أعرف صعوبة السير عكس التيار السائد اليوم على المواقع الالكترونية .. و أدرك حجم التجييش وقوة الشعارات البراقة على لجم أي صوت يحمل قلق السؤال ويبحث عن الوضوح وسط ضباب المزايدات كمرض سياسي نعايشه في المغرب منذ عقود... لقد عايشت أجواء و صدى الثورة الإيرانية سنة 1979 في الجامعات المغربية و لم يكن مسموحا لأي كان داخل أسوار الجامعة وتحت طائلة القمع و حتى المحاكمة "الشعبية"، طرح مجرد سؤال عن طبيعة هذه الثورة و ما ستحققه للشعب الطامح للحرية والديمقراطية، إنها ثورة و كفى، ينبغي دعمها بكل قوة، لأنها كلمة جميلة ورنانة ومريحة نفسيا..لا تسأل لا تجادل... كما يقول أحمد راتب على لسان أصولي في الفيلم المشهور...ومرت الأيام، وعرف الجميع أن كلمة الثورة ليست دائما جميلة و أنها قد تصبح قبيحة بشكل لا يطاق و مرعبة مثل وجه القذافي الذي تجمل بها لعقود من الزمن .. البقية معروفة ولست بحاجة لمزيد من التفاصيل... وتكررت ذات الأجواء خلال احتلال صدام حسين للكويت و ما عقبها من حرب ومن تجييش جماهيري منقطع النظير ، ولم يكن مسموحا القول أن صدام خاطئ و بالأحرى القول أنه ديكتاتوري وغير صالح لشعب العراق.. فصدام قائد قومي ثوري صامد في وجه الامبريالية الأمريكية .. ينبغي قول ذلك فقط لا غير تحت طائلة التصنيف و إلصاق التهم الجاهزة دوما : عميل أمريكا، رجعي وقس على ذلك... وشخصيا ووجهت كتاباتي الصحفية آنذاك و التي لم تساير هذا الجو" الثوري" بردود عنيفة و اتهامات مبتذلة و إرهاب فكري بكل معنى الكلمة ... إنها ثقافة مرسخة في الأذهان التي تشكلت داخل ما يسمى بالثقافة العربية الإسلامية، فالاختلاف كقيمة لا وجود لها لأن المفهوم ينتمي إلى ثقافة أخرى، الاختلاف يعني الكفر منذ قديم الزمان و يستتبع القتل بكل بساطة، ويعني الخيانة في الأنظمة الشمولية ويستتبع السجن في أحسن الحالات، و يعني معاكسة قضايا الشعب و الثورة ، ويستتبع القتل المعنوي و الإرهاب الفكري... ورغم أن فقيها كبيرا حاول ترسيخ فكرة الاختلاف بقوله أن " رأيي صائب و يحتمل الخطأ ورأيك خاطئ يحتمل الصواب"، فإن المنطق الذي بات يتحكم في بنية هذه الثقافة " العربية الإسلامية" أن رأيي صائب ورأيك خاطئ ..والخطأ يستلزم ما يستلزم حسب الظروف و حسب أداة القمع المتوفرة مادية أو فكرية... أعرف كل ذلك ومع ذلك أجازف بالانضمام للمقاربة الأخرى غير السائدة على المواقع الالكترونية و للاختلاف لأتوجه لهؤلاء السادة و السيدات الذين يريدون جعل " 20 فبراير" مقدسا جديدا لا ينبغي المساس به أو طرح مجرد أسئلة عنه، كتعبير عن اشتغال شئ، نملكه نحن أيضا المنتمون لهذه البقعة الجغرافية المسماة تجاوزا عالم عربي أو إسلامي ، وهو العقل الذي لا يشتغل في حده الأدنى بدون قلق السؤال.... وبعد .... مناسبة كل هذه المقدمة " الطللية" هي فقط لأتساءل عن طبيعة هذا الذي يسمى 20 فبراير علني أحصن نفسي ولو قليلا من المدافع الجاهزة لإطلاق النار ، و لو أنني أعلم أن " الحاكم العربي يتحسس مسدسه عندما يسمع كلمة ثقافة" كما قال أحدهم و أعلم أن " الثوري" يتحسس مسدسه هو الآخر الذي هو من نوع آخر ، عندما يسمع كلمة اختلاف، فالبنية الثقافية واحدة في نهاية المطاف و المنطق ذاته في كلتا الحالتين... ومطلبي بسيط ، و لن أقول أن الشعب يريد...