رسمياً..أحمد الشرع رئيسًا لسوريا    المغرب التطواني يتعاقد مع مدير رياضي تداركا لشبح السقوط    وزارة التجهيز تحذر مستعملي الطرق من سوء الأحوال الجوية على خلفية نزول أمطار رعدية قوية    طنجة: تساقطات مطرية غزيرة وسيول جارفة تغرق عددا من الأحياء الشعبية (فيديو)    محكمة الاستئناف بطنجة: البت في 328.704 قضية خلال سنة 2024    أمطار رعدية وثلوج ورياح قوية.. نداء عاجل من وزارة التجهيز للمواطنين    وفاة الكاتب الصحفي والروائي المصري محمد جبريل    الحموشي يجري سلسلة اجتماعات بمدريد لتوسيع مجالات التعاون الأمني مع إسبانيا وألمانيا    نادي "غلطة سراي" يودع زياش    أخنوش يذكر بالولوج العادل للأدوية    بلجيكا تؤكد دعمها لمبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي لقضية الصحراء.. توجه أوروبي متزايد لدعم السيادة المغربية    أونسا يؤكد إخضاع مشروبات "كوكا كولا" لمراقبة صارمة    جهة طنجة-تطوان-الحسيمة تستفيد من استثمارات استراتيجية ضمن 17,3 مليار درهم صادقت عليها اللجنة الوطنية للاستثمارات    الشبكة الكهربائية.. استثمار يفوق 27 مليار درهم خلال السنوات الخمس المقبلة    قيادة حزب الاستقلال تدعم سعي نزار بركة إلى رئاسة الحكومة المقبلة    معهد التاريخ يبرز عالمية المغرب    رسميا.. الوداد يعزز صفوفه بضم مالسا    حصيلة أداء اليوم ببورصة البيضاء    جائزة عبد الله كنون تكرّم الإبداع الفكري في دورتها الثانية عشرة حول "اللغة العربية وتحديات العولمة"    مركز الإصلاح يواجه الحصبة بالتلقيح    حزب "النهج" يستنكر التعسف في هدم المنازل بالأحياء المهمشة    6 أفلام مغربية ضمن 47 مشروعا فازت بمنح مؤسسة الدوحة للأفلام    انهيار الطريق بين الحسيمة والجبهة..اتخاذ عدة إجراءات لضمان استمرار حركة السير    طقس المغرب: رياح قوية وأمطار رعدية وتساقطات ثلجية بهذه المناطق    إفران تطمح إلى الحصول على العلامة الدولية لمدينة نظيفة 100 في المائة    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    الفنان المغربي علي أبو علي في ذمة الله    مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة يطلق منصة رقمية لتعزيز الشفافية في دعم الجمعيات والتعاونيات    تقرير: 66% من أسئلة النواب دون جواب حكومي والبرلمانيات أكثر نشاطا من زملائهن    ترامب يأمر بتقييد إجراءات عمليات التحول الجنسي للقاصرين    ساعة نهاية العالم تقترب أكثر من منتصف الليل.. 89 ثانية تفصلنا عن الكارثة    الريان يعلن إنهاء التعاقد مع المغربي أشرف بن شرقي    الطيب حمضي ل"رسالة 24″: تفشي الحصبة لن يؤدي إلى حجر صحي أو إغلاق المدارس    أمراض معدية تستنفر التعليم والصحة    دلالات ‬الموقف ‬المغربي ‬المتزن ‬و ‬المتفرد ‬من ‬رؤية ‬الرئيس ‬ترامب    المؤسسة الوطنية للمتاحف وصندوق الإيداع والتدبير يوقعان اتفاقيتين استراتيجيتين لتعزيز المشهد الثقافي بالدار البيضاء    إدارة ترامب تسمح للمؤثرين وأصحاب "البوز" بالتغطية الإعلامية في البيت الأبيض    ليفاندوفسكي:" أرغب في إثبات أن العمر مجرد رقم"    توقيف مروج للبوفا مبحوث عنه بموجب مذكرات بحث وطنية    المحمدية: البحرية الملكية تتدخل لتقديم الإخلاء الصحي لسفينتين أجنبيتين    توقيف شخص بتهمة التخطيط لقتل وزير في الولايات المتحدة    المَطْرْقة.. وباء بوحمرون / الحوز / المراحيض العمومية (فيديو)    الرجاء الرياضي يفك ارتباطه رسميا بالمدافع ياسر بالدي خلال فترة الإنتقالات الشتوية الحالية.    