مجتمعي مرهف الأحاسيس، رقيق المشاعر... كلمة واحدة تصدمه، فكرة مختلفة تستفز مشاعره، قبلة في الهواء الطلق تخل بحيائه العام، وانتقاد سياسي قد يزعزع نظامه العام. مجتمعي مسالم جدا يخاف الصدمات، يتجنب الفتن، وترهبه الثورات... في مجتمعي الرجل لا يجب أن يرفع صوته أمام الأب والجد لأنهم أكبر سنا، ولا يعلو بصوته أمام المسؤولين لأنهم أكثر نفوذا منا، ولا يجادل أساتذته لأنهم أرفع علما...أما المرأة فلا يجب أن ترفع صوتها وفقط، باختصار لأن صوتها حرام. في مجتمعي لنا صوت واحد فقط موسمي أحرار في التعبير به عبر صناديق انتخابية، في نهاية المطاف لا نرفعه بل نكتبه في ورقة ونرمي به في القعر. في مدرستي الابتدائية كنت أحقد على كريم المرسوم في المقرر الدراسي، كان دائما يلعب الكرة في الخارج وكان أبو كريم يقرأ الجريدة لكن سعاد كانت في المطبخ تساعد أمها، أمها التي تحضر الكعكة...كنت أظن المسألة حبيسة كراسة ابتدائية، لكن في الإعدادي اكتشف أن للبنات مادة " للتربية النسوية" وللذكور مادة " التفتح التكنولوجي"، لم أسأل أحدا عن سر التقسيم العجيب، خوفا من أن أصدمهم "بوقاحتي"، وأنا أكبر كنت دائما أبتلع الأسئلة كي لا أصدم أسرتي، معلمي، كي لا أصدم جيراني ولا أصدم مجتمعي من كثرة الأسئلة الوقحة خوفا على مشاعره، كبرت ثم كبرت، كرهت الكعكة وقررت أن أخرج من المطبخ، فليصدم مجتمعي أو ليذهب إلى الجحيم... مجتمعي لا يصدمه واقع الطفولة المغتصبة في المغرب العميق لا يحرك ساكنا، محايد حد الجمود أمام وضعية مئات الطفلات اللواتي لا يتجاوزن 15 سنة في قرى مغربية، اغتصبت براءتهن، زوجن قسرا، وحملن عنفا، منظر مؤلم "لطفلة تلد طفلة" بتواطؤ مع الأسرة والدولة والتخلف. بالمقابل يصدمه منظر أم عازبة تربي طفلها، يلقي عليها بالمسؤولية ويصفها بالزانية مغيبا مسؤولية الرجل. مجتمعي وهو يمر بسيارته في الشوارع لا يصدمه منظر متسول يغلق زجاج السيارة على أصابع يده الممدودة للداخل. ينهر بعنف متسولة تحمل رضيعا في حر الشمس وهي تقبل يديه " فعار الله شي درهم لهاد الوليد". يتجنب النظر في "معاق" فاقد لرجله أو ليده أو بتشوه خلقي...كلها أمور لا تصدم مجتمعي، يتعايش معها ببساطة، بل ويعطيك نصائحا " يمشي يخدم على راسو "، " تمشي تجفف ليها فشي عمارة" " يا لطيف على خليقة يمشي لشي جمعية"...لا يعتبر الأمر شذوذا في الطبيعة...طبيعة أن لكل الحق في العيش الكريم، في المقابل مجتمعي قد يصدم طيلة اليوم إن شاهد مثليا لا يتحكم في حركاته الأنثوية، ولا يقاوم حبه لألوان الملابس النسائية، سيجعل منه حديث اليوم مع أصدقائه في مقهى الحي وسيبدأ في عبارات " واش هادو رجال؟" معبرا _هو الرجل_عن أسفه وصدمته من تدني أحوال الرجولة بعينين متحرشتين بخطى امرأة متزوجة مارة من أمامه. مجتمعي لا يصدمه ليلا منظر أطفال الشوارع ممن يفترشون الأرض ويلتحفون السماء في ليالي البرد القارسة، سيمر مرور الكرام وكأنه لم يرى شيئا، بالمقابل سيصدمه منظر عاملة جنس تتمختر في الشارع بحثا عن زبون لها، سيصدم من تصرفها، سيصفها بالوقحة، والفاسدة والعاهرة، وسينسب إليها الجفاف والتسونامي، وغضب الله، وسيجعلها "مشجبا" تعلق عليه كوارث المغرب. مجتمعي تكتب له عن أضرار التدخين فلا يصدمه الموضوع لكن يصدم من الفتاة التي تدخن السيجارة في الصورة المرافقة للمقال. مجتمعي لا يصدم من خمسة ملايين نسمة بالمغرب يعانون الفقر بشتى ألوانه ويصارعون من أجل البقاء، يشكلون 15 في المائة من السكان، فيما يعيش25 في المائة على عتبة الفقر أو تحت خط الفقر، مجتمعي لا تصدمه الأرقام، لكنه يصدم من الوقاحة التي تتجرأ بها على مناقشة رقم ميزانية القصر الملكي...