توفي الكاتب والباحث الأردني شاكر النابلسي المولود في 1940. يعتبر النابلسي واحدا من المنظرين للفكر العلماني... فقد كان يدعو الى الأخذ بالنظام العلماني كحل لمعضلات المجتمع العربي، وذلك في مقالات عديدة كانت إيلاف منبره الأول في هذا الاتجاه. وقد وصف نفسه بانه شيخ الليبراليين الجدد. وقد اصدر عام 2005 "بيان الليبراليين العرب". له عشرات الكتب في هذا الاتجاه، إضافة إلى انه كان ناقدا أدبيا قبل أن يخصص معظم كتاباته على الشؤون الدينية والمجتمع المدني والعلمانية والليبرالية. وكان جريئا في معالجة مواضيعه مما أثار جدلا كبيرا ضده. فهو يوضح النظرة العلمانية واهميتها للمجتمع العربي في كتابه الفكر العربي في القرن العشرين" قائلا: "ونحن نتصور بأن يستمر تجاذب الأطراف على هذا النحو طيلة القرن الحادي والعشرين بين دعاة الدولة الدينية ودعاة الدولة العلمانية، مع يقيننا بأن التيار العلماني هو الذي سيتغلب في النهاية، ولنا في ذلك أسبابنا التالية: » وذكر عدة من الأسباب منها: «إلغاء المحاكم الشرعية في معظم الدول العربية وإنشاء المحاكم المدنية بقوانين وضعية، وفي بعض الدول بقيت المحاكم الشرعية ولكن قُلصت صلاحياتها بحيث اقتصرت على النظر في القضايا التي لها علاقة بالدين كالزواج والطلاق والإرث ومسائل الوقف وخلاف ذلك - إلغاء إقامة الحدود والعقوبات الشرعية من رجم وجلد وتعزير وقطع رقبة في معظم البلدان العربية، واستبدالها بعقوبات مدنية موضوعة - زوال العهد العثماني رمز الدولة الدينية، وزوال الاستعمار الغربي الذي من أجله حوربت الدولة العلمانية - وأخيراً، فإن سقوط الاتحاد السوفياتي وانمحائه من الخارطة السياسية العالمية وانفراد أمريكا – والغرب العلماني إلى جانبها- في قيادة العالم والتأثير عليه سياسياً وعلمياً واقتصادياً، ووقوف أمريكا ضد الدولة الدينية."من أعماله: "الأصولية"، "العرب بين الليبرالية والأصولية الدينية"، "الليبرالية السعودية بين الوهم والحقيقة"، "الحداثة والليبرالية.. معاً على الطريق"، "الهاشميون والأردن (أوراق في الربيع الأردني)"، "النظام العربي الجديد (أوراق في الربيع العربي)". وفي كتابه "تهافت الأصولية"، يوضح النابلسي بأن خطر السلفية/الأصولية الإسلامية على الحاضر والمستقبل العربي، يتمثل في الإيمان المطلق بالحقائق المطلقة، ومنع النقاش، والجدل، والإبداع الفكري فيها. وفي هذا تكبيل تام، للنشاط الفكري، والاجتهاد، وازدهار الرأي الآخر. فالحقيقة المطلقة، مرتبطة دائماً بالعقائد الدينية، وليست بالأفكار. فالأفكار تغيير، أما العقائد الدينية فهي عابرة للتاريخ، لا تتغير، ولا تتبدل. ويتمثل هذا الخطر في ارتباط ظاهرة الإرهاب بالسلفية/الأصولية الدينية. واعتبار السلفية/الأصولية الدينية هي الثدي الدافئ المُرضع لأفكار عناصر مليشيات السلفية الجهادية. وعندما تُطبَّق العَلْمانية في العالم العربي، فسينتهي الإرهاب كتحصيل حاصل. فنحن نعلم - ومن واقع نهايات القرن العشرين، وبدايات القرن الحادي والعشرين - أن وتيرة الإرهاب قد ارتفعت في هاتين الفترتين مع بروز السلفية/الأصولية الدينية في هاتين الفترتين أيضاً. كما نلاحظ أن من يغذي ميليشيات الإرهاب فكرياً ودينياً في العالم العربي، هي السلفية/الأصولية الدينية، التي تُعتبر الخط الثاني للإرهاب. أما الخطر الكبير للأصولية فيتمثل بعزل ومنع العقل من العمل في النص الديني. وهذا موجود في كافة الأصوليات الدينية السماوية والأرضية عموماً، مما دفع الإرهابيين إلى قتل كل من يحاول إعمال العقل في النصوص الدينية، على مختلف أشكالها وطوائفها، باعتبار أن من يحاول إعمال العقل في النص الديني، يُعتبر كافراً، وزنديقاً. وإن السلفية/الأصولية الدينية الإسلامية تسعى إلى السلطة، كما كان الحال في الأصولية المسيحية واليهودية. وهذه السلطة، تمارس حقها في إدانة المفكرين والعقلانيين، الذين يحاولون تفسير النصوص الدينية المقدسة، على عكس ما فسره فقهاء السلفية/الأصولية الدينية. وتكون أحكامهم في بعض الأحيان نافذة المفعول، بما فيها حدُّ القتل. فقتلت السلفية/الأصولية الدينية المفكر المصري فرج فوده، وحاولت قتل نجيب محفوظ في مصر. وقتلت حسين مروة، ومهدي عامل في لبنان. وشنقت محمود طه (غاندي السودان) في السودان. وكفَّرت، وأهدرت دماء مئات من المفكرين، والشعراء، والكُتّاب. وهنا مقال نشرته إيلاف يوم الثاني من حزيران 2013 يبين اهتماماته الأخير في قضية الجنس: الصراع الديني والجنس استفاد الكهنة على مر العصور، من ظاهرة كثرة الممارسات الجنسية غير المشروعة دينياً. فكان الكهنة الرومان، يضفون على آلهتهم ما كان لآلهة الإغريق من شهوات. فراحت فينوس الرومانية، تقترب أكثر فأكثر من أفروديت الإغريقية. وباتت كل خلاعة – بمباركة الكهنة – مستساغة، ومسموح بها. وبعد ذلك سنَّت الكنيسة المسيحية، مقدار المبالغ الواجب دفعها ثمناً للمغفرة. الكتاب المقدس والجنس يبدو أن الكتاب المقدس (العهد القديم)، كان متسامحاً مع الحياة الجنسية؛ ف "نشيد الإنشاد" (أغنية إنسانية، تشيد بالحياة ومسراتها، وتدعو الرجال والنساء الى الشبع، والارتواء، وممارسة الحب) يُعتبر نشيداً للحب الجسدي، والمتعة الخالصة. وفي القرن الخامس للميلاد، فرض بعض قساوسة الكنيسة، رؤية أخلاقية متزمتة للجنس، من خلال تهميش الجسد، وإنكار المتعة. ولم تفعل الكنيسة – عملياً - غير التصريح بشكل من أشكال التفكير، الذي كان ينتشر في عالمٍ يوناني/ روماني تجتاحه تيارات فلسفية كالرواقية، أو "الأفلاطونية المحدثة"، والتي تُعلِّم ازدراء العالم للجنس، ومعارضة الجسد للعقل، والفصل بين الزواج والحب. المسيحية ومفهوم الخطيئة بالإضافة لتنظيم الزواج والإجبار على الإنجاب، فإن العلامة المميزة للأخلاق المسيحية هو مفهوم الخطيئة، وعلاجها: "سر الاعتراف". إن الإلزام بالاعتراف، يضاعف من القدرة على التحكم في الحياة الجنسية عند الزوجين، ويؤدي إلى المحافظة على ما يمكن تسميته "الأخلاق الزوجية". ويلاحظ الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو، في الجزء الأول (إرادة المعرفة) من كتابه (الجنسانية في التاريخ)أن الخطاب عن الجنس تكاثر الآن، بدلاً من أن يقل عما كان عليه منذ ثلاثة قرون. وأن هذا التكاثر في الخطاب، قد حمل معه الكثير من المحرمات والممنوعات. وبذلك، أمَّن، ورسَّخ الخطاب الجنسي، بعد أن أنشأ تنافراً جنسياً كاملاً. وهذا صحيح. فالعالم العربي يشهد الآن ( 2013) هجمة دينية أصولية وسلفية على المرأة لم يشهدها من قبل. وهناك أكثر من 80% من الفتاوى الدينية التي صدرت في السنوات العشر الأخيرة كانت في شأن النساء. رغم أن بعض السلطات العربية وسّعت قاعدة التمثيل النيابي للمرأة (نظام الكوتا)، وفتحت المزيد من المدارس والمعاهد لها لكي تتعلم، وترتقي أرفع المناصب، إلا أن المرأة ما زالت تشعر بالاضطهاد في المجتمعات العربية عامة، ولم تنل الكثير من حقوقها الشرعية والإنسانية.