نجم كرة القدم الإسباني المعجزة لامين يامال إشترى لجدته وأمه وأبيه ثلاثة منازل في عمره 16 سنة    إجلاء 176 شخصًا بعد اندلاع النيران في طائرة بكوريا الجنوبية    التعاونيات كقوة دافعة للتنمية: نحو نظم زراعية وغذائية أكثر استدامة في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا    "كاف" يقرر رفع عدد المنتخبات المشاركة في "كان" تحت 17 سنة المقرر في المغرب إلى 16 منتخبا    الذهب يصل إلى هذا المستوى    المغرب يتصدر قائمة الوجهات السياحية الموصى بها لعام 2025 من قبل كبار منظمي الرحلات البرازيليين    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون متعلق بنظام الضمان الاجتماعي    علاج غريب وغير متوقع لمرض "ألزهايمر"    في الرياض.. الكشف عن الفائزين بجائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام لعام 2025    عائلة الشاب حسني والشاب عقيل تمنع حفلهما بالمغرب    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفلسفة في المغرب إلى أين؟ 18 : عز العرب لحكيم بناني: لا يعقل أن ندرس الفلسفة الغربية وننسى البحث في فلاسفتنا
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 08 - 06 - 2018

o أشعلت هزيمة العرب 67، وثورة الطلاب 68، فتيل النقد والاحتجاج في العالم العربي. وعلى الرغم من القمع والتنكيل الذي استهدف هذا الجيل فقد أبان عن جرأة في طرح أسئلة حارقة حول الدين والتراث والسياسة.. فكيف تقومون هذه التجربة في مرحلتها وفي راهننا؟
n نحن نتحدث عن مرحلة لم تستفد حقها من البحث والدراسة. التحقت بالمدرسة الابتدائية مباشرة بعد هزيمة 1967، ولا زلت اذكر أن الأجواء العامة بالمدرسة كانت حزينة، ولم أفهم إلا لاحقا كيف كان صوت السيدة في مرثية «زهرة المدائن» نعيا لكل العرب ولكل الآمال التي تبخرت. أما ثورة الطلاب 68 فقد تعرفت عليها من خلال بعض الكتب المصورة التي كانت ترد علينا إلى فاس في بداية السبعينيات، ولكنني لم أفهم معناها إلا لاحقا. قادت ثورة الطلاب إلى تكوين نظرة نقدية شاملة إلى سلطة العلم وإلى الدور الإيديولوجي الذين يلعبه العلماء في الدفاع عن الفكر السياسي المحافظ. وقد ارتبطت تلك المرحلة بفكرة أن المفكر لا بد أن يكون يساريا وألا يتعاون مع المؤسسات، واعتبر عن حق أو عن باطل أن وضعية المثقف تتعارض مع انخراطه في المؤسسات الدينية والسياسية. كان وجود المثقف مرتبطا بانتقاد السلطة. ومن هنا انبثقت جرأة النقد التي اعتبرت أن الفكر قادر على أن يسلط نوره على كل شيء. وقد كان الاستبداد السياسي وثورة الطلاب عبر العالم ونكبة فلسطين من العوامل الحاسمة التي أثارت حرقة السؤال عن طريق المستقبل، فظهر جيل وضع مسؤولية كبيرة على عاتقه وهي تحرير المجتمع من عوامل التخلف باسم الدين أو التراث أو قيم الاستهلاك أو الفردانية أو سيطرة الأقلية على وسائل الإنتاج. وقد تشكل فكر الأزمة للإجابة عن هذه الأسئلة الحارقة التي حررت الفكر من عقاله وبعثت نفسا جديدا في المياه الراكدة. وبعد زوال مفعول صدمة النكبة ونهاية الإيديولوجيات الكبرى وانحسار دور المثقف داخل المجتمع لم تعد تلك المواد المنشطة قادرة على استنهاض العزائم. تغير العالم من حولنا ولكننا لم نتغير وانسحبنا من ساحة النقاش العمومية التي أصبحت تعج بالخبراء والأخصائيين في التنمية الذاتية وتقوية المهارات وغاب الفكر المنفتح على الفكر العالمي كما كان عليه الأمر مع الجيل السابق.
