كان حزب الأصالة والمعاصرة في اليونان القديمة أفضل من الرواق. ومن المدرسة. ومن تلك التي كانت تسمى المشائية. ومن الأبيقورية. وكان الأساتذة يهربون من مدارسهم. ومن أقسامهم ويذهبون إلى الأصالة والمعاصرة. وكان فيه مال كثير. كان فيه كرم. و كانت فيه فرص كثيرة. وكان يجذب إليه كل من في الأغورا. فكان الفيلسوف-المعلم في أثينا يرفض أن يحضر إلى حجرة الدرس. متخلصا من التلاميذ. ومن الضجيج. ومن الروتين. متحررا من أي مسؤولية. ومن أي واجب. لاجئا إلى البام. و كان الإغريق يطلقون على هذا الحزب"فيلو پاما".(Philo Pama) و يعني محبة الأصالة والمعاصرة. وكم من شخص ترك حزبه رغما عنه وذهب إليه. وكمن من شخص ترك أهله. وأفكاره. وقناعاته. وبيته. ليستقر فيه. وكم من حزب هاجر بكل أعضائه وبزعيمه وبقطاعه النسائي وعاش في البام. وكم من يساري. و كم من يميني. وكم من شاب كبر بسرعة في البام وصارت له شركات وأندية كرة ووزارة. وذلك لتركيز هذا الحزب على مبحث الوجود. وبينما كان العالم يميل إلى المثالية. فقد كان البام ماديا. ومع السلطة. ومنها. وبسببها. كان وجوده بها وفيها. وكان يرى أن النجاح في الانتخابات يحتاج إلى الدعم. و إلى الأعيان. و "ادفع تنجح". وكانت لهذا الحزب فلسفة تؤمن بوجود "يد خفية" تحرك السياسة. دون صراع. ولا تنافس. ويكفي أن تكون في البام حتى يقع الاختيار عليك. وقد تصيبك المدرسة العمومية بمغص في المعدة. وقد تجعلك تهرب منها. وقد تتغيب عن كل الحصص. لتخرج محتجا على الإدارة التي لا تقدر الفلاسفة. ولا تحترم المفكرين. وبعد تيه. وبعد مرحلة شك. تجد وجودك في البام. وبعد أن يكشفك المغاربة. تجد ضالتك في حزب الأصالة والمعاصرة. حيث كان الإغريق القدامى يتعالجون فيه. ويتداوون بالفرص التي يمنحها. وبإنشاء المراكز. وبإجراء الدراسات والخبرات. بمال دعم الأحزاب. وكانت السعادة في هذا الحزب مدعومة. وكانت الحداثة مدعومة. واليسار مدعوما. والتغيير مدعوما. والثقافة مدعومة. والإقبال كان عليه كبيرا. والكل كان يريد أن يستغل الفرصة ويربح في البام. وكان الوجود كله داخله. محتكرا. مقبوضا عليه. بينما العدم في الخارج. وقد تدخله هزيلا وتصبح سمينا. ويساريا فتصبح يمينيا. ونخبويا. فتجد نفسك مقتنعا بشهادة العربي المحرشي. وبحصوله على باكالوريا شعبة فلسفة. وتابعا له. وكل ما ليس موجودا تعثر عليه في البام. وأي مرض تعاني منه. و أي تغيب عن المدرسة. ففي البام علاج له. دون حاجة إلى طبيب. ولا إلى أهلية. ولا إلى شهادة. ولن يحاسبك أحد. ولن يسأل أحد عن تغيبك عن المدرسة. لأن الإغريق القدامى كانوا يقدرون حزب الأصالة والمعاصرة. وكان يتداوون فيه. ويفكرون. ويجرون فيه الدراسات والأبحاث الداخلية. التي لا تظهر بالعين المجردة للمجلس الأعلى للحسابات. وكان لا يهمهم المال وطرق صرفه بل تحقيق السعادة والاهتمام بالوجود