سيصفك بالجاحد للوطن وبالمعادي للملكية. مجتمعي لا يصدمه الوحل الذي يعيش فيه سكان القرى في البوادي المقهورة، وحل الحكرة، والفقر، والتهميش، ولا تصدمه الثلوج التي تعزل مناطق بأكملها عن الحياة، حيث يتجمد أطفالها وشيوخها في صمت. لكن مجتمعي سيصدم إن تساءلت عن ثمن الحذاء الذي داس به الملك في الوحل، وعن ماركة السروال الملكي الذي تلطخ بالوحل وعن قيمة السيارة التي غطى الوحل عجلاتها. سيصدم مجتمعي لأنك لم تعتبر الأمر تواضعا، سيصدم لأنك تسأل، أو تتهكم، وسيتهمك بالتطاول على قدسية الملك والإخلال بالاحترام الواجب له مرة أخرى لأنك خائن. مجتمعي لا يصدم من تردي وضعية الصحة، وفشل المنظومة التعليمية، وتراجع الحقوق والحريات، وأزمة الشغل، والفساد، وتفشي الرشوة في أعلى مراكز القرار، ومراتب المغرب المتأخرة في التقارير الدولية. لكن يصدمه انتقادك للحكومة ويتهمك بمعاداتها فقط لأنها ملتحية لا تروق لتوجهك الحداثي. مجتمعي ليست صدماته فقط هي النوعية، بل أسئلته أيضا. تقول له أنا علماني يسألك بتهجم "هل أنت ملحد؟"، تخبره أن قاصرا قد اغتصبت يسألك " واش كانت مصاحبة معاه؟"، تتألم لحال مصابة بالأيدز، فيسألك " كيف انتقل إليها؟"، تشتكي له من فتاة تعرضت للتحرش فيسألك " أش كانت لابسة؟ وشحال كانت الساعة؟". تحدثه عن "التسونامي" وعدم جاهزية المغرب لاستقبال الكوارث الطبيعية يجيبك "غضب الله". مجتمعي تقول له لقد تمت سرقتي والاعتداء علي يسألك " اشمن زنقة كنتي غادي؟"، مجتمعي تنعي إليه خبر موت قريبك في حادث سير فيجيبك "الله يرحمو، كان كيصلي بعدا؟"، مجتمعي تثور أمامه على واقع أزمة الشغل في المغرب فيبادرك بالسؤال " واش كنت أدبي ولا علمي؟" تريه فيديو لبلد يطبق الشريعة بحد الجلد على أحدهم فوق مؤخرته فيقول لك " حشومة، كان يجب أن تغطى عورته"، تحدثه عن تزايد حالات الانتحار فيقول لك " إلى جهنم خالدين"، تحدثه عن الحرية الجنسية بموافقة الطرفين يصفك " بالعهر"، تحدثه عن حرية العقيدة يصفك "بالكفر".... أسئلة تدور حول المشكل ولا تعترف به، وحلول ترقع المشكل ولا تقضي عليه. في مجتمعي ترفع فيه صوتك بالسؤال في أمور الدين يصدمون ويطالبون بتطبيق حد الردة، ترفع فيه صوتك بانتقاد أوضاع البلاد يصدمون ويصفونك بالخائن، عميل البوليساريو، وغير المؤمن بنظرية "الاستثناء" التي أتوقع أنها ستصبح تهمة "معاداة الاستثناء" على غرار "معاداة السامية". تزيل المرأة حجابها ينعتونها بالفتنة، ترفع صوتها للدفاع عن حقوقها يصفونها بالعاهرة. بكلمة، بجملة بمقال أصدم مجتمعي، سينعتني بالابنة العاقة لأني أطالب بالمساواة في الإرث، لأني أجرم التعدد، لأني أتسامح مع المثليين، لأني علمانية تحترم حقوق الأقليات، لأني أريد ملكية برلمانية، لأني أربط المسؤولية بالمحاسبة، لأني لا أخنع للإعلام الرسمي، ولا أقول "العام زين"، لأني أنتقد كل شيء ولا يعجبني شيء... سأنفي عني التهم، مجتمعي يخاف من الصدمات، لن أستفز مشاعره ولن أجرح أحاسيسه. سأصلح كلماتي... في البدء "باسم الله" وفي التوقيع "عاش الملك". https://www.facebook.com/zhor.baki?ref=tn_tnmn https://www.facebook.com/ecrivaine.zhor.baki?ref=hl