o هل يمكن الحديث عن فلسفة مغربية؟
n من بين المميزات الأساسية للفكر المغربي هي أنه فكر قام على مواجهة الاستعمار بالعودة إلى الموروث الثقافي أو بالانفتاح على الفكر العالمي الحديث. الفلسفة بالمغرب فلسفة مواجهة الاستعمار وتحدي
التبعية السياسية والثقافية ومقاومة الفكر المحافظ. وقد ظلت الفلسفة مرتبطة بمجالين مختلفين وهما مجال الدراسات التراثية ومجال الفلسفة الغربية وفلسفة العلوم. وقد أنتجت الجامعة المغربية أعمالا فكرية رائدة في مجالات تخصصها وفلاسفة مرموقين، لكنه يصعب علينا الحديث عن فلسفة مغربية، ما دام أن الفلسفة متعددة بتعدد أصحابها و ترتبط بحرية الفكر ولا تبحث عن صلة وصل مشتركة بين كل الفلاسفة. كما أن الفلاسفة منفتحون على العالم ويتفاعلون مع الإنتاج الفكري العالمي، فلا وجود لفلسفة ألمانية منفصلة عن الفلسفة الإنجليزية أو الأمريكية، ولا لفلسفة فرنسية منفصلة عن الدراسات الألمانية ولا لفلسفة عربية منفصلة عن الموروث اليوناني. فالفلسفة الألمانية غير موجودة بهذه الصفة إلا من زاوية تربوية خالصة. بطبيعة الحال لا أجد حرجا في إطلاق لقب فيلسوف على كل باحث يشترك في مجال يختلف عن مجال رجل القانون وعالم الفيزياء وعالم الدين. ولذلك يوجد فلاسفة مغاربة استطاعوا أن يطوروا منظورهم الذاتي إلى قضايا الإنسان والمجتمع ولكننا لا نجد بالمقابل مواكبة نقدية تعيد الاعتبار لهذه الأعمال، بصرف النظر عن موقفنا الشخصي منها.