مجتمعات الفن الشبقي ويقول فوكو: هناك مجتمعات خصّت نفسها ب "فن شبقي" (Art Erotica) وهي: الصين، اليابان، الهند، ايطاليا، والمجتمعات العربية – الإسلامية. وفي هذه البلدان تُستخرج الحقيقة الجنسية من اللذة نفسها. وحسب قوة هذه اللذة، وصفتها النوعية، ومدتها، وانعكاسها في الجسد والنفس. ويعترف فوكو، أن المسيحية قد وضعت طقس "الاعتراف الكنسي" ضمن وسائل انتاج الحقيقة. وممّا يدعو إلى الاستغراب، استبعادُ المرأةِ في الديانة المسيحيّة، عن دور الكاهنةِ التي تتلقّى "الاعتراف". فمن بين أهمّ خصائص المُعرِّف الإصغاء، الاهتمامُ بهمومِ المعترف اهتماماً "شخصيّاً"، فكلُّ معترفٍ يعتبر هذه اللحظة في كرسي "الاعتراف" إحدى ذُرى حياته. ومَنْ أكثر من المرأةِ حضانةً، فضولاً، استيعاباً لتناقضات الوجدان؟ وأيّ غفرانٍ أحنُّ من غفرانها؟ وفي رأيي – وبكل تواضع – فإن الهدف من "الاعتراف" لم يكن انتاج الحقيقة – كما كان يعتقد فوكو - بقدر ما كان زيادة دخل الكنيسة المالي من "الاعتراف" وإصدار صكوك الغفران المدفوعة الثمن لهذه الاعترافات. فكانت الاعترافات مجرد الطريق إلى المزيد من مبيعات صكوك الغفران التي قننتها الكنيسة تقنيناً تجارياً بحتاً. وكانت من أسباب ثورة لوثر – في رأينا - الرد على قرار الكنيسة، ببيع صكوك الغفران بالمال، وإصدار لائحة بالخطايا، وأسعار غفرانها. فكان سعر غفران خطيئة الزنى – مثلاً – 150 دوكية(210 دولار) وسعر غفران قتل ابنتين 800 دوكية. (1120 دولار) وكانت الكنيسة، لا تريد معاقبة أو قتل المخطئ، مهما ارتكب من خطايا. بل تريد منه أن يدفع ثمن خطيئته نقداً. وكان رجال الكنيسة يرددون دائماً: "إن الله لا يريد موت المخطئ، بل يريده أن يحيا، ويدفع ثمن خطيئته." وتمَّ تنظيم عملية دفع الأموال الطائلة، نتيجة لبيع صكوك الغفران، بواسطة البنوك. ففتحت الكنيسة حسابات لها في معظم البنوك الأوروبية، من أجل تسهيل بيع صكوك الغفران! وباءت بالفشل محاولة التكفير عن الذنب بالحج إلى روما فقط، كما كان ينادي البابا ليو العاشر (1475-1521م). مناصب دينية للبيع ولم تكتفِ الكنيسة بالأموال الطائلة، التي كانت تجمعها من مبيعات صكوك الغفران، بل سوَّقت المناصب الدينية، وجعلت للأبريشات والكاردينالات، والمناصب الدينية الأخرى، وحتى منصب البابوية نفسه أسعاراً محددة ومعلومة، كما يقول لنا المؤرخ توينبي (تاريخ البشرية، ص 99). ولا ندري ما هي لائحة أسعار تلك المناصب الدينية في ذلك الوقت. وهو نفسه، ما كان يحصل في بلاد الشام ومصر في عهد المماليك وعهد الولاة العثمانيين كذلك، حين كان منصب القاضي ومدير الأوقاف، يُباع، ويُشترى. بل إن البابا، في بعض الأحيان، كان يبيع الرخص الدينية للزواج بأكثر من واحدة للفرد الواحد، رغم مخالفة ذلك للشرائع المسيحية، كما هو معلوم. ثورة " لوثر" ضد البيع وقد حمل لوثر (المصلح الديني الثائر)، حملة شنيعة على المصالح الاقتصادية البابوية، التي كان البابا يجمع من ورائها كميات هائلة من الأموال، حتى أن الإمبراطور الألماني مكسمليان الأول (1459-1519م) قال ذات مرة، أن دخل البابا السنوي في ألمانيا يساوي مائة مرة، دخل الإمبراطور نفسه. ومن هنا، هاج الأباطرة الأوروبيون ضد البابا، وشجعوا حملة لوثر على الكنيسة، ومميزاتها المالية، وترفها، وبذخها، الذي كانت تتمتع به. ومن هنا، يتبين لنا، أن الحملة اللوثرية على الكنيسة، كانت بتشجيع من الساسة الأوروبيين. وأن سبب تبني "الاصلاح الديني"، كان سبباً اقتصادياً في الدرجة الأولى. فلو أن الكنيسة كانت تمنح صكوك الغفران مجاناً، دون مقابل مادي، لما قام – ربما - لوثر بحركته "الإصلاحية" تلك، ولما كان هناك موجب لها. ولما استطاع