سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
رجل الاعمال الشجاع كريم التازي في حوار شامل وصريح مع "كود": موقفه من تصريحات الباطرونا ورأيه في الحكومة وتعداده لأخطاء بنكيران وشهامة الرميد وسبب تشاؤمه على المدى القريب وتفاؤله على المدى البعيد
وجهت الباطرونا انتقادات لقانون المالية، واختلفت بين انتقادات مريم بنصالح رئيسة الباطرونا وبين جمال بلحرش رئيس لجنة التشغيل في الباطرونا، كيف تقرأ هذه الانتقادات أول شيء أريد أن أذكر به قراء "كود" هو أني أتكلم بصفة شخصية ورأيي يلزمني أنا فقط، من هذا الجانب استغربت لقوة انتقادات مريم بنصالح وشراسة تصريحات جمال بلحرش، ولو كان الأمر يتعلق بتصريحات شخصية غير ملزمة للمؤسسة التي يمثلونها لكان الأمر عاديا بل يعتبر حقا لهما لكنهما تكلما بصفتهما ممثلين رسميين لمؤسسة الاتحاد العام لمقاولات المغرب، وتصريحاتهما من شأنها أن تخلق أزمة حقيقية مع شريك ذي أهمية استراتيجية ولا محيد عنه، هو الحكومة.
هذه التصريحات تدفعني إلى ترجيح فرضيتين: فإما أن مريم بنصالح وجمال بلحرش يعرفان مسبقا أن عمر الحكومة قصير، وإما أنهما ارتكبا خطأ ديبلوماسيا واستراتيجيا
كيف؟ لأنه ‘إذ ما استمرت الحكومة بعد هذا التصعيد فلا أعرف كيف يمكن للشريكين: الباطرونا والحكومة أن يعملا معا بثقة متبادلة وبفعالية. فالحكومة يمكنها أن تعمل بدون الباطرونا لكن الباطرونا لا يمكنها أن تعمل بدون الحكومة فرئيس الحكومة يمكنه أن يتعامل مباشرة مع القطاعات التي تهمه دون المرور عبر الفيدرالية،، وقد سبقه إلى ذلك إدريس جطو أيام كان وزيرا، إذ تعاقد مع قطاع النسيج والألبسة وكنت أرأس فيدراليته ووقعنا معا على عقد برنامج contrat programme دون المرور عبر الكونفدرالية العامة لمقاولات المغرب كما أبرم اتفاقية مماثلة مع فيدرالية التكنلوجيا الحديثة APB هذا اللا حذر من قبل قيادة الكونفدرالية لا يفهم لا سيما ونحن على أبواب المناظرة الوطنية حول الضرائب
Assises de la fiscalité هذا موعد مهم لمستقبل المغرب ويحتاج إلى مشاركة الجميع لبلوغ توافق وطني بين جميع الفاعلين حكومة وأرباب مقاولات
هل اخطأت الباطرونا بهذه الانتقادات الشديدة لقرار لا يهم سوى 17 ألف شخص(يتقاضون أكثر من 25 اأف درهما)؟ من الناحية التقنية، أغلبية الانتقادات التي وجههتها مريم بنصالح كانت في محلها. حقيقة مشروع قانون المالية يفتقد إلى رؤية استراتيجية أكانت إقتصادية أو اجتماعية ولا يتقدم بأي جواب مقنع للمشاكل التي يعانيها الاقتصاد المغربي، لكن بدا لي وبكل تواضع أن الرئيسة ارتكبت خطأ يتمثل في أنها لم تضع قانون المالية الحالي في نطاق سياسي و تاريخي عام، فهذه الحكومة ليست كمثيلاتها، فهي يترأسها حزب مقتنع أنه مستهدف بمؤامرات عدة، ويعاني مركب نقص لذا يعتبر ألباطرونا، بانتقاداتها هذه، وكأنها طرف في هذه المؤامرة، ورجال الأعمال في غنى عن اتهام مثل هذا . ثانيآ، فرغم نقاط ضعفه الكثيرة فإن هذا القانون ليس أسوأ من سابقيه، بل أنه جاء باجراءين اثنين شجاعين: الأول يتعلق بحانب الإرث، فلأول مرة تطرقت حكومة إلى طابو كبير وهو الإرث، وكون الحكومة التي تطرقت إلى هذا الموضوع إسلامية فهذا يضفي طابع الشجاعة على هذا الإجراء، وكان في نظري، على الرئيسة أن تحيي هذا الإجراء ذي الحمولة الرمزية الكبيرة(اضافة رسوم تسجيل الإرث)، الإجراء الثاني وهو الضريبة على العقار غير المبني Taxe sur les terrains non batis فالكل يعرف أن ثروة أثرياء هذا البلد مجمدة في عقارات غير مستغلة ولا منتجة. شخصيا أرحب بهذا الاهتمام الذي أعطته الحكومة لمشكلة العقار، لكن أتأسف لأن هذا الإجراء أفتقد نوعا ما إلى الفعالية، فالحكومة كان عليها أن تطبق الضريبة على ملكية العقار لا الضريبة على الأرباح التي قد تجنيها بعد البيع، ما غاب على الحكومة هو أن الأثرياء ليسوا في حاجة لبيع عقاراتهم، إذ قد يلجأ هؤلاء إلى ترك عقاراتهم الى حين تتراجع الحكومات المقبلة عن هذا القرار وهنا غادين نصدقو لا ديدي لا حب لملوك بالعودة إلى الضريبة على الدخل الذي يفوق 25 اأف درهم، هذه الضريبة كانت ستكون محط ترحيب من قبل الجميع لو أن الحكومة اتخذت قرارات بخصوص المهن الحرة التي غالبا ما تتهرب من أداء الضريبة ثم هناك الاقتصاد غير المهيكل الغائب تماما عن أجندة الحكومة، وهنا أتساءل: هل لهذا الغياب علاقة بالكتلة الناخبة لحزب العدالة والتنمية؟
ردت الحكومة على انتقادات الباطرونا بقوة، عبر وزير الميزانية إدريسي الأزمي، كيف تلقيتم هذا الرد؟ استغربت أيضا لقوة رد الحكومة على انتقادات الباطرونا.
