نشر الأستاذ حسن الباز ولازال على إحدى صفحات الجريدة الإلكترونية الفقيه بن صالح أونلاين مقالا بعنوان :"الانقلاب العسكري بمصر :نقم في طياتها نعم " , وهو مقال يعكس إلى حد بعيد معرفة لا بأس بها بتاريخ الحركات الإسلامية في العالم العربي , لكن الملفت للنظر أن الرجل ينتصر بشكل مثير لجماعة العدل والإحسان المغربية كأنها امتداد لجماعة الإخوان المسلمين بالمغرب , صحيح أن جماعة العدل والإحسان تشبه في هياكلها الإدارية جماعة الإخوان المسلين , لكن البون (الفرق) شاسع بين الجماعتين على مستوى الفعالية وتاريخ النضال , ففي الوقت الذي خرجت فيه جماعة الإخوان المسلمين بمصر إلى الواقع منذ تأسيسها على يد الشيخ حسن البنا رحمه الله سنة 1928م , من خلال جمعيتها الإنسانية , وواجهت الاستبداد فقدمت ولازالت تقدم شهداء إلى يومنا هذا , في سبيل التوعية الدينية السنية الصحيحة ومحاربة الآفات الاجتماعية على رأسها الفقر والجهل والأمية , ناهيك عن دعمها خاصة المعنوي لكثير من الدول العربية والإسلامية من أجل الحصول على استقلالها إبان الاحتلال الأوربي للبلاد العربية والإفريقية , آثرت جماعة العدل والإحسان دائرة الظل وانكبت من خلال مرشدها الشيخ عبدالسلام ياسين رحمه الله على التنظير للخلافة والدولة الإسلامية , في انتظار المفاجأة السياسية التي لم تحصل إلا بدخول المغرب في تجربة ديمقراطية مهمة منذ سنة 1998 , من خلال ما سمي أنذاك "بتجربة التناوب التوافقي " , التي ابتدأت بوصول اليسار القديم إلى تولي زمام الحكومة برئاسة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية , وامتدت إلى يومنا هذا بروح جديدة بدخول حزب العدالة والتنمية نفس التحدي , ناهيك عن انخراط المسؤولين المغاربة بإرادة قوية في تجربة إنهاء ملفات الاعتقال السياسي , والاختفاء القسري , والاعتقال التعسفي . وهو ما ساهم إلى حد كبيرفي احتواء الاحتقان الشعبي , وتلاشي الدعوات والأفكار المحرضة على الكراهية , دون أن ننسى بعض المشاريع التنموية الكبرى التي خففت من الانكماش الاقتصادي وتراجع نسب البطالة كمشروع المبادرة الوطنية للتنمية . أما على المستوى الحزبي فقد كان المغرب سباقا إلى الاعتراف بحزب العدالة والتنمية , ذي التوجه السياسي والفكري القائم على مقومات الهوية الوطنية ممثلة في الإسلام والعروبة على الخصوص . الذي سام في استقطاب الإسلاميين المعترفين بالمؤسسات الوطنية المغربية , على رأسها مؤسسة الملكية بل المؤمنينبها على الأصح . هذه الظروف الموضوعية ساهمت في التراجع الكبير لشعبية جماعة العدل والإحسان , وازداد هذا التراجع مؤخرا بعد انسحابها من حركة 20 فبراير , ثم بوفاة مرشدها الشيخ عبد السلام ياسين . لكن كان للأسباب الذاتية الدور الأكبر في نكوص الجماعة الشعبي , متمثلا بالأساس في اقتصار مرشدها العام على التنظير لأطروحة الخلافة المنهاجية الثانية , دون أن تقدم الجماعة بكوادرها أية مبادرات فعلية تلامس الواقع وتقنع المغاربة بجدية مشروعها الحضاري , الأمر الذي جعلها جماعة للتنظير الديني والسياسي , تشبه إلى حد كبير جماعة الديوان في الأدب العربي التي كانت أكثر تنظيرا أقل إبداعا . يرى العديد من المتتبعين أن جماعة العدل والإحسان عانت كثيرا من المقاربة الأمنية للدولة المغربية التي فرضت عليها طوقا أمنيا , بتتبع تحركات كوادرها وفرض الإقامة الجبرية على مرشدها لمدة طويلة ومنع العديد من أنشطتها الدينية والثقافية , مما حد من فعاليتها , لدرجة أن فئة كبيرة من المجتمع المغربي لا تعرف أي شيء عن هذه الجماعة ولا حتى اسم مؤسسها , وهي فئة المواطنين ذوي المستويات التعليمية المتواضعة , لكن مثل هذه المبررات الموضوعية لا يمكن أن تشكل أعذارا لهذه الجماعة في ضرورة خروجها إلى الواقع المغربي وإعمال العقل والكف عن الخوض في الأمور الغيبية التي لا يعلمها إلا الله , فإسلامنا يحتم علينا الإيمان بكل ماجاءت به الأحاديث النبوية الشريفة الصحيحة بما في ذلك فكرة الخلافة , لكن ماذا أعددنا لها ؟ وما دور حركاتنا الإسلامية في ذلك ؟ وما موقع حكام العرب والمسلمين الحاليين في ذلك ؟ أليسوا أبناء الخلافة ؟ والحوار معهم , والإصلاح في ظلهم واجب على كل الإسلاميين ؟ فالرسول صلى الله عليه وسلم استمال أشراف العرب من القرشيين والأنصار وهو يضع اللبنات الأولى للدولة الإسلامية , فلم يسلبهم نفوذهم ولا أموالهم ومنهم أبو سفيان وغيره , من الذين ناصروا الإسلام من أشراف العرب . وتحملوا بعد ذلك المسؤوليات الكبرى في تسيير شؤون الأمة . إن حركاتنا الإسلامية مطالبة بممارسة نقد ذاتي , ومراجعة قناعاتها بعدم ادعاء الشرعية الدينية في تولي زمام أمور المسلمين , لأن ذلك من شأنه نشر مزيد من مظاهر التفرقة بالمجتمعات الإسلامية , والاصطدام الدموي لهذه الحركات بالأجهزة الأمنية للدول الإسلامية كما يحدث اليوم في العديد من الدول العربية , والحد من التفاؤل الزائد عن اللزوم , وإعطاء العقل نصيبه في معالجة الأمور . لأن المبادئ العامة وتعاليم الإسلام شيء , والواقع شيء آخر , ولعل ذلك من بين أسباب الإخفاق المؤقت لبعض حكومات الإسلاميين الذي نسأل الله ألا يستمر طويلا . هذه وجهة نظري, أتمنى ألا تغضب زميلي السابق "حسن الباز " الذي أكن له احتراما كبيرا , وأقول له : "الاختلاف في الرأي لا يجب أن يفسد للود قضية " .