرزاق الشريف، وفي الأخير زعيم الحزب الحاكم جبهة التحرير الوطني عمار السعداني.. ومع أن هذه الأسماء هي من يدور الحديث حولها حاليا، يمكن أن تظهر في آخر لحظة شخصية أخرى قد تقلب كل الموازين وتخلق الإجماع حولها من أجل تولي منصب الرئاسة. أظهرت صورة الرئيس بوتفليقة وهو في حالة متقدمة من التعب البدني والذهني وهو يستقبل منذ أيام رئيس وزراء فرنسا مانويل فالس في الجزائر، أن الرئيس لا يحكم وأن أناسا غير معروفين هم من يديرون الجزائر. صورة بوتفليقة وهو غير قادر على النطق أو حتى التركيز والتي نقلتها كل تلفزيونات العالم أصبحت حديث الشارع الجزائري هذه الأيام.. وبين سكوت أصحاب القرار في قصر المرادية في الجزائر وصانعي القرار في قصر الإليزيه في فرنسا عن الظروف الصحية الحقيقية لبوتفليقة، على اعتبار أن باريس هي من تملك الملف الصحي الكامل بأدق تفاصيله لبوتفليقة، تبقى حالة الترقب والانتظار والخوف هي القاسم المشترك بين الرأي العام الجزائري وبعض الدول التي تربطها بهذا البلد علاقات شراكة سياسية واقتصادية هامتين. فالظروف الصحية الصعبة للرئيس بوتفليقة والتي توحي بعدم قدرته الفعلية على ممارسة مهامه السياسية والدستورية كرئيس للدولة، فتح السباق على خلافته، وفي ذات الوقت التساؤل عن السيناريوهات المحتملة لذلك، وهل سيكون للجزائر موعد مع التاريخ للبدء في تأسيس ديموقراطية حقيقية بعيدا عن سلطة العسكر والمخابرات. وما بين هذا الغموض وانتظار المجهول تحدثت تقارير استخباراتية كثيرة عن أن دولا كبرى وبسبب الوضع الدقيق في المنطقة ارتباطا بما يجري في ليبيا، وجهت تحذيرات إلى القيادة الجزائرية وأساسا الجيش من ضرورة ضمان انتقال سلس للسلطة ودون مشاكل قد تهدد الأمن والاستقرار ليس فقط في الجزائر التي تعيش أصلا احتقانا اجتماعيا، ولكن أيضا الظروف الغير مستقرة التي تمر منها المنطقة والمفتوحة على الكثير من الاحتمالات. واستباقا لكل ذلك وأمام هذا الوضع لم يكن أمام المعارضة الجزائرية إلا دق ناقوس الخطر و إعادة الطلب القديم – الجديد ألا وهو وضع البرلمان الجزائري والمجلس الدستوري أمام مسؤوليتهم التاريخية وحثهم على استخدام المادة 88 من الدستور الجزائري، التي تنص على أنه في حالة مرض الرئيس بشكل مزمن أو عجزه عن أداء مهامه الدستورية يتولى رئيس مجلس الأمة – البرلمان – منصب رئيس الجمهورية بالنيابة لمدة لا تزيد عن ستين يوما، تنظم فيها انتخابات رئاسية مباشرة. وسواء تمت الاستجابة لمطلب المعارضة واللجوء إلى المادة 88 من الدستور أو انتظار نهاية الولاية الرابعة للرئيس بوتفليقة والتي تمتد حتى العام 2019 وهو من المستحيلات بالنظر إلى مرض بوتفليقة الشديد تبقى التكهنات عن هوية خليفة الرئيس على كرسي قصر المرادية متعددة، وتبقى بعض الوجوه، حسب المهتمين بالشأن الجزائري، مرشحة أكثر من غيرها لخلافة بوتفليقة. غير أن المتتبعين للشأن السياسي الجزائري يرون أنه لو كانت مسألة خلافة الرئيس بوتفليقة في يد هذا الأخير لما تردد في تعيين شقيقه الأصغر وحارس أسراره ومستشاره سعيد بوتفليقة، أو الجنيرال القوي رئيس أركان الجيش الشعبي الوطني الجزائري قايد صالح والذي تربطه به علاقات قوية امتدت لعقود من الزمن، لكن الرئيس بوتفليقة يعرف أكثر