o هناك «التباس» يعيشه الفكر العربي على مستويات متعددة، ولا سيما في أجرأة المفاهيم، ونقلها من حقلها العلمي الأول إلى اللغة العربية، من قبيل مفهوم القطيعة سواء عند محمد عابد الجابري أو عند محمد أركون أو عند عبد الله العروي.. السؤال الذي يطرح نفسه هنا لا يتعلق بهجرة المفهوم ولا حتى بكيفية ملاءمته للمجالات المعرفية التي تم استثماره فيها، وإنما بالكيفية التي تم استعماله بها، في هذا المجال أو ذاك. كيف تنظرون إلى هذا الالتباس وماهي حدود المفهوم وإبدالاته المتعددة؟
o في ظل الصراعات السياسية الاقتصادية التي تنهك الواقع العربي اليوم يطلب من الفلسفة والجامعة أن تقدم الأجوبة عن وضع كهذا. هل تعتقدون أن انتشار الدراسات حول فلسفة الدين والسياسة هو جزء من هذه الظرفية الصعبة؟
n فلسفة الدين مبحث حديث في العالم العربي وكذلك الفلسفة السياسية، وهما علامة على الحضور القوي الذي تعرفه قضايا الإسلام السياسي والحركات الدينية والشرعية السياسية. وقد اعتبر كثير من الفلاسفة على نحو هابرماس أن الفلسفة قادرة على فض المنازعات بين المذاهب الدينية والسياسية المتناحرة بما أنها قادرة على اتخاذ موقف محايد يتعالى على كل المذاهب المتحيزة. تبحث فلسفة الدين مثلا عن المبادئ الدينية المشتركة بين مختلف الأديان دون أن تتحول بدورها إلى فلسفة دينية. كما أنها تتميز بالبحث في اللاهوت السياسي الذي يدرس العلاقة بين الملك والنبوة، وهي من القضايا التي لا يحق لنا أن نتعامل معها بصورة مبتذلة، لأنه موضوع مؤرق في العالم الإسلامي ويستبد بحصة الأسد في النقاش العمومي.
o هل يسمح هذا النوع من المطالب للفلسفة بأن ترسم هويتها في الجامعة من حيث هي فلسفة أم ربما هو يحولها الى نوع من اجتماعيات المعرفة أو إديولوجيا جديدة؟
n أعتبر أن الفلسفة السياسية وفلسفة الدين من التخصصات الجديدة الرائدة بالجامعة المغربية. وقد أخذتا موقعهما الكامل في مختلف الجامعات المغربية. ولكن هذه المواد تحتاج إلى تكوين قوي في علوم الأديان وتاريخ الأديان واللغات القديمة. وفي غياب هذا التكوين المتعدد الاختصاصات قد يتحول البحث في فلسفة الدين إلى دراسات لاهوتية أو إلى بحث في علاقة الفلسفة بالدين دون ربط هذه الأبحاث بالقضايا الفلسفية الكبرى. كما أن البحث في قضايا فلسفة الدين يتطلب معرفة اللغات القديمة ونصوص فلاسفة الدين في لغاتها الأصلية. ترتبط أهمية هذا المجال وصعوبته في ذات الوقت بضرورة امتلاك الأدوات اللغوية والمعارف التاريخية والأصول الفلسفية.
o كيف ترون المستقبل الذي ينتظر الفلسفة في جامعة يهيمن عليها التقنوقراط من جهة ودعاة التراث من جهة أخرى؟
n ظلت الفلسفة متميزة عن العلوم بفضل الخاصية التي تميزها وهي التفكير مع هيدغر أو التدبر مع ريكور أو التركيب مع هيغل أو التعقل إذا شئنا مع كاتط. وهي خصائص تميزها عن العلوم الطبيعية التي تلجأ إلى القياس وإلى الدراسات الكمية وإلى دراسة المخطوطات. كل هذا يتميز عن الخاصية الاستشكالية التأويلية التي تطبع الفلسفة ويجعلها تحاور المنظور الكمي الذي ازدهر مع العلوم الطبيعية ومنظور تحقيق المخطوط الذي ازدهر في الدراسات التراثية. والهدف هو التساؤل عن مدى قدرة الفلاسفة على التفكير في عصر العلم «الذي لا يفكر». كيف يستطيع الفلاسفة أن يبرروا الحق في التدبر في عصر شهد طغيان الدراسات الكمية. وقد وجدت من بين الباحثين الأمريكيين من لا يجد غضاضة في مناقشة قضايا منطقية أو عقلانية بالغة التجريد وهو يبحث مع ذلك عن معايير التحقق التجريبي من سلامة المسلمات الفلسفية. لا توجد قطيعة صارمة بين هذه المجالات، فالعلماء يفلسفون مجالاتهم والفلاسفة يلجأون إلى طرق التجريب. وإذا ما كانت نظرة التيكنوقراط هي الغالبة فالسبب هو أننا نلوك مقولة هيدغر «العلم لا يفكر»، ونترك المجال فارغا للتكنوقراط دون البحث عن سيل التركيب بين المسلمات القبلية والمعطيات البعدية و الإجماع المؤقت الذي يزكي منظورنا القبلي إلى حين.
