منذ التدهور المفاجئ في الوضع الصحي للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ازدادت التساؤلات عن المستقبل السياسي للجزائر، وذلك في ظل غياب معلومات دقيقة حول الوضع الصحي الحقيقي للرئيس نظراً للإخفاق الإعلامي الواضح لمؤسسة الرئاسة. في هذا الجو الذي يتسم باللايقين وعدم وضوح الرؤية على جميع المستويات يتساءل الجميع، ما بين مواطنين عاديين ومتخصصين، أين تتجه الجزائر؟ لقد أدى نقل الرئيس على عجل إلى باريس للعلاج في أواخر أبريل 2013 إلى فتح النقاش مجددًا حول المرحلة القادمة، وإلى وضع النظام السياسي أمام سؤال مرحلة ما بعد بوتفليقة، وإلى تهميش أنصار تمديد "حقبة بوتفليقة". التداعيات السياسية لمرض الرئيس بوتفليقة ينطلق هذا التحليل من فرضية أساسية فحواها أنّ اشتداد مرض الرئيس فتح النقاش سياسيًا واجتماعيًا وعجلّه حول مرحلة ما بعد بوتفليقة، ومن ثمّ اعتبار ترشحه لعهدة رابعة مسألة تجاوزها الزمن. ويعد هذا دلالة على تطور نوعي في التعاطي مع الموضوع على أعلى مستويات صناعة القرار؛ فحتى وقت قريب جدًا كانت مراكز القوة المرتبطة بالرئيس - والتي تتقاطع مصالحها مع مَن في السلطة - تروّج لترشّحه لعهدة رابعة قبل نهاية عهدته الثالثة، وخاصة أنّه لا توجد أي عقبة دستورية هذه المرة، على عكس العهدة الثالثة التي تطلبت تعديل الدستور. إنّ تدهور الحالة الصحية للرئيس – منذ مرضه في عام 2005 – لم يجهض مشروع انتخابه مجددًا فحسب، بل نقل النقاش إلى مدى أهليته الدستورية لإنهاء الفترة الرئاسية الحالية التي تنتهي في أبريل 2014. وتوحي العديد من المؤشرات بأنّ مصير بوتفليقة قد حُسم، وأنّ حقبته توشك على النهاية؛ فقد ورد اسم وزيره السابق للطاقة والمقرب منه شكيب خليل في فضيحة شركة النفط الجزائرية "سوناطراك" في سياق إعلان القضاء عزمه الاستماع إليه كشاهد، لكنّه غادر البلاد مباشرة بعد تسريب الخبر. وقد يكون سعي القضاء للاستماع إليه وعدم إصدار مذكرة توقيف بحقه تحول دون سفره دلالة على صراع بين أجنحة في النظام. ويمكن فهم تحريك ملفات فساد تورّط فيها مقربون من الرئيس في سياق رسالة سياسية موجهة إليه ولأنصاره للتراجع عن فكرة الترشح لعهدة رابعة. وثمة مؤشر آخر، وهو تسريب الصحافة خبر إقالة بوتفليقة لشقيقه السعيد من منصب مستشار رئيس الجمهورية في توقيت يكاد يتزامن مع الإعلان الرسمي عن تدهور حالته الصحية ونقله إلى فرنسا للعلاج. وقد تكون هذه الإقالة نتيجة ضغط من جهات داخل دوائر صنع القرار في الجزائر، إذ إنّ اسم شقيق الرئيس قد رُبط بقضايا فساد لا سيما في قطاع الطاقة. ومع التراجع الصحي الأخير للرئيس وغيابه عن البلاد وابتعاده عن ممارسة مهماته الرئاسية منذ شهر ونصف الشهر تقريبًا، ارتفعت أصوات بعض الأحزاب (مجموعة ال 14 المناوئة للعهدة الرابعة) داعية إلى ضرورة العمل بالمادة 88 من الدستور الجزائري المتعلقة بأنّه في حال استحالة ممارسة الرئيس مهماته بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع البرلمان للتصريح بثبوت المانع، وفي حال استمرار المانع لمدة 45 يومًا يستقيل الرئيس، ويتولى