من غيره أن تعيين رئيس الجمهورية تتحكم فيه شبكة من النافذين والمسؤولين الكبار والمتحكمين في مصدر القرار السياسي من الجنيرالات وأصحاب المصالح، بالإضافة إلى فرنسا التي تربطها علاقات متينة واقتصادية مع مستعمرتها السابقة الجزائر، بل هي من تعطي في الأخير الموافقة على من سيصبح سيد قصر المرادية. ورغم أن العديد من الفعاليات والهيئات السياسية، يسارية، علمانية وإسلامية، والتي كانت وضعت أرضية مشتركة نددت فيها بقتل الاختيار الديمقراطي الجزائري، وتفويت فرصة الانتقال السلمي والديمقراطي بعدما تقدم الرئيس بوتفليقة إلى عهدة جديدة والترشح لانتخابات رئاسية جديدة في أبريل 2014 قد أعادت إحياء هذه المبادرة من جديد في وقت احتدم فيه السباق الآن من أجل الوصول إلى منصب رئاسة الجمهورية، تعي جيدا أن لا أحدا سيعير اعتبارا أو اهتماما لما قالته أو ستقوله أمام الصراع الذي لايزداد إلا احتداما بين جناح المخابرات الذي كان يقوده الرجل القوي الجنيرال «محمد مدين» مدير جهاز المخابرات والذي رغم إحالته على التقاعد مايزال متحكما في الجهاز عبر العديد من تلاميذته وبين جناح السعيد بوتفليقة الذي استفرد بكامل الصلاحيات الرئاسية بعد مرض شقيقه من أجل الظفر بالمنصب الأول في الدولة. وأمام هذه الحالة المضطربة التي تعيشها الجزائر سياسيا يصعب معها التكهن بهوية الرئيس الجديد ما بعد غياب بوتفليقة، في ظل تعدد الأسماء التي طفت على سطح الساحة السياسية، وصراع الأجنحة المتحكمة في دواليب الشأن العام هناك، إلا أن المتتبعين يحصرون لائحة المرشحين لخلافة الرئيس بوتفليقة في 9 شخصيات 4 عسكريين و5 مدنيين. هذا رغم أن شخصية الرئيس بوتفليقة وما يعرفه الجزائريون عن رئيسهم يجعلهم متيقنين بأن بوتفليقة لن يترك الكرسي ولن يتنازل عنه حتى لشقيقه، إلا أن الظاهر هو أن المصلحة العليا لسلطة الأمر الواقع في الجزائر أو جماعة الحكم تجعل موضوع تمسك الرئيس بوتفليقة بالسلطة أمرا ثانويا أمام مستقبل الجماعة الحاكمة والمسيطرة في الجزائر. ويبقى من بين المرشحين والذين لهم حظوظ كبيرة في الوصول إلى كرسي الرئاسة، سعيد بوتفليقة الشقيق الأصغر للرئيس والذي يعتبره الأخير يده اليمنى وكاتم أسراره، لكن السؤال الذي يبقى بلا إجابة هو لماذا لم يترشح السعيد بوتفليقة لرئاسيات 2014 رغم أن الأجواء كانت مناسبة بالنسبة له، إلا أن العارفين بخبايا الأمور في الجزائر يقولون إن باريسوواشنطن هما من رفعا الفيتو في وجهه ورفضا تحمله المسؤولية، بسبب ملفات الفساد العديدة المتهم فيها وأيضا بسبب رفض بعض أطراف الجيش له. بعد شقيق الرئيس، يأتي مرشح آخر وهو وزير النفط السابق شكيب خليل الذي عاد مؤخرا من أمريكا حيث كان يعيش مدة 3 سنوات فارا من العديد من ملفات الفساد، والذين يرجحون كفة شكيب خليل ليصبح رئيسا بعد بوتلفيقة يركزون على أمرين، أولا أنه يعرف برجل أمريكا في الجزائر لارتباطه بعلاقات وثيقة مع كثير من أركان الحكم في واشنطن، ثم ثانيا لكفاءة وقدرة الرجل وعلاقاته وسط اللوبيات النفطية في العالم، وحاجة البلاد إلى إمكانياته لتسيير القطاع في الظرف العصيب الذي تمر به السوق النفطية العالمية. بعد شكيب خليل يأتي أحمد أويحيى مدير ديوان الرئاسة الذي يتمتع بنفوذ قوي، وعلاقات براغماتية مع كل أجنحة النظام. أويحيى الذي تميز مساره السياسي بكونه رجل التوافقات بين أجنحة النظام، يشهد تاريخه السياسي بقدرته على حلحلة الملفات الكبرى للنظام، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، سيما و أنه يمارس حاليا مهام نائب الرئيس، رغم عدم تنصيص ذلك في دستور البلد، لكن استقدامه في ظرفية عرفت صراعا قويا بين جناحي الرئيس بوتفليقة والمخابرات، وتوليه منصب مدير ديوان الرئيس ما هو إلا مؤشر على الثقة التي يحظى بها لدى مختلف الأجهزة خاصة العسكرية منها، حين قاد حملات استئصالية ضد الإسلاميين في تسعينات القرن الماضي رفقة مدير المخابرات الجزائرية السابق محمد مدين، وترؤسه لمجموعة من الحوارات مع الأحزاب السياسية، ثم أخيرا الاحترام الذي يحظى به من طرف التكنوقراط الجزائريين والأجانب، بالإضافة إلى تفوقه في مجموعة من الوساطات التي قام بها على المستوى الخارجي، خاصة مساهمته في توقيع اتفاق بين حركة الطوارق المسلحة والسلطات النيجيرية. بالإضافة إلى ذلك فمساره السياسي وتوليه منصب رئيس الحكومة عدة مرات، مكنه من كسب تجربة وحنكة سياسية كبيرتين. وعودته الأخيرة وفي الظروف التي يمر فيها الرئيس بوتفليقة بحالة مرضية تزداد سوء يوما بعد يوم، تعتبر مؤشرا قويا على أن أحمد أويحيى يبقى المرشح الأكثر قابلية من طرف جميع أجهزة النظام الجزائري. إلى جانب أحمد أويحيى هناك حديث عن أن جهات ما في السلطة ترغب في عبد المالك سلال رئيس الوزراء ليصير الرئيس القادم للجزائر. مقابل كل هؤلاء توجد في الجزائر جهات أخرى خاصة التي تريد الإبقاء على مصالحها دون مساس تؤيد قائد أركان الجيش الجنيرال قايد صالح، والذي يرتبط بعلاقات قوية مع الرئيس بوتفليقة ليتربع على منصب الرئاسة. ثم يأتي بعد هؤلاء الجنيرال عثمان طرطاق مدير جهاز المخابرات، الذي تحدثت كواليس عديدة على أنه مقبول من جهات نافذة في الجزائر. خاصة وأن كثيرين يعتبرونه الشخص القادر على عدم تهديد الوضع الراهن في الجزائر، حتى لو قرر القيام ببعض الإصلاحات السياسية والاقتصادية. يأتي بعد مدير المخابرات الجنيرال عبد الغني هامل مدير الإدارة العامة للأمن الوطني. هذا الجنيرال الذي يجر وراءه تجربة كبيرة في السلطة لعل أهمها قيادة الحرس الجمهوري، وقبلها منصب قائد حرس الحدود، تشفع له هو الآخر ليصبح المسؤول الأول في الجزائر. بعد كل هؤلاء المسؤولين يأتي عمار السعداني أمين عام حزب جبهة التحرير الوطني – حزب السلطة – ورغم تداول اسمه هو الآخر، إلا أن شبهات الفساد التي تحوم حوله وتم نشرها في وسائل إعلام وأشارت إلى أن سعداني تعرض للمساءلة في فرنسا حول ممتلكاته هناك بشبهة تبييض أموال، وهو الأمر الذي يجعل وصوله إلى منصب رئاسة الدولة صعبا بل ومستحيلا. أما الوجه الآخر في المؤسسة العسكرية والذي قد يخلق المفاجأة فهو اللواء عبد الرزاق الشريف قائد الناحية العسكرية الرابعة.. ومما يوحي بذلك أن الشريف كثر الحديث عنه وعن النجاحات التي حققها في المدة الأخيرة خاصة في اللواء الغربي للجزائر، كما أن الشريف مازال ورقة غير محروقة لدى الرأي العام الجزائري لعدم ارتباط اسمه بأي من قضايا الفساد الكثيرة والكبيرة التي غرق ويغرق فيها كبار الجنيرالات الجزائريين.