— مريضة نفسية أنا بحبها، وبكل الهوس أعترف، غريبة هي جاذبيتها، جميلة جدا لغتها، وألوانها، قمصانها، وقعها على نفسي، كل المشاعر المتدفقة التي تتملكني وأنا أشاهدها… هي الوحيدة التي أسمح لها بأن تسلبني، أن تدخلني في عداد مدمنيها، عاشقيها، أن تنمطني وتسطحني، أن تساوي بيني وبين المتطرفين، الإرهابيين، المجرمين، اللصوص، ومعتقلي الرأي العام… وهي الوحيدة التي تحقق العدالة الاجتماعية فأتقاسم حبها مع الملياردير، والمليونير، والغني، والملك والوزير، ورجل الأعمال والأرستقراطي والبورجوازي… جميعنا نتساوى في حضرتها، تنحني الرؤوس، تشد الأنفاس، وتعلمنا الغواية، والإغراء…كلنا نتساوى في مقامها ومقالها وقدها وقوامها… كلنا نحبها ونحب بعضنا لأننا نحبها ولو لتسعين دقيقة فقط من الهوس الجماعي.
توحد لغاتنا على اختلافها، تكلمنا بلغة الفن، والموسيقى، والإبداع والأمل، والاستماتة، والطاقة، والجمال والحسن والبهاء، هي الوحيدة التي تستمتع بسجنها، وتفتخر بجلاديها، وتضع بمحض إرادتك قيود المتعة على جسدك لتجلس مؤدبا مهذبا في كرسي الطاعة أمام شاشة الغواية. هي التي تجعلك تتخلص من أناك، غرورك، غموضك، تأدبك، تحررك من كل الأنوات العليا لتمارس الطبيعة بحذافيرها، فيصرخ الخجول، ويجن العاقل، ويغضب الهادئ، ويفحش المتدين ، ويتشاجر الجبان، ويصمت الثرثار… كلنا نمارس الطبيعة ونحن نشاهدها، ونتفاعل معها، مع كل عضو من أعضائها الإحدى عشر…وننتشي على حركاتها، ومشيتها، وجريتها، وتمريرتها وذهابها وإيابها…كلنا نحس بمشاعر مختلطة، صعب شرحها، أو وصفها وجميل جدا ممارسة " الحلول" فيها لتحس بكل شيء بداخلك يتمازج مع كل دقيقة في كل ثانية… مشاعر تختلط بين الغضب والفرحة، والسعادة، والنشوة، والرغبة، واليأس، والأمل وكل المشاعر الخامدة فيك تتحرك وتتركز وتتكاثف كلما زادت أهمية اللقاء بها، وكلما صعدت هي درجة من درجات الشهرة والنجاح، وكلما اقتربت من القمة تقترب أنت من النشوة…وفي لقاء النهايات، هدف واحد لها يسعدك، يجعلك تحب رئيس عملك، وتصافح عدوك، وترغب في تقبيل صديق(تك) السابق(ة)…وهدف عليها يجعلك تفقد أعصابك وترتكب الحماقات، وتحزن لأسبوع كامل، تشعر بالاستفزاز كلما تحدث أحد عنها بالسوء..
كلنا في يوم من الأيام في سقطة ما، في هفوة ما قلنا " لن نحبها مجددا"، نغضب عليها، لكننا نعود إليها من جديد كالعبيد تماما لأننا نحبها، وشهداء متعتها. لم نحاسب يوما مجنون ليلى، وروميو جولييت، لا نحاسب القديسين لأنهم يعشقون الرب، ولا نحاسب الرسامين لأنهم يعشقون الألوان، لا نحاسب المغنيين لأنهم يعشقون الميكروفون، ولا نحاسب الكتاب لأنهم يعشقون الورقة البيضاء فلما تحاسبوننا أنتم؟ تحاسبوننا لأننا جعلنا منها فنا ثامنا، هي لوحة فنية متحركة، تصدر موسيقى الشهوة، وترسم بالأزرق والأحمر فوق الأخضر…فلما تحاسبوننا إذن؟ لأننا نضيع وقتنا، لأننا مستلبون، لأنها تمارس رأسماليتها الوحشية علينا، لأنها تستعبدنا؟ لما تتهموننا بالغباء والجنون والحمق… هل للعاشق ذنب في عشقه؟ هل لنا ذنب في الاستمتاع بها ما دامت لا تدخل علينا إلا مشاعر البهجة والاستمتاع. ونرى العالم ورديا عبرها، لا تقلقوا علينا، نحبها بتوازن ولا نلتقي بها إلا يومي السبت والأحد أو الثلاثاء والأربعاء… يومين في الأسبوع على أبعد تقدير تستكثرونها علينا؟
وأنا ابنة الثامنة سنا لم أكن أعرف أني سأحبها من أول نظرة، في بيتنا كان لها ضحيتين يعشقانها تقاسمت العشق مع أخواني فأصبحنا ثلاث ضحايا نتأملها جماعة … لم أكن أن تلك النظرة الأولى ستؤثر على مساري، على حياتي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، لم أكن أستوعب كم أثرت في تلك التسعين دقيقة لأجعلها قدوة للأمل ولاستماته فبعد أن كانت منهزمة بأربع أهداف أصبحت منتصرة بالخمسة وقلبت الكفة في 45 دقيقة فقط…لأحب كرة القدم من أجلها فلعبتها، وأحببت الصحافة الرياضية من أجلها، لأبقى قريبة منها ومن أخبارها، فدرستها لكن عذرا لم أستطع التنازل أكثر…استغنيت عن الرياضية لكنني أمارس الصحافة بفضلك، بفضل بصيص الأمل الذي بثه في فريقك، أحاول أت أغير شيئا ما، على شخص ما، في مكان ما.. كما فعلت أنت تماما، كما فعلت أنت في 90 دقيقة، كنت أكثر فعالية…معي يأخذ الأمر أكثر من دقائق وأيام. صعب الحديث عن التغيير في هذا الوطن، وصغب أن نقلب الكفة، وننتصر للجمال، ونسجل أهدافا. لنغير الموضوع…
هي هي وليست هو، أؤنثها لأنه لا يمكن وهي في كل ذلك الجمال إلا أن تكون أنثى…أحيانا أحب تقاسم حبها مع الجميع عندما تكون منتصرة وعندما تنهزم يصيبني السعار بحب التملك، أتمنى لو أنها لي لوحدي وفقط ويخال لي أني الوحيدة القادرة على مواساتها وفهمها ومسامحتها، جعلت منها إنسانا، كيانا، يحس، ويتحرك ويبادلني العواطف… ماذا؟ مريضة أنا؟ مهووسة، مستلبة؟ عالجوني إذن ان استطعتم…علقوني على جدائل نخلة واشنقوني فلن أخون النخلة. شكرا برشلونة على كل سنوات الفرجة والفرحة والمتعة … شكرا على سحقك للكبير والصغير بكل روعة وجمال… شكرا لأنك أوصلتنا لمرحلة كنا نجيب فيها دون مشاهدة مباراتك بكل ثقة لكل من يسأل " اش دايرةالبارصا" ب " غالبة" … شكرا لأنك فزت بكل الألقاب الممكنة وغير الممكنة، شكرا لروحك الرياضية ول"تيكيالتاكا" البلاي ستايشنية، شكرا للرايكارد الذي وضع اللبنة الأولى لبداية الأسطورة بعد أن كانت " أسيطرة" ولغوارديولا الذي بنى منك تحفة في اللعب الجماعي والفردي، ولفيلانوفا الذي حاول تحمل المسؤولية فقتلته، شكرا لتاتا ولويس إنريكي الذي يقاوم ثقل المسؤولية… شكرا لكل من جعل من برشلونة الفن الثامن، شكرا لأنك علمت فرق العالم معنى الصدق والسحر في الأداء من منتوجاتك المحلية ولاعبين جعلت منهم مشاهير تتخاطف عليهم كبريات الأندية العالمية، شكرا لأنك "طحنت" فرقا كبيرا ب 6 و 5 و4 .. شكرا لأنك أنقذتنا من حقارة بطولة وطنية وأفرحتنا بعد انتكاسات منتخبنا الواحد تلو الاخر… شكرا لأنك أمتعت جيلا كاملا، شكرا لكل تمريراتك المتقنة والمحسوبة بالسنتيمتر…شكرا لأنك جعلت الإناث والأطفال والشيوخ يتعلمون قواعد كرة القدم عبرك.
شكرا لك وأنت في كل حالاتك، منهزمة، أو فائزة، في أوج القمة أو في أسفل الترتيب… لا يهم شكرا لك لأنك صادقة الشعار، فأنت فعلا أكثر من مجرد فريق..