أغلبكم يعرّف الرئيس الفرنسي الجديد بمرشح الرأسمال. ومرشح الشركات. وتنعتونه بالبنكي. بل نحن المغاربة نفهم أكثر من الجميع. ونشقمها طائرة. ونؤكد أنه مرشح الدولة العميقة في فرنسا. كم نحن أذكياء. كم نفهم العالم وما يحدث فيه كما لا يفهمه أحد. اليساريون خاصة يفككون كل شيء. ويشكون في كل ما يتحرك. إلا في أنفسهم. قناعاتهم راسخة. وحقيقتهم خلفهم. في الماضي. في الماضي البعيد. الذي ما زال بالنسبة إليهم حاضرا. ويقاومون التقدم. ويقاومون التغيير. ويقاومون المستقبل. ولم يقل أحد منهم إنه مرشح الفلسفة. لم يقل أحد إنه مرشح الشعر. لم يقل أحد إنه مرشح اللغة والنحو. بل حتى في فرنسا. قرأت أكثر من شخص يشكك في ثقافة ماكرون. وفي علاقته بالفيلسوف بول ريكور. ويجزم أنه محض مدع. وأنه خطير. ومؤامرة. إلخ. إلخ. بينما هناك إجماع على أنه مرشح الأبناك والمقاولات. وهذا هو المرض الفرنسي. الذي نعاني نحن أيضا من دائه. ولا نرغب في أن نشفى منه. المال بالنسبة إلينا شرير. المال يميني والمقاولات عدوة. كأننا نريد أن نصنع دولة للمعوزين. وخالية من الأغنياء. ورجال الأعمال. والمقاولات. التي لا رفاه دونها. ولا حياة كريمة. ولا شغل. وبينما نختزل نحن ماكرون. كما يختزله جزء كبير من الفرنسيين في مهنته. وفي البنك الذي اشتغل فيه. وفي علاقاته. يحتفي به العالم. ويحتفي به أوباما. ويصفه بالليبرالي. والليبرالي في أمريكا تعني اليساري. الليبرالي في أمريكا لا تعني الليبرالي في فرنسا. وفي المغرب. الليبرالي تهمة وشتيمة في فرنسا وفي المغرب وتعني اليمين. أما في أمريكا فهي ضد ذلك. والديمقراطي الأمريكي ليبرالي ويساري. وقد وصفه أوباما بالليبرالي. أي باليساري. لكن ماكرون قال للفرنسيين خذوا هذه الأسماء وهذه الصفات. قال لهم أنا لست يمينيا ولست يساريا حسب التصنيفات الفرنسية. أنا تقدمي. والتقدميون الآن في اليمين وفي اليسار. كما في اليمين وفي اليسار رجعيون. وكم من يساري رجعي. وكم من يساري يظن نفسه تقدميا وهو ليس كذلك. وكم صار اليساري رجعي هذا العصر ولذلك يكره الثبات الفرنسي ماكرون. ولذلك يهاجمه المطمئنون إلى التصنيفات القديمة. ونحن أيضا نفعل مثلهم بسبب تلك التبعية إلى النموذج الفرنسي. الذي يترنح الآن. ولأول مرة يحاول اللحاق بألمانيا وبالأنجلوساكون. وبتقدميي الغرب. والتخلص من الحبسة الإيديولوجية الفرنسية والمتوسطية. وكم هي يسارية وتقدمية المستشارة الألمانية ميركل رغم أنها تتزعم حزبا يمينيا. وكم يجري اليسار خلفها. لكننا نختزل كل شيء. ولا نرى في الرئيس الفرنسي الجديد إلا مرشح الرأسمال والأبناك والشركات والعولمة كما تصفه غريمته لوبين. وبعضنا يختزله في زوجته. أما ثقافته أما تكوينه أما أفكاره أما ذكاؤه أما عشقه للشعر وللفلسفة وللغة أما الثورة التي أحدثها فهذا لا يعنينا أبدا ولا يثير اهتمامنا ونشكك فيه كما يفعل اليساريون الفرنسيون الذين كانوا يتمنون فوز اليمين المتطرف لتأزيم الوضع ونكاية في مرشح الأبناك والمال.