o رجوعا الى مسألة التراث، هل يتاح لنا اليوم قراءة التراث من منطق هذا التراث نفسه أم أن الانعطاف جهة الكوني مسألة ملحة لقراته؟
n نميز دوما بين التدريس والبحث. يحتاج الطالب إلى ضبط المجال بدقة والاكتفاء بالمعطيات العامة الخاصة بموضوع ما ينتمي إلى التراث. غير أن البحث لا يدرس التراث بالتراث. إذا ما درست الفلسفة السياسية لدى الفارابي أصبح ملزما بمعرفة الفلسفة السياسية المعاصرة والإشكاليات الكبرى المرتبطة بمفاهيم الدولة والتعاقد والقيم والأخلاق والدين والإجماع والاختلاف. لا يجوز قراءة الفارابي إلا على خلفية معرفة مجال الفلسفة السياسية وتأويل الفارابي من هذا المنظور. وما عدا ذلن يؤدي إلى تحنيط الفلاسفة وإقبارهم من جديد. لا يجوز البحث في التراث مع جهل كامل لا يكترث بالتقدم الحاصل في الفلسفة السياسية، وقس على ذلك في مختلف مجالات البحث في التراث التي لم تفد التراث بقدر ما أعاقت إعادة تأويله بصور متباينة ومتجددة.
o إتقانكم للغة الألمانية جعلكم تنظرون إلى تاريخ الفلسفة نظرة مغايرة، لماهو سائد بمرجعية فرنسة أو انجلزية، كيف ذلك؟
n إن أهمية اللغة الألمانية تظهر في جانب جوهري، وهي أنها استطاعت أن تشكل خزانة كاملة من الدراسات الجادة في مختلف مجالات الفلسفة الإسلامية وعلوم الإسلام وفلسفة الدين وفلسفة القانون، ناهيك عن التخصصات المعروفة داخل الفلسفة. فقد عرف القرن التاسع عشر في ألمانيا ازدهار الفلسفة اليونانية مع أفلاطون وأرسطو، ولكنه عرف تأسيس شعب اللغات الشرقية والدراسات الشرقية. وعندما درس الباحثون اللغة العبرية انتقلوا بصورة طبيعية إلى دراسة اللغة العربية وإلى تحقيق التراث ونشره. وما كان يميز الألماني هو الموسوعية érudition التي بدأت تتراجع اليوم بحكم ظهور آليات جديدة في البحث. وقد كانت هذه الموسوعية إلى عهد قريب سمة الباحث الألماني الذي كان يكتب في بعض الأحيان بالألمانية مع أنه ليس ألمانيا. فقد يكون منتميا إلى الأقليات اللغوية أو العرقية التي زخرت بها إمبراطورية النمسا وربما كانت التعددية العرقية واللغوية مع اعتماد لغة مشتركة هي الألمانية هي السبب في قوة الإنتاج الفكري الألماني. كذلك فإن تاريخ الفلسفة كما ظهر كبرنامج تربوي في المدارس ظل مرتبطا بالإسهام الهام الذي قدمته الكانطية الجديدة من أجل اعتماد نظام تربوي خاص بالفلسفة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وقد بلغت قوة الكانطية الجديدة حداً جعل الفلسفة مهيمنة في سلطتها العلمية على العلوم الإنسانية الأخرى ولم يتغير الأمر إلا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. فحتى من كتب في موضوعات نفسية أو اجتماعية كان يربطها بالميتافيزيقا و الأنطولوجيا، سعياً منه إلى تأسيس مجال تخصصه على مرجعيات فلسفية عقلانية. ولعل ماكس فيبر وزيمل خير مثال على ذلك ولا يزال تاريخ الفلسفة هاما من هذه الزاوية لآن العلماء ما يزالون مهتمين بالتأسيس الفلسفي لمجال تخصصهم.
o أكيد أن الهرمينوطيقا أصبحت بمثابة براديغم فلسفيا جديدا في العالم بأسره، ماهو هذا المبحث في ثقافتنا العربية؟
n إن أغلب الجامعات العربية قد فتحت تكوينات دكتوراه في الهيرمينوطيقا ويحظى هيدغر وغادامير بتأثير كبير في الفلسفة العربية، كما أن تأثير الهيرمينوطيقا كان قد اجتاح جيل التسغينات في حقل الدراسات النقدية ونظرية التلقي. ويعود الفضل إلى الأستاذ محمد مفتاح في دعوة فلاسفة نظرية التلقي إلى المغرب. وقد ذاع صيت نظرية التلقي بين جمهور الباحثين تأليفا وترجمة. أما حقل الفسفة فقد عرف تظور الهيرمينوطيقا في حقل فلسفة الدين، بما أنها هي الأصل الذي انبثقت عنها الهيرمينوطيقا الفلسفية. وبما ان الهيرمينوطيقا تسعى إلى التأويل من زاوية نظر مخصوصة، فإننا نرى أن منظور العروي والجابري وطه عبد الرحمن قراءة متحيزة – في معناها الإيجابي- للتراث، بما أنها تنطلق من تصور معين للحاضر والمستقبل وتنظر إلى الماضي في ضوء نظرتها إلى المستقبل. لا يوجد بالفعل تأويل غير متحيز بما أن أية قراءة للتاريخ تظل قراءة من داخل التاريخ. وعليه فالهيرمينوطيقا في جانبها العلمي تدمج وجهات النظر هذه كمعطيات أساسية في كتابة التاريخ بل وقد تقيم حوارا بين هذه المنظورات المختلفة، وهو التوجه الذي لم نسر فيه إلا باحتشام.
o لديكم دراسات عديدة في مجال الفكر الغربي، هل الغرب بصفة والغرب الفلسفي خصوصا في حاجة إلى دراساتنا عنه؟
n كان الباحثون يتهيبون البحث في الفلسفة الغربية لأسباب كثيرة، ومنها أن الفلسفة الغربية لها أهلها الذين يكفوننا عبء البحث فيها، فلا يعقل أن ندرس الفلسفة الغربية وننسى البحث في فلاسفتنا. وحتى ولو قمنا بدراسة الفلسفة الغربية لن نكون أفضل من الدارسين الغربيين، بما أنهم أعلم بلغاتهم ومجالات البحث لديهم. وأنا أعتبر من جهتي أن هذه الدعاوى واهية، بما أن الفلسفة جنس قول واحد ومشتق من اللغة اليونانية. فالفلسفة الإسلامية ليست إسلامية، فلا هي حنبلية ولا شافعية، ولكنها الفلسفة التي أنتجت في دار الإسلام حتى من لدن الفلاسفة غير المسلمين. وعليه، لا ترتبط الفلسفة بأقوام ولغات وثقافات بقدر ما ترتبط بإشكالات مشتركة ننظر إليها من زوايا مختلفة. ناهيك عن أن دراسة الفلسفة الغربية تسمح بخلق جسور التعاون كما نستفيد من الكتابات الغربية في إغناء الثقافة الفلسفية العربية. وفي الأخير، توجد فائدة جمة من وراء النشر في المنابر العلمية الغربية المحكمة، وهي أن الباحث الذي برهن على علو كعبه في معرفة الفكر الغربي يصبح صوتا مسموعا حينما يتحدث عن ثقافته الفلسفية العربية. فالعروي والخطيبي وعبد الفتاح كليطو يجمعون بين معرفة جيدة بالفكر العالمي وبين التميز في البحث الأكاديمي للثقافة العربية. فالغربي لا يثق دوما في المفكرين أحادي اللغة أو غير معروفين في الأوساط