رئيس الغرفة العليا للبرلمان مهام الرئيس لمدة 60 يومًا تنظم خلالها انتخابات رئاسية. وهي محاولة لإبعاد بوتفليقة نهائيًا بطريقة دستورية، ومن ثمّ، قطع الطريق على إمكانية بقائه في السلطة مدى الحياة - دستوريًا - إن هو تعافى. إنّ مجموعة ال 14 المعارضة ليست ذات وزن انتخابي مهم، وهي إذ تطالب بتفعيل المادة 88 من الدستور تراهن على عدم قدرة بوتفليقة صحيًا على تولي مهماته كرئيس بشكل نهائي، ومن ثمّ، تمهّد لانتخابات رئاسية مبكرة. وهناك اتصالات جارية بين مختلف الأحزاب، وليس من المستبعد أن تنضم حركة مجتمع السلم (حمس) الإسلامية – التي كانت عضوًا في الائتلاف الحكومي السابق قبل أن تعود إلى المعارضة منذ فترة وجيزة - إلى تلك المجموعة. إنّ جميع المؤشرات والنقاش السياسي هي بوادر نهاية حقبة وبداية أخرى. والمثير أنّ هذه الأحزاب المعارضة للعهدة الرابعة والمطالبة بتفعيل المادة 88 من الدستور تستحوذ على حيز إعلامي لا يتناسق وحجمها، فيما لم تقنع الحكومة أحدًا في محاولتها طمأنة الجمهور بشأن صحة الرئيس. بل إنّ تكتمها - إراديًا أو عنوة - على صحته ومكان وجوده تحديدًا وتحريك القضاء لمنع نشر أخبار تناقض الرواية الرسمية يدعم مواقف الأطراف المعارضة التي تريد توظيف مادة دستورية للتخلص من بوتفليقة. أما حزبا السلطة وهما حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، وتلك الأحزاب السائرة في فلكهما فتلتزم الصمت حيال هذا الأمر. ويمكن أن يعود هذا الصمت إلى أنّ حزبي السلطة تعوّدا دائمًا على مساندة المرشح الرسمي لها. وبما أنّهما يدعمان بوتفليقة، فهما في انتظار ما ستؤول إليه الأمور لمعرفة من سيخلفه كمرشح رسمي للسلطة في حال تعذّر عودته إلى مهامه وإتمام ما تبقى من عهدته الحالية. معضلة الجيش والمراهنة على "الفوضى الخلاقة" يقف الجيش الجزائري أمام معضلة لا يحسد عليها؛ فهو يسعى لمواصلة عملية التحول التي يعرفها منذ سنوات على أنّها: أولاً، الابتعاد عن السياسة أو على الأقل عن الحكم المباشر، وثانياً، عملية بناء جيش محترف. ولإنجاح هذه العملية المزدوجة فهو بحاجة إلى عنصرين أساسيين: المصادر المالية، والاستقرار الإقليمي والمحلي. إنّ العنصر الأول متوافر، بينما الثاني غير متوافر بشكل كامل؛ فأمنيًا، أصبحت الجزائر محاطة ببؤر توتر على حدودها كلها، وتتميز جميع تلك البؤر بأنّها تهديدات غير دولتية (وبخاصة الحدود مع مالي وليبيا، وإلى حد ما مع تونس)، أما الحدود مع المغرب فهي محل إشكال منذ عقود بسبب نزاع الصحراء الغربية، وتبقى الحدود مع موريتانيا مستقرة في بُعدها الدولتي لكنّها مخترقة من طرف الفواعل غير الدولتية العابرة للحدود. ومن ثمّ، فانعدام الأمن في الجوار وانعكاسات ذلك على الأمن القومي للجزائر يجعل الجيش يركز أساسًا على مهمته الأولى: حماية أمن البلاد. أما سياسيًا، وبخاصة على الصعيد المحلي، فإنّ الوضع غير مستقر لأنّ النظام بل والدولة برمتها معلَّقة على ما يقرره أو لا يقرره الرئيس بوتفليقة الذي أصبح حضوره على الساحة السياسية محدودًا منذ مرضه في عام 2005. وعلى الرغم من تراجع أداء مؤسسات