يترقب الشارع الجزائري باهتمام بالغ مآلات "حروب الفساد" التي تدور رحاها في أعلى هرم السلطة، وقد جاءت شهادة مكتوبة لوزير ورئيس حزب موال للرئيس بوتفليقة، بعث بها إلى هيئة محكمة الجنايات – التي تنظر في كبرى قضايا الفساد لتدفع إلى السطح من جديد بحرب شعواء، يقال إنها نتاج تضارب المصالح بين دوائر صناعة القرار في البلاد. وزراء فاشلون أم فاسدون؟ فوزير الأشغال العمومية السابق والوزير الحالي للنقل والمواصلات، يعتبر نفسه بريئا من اتهامات خطيرة طالته من قبل محامين و متهمين في فضائح الطريق السيارة التي كانت وقود حملة الرئيس بوتفليقة في انتخابات ساخنة منحته شهر نيسان-أبريل 2014 ولايةَ رئاسية رابعة. ومتهمون في القضية يذكرون اسمه في أكثر من موقع باعتباره وزيرا سابقا لقطاع حساس تولى الإشراف على إنجاز أضخم وأكبر طريق سيارة في العالم يربط غرب البلاد بشرقها، ولا يتوانى المدير السابق لوكالة إنجاز الطرقات الوطنية محمد خلادي وهو أبرز المتابعين في فضائح مشروع "القرن"، في اتهام الوزير عمار غول بتلقي رشاوي تقدر بنسبة 20% من قيمة الصفقات المبرمة مع شركات إنجاز أجنبية. ويطرح متهمون آخرون وجلهم رجال أعمال ومسؤولون من الوزن الثقيل، في أطوار المحاكمة الجارية منذ أيام، صراعا قائما بين أجهزة الحكم في البلاد، حيث يتهم كل طرف الآخر بتصفية حسابات بين سرايا الحكم. حنون.. تكشف الأسماء وغير بعيد عن ذلك، تفجّر زعيمة حزب العمال المعارض "لويزة حنون" قضية أخرى شغلت بال الرأي العام في الجزائر باتهامها وزراء حاليين في حكومة الرئيس بوتفليقة، بارتكاب جرائم فساد و تشكيل عصابات لهدر المال العام. و في تصعيد لافت ذكرت لويزة حنون، وزراء بالاسم لتحرج بذلك جهاز القضاء الذي يفترض فيه أن يتحرك تلقائيا لاستجواب "المرأة الحديدية" بشأن الأدلة التي ترتكز عليها في إلصاق تهم الفساد بخمسة وزراء يسيرون دوائر حساسة، ويتعلق الأمر بوزيرة الثقافة نادية لعبيدي شرابي و وزير الاتصال حميد قرين ووزير الصناعة والمناجم عبد السلام بوشوارب و وزير والصحة والسكان وإصلاح المستشفيات عبد المالك بوضياف و وزير الأشغال العمومية عبد القادر قاضي. ويضاف إلى هؤلاء المدير العام للتلفزيون الجزائري توفيق خلادي وهو قريب شخصية نافذة في رئاسة الجمهورية كما يروج، هذا الأخير يكون – حسب لويزة حنون- قد تورط في إبرام صفقات مشبوهة في المؤسسة التلفزية الحكومية التي تستفيد من ضرائب المواطنين. المعارضة: النظام يرعى الفساد! و تعليقا على الموضوع، يقول رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري ومنسق قطب "الحريات والانتقال الديمقراطي المعارض"، إن" الجزائر أمام قضية فساد متكاملة الأركان، المدعي فيها شخص معروف وهي رئيسة حزب سياسي معتمد والمدعي عليهم أيضا شخصيات عامة معروفة كون الأمر يتعلق بوزراء حاليين في الحكومة، أما موضوع الاتهام فهو أيضا محدد بدقة من قبل المدعي". ويتساءل مقري، وهو معارض راديكالي يقود حزبا إسلاميا كان طرفا في الحكومات الأولى للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، إن كانت العدالة ستأخذ مجراها وتتحرك لمحاسبة الوزراء المتهمين بالفساد أم لا؟ ليخلص المتحدث إلى أنه "في حال ما لم يكن الاتهام ثابتا فنحن أمام حالة قذف خطيرة، وإن لم تتصرف الدولة فإما أنه لا توجد دولة أصلا أو أن الجزائر تعصف بها حرب أجنحة لكل طرف جهة تحميه". و يعتقد رئيس جبهة العدالة والتنمية المعارض عبد الله جاب الله، أن "الفساد في البلاد استشرى بشكل لافت حتى صار ظاهرة شائعة مست كافة الدوائر و المجالات وأضحى أصحابه ومقترفوه عبئا ثقيلا على المجتمع". واعتبر رؤساء حكومات سابقون وزعماء أحزاب سياسية منضوون في تكتل "الحريات والانتقال الديمقراطي"، أن النظام الحالي مطالب "بإقالة رؤوس الفساد إن كان فعلا صادقا في نواياه"، ثم يستدرك بيان ختامي صادر عن مؤتمر حول "مكافحة الفساد"، أن "القناعة تتعزز يوما فيوما بعدم وجود إرادة سياسية جادة لحل مشكلات الجزائريين و محاربة آفة الفساد واقتلاع رؤوسه بل إن النظام يرعى الفساد". رهانات.. ولكن و يظهر جليا رهان أطياف المعارضة على أن تكون قضايا الفساد الكثيرة سببا في "هشاشة" السلطة الحاكمة، ومن ثمة تتحرك بالسرعة القصوى للي ذراعها بغية افتكاك تنازلات في الشق السياسي، حتى تتمكن من التموقع أكثر بنية التغلب على النظام الذي لا يظهر عليه العجز مثلما تردده أصوات مناوئة سبق لها وأن راهنت على مرض الرئيس بوتفليقة في التغيير، بيد أن مراقبين يشككون أصلا في وجود صراع أجنحة داخل سرايا الحكم ويعتبرون أن ملفات الفساد ليست استثناءً جزائريا.