لوثر أن يستميل في دعوته الأمير، والخفير، والاقطاعي، والفقير، ولما تبنَّت دعوته، وحمتها، وشجعتها، قصور السياسة، وأباطرتها في أوروبا. وهكذا، ظهرت فئة جديدة في تاريخ الديانة المسيحية، وهي فئة "البروتستانت" أو "المحتجين"، على قرارات الكنيسة الكاثوليكية، التي كانت قد صدرت ضدهم في الماضي. هجوم على "الاعتراف" الكنسي يقول فوكو: إن "الاعتراف" في الغرب، أصبح إحدى التقنيات الأكثر تقديراً لإنتاج الحقيقة – ولا ندري ما هي هذه الحقيقة - إلى جانب الضمانات التي تعطيها سلطة التقاليد، وإلى جانب الشهادات، وطرق المراقبة والبرهنة العلمية. ولكن حقيقة دوافع "الاعتراف" الكنسي، كما عرضناها آنفاً، تدحض علمياً وتاريخياً مقولة فوكو هذه. فراح فوكو، يشن هجوماً مضاداً على الجنسانية المسيحية، التي جعلت من الحضارة في الغرب حضارة "اعتراف". اعتراف يرافقه التعذيب كظله، وذلك في إطار بحثها عن حقيقة الجنس. ويدفع فوكو إلى الواجهة بين حين وآخر، إلى مقارنة تستبطن مشروعه بين الحضارة المسيحية الرعوية، والتي يصفها فوكو من أنها لا تملك فناً شبقياً، وبين الحضارات الكبرى ومنها الحضارة العربية الإسلامية، التي كانت تملك خطاباً صريحاً حول الجنس كفن شبقي، يثير حيرة المثقف العربي، ولامبالاته، وخجله من نفسه أمام الآخر، كما يقول الباحث السوري الراحل تركي الربيعو (العنف والمقدس والجنس في الميثولوجيا الإسلامية، ص 130.) ابن حزم و"الاعتراف" الكنسي و"الاعتراف"، الذي تحدث عنه فوكو في العهد المسيحي من قبل الكنيسة، قال به ابن حزم في القرن الحادي عشر في كتابه (طوق الحمامة). وابن حزم هو مُنظِّر الغزل الأندلسي. وقد ترجم جانباً كبيراً من حياته في هذا الكتاب، وأعطانا صوراً طريفة من "أدب الاعتراف"، قلَّ نظيرها في آداب عصره. و"أدب الاعتراف"، الذي تحدث عنه فوكو، تجلّى بأصدق صوره في (طوق الحمامة). ولا شك أن مقومات "أدب الاعتراف"، أو ما يسمى اليوم (الأدب المكشوف)، قد تكوَّنت في (طوق الحمامة). ولم تقتصر كتابات ابن حزم الجنسية على الاستشهاد أو الوصف الجامد، كما فعل الجاحظ في (رسالة النساء)، ولكن تعدته إلى أن تصبح هذه الكتابات جزءاً من الحدث الجنسي، تؤثر فيه، وتتأثر به.
برمجة الأشكال العلمية للاعتراف الكنسي وقام فوكو في هذا الشأن - كفيلسوف حديث- ببرمجة الأشكال العلمية للاعتراف الكنسي، على الوجه التالي: 1- تمَّ انتزاع "الاعتراف" بواسطة الترميز العيادي، حيث دمج العلماء "الاعتراف" بالفحص العيادي. 2- تمَّ انتزاع "الاعتراف" بواسطة مسلمة وجود سببية عامة، ومنتشرة. من حيث قول كل شيء، وإمكانية السؤال عن كل شيء. وقد تم تبرير كل هذا، كون الجنس متمتع بقوة سببية متعددة الأشكال، لا تزول. 3- تمَّ انتزاع "الاعتراف" بواسطة مبدأ الاستتار الباطني للجنسانية، إذ كان يجب انتزاع حقيقة الجنس بواسطة تقنية "الاعتراف"، ليس لصعوبة قول الحقيقة، ولكن لغموض الجنس واحتجاب آليته. 4- تمَّ انتزاع "الاعتراف" بواسطة التأويل. وكان على المرء أن يعترف، لا للحصول على العفو والمواساة والتوجيه، ولكن لأن الحقيقة لا تخرج إلا من خلال "الاعتراف". والكاهن في هذه اللحظة، سيكون سيد الحقيقة. 5- تمَّ انتزاع "الاعتراف" بواسطة (طبننة) نتائج "الاعتراف"؛ أي وضع "الاعتراف" بصيغ طبية علمية بحجة إيجاد طرق علمية للعلاج، ولطبابة ما وقع من أخطاء جنسية. وقد ذكر فوكو كل ذلك في كتابه (إرادة المعرفة، ص 79، 80). - See more at: http://www.elaph.com/Web/Culture/2014/1/867506.html#sthash.vX3tVY5A.dpuf