الدولة التي أصبح بعضها في حالة شلل، ومع شيوع انطباعات حول انتشار الفساد، فإنّ الجيش لم يحرّك ساكنًا. وهذا طبيعي، فهو إن تدخل سيُتهم بالانقلاب على السلطة المدنية. بل إنّ الجيش آثر أن يبقى صامتًا حتى إزاء موقف بعض الأحزاب التي طلبت تدخله لوضع حد لانحراف الدولة وبعض المؤسسات عن دورها. وبغض النظر عن النقاش الدائر داخل المؤسسة العسكرية حول وضع البلاد ومصيرها – والذي نجهل خباياه – فمن الواضح أنّ السياق الدولي والإقليمي (الربيع العربي) لا يسمح بعودة قوية وعلنية ومباشرة للجيش إلى واجهة الأحداث السياسية. ومن ثمّ، يمكن أن نفترض مراهنة الجيش على نوع من "الفوضى الخلاقة" التي يحدثها النقاش والجدل حول مرض بوتفليقة وربما عزله، بشكل يسمح للنخبة السياسية المدنية بالخروج من مأزق "الرئاسة مدى الحياة" بقرارات مستندة إلى شرعية دستورية من دون أن يتدخل الجيش (بشكل مباشر أو غير مباشر). يمكن أيضًا تفسير عدم تحرّك الجيش بسبب عاملين؛ يعود الأول إلى قيود دستورية، أمّا الثاني فيعود إلى تغيرات حدثت في هيكلية الجيش وجيل ضباطه في العقد الأخير. أما القيود الدستورية، فقد جرى صوغها لخدمة مآرب النخبة السياسية المدنية والعسكرية على حد سواء؛ إذ فصَّل النظام دستور عام 1996 على مقاس تلك النخبة المتنفذة آنذاك لتجنب وصول تيارٍ معادٍ (بعد تجربة1991-1992) أو شخصٍ غير مرغوبٍ فيه من خارج النظام إلى السلطة، إذ إنّ الدستور خوَّل رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة جدًا جعلت منه الضامن الأساسي لعمل مؤسسات الدولة واستقرارها، وهذا ما يؤثر سلبيًا في هذه المؤسسات في حال غياب الرئيس كما هو الوضع الراهن؛ أي أنّ النظام السياسي وقع في الفخ الذي نصبه، إذ إنّ الدور المحوري للرئيس في الدستور هو المسؤول عن تراجع أداء مؤسسات الدولة أو شللها منذ المرض الأول للرئيس في عام 2005، والذي ازداد حدةً بعد الوعكة الصحية الأخيرة. وبالنسبة إلى العامل الثاني، فقد عرفت المؤسسة العسكرية في العقد الأخير تغيرات في القيادة العامة تمثّلت بتقاعد أغلبية الضباط الذين كانوا على رأسها. لقد كان هؤلاء على رأس المؤسسة العسكرية منذ ثمانينيات القرن الماضي، وهم الذين قرروا وقف المسار الانتخابي في يناير 1992. كما شهدت الفترة الماضية وصول جيل جديد من الضباط الذين لا ينتمون إلى جيل الثورة وتخرجوا في الأكاديميات العسكرية في الجزائر وخارجها، وعاش أغلبهم الحرب الأهلية الأخيرة في الميدان ولا يُعرف عنهم انخراطهم بأي نشاط في مجال الأعمال. إنّ هذا الجيل الجديد يرغب في إبعاد الجيش عن المجال السياسي أو في أحسن الأحوال ألاّ يكون صاحب دور مباشر في الحياة السياسية، بل أن يهتمّ أساسًا بتطوير قدراته العسكرية الاحترافية. وعند الحديث عن دور الجيش في الحياة السياسية في الجزائر، فلا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذا الدور يكمن في المخابرات العسكرية بالتحديد والتي لديها نفوذ - حتى الآن - في مفاصل الدولة وفي القرار السياسي. أما قيادة أركان الجيش، فقد كان دورها أقوى في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وتراجع