البشر كائن هش جدا لكنه يتوهم انه سيد العالم .. يأتي الزلزال والفيضان و يعيدنا إلى حقيقتنا: نحن كائنات ضعيفة لا تساوي جناح بعوضة في هذا الكون الكبير.. الزلزال الذي ضرب هذه المرة ذكرني بصور الخراب والموت والخوف الذي نزل على الريف في الهزة التاريخية التي قال عنها محمد أحداد أن الأستاذ نصحهم بالانبطاح تحت الطاولات لكنه كان أول الهاربين لما اهتز القسم. نزلت إلى إيمزورن بعد أن هدأت الهزات مع انوزلا وتوفيق بوعشرين وعبد الصمد بن شريف وفي هذه البلدة الريفية وقفت لأول مرة في حياتي على معنى الزلزال.. كانت منازل منهارة محطمة تحولت إلى غبار وأنقاض ورجل مسن يروي الحكاية بالريفية ويبكي مثل طفل. البرد والجوع والساندويش الذي سيأتي من فاس يتأخر وخيمة كبيرة للوقاية المدنية نصبت وسط المدينة والناس تتدافع حين تصل شاحنة محملة بالبطانيات. الليلة سنقضيها في الخيمة مثل أي جندي في معركة.. كنا قد وصلنا إلى المدينة في طائرة عسكرية ضخمة .كم يضعف البشر ويتساوى حين يضرب الزلزال.. وسط حطام مما تبقى عثر توفيق بوعشرين على دفتر مدرسي لطفلة..سمعنا من قال أن الطفلة ماتت و بقي دفترها بخطها الجميل وميزات المعلم بالأحمر. لا أحد يؤكد أو ينفي لكن دفتر التلميذة هو ما تبقى بعد أن تهاوى كل شيء.. رأينا الملك محمد السادس يأتي إلى المدينة والهزات ما زالت مستمرة ويزور مواقعها ويدخل إلى مستشفى محمد الخامس و تتحرك الأرض وهو وداخل البناية مع الأطباء والمرضى وكل شيء مر في سلام بلا ارتباك ولا جعجعات.. شباب الريف في الجمعيات تعلموا أن الحياة ليست إجتماعات ونقط نظام وأرضيات إنشائية وشفويات . لمسوا كيف يمكن للزلزال أن يحول جمعية إلى ما يشبه فريق وقاية مدنية وجيش إنقاذ.. شباب الريف الذي سيسطع نجمه لاحقا على المشهد السياسي بدأ من أنقاض الزلزال الذي ضرب بيا سان خورخي فزرع الفزع و روائح الموت في السكان . خالي يحكي لنا كيف كان يقضي الليلة في الرعب ينتظر أن يسقط عليه سقف المنزل.بعد هدوء العاصفة باع المنزل وهاجر إلى طنجة..كل شيء في الدار كان يذكره برقصة الأسمنت والموت.. اليوم يعود الزلزال وسط متابعة الجيش الأزرق ..كل واحد يعلق و يرفع الدعاء ويكتب أخبارا ويقدم الحصيلة ويضع العناوين التي يشاء وسط غياب الإعلام الرسمي الذي يمكن أن يطمئن السكان.. أبدا لن أساعد الزلزال..عنوان ديوان شعر رائع للراحل أحمد بركات.. من يتذكرهذا الديوان الجميل الذي تقرأه ولا تمل وتعيده ثم تعيده دائما بنفس الدهشة.. تذكرت العنوان وأنا أتابع من يبحث عن مساعدة الزلزال بنشر أخبار ملفقة خيالية تقتل مهنة الصحافة قبل أن تقتل سكان ايت بوعياش و تمسمان و ايت ورياغل أبدا لن أساعد الزلزال..أحبك أيها الريف الجميل.. سيمضي الزلزال ويبقى الحب.