لذلك أشعر تجاه هذه الحركة بالفخر لا بأي شعور آخر. أجد صعوبة في لوم هؤلاء الشباب لأنهم يريدون إصلاح بلادهم. أجد مشكلا في سبهم أو وصفهم بأنهم يشتغلون لصالح أجندات أجنبية لأنني أعرف العديد منهم, وأعرف أن حدود تحركاتهم لا تتجاوز منازلهم وبعض المقاهي وقلة من التجمعات والوقفات هنا وهناك. أجد عيبا كبيرا في أن أصطف ضد أبناء شعبي لكي أردد مثل الببغاء كلاما لست مقتنعا به. أنا أيضا ومثلي العديدون نرى أن الوقت قد حان لكي يباشر المغرب إصلاحاته الحقيقية. فعلا لم تكن لدينا أحزاب نثق فيها إلى درجة الانخراط والمطالبة بهذه الإصلاحات. ولم نفكر ولو لوهلة واحدة في الدخول إلى لعبة سياسية كانت تبدو لنا من قريب ومن بعيد مغشوشة إلى أقصى الحدود. ولم تغرنا التيارات الأصولية بل رأينا فيها الخطر الكبير على وطننا, وفقدنا في لحظة من اللحظات الأمل في أي إصلاح يأمر به الشعب. فهمنا أو أفهمونا أن أي إصلاح قد يتم سيكون هدية في لحظة من اللحظات, وأن علينا أن نشكر الظروف كل مرة أتى فيها إصلاح جديد. وكنا بين فينة تبرم وأخرى, حين نحس بالحال وقد ضاق نقول إن الوقت قد تغير وإن المغرب بحاجة إلى أشياء أكبر. رفضنا تماما أن ننخرط في اللعبة التي دخل فيها العديدون. حين كانت إسبانيا وصحافتها ترغب في إعطائنا الدروس كنا نرفض ونذكرها بماضيها الاستعماري ونقول لها إن من هربوا إليها لكي يشتكوا وطنهم فيها هم أناس ناقصون, وهانحن نكررها الآن. حين كان القطريون وجزيرتهم يستجدون منا تصريحا ضد الوطن لكي يضعوه في شريطهم العاجل ويحموا به جمرات حقدهم التاريخي على البلد, كنا نقول لهم "مشاكل المغرب نصفيها في المغرب بين المغاربة, أما أنتم فأصغر بكثير من أن تتطاولوا على بلد بحجمنا". حين كان الأمريكيون يرسلون إشارات الرغبة في التعاون والتمويل والمساعدة قصد بناء الديمقراطية المحلية كنا نقول لهم بصريح العبارة "الديمقراطية المغربية سيصنعها المغاربة أو لن تصنع أبدا". في زمن ما, وفي لحظة ما بدأنا في الشك, قلنا لأنفسنا بعد أن تسرب إليها الكثير من الملل إن شيئا من كل هذا لن يقع وأن رهاننا على هذا الشعب لكي يصنع تاريخه بنفسه هو رهان غير عاقل بالمرة. طوينا الصفحة وانتظرنا المعجزة, وأتت أخيرا. لايهمني كثيرا ماسيقع في 20 فبراير, وماسيقع بعد 20 فبراير. تهمني اليوم الروح التي لمستها عند شباب بسيط للغاية, يجهد نفسه لكي يشرح لي الآن بكل الوسائل أن مصير بلده يهمه. وهذه _ هذه وحدها _ تستحق منه أن نفخر به, أن نقول لأنفسنا إن الصغار في نهاية المطاف يحملون معنا جميعا هم بلد إسمه المغرب, وأنهم في غمرة كل ماتركناهم فيه منشغلين فهموا واستوعبوا أننا ركاب سفينة واحدة, إذا ماوقع فيها ثقب واحد ستغرق, وأن الممسكين ببعض قوارب النجاة القليلة وحدهم سيفلتون من الغرق, أما نحن, أما البقية الباقية فستذهب إلى زوال. ومرة أخرى لابد من قولها: رأي مثل هذا لايمكنك إلا أن توافق عليه. تماما مثلما لايمكنك إلا أن توافق على نقد هذه الأحزاب السخيفة التي تحيط بنا من كل مكان, ومثلما لايمكنك إلا أن توافق على انتقاد تداخل السلطة والمال, وتماما مثلما لايمكنك إلا أن توافق على انتقاد الظلم والحكرة والفساد واغتناء المرتشين وتبلد الإعلام الرسمي والاعتداء على الفقراء الذين يطالبون بحقوقهم, وبقية الكوارث التي تعرفنا ونعرفها والتي نمضي وقتنا في التنديد بها بكل الأشكال. لذلك قلت في البدء إني فخور بهؤلاء الصغار, وعاتب بل غاضب على من يسبونهم اليوم, ومن يختلقون لهم التهم الواهية التي لم يعد الزمن يتقبلها نهائيا. الشاب المغربي هو شاب يكره البوليساريو, ويحترم كل ثوابت بلده, ويعي جيدا معنى الحفاظ على الأمن العام, ومقتنع كل الاقتناع أن المغرب قطع أشواطا عديدة في كثير من الإصلاحات, لكنه في الوقت ذاته كائن يعرف أن بلده يستحق الأفضل, ويؤمن أن من حقه أن يعيش كريما في الرقعة الجغرافية التي ولدته وربته وأرسلته إلى المدرسة قبل أن ترسله بعدها إلى البطالة أو إلى مقاتلة الزمن. الشاب المغربي الذي صنع هزة 20 فبراير هاته يستحق منا جميعا كل الاحترام. لذلك رجاء, أنصتوا لصوت هؤلاء, فهم لايقولون لنا أي شيء خارج عن المنطق والعقل والحياء.