هذا الدور لمصلحة المخابرات العسكرية التي لم تعرف بعد تغييرات في قيادتها بحجم تلك التي عرفتها قيادة الأركان. بين مشهدين: الإصلاحي الجزئي والانتقالي الديمقراطي يبدو أنّ مستقبل الجزائر القريب مفتوح على كل الاحتمالات، فهو أمام مفترق طرق جديد. ويمكن حصر هذه الاحتمالات في مشهدين: الإصلاحي الجزئي والانتقالي الإصلاحي الشامل. يتمثل المشهد الأول في تحسين النظام للجزء الظاهر من سلطته؛ بحيث يتيح انتخابات رئاسية مفتوحة، ومن ثمّ، يزداد الرهان على إمكانية فوز مرشحٍ غير مرشح السلطة بهذه الانتخابات. ويكون الهدف هو إشراك القوى المختلفة في العملية الانتخابية لإضفاء الصدقية والشرعية عليها لتعود ممارسة السياسة بالأدوات السابقة نفسها. كما يتضمن مثل هذا المشهد الإيحاء بجدية محاربة الفساد وفتح قنوات حرية التعبير في البلاد، وإجراء بعض الإصلاحات الدستورية مثل العودة إلى المادة السابقة التي تحدد الولاية الرئاسية بعهدتين فقط (خمس سنوات لكل منهما)؛ كضمانة ولإثبات حسن نية النظام. إنّ هذا الاتجاه مرجّح لأنّ البلاد بلغت درجة عالية من الانسداد السياسي مما يهدّد بانفجار الوضع فيها. وسيكون هذا المشهد بمنزلة متنفسٍ من دون أن يُحدث تغييرًا في عناصر النظام بالضرورة. بل ربما يستفيد النظام من مجرد رحيل بوتفليقة عن السلطة ليثبت للشعب أنّه غير مرتهن بأشخاص، حتى لو كان الرئيس نفسه. إنّ غياب بوتفليقة عن الانتخابات المقبلة سيعطي مثل هذا الانطباع، كما يعطي انطباعًا أيضًا بأنّ المنافسة الرئاسية مفتوحة وأنّ مآلها (هوية الفائز) لم تُحسم سلفًا. ويمكن لمثل هذا المشهد أن يتحقّق نتيجة لما يتميّز به النظام الجزائري من توازنات دقيقة بين مختلف مراكز القرار. إنّ الدفع بمثل هذا المشهد لا يعني أن تلك المراكز قد حسمت أمرها في التحوّل إلى الديمقراطية، لكنّ ذلك قد يحقق حالة من الانفتاح السياسي. ومن المرجح أن تكون الإشكالية الأساسية في إطار هذا المشهد هي: من يحكم؟ وإلى أي حزب أو جناح في السلطة ينتمي الرئيس الجديد؟ وفي إطار هذا المشهد يعد أحمد أويحيى (رئيس الحكومة السابق لمرتين في عهد بوتفليقة ومرة في عهد سلفه) أبرز الشخصيات التي قد تترشح وفق هذا المشهد القائم على استمرار النظام مع بعض التعديلات الطفيفة والتي تحسّن مظهر النظام. أما المشهد الثاني الانتقالي الديمقراطي الشامل، فيتمثل في فتح باب السباق الرئاسي بشكل كامل والقبول الصريح – وفق ضمانات يجري التفاوض بشأنها سرًا أو علنًا مع المعنيين – بفكرة إمكانية وصول مرشح غير مرشح النظام إلى السلطة. وسيلقى هذا الاتجاه دعمًا شعبيًا واسعًا. وهناك شخصيات تنوي الترشح للانتخابات في إطار مراجعة قواعد اللعبة على أساس ديمقراطي، ولكن تدريجيًا لتفادي انزلاق البلاد نحو المزيد من عدم الاستقرار، وربما العنف. يتسق هذا المشهد مع السياق الإقليمي (الربيع العربي) ومع توجهات قطاعات واسعة من النخبة السياسية وأحزاب المعارضة وشرائح المجتمع. ومن المرجح في هذا المشهد أن تكون الإشكالية السياسية مختلفة تمامًا، ويمكن صوغها على النحو التالي: ما هو شكل الحكم المنشود؟ أي نظام يمكن أن يحل محل النظام القائم؟ وبناء عليه، فمن المرجح أن تنخرط شخصيات معارضة لبوتفليقة، وغير مرتبطة بجناح من أجنحة النظام، في العملية الانتخابية، ومنها - على سبيل المثال لا الحصر - أحمد بن بيتور، وهو رئيس حكومة سابق خلال عهدة بوتفليقة الأولى، والذي أعلن منذ حوالي سنة نيته الترشح لانتخابات عام 2014. وقد يترشح أيضًا مولود حمروش، وهو رئيس حكومة سابق في عهد الشاذلي بن جديد، والذي ترأس حينها أول حكومة إصلاحية في تاريخ الجزائر. ومن المتوقع أيضًا أن يخوض السباق الرئاسي مرشحون من التيارات الإسلامية، منهم عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم وهي أكبر الأحزاب الإسلامية. بيد أنّ هذه الشخصيات – التي تترشح على أساس قطيعة مع حقبة بوتفليقة – ستطلب من دون شك ضمانات حقيقية وشفافة بشأن السباق الرئاسي قبل دخولها المنافسة. لكن أي الاتجاهين أكثر ترجيحًا؟ ليست الإجابة عن هذا السؤال سهلة، لكنّ هناك عاملين يمكن اعتبارهما حاسمين في تغليب مسار على آخر: أولهما موقف المؤسسة العسكرية؛ فهل هي مستعدة لتجريب مرحلة سياسية جديدة تسير بالبلاد نحو انتقال ديمقراطي؟ لا تتوافر لدينا مؤشرات قاطعة تدل على تفضيل تلك المؤسسة لأحد الاتجاهين، هذا إذا افترضنا أنّها متجانسة على صعيد الموقف السياسي، وهو أمر نستبعده. وثانيهما، قوة جماعات الضغط والمصالح المرتبطة بالفساد والتي من المتوقع أن تعمل على إجهاض الاتجاه الانتقالي الديمقراطي ليس لأنّه ضد مصالحها الآنية فحسب، بل لأنّه قد ينبثق منه أيضًا وضع جديد يحتم متابعتها قضائيًا بجدية وعزم. ومن ثمّ، فدائرة الفساد التي أصبحت مؤسسة ستحشد قواها لتمرير مشروع الاتجاه الأول وإفشال مشروع الاتجاه الثاني. أمّا بالنسبة إلى المؤسسة الأمنية (المخابرات العسكرية)، فمن الصعب جدًا توقع موقفها من هذين الاتجاهين، الإصلاحي الجزئي أو الانتقالي الشامل، لأنّها منخرطة في عملية محاربة الفساد، لكنّها مرتبطة بمجموعات المصالح المالية. ويبدو أنّ الخلاف بين بوتفليقة والمؤسسة العسكرية يتعلق بمسألتين أساسيتين: طموحه لعهدة رابعة (والذي تبخر مع مرضه)، والفساد الذي تورط فيه مقربون منه. وبناء عليه، فإنّ تغليب كفة أحد الاتجاهين تبقى في يد الجيش، بغض النظر عن عمليات الفساد التي تتورط فيها بعض دوائره، أو بعض أفراده على الأقل. وبما أنّ المؤسسة العسكرية (والأمنية) تعي جيدًا الشواغل والمتاعب الأمنية المترتبة على عدم الاستقرار في دول الجوار، فمن المرجح أنّها قد تقبل بانتخابات رئاسية مفتوحة، وبخاصة أنّ انتخابات بشرعية غير مطعون فيها ستكون درعًا يقي النظام عدوى "الربيع العربي" التي يعد انتقالها إلى الجزائر ضعيف الاحتمال، مع أنّها تبقى واردة؛ كما هو واضح من خلال احتجاجات الشباب العاطل من العمل في الجنوب. ومع الانسداد السياسي داخليًا، وضرورة الحد من الانكشاف المحلي لمواجهة التهديدات الإقليمية، فمن المرجح أن يفضِّل الجيشُ مسارًا انتقاليًا، مرحليًا على الأقل. --- المصدر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات