هناك حلم صغير يراود الشباب اليوم في المغرب: أن ينصت لهم الجميع. هذا الحلم يسمى 20 فبراير بكل اختصار. لست من أنصار المؤامرات الحقيقية أو الوهمية, ولا أقتنع بسهولة بأن كل من تقدم بمطلب صغير في هذا البلد هو مأجور عند جهات خارجية تريد بنا كل شرور الكون. أفترض حسن النية عند الجميع, وأرى بالتحديد عند دعوات شباب 0 فبراير فرصة ذهبية لملامسة قضايا المغرب بطريقة أخرى قد تكون هي الحل في نهاية المطاف. البعض توقف عن انتخابات السابع من شتنبر من سنة فارطة, ورأى في عزوف الناس عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع دلالة فشل مشروع الأحزاب المغربية, واقتنع أن لامشروع اليوم قد يحمل للمغرب بعض التغيير غير مشروع الدولة, وهذا أمر خطير للغاية, فقط اختزلنا جميعا في مشروع واحد, ولم نكلف أنفسنا عناء البحث عن مخارج أخرى لهذا المأزق غير الاستكانة في الظل, وترديد كلام الرثاء في حق حياتنا السياسية والنحيب وكفى. هؤلاء الصغار الذين دعوا للخروج يوم 20 فبراير استطاعوا على الأقل زحزحة هذا المعطى. فرضوا على حكومتنا أن تقوم باجراءات احترازية واستباقية مهمة, أثاروا نقاشا سياسيا مهما في البلد لم يستطع لا المقربون من السلطة ولا المبعدون منها من الراغبين في الاقتراب منها مجددا بوسائل مختلفة أن يجروا البلد إليه طيلة العشرية الأخيرة. حتى النقاش الذي بدا كبيرا في لحظة من اللحظات حين أعلن فؤاد عالي الهمة عن مشروعه السياسي لم يستطع أن يخرج عن محور صالونات الرباط والبيضاء, وعن تساؤلات ماوراء الفعل السياسي لمن دأب الكل على تسميته بصديق الملك. أما الانتقال إلى النقاش السياسي الحقيقي الذي نشهده في كل مكان من المغرب اليوم فمسألة لم تتحقق إطلاقا. حتى الخرجات الصاخبة على الجرائد والمجلات لمن يقدمون أنفسهم باعتبارهم معارضين للدولة في شكلها الحالي, بقيت حبيسة المجلات والجرائد من "لومند ديبلوماتيك" إلى "الباييس" ولم تصل يوما إلى شعبنا دلالة أن من يقومون بها لاشعبية لهم وسط الناس, وأنهم في الختام يشبهون برادعي مصر تماما, قد يمضي بهم الغرب بعض الوقت للاستمتاع وتمثيل دور المستمع لآرائهم, لكن حين يصلون إلى أرض الوطن لن يجدوا أحدا في انتظارهم في المطار إطلاقا , وسيقال لهم : أنتم أجندة غربية فعلا لاعلاقة لنا بها. اليوم العكس هو الحاصل, واالنقاش بدأ يأخذ طريقه بكل روح صحية بين الجميع حول مايريده شباب العشرين من فبراير, وحول حدود هذا الاحتجاج, وحول شكله وتطوراته. طبعا هب علينا من العدم سراق الثورات العاديين والمألوفين ممن يريدون أن يضعوا قدمهم في كل مكان أو من نقول عنهم في دارجتنا إنهم "غير حاشيين كرموستهم فالشريط", وهؤلاء _ وهذه ملاحظة يرددها الشباب اليوم في الفيسبوك والتويتر _ كانوا باستمرار وجوه كل المراحل في المغرب, ويريدون اليوم أن يتحدثوا باسم شباب العشرين من فبراير رغم أن أغلبيتهم غادرت سن الشباب أيام المسيرة الخضراء أو قبل هذا التاريخ بكثير. هؤلاء عليهم أن يفهموا أمرا أساسيا وهاما: مثلما تعب الشعب من الوجوه الكالحة لأحزاب عرشان وأحرضان والأحرار والحركة والدستوري وبقية التشكيلات المترهلة دون أي استثناء "باش مايفرح حتى واحد", تعب شعبنا أيضا من أدعياء المعارضة ومن محترفي الوقفات الاحتجاجية الكاذبة من أمين ورياضي والسفياني والجامعي والعدل والإحسان والبقية الباقية. شباب اليوم يعتقد أن الطبقتين معا وجهان لعملة واحدة, الأولى تلعب لعبة الحاكمين والثانية تلعب لعبة المعارضين, والإثنان معا يمثلان على المغاربة ولا يستحقان ولا يستطيعان أن يقولا إن لديهما أي مخزون كيفما كان نوعه عند شعبنا. ورطة سياستنا اليوم, بل وورطة البلد كله في أعناق هؤلاء من الضفتين. هما معا جرا وعملا على أن يدخلا البلد إلى النفق المسدود الذي بلغه, واليوم وعوض أن يصيخوا السمع لصوت الوافدين الجدد "ديال بالصح", نجدهم يحاولون إثارة الضجيج لكي ينبهوا الناس مجددا إلى وجودهم. ومن الآن نقولها: هناك أطر نظيفة في هذا البلد من معلمين وأساتذة وأطباء ومحامين ومهندسين ومن كل المهن الأخرى ترى أن بإمكانها أن تقدم لبلدها أي خدمة يطلبها منها شرط أن تختفي هذه الكائنات التي صنعت عجز السياسة المزمن في المغرب على امتداد الأربعين سنة التي خلت. هؤلاء يقولون اليوم إنهم مستعدون لمساندة الشباب في مطالبهم التي تريد إصلاحا جماعيا للبلد لايمكن أن يعارضه أحد, ويقولون أيضا إنهم ينتظرون أي إشارة من وطنهم بأن هناك إمكانية انطلاق حقيقية لكي يلبوا النداء فعلا, لكنهم حريصون على ألا يلتقوا مع وجوه الأزمة من الجهتين معا, على أن يبقوا فعلا "فالتيقار" مع من يبدون لهم مجرد مستفيدين من الوضعية سواء بمدحها أو قدحها, لأن المدح أو القدح أصبحا رسمين تجاريين يشتغل بهما السادة الأفاضل الذين تعرفونهم. صرخة شباب اليوم هي هاته الآن: تعبنا من "الكمامر" القديمة هنا وهناك, ونريد القليل أو الكثير _ لم لا _ من التجديد, "خاص غير اللي يفهم راسو ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق حتى صديقنا علي عبد الله صالح يعتقد أن هناك أجندة أجنبية تريد بث الفوضى في بلاده وهي التي تحرك الأحداث الحالية. علي عبد الله صالح الذي أمضى في اليمن السعيد أياما طويلة للغاية تجاوزت كل الحدود, وبدأ هو الآخر يفكر في منح إبنه استمارة البقاء الطويل بعده, كان ملزما بطرح سؤال صغير على نفسه: لماذا بقيت هذه المدة كلها رئيسا على هؤلاء الناس رغم أنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء اختياري نهائيا؟ للأسف التلويح بالأجندات الخارجية هي خدعة بصرية لجأ إليها مبارك ولم تسعفه, وربما كان حسنا لو فكر أصحاب هذه التخريجة في شيء جديد يقولونه, فمن فرط التكرار ستفقد الأحداث معناها ولن تعود قابلة لأي متابعة شيقة.