، يتمثل في الوضوح فقط لا غير. في ساحة التحرير بالقاهرة كان الجميع يعلن عن نفسه بكل وضوح ، الإخوان، أنصار شباب الو فد، شباب حركة البرادعي،وغير ذلك من التنظيمات السياسية، و الذين لا انتماء لهم و يعملون فقط على الإنترنيت، لم يكن أحد يخفي انتماءه ومطالب تنظيمه أمام الصحافة بكل أنواعها.. في المغرب اليوم الكل يختبئ وراء 20 فبراير كما كانت تنظيمات سياسية ومازالت تختبئ وراء الاتحاد الوطني لطلبة المغرب وتصدر بياناتها المتعارضة بشكل مطلق تحت هذا الاسم، رغم أن الكل يعرف أن ليس هناك تنظيم اسمه الاتحاد الوطني لطلبة المغرب منذ حوالي 30 سنة ! الوضوح هو أن تعلن التنظيمات المؤطرة ل 20 فبراير عن نفسها، كما يفعل اليسار الاشتراكي الموحد، و تعلن عن مطالبها كما تريدها هي دون أن تنسبها إلى شباب هكذا بشكل غامض او الى الشعب ، و كأنه شباب وشعب يتفق على كل شئ اليوم و غدا ... النهج يدعو إلى ثورة جذرية و لا يعترف بالنظام الملكي و كل ما يأتي من النظام مرفوض مبدئيا ، وفكرة المجلس التأسيسي لصياغة دستور البلاد التي تبدو و كأنها من إنتاج ما يسمى بشباب الفايسبوك، يطرحها النهج وريث إلى الأمام ( التنظيم اليساري المتطرف) منذ 40 سنة على الأقل، وهو أمر طبيعي ورأي محترم لأن الأمر يتعلق في تصوره بثورة ، وعندما تكون هناك ثورة لا تكون هناك استمرارية و تلغى كل المؤسسات ويلغى الدستور ، و لابد من دستور جديد يصيغه الشعب عبر انتخاب مجلس تأسيسي .... هو رأي و تقدير سياسي، و للجميع الحق أن يقدم رأيه و يدافع عنه و يعمل على إقناع الآخرين به، لكن هناك شرط لابد منه هو أن لا يقدم كرأي الشعب لأن الحديث باسم الشعب له ضوابطه الديمقراطية. ليعلن النهج عن نفسه بوضوح و بأطروحاته داخل 20 فبراير ومنها أطروحة تقرير المصير للشعب الصحراوي، ولتعلن جماعة العدل والإحسان داخل نفس الفضاء عن أهدفها وبرنامجها لليوم والغد وموقفها المعروف من النظام الملكي في المغرب وبديلها المعروف كذلك، ليكون شباب لا يتجاوز 20سنة احيانا، ومنهم من يعلن حبه للملك لكن يريد الإصلاح، ومنهم شباب أحزاب أخرى، على بينة ويتضح الطريق المقترح السير فيه. الوضوح أمر ضروري لأن الأمر يتعلق بمستقبل وطننا جميعا، وليس مجرد تسلية أو لعبة، إنه أمر جلل و ضخم هذا الذي يتعلق بالنظام السياسي للبلد، إصلاح النظام في إطار الاستمرارية أو إرساء نظام جديد يختلف جذريا على شكل جمهورية ثورية أو خلافة إسلامية؟ استمرارية ام قطيعة أمران يختلفان بشكل مطلق. والجمهورية الثورية تختلف بشكل جذري و مطلق كذلك مع خلافة إسلامية على رأسها شيخ الجماعة، وفي تقديري، الذي يحتمل الصواب كما يحتمل الخطأ، هي أضغاث أحلام، رومانسية ثورية يحملها البعض منذ أيام الجامعة و منذ عقود ، أو أحلام قومة يبشر بها الشيخ المعلوم منذ عقود كذلك.. لا جديد هنا ولاشباب، لكن لكل واحد الحق في الحلم ، فهذا أمر مشروع تماما، ولكل واحد الحق أن يتخذ الموقف الذي يراه من النظام السياسي، فقط عليه أن يعبر عنه بكل وضوح و شجاعة و ليس باسم شباب 20 فبراير ، أو باسم الشعب أو أي يافطة أخرى... لست ضد التظاهر و التعبير السلمي عن المواقف، (ماعدا التعبير عن مواقف ضد وحدة تراب الوطن، فالخيانة الوطنية ليست وجهة نظر محترمة في أي حال من الأحوال و في أي بلد من البلدان.). لكن ضد الغموض ، وضد الغش، لأن تعليب موقف سياسي عمره عقود بشباب 20 فبراير ، يشبه غش المستهلك، فعندما توضع على العلبة مكونات ما بداخلها يكون المستهلك على بينة و يتحمل مسؤولية استهلاك محتواها لوحده، لكن عندما لا تحدد المكونات أو تزيف أسماؤها، فإن مسؤولية التسمم، إذا حدث، يتحملها المنتج لوحده. بالمناسبة، إذا سارت الأمور في اتجاه سلبي، أقول إذا و هي شرطية وكل شيء وارد، من سيحاسب، سياسيا، أقصد و ليس أمنيا؟ لذلك لابد من الوضوح ... أن نعرف مواقف كل طرف داخل 20 فبراير من القضايا الكبرى المطروحة و على رأسها طبيعة النظام و هي مفتاح كل شيء ، أولا مع الملكية أو ضدها، ثم بعد ذلك ملكية برلمانية أو اقل او أكثر .. و لا حظوا أن فاعلين أساسيين في 20 فبراير يرفضون اليوم شعار الملكية البرلمانية، ليس صدفة، لأنه شعار يقر بالنظام الملكي وهو ما لا يستسيغه الرافضون لهذا لنظام منذ زمن بعيد.. لابد أن نعرف كذلك القادة، المفروض أن ينتخبوا ديمقراطيا و ليس تعيين أنفسهم. وكم كان جميلا لو تم عقد لقاءات جماهيرية لانتخاب القادة و اختيار الشعارات و السقف السياسي.. كانت فرصة لاختبار هذا المفهوم الجميل هو الآخر أي الديمقراطية ،وفرصة للتمرين و التربية على الديمقراطية ، لتربية شباب ولج هذه الحركة ، ربما بدون خلفيات ورؤيا واضحة للأمس و اليوم و الغد، على هذه الثقافة التي لا محيد عنها في هذا العصر في أي نظام او تنظيم ، الثقافة الديمقراطية....ولا اعتقد ان أي حركة اليوم قادرة على النجاح بدون هذه الثقافة وممارستها، وسيكون امرا رئعا لو بادر الشباب داخل 20 فبراير بإعطاء دروس لهؤلاء الشيوخ، او بعقلية الشيوخ ،في ممارسة الديمقراطية ثقافة وممارسة،سيكون الأمر فعلا قيمة مضافة حقيقية، اما تكرار نفس الأساليب التي يعرفها كل من مر بالفضاء الجامعي ايام زمان، وهي اساليب اقرب الى الفاشية، فلا امل في شباب نريده ان يكون هو الامل...ومع ذلك لنتشبث بالامل لعل الشباب الباحث عن الحرية داخل هذه الحركة يتساءل فقط اين نسير ومع من نسير، الرفيق قبل الطريق ووضوح الرؤيا قبل المسير.