كيف ذلك؟ لأن الطريقة التي ردت بها الحكومة تكشف أنها فقدت التحكم في أعصابها. ردة فعل مماثلة لا تطمئن لا رجال الأعمال ولا المستثمرين، فهم في حاجة إلى حكومة تثق في نفسها وتتحكم في أعصابها لا إلى حكومة انفعالية.
خلاصة القول أن هذه الأزمة خطيرة على جميع المستويات: على مستوى الحكومة وعلى مستوى الباطرونا.
حزب العدالة والتنمية رد هو الآخر من خلال برلمانييه خاصة أفتاتي وبوانو وبروحو، هل هناك توزيع للأدوار في هذا الصدد؟ بدل الحديث عن توزيع الأدوار، هذه الأزمة كانت فرصة لتوحيد الصفوف داخل الحزب، فالكل يعرف أن الحزب يتوزعه معسكران: معسكر مهادن (بنكيران ، باها، الرباح) ومعسكر راديكالي من قيادته عبد العالي حامي الدين وعبد العزيز أفتاتي ويمكن أن نضيف إليه الرميد حتى وإن ظل ملتزما الصمت وشبيبته.
عاش المعسكران مواجهات داخلية بدءا من طنجة عندما منعت الداخلية نشاطا حزبيا ثم ظهر الخلاف أكثر عندما صوت نواب البي جي دي على بوانو لرئاسة الفريق مما أحرج بنكيران فوافق على هذا الاسم.
هجوم الباطرونا وحد صفوف الحزب وقرب بين المعسكرين ولو مرحليا، الباطرونا كانت بمثابة الحائط القصير. فتحولها إلى خصم لتوحيد الصفوف يخلق مشكلة لهذه المؤسسة التي ساهمت دون علم في تذويب الخلافات الداخلية للعدالة والتنمية
صرحتم بعد سحب اعتماد الصحافي عمر بروكسي (صحافي من ا ف ب) بأنكم فقدتم الأمل في حكومة بنكيران، هل مازلتم فاقدين الثقة في هذه الحكومة؟ أولا ، أنا لم أكن أنتظر من حكومة بنكيران معجزات وكنت أعي أنها تعاني من نقص تجربة على مستوى التدبير، بالإضافة إلى افتقادها لمشروع اقتصادي، لكن كنت أنتظر منها ان تظل على مواقفها المبدئية في كل ما له علاقة بالحقوق والحريات. فمادا نشهد اليوم ؟
قبل بنكيران اعتقل وسجن الفنان الحاقد و مع حكومة بنكيران اعتقل ومازال نفس الفنان في السجن. قبل بنكيران كان التضييق على الصحافي عمر بروكسي ومع حكومة بنكيران زاد التضييق عليه كثيرا، وتعرض للتعنيف وسحب اعتماده.
بنكيران لا يضيع أية مناسبة لتذكيرنا بأن الفضل في وصول حزبه إلى الحكومة يعود إلى الربيع أي الى حركة عشرين فبراير ومع حكومه الربيع العربي اعتقل عدد كبير من ناشطي الحركة ومازالوا قابعين في السجن إلى اليوم
قبل حكومة بنكيران كانت تطبخ ملفات وتلفق تهم بليدة إلى مواطنين ومع بنكيران اتهم توفيق الابراهيمي بالمس بأمن الدولة واعتقل دون أن تقدم أدلة تورطه في هذه التهمة الخطيرة جدا، ويمكن أن نضيف أشياء كثيرة.
وأتساءل هنا، ما مصير شعار حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة"جميعا ضد الفساد والاستبداد" وأتساءل عن السبب في إضافة كلمة "الحريات" إلى وزارة العدل إذا كانت حريات المواطنين تنتهك يوميا؟ هذا هو سبب فقداني الأمل في هذه التجربة
هناك من يعتقد أن هناك تماسيح وعفاريت تعيق عمل الحكومة، هل تؤمنون بوجود هذه المخلوقات؟ بطبيعة الحال، فخلال فترة تنزيل دستور جديد تفتح صراعات وجبهات مقاومة، رئيس الحكومة عبد الاله بنكيران هو أول من تكلم عليها علنا و هذا شئ إيجابي، لكن وعوض أن يواجه تلك الجبهات بقوة وحزم، اختار خيارا آخر وهو وصفها بالتماسيح والعفاريت و الشكوى من هيمنتها.
وأحسن مثال يظهره نفوذ جبهات المقاومة هذه وكيفية فشل بنكيران في مواجهتها هي قضية دفاتر التحملات (الخاصة بالإعلام العمومي) فهذا مشروع حكومي صادقت عليه الهاكا ثم تعرض لهجوم منسق من طرف موظفين مفروض فيهم جانب التحفظ و ملزمون بالصمت، فالسؤال البديهي هو من هي الجهة التي حركت هؤلاء ودفعتهم إلى تلك الخرجات الإعلامية المنسقة؟ ثم لماذا استسلم بنكيران ووزيره في الاتصال مصطفى الخلفي بتلك الطريقة المذلة في ملف له أهميته القصوى، فالمغاربة مجمعون على أن الإعلام العمومي رديء ومهمته الوحيدة هو خدمة بروباكاندا النظام. ونحن من يدفع ثمن هذه الخدمة، لأن ضرائبها تحصل من جيوب المواطنين يعني من زيتو تقليه كما يقول المثل المغربي.
لقد أظهر هذا المثال أن الحكومة ساهمت ولازالت تساهم بممارستها اليومية في تأويل وتنزيل غير ديموقراطي للدستورً والدليل على هذا هو ما شاهدناه خلال جولة الملك الخليجية، حيث ترأس مستشارو الملك الاجتماعات واكتفى وزراء الحكومة بالأدوار الثانوية، فباي باي لوعود إستقلالية للحكومة التي جاء بها الدستور. في سياق ثان، رسالتنا، نحن المغاربة، إلى هذه الحكومة: "كفى من الشعارات والخطابات نحن في حاجة إلى أفعال ملموسة"، كفى من ترديد الخلفي في كل مناسبة أنه يصهر على قانون جديد للصحافة خال من العقوبات السالبة للحرية، فنحن ننتظر منه ان يصلح خطأه وتعيد بطاقة الاعتماد الى الصحافي عمر بروكسي كي يمارس مهنته. هذه هي الافعال التي نحتاجها
هل الوضعية بالمغرب كلها سواد؟ طبعا لا ،هناك سبب للتفاؤل وهي معركة وزير العدل والحريات مصطفى الرميد فيما يخص اقتطاع أيام الإضراب، هذه المعركة تذكر بمعركة مارغريت تاتشير (الوزيرة الاولى البريطانية في الثمانينات) ضد المنجميين، كانت معركة تاريخية.
المعركة التي فتحها الرميد حيوية للمغرب، فهي في العمق معركة من أجل استرجاع الدولة لسلطتها على الإدارة، فموظفو القطاع العام بلغوا من القوة بحيث لم يعودوا خاضعين لأية سلطة بما فيها سلطة المخزن، شكلوا لوبيا خطيرا لا أحد يستطيع أن يوقفه أو يعاقبه اذا أخطأ. ما أستغرب له هو قلة الدعم للرميد، فلا المخزن سانده بالقوة اللازمة ولا الأحزاب دعمته ولا الرأي العام فهم ووعى أهمية هذه المعركة.
ما قام به الرميد يشكل فرصة لتقريب وتوحيد الصفوف بين مصلحة النظام ومصلحة الدولة، فمصلحة الدولة ليست دائما هي مصلحة النظام، وكانت هذه القضية، قضية الاقتطاع، ستشكل مناسبة لتقريب المصلحتين في ملف سيعود بالنفع على المغرب. هل أنتم متفائلون بما يحدث في المغرب حاليا؟ على المدى القصير فالمأزق السياسي والمالي والاقتصادي الذي يعيشه المغرب سيجعله يواجه صعوبات كبيرة في السنتين أو الثلاث سنوات المقبلة، لكنني متفائل على المدى الطويل لأن قاعدة المغرب الديموغرافية شابة ودينامية.