الأكاديمية الغربية، لأنهم يعتقدون أن من يضبط المعايير الأكاديمية الغربية في الكتابة يحظى بثقة أكبر عندما يتحدث عن ثقافته المحلية. قد يكون هذا التعميم غير منصف وقد لا نتفق جميعا على غلو المركزية الأوروبية، ولكنني أظن أن الدخول إلى عقل الغربي من خلال دراساتنا للفكر الغربي وسيلة الدخول إلى قلبه وخلق تواصل فكري غني، وتظهر أهمية التواصل في الجانب التالي. قام إدوارد سعيد بدراسة المستشرقين و الفلاسفة والأدباء والشعراء بطريقة جديدة أبرزت تحيزهم للقوالب الفكرية الغربية الجاهزة وللحمولة الإيديولوجية والعنصرية التي طبعت صورتهم عن الشرق. اكتشف الغربية صورة عن نفسه لم يكن يود رؤيتها. ولذلك فإن أفضل ما نفعله هو أن نظهر تلك الصورة السلبية التي طالما طمسها باسم الأنوار والحداثة. وقد قام بعض الفلاسفة الأفارقة أو نقاد ما بعد الاستعمار بتعرية المرجعيات العنصرية الموجودة لدى كانط وهيغل وغيرها. هذا منظور صادم للغربي ولكل من يبجل العقلانية والحداثة، ولكنه يقدم صورة جديدة عن المفكرين الغربيين. يحتاج الغربي إلى قراءة جديدة لمذاهبه الفلسفية من طرف قارئ ينظر إلبيها من موقعه الثقافي الخاص به. وهنا بالضبط يضيف الباحث العربي منظورا هيرمينوطيقيا جديدا إلى المنظورات الأخرى المألوفة في الغرب.
o ما هي أهمية فلسفة القانون؟
n إن تأثرنا القوي بالفلسفة الفرنسية حملنا على الاهتمام أكثر بقضايا الفلسفة السياسية، كما هي معروفة لدى ألتوسير وفوكو وبورديو. هذا الجانب مهم ويبرز خصوصية البحث في الفكر السياسي المغربي، ولكن هذا الاهتمام رغم أهميته قد ألقى نظرة أحادية على تاريخ الفلسفة. فقد أهمل البحث في مجال هام لدى الفلاسفة يمس القانون والقيم الاجتماعية والفلسفة الاجتماعية بوجه عام. فقلما قرأنا كل أعمال كانط وهيغل، إذ أغفلنا كتاباتهما في مجال القانون بدعوى أنها لا تنتمي إلى حقل الفلسفة. وورثنا بذلك صورة تجزيئية لتاريخ الفلسفة. فالألمان يعطون أهمية كبيرة لقيم القانون ولا يضعونها في مرتبة أدنى من مرتبة الفلسفة السياسية. تيرز أهمية إدماج القانون في الدرس الفلسفي بناء على أن المجتمع يقوم على قيم دينية وعلى قيم جمالية وأخلاقية ويستند كذلك إلى قيم قانونية تنبني على زجر المخالفين. ولعل السبب الذي حملنا على تجاهل هذا البعد القيمي هو أن مفهوم الالتزام يرتبط بالقيم الأخلاقية الحديثة وبقيم الضمير الفردي ضدا على القيم المفروضة بقوة القانون أو التقاليد. ويطرح سؤال القانون بقوة لأننا لا نستطيع ترسيخ قيم حقوق الإنسان ولا محاربة العنف و لا تأسيس دولة القانون دون أن نضع هذه المفاهيم على سكة تصور واضح لعلاقة القانون بالأخلاق والدين. وشكرا جزيلا لكم على هذا الحوار وعلى نشره في هذه الجريدة الغراء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.