الرجل الذي يحب التفاح صدق أو لا تصدق اسمع او لا تسمع كن حرا و لكن لاتكن غبيا فالاحرار كيفما كان لونهم فهم عبيد في النهاية ،عبيد لحواسهم و عبيد لكل الكلمات التي تخترق قلوبهم أو بالأحرى التي تمر على ضفاف قلوبهم و لكن تذكر فأنت لست محايدا فإما أن تقطف الكلمات وردة وردة رغم محاصرتها بالأشواك و رغم الدماء التي ستسيل من أصابعك، أو أن تفق هكذا مشدودا لكبريائك المزيف و العنيد و سأمر من أمامك دون أن تراني... دون أن تسمعني...ودون أن تلتقط حروفي من على الأرض . اشباء كثيرة تحدث هكذا فجأة رغم أنها ليست مسطرة في دفتر الذكريات و ليست مدرجة في جدول المواعيد . أشياء كثيرة تقتحم مخادعنا وغرف نومنا دون استئذان و دونما تحية الصباح أيضا . أشياء كثيرة أو حكايات أو أحداث سمها ما شئت أو ليس الناس قصص؟ إنه عالمي و عالمك أنت أيضا وعالم صديقي "المنسي" هكذا يسمونه أولاد حارتنا "المنسي" كان شابا يافعا هزيلا لا يزن كثيرا ،حاد الأنف قصير الشعر، قامة طويلة و عينان ذهبيتان اوقل ليس لهما ألوان .... كانت عيناه حزينة وشبه نائمة احمرتا من الدموع التي كانت ستنهمر من عينيه كشلال دافئ لولا كبرياؤه العنيد،وقف عند رأسي وأنا ألتهم كتابا أثناء اختباري الأول في الجامعة أو أغتصب مقررا دراسيا كتلك المقررات اللقيطة التي استنشقنا حروفها و نحن نمضغها كالعلكة . هممت أن أمسح دموعه التي رسمت على خديه في صمت مطبق فقط لأنه مر كغيره من هذا المكان ن ،أو هذا الدرب الذي صنع لنا، من هذا المجرى المائي الذي يتتبعه الجميع دون استثناء فيصلون إلى نفس النقطة ...نفس النهاية... نفس الحقيقة. رفع رأسه إلى الأعلى ثم خفضه واضعا يده على كتفي فقال لي :"لا تتعب نقسك كثيرا إنه نفسه الزمن الذي وقعت عليه ببصماتي و ستوقع عليه أنت أيضا ،إنه برجي و برجك أنت ".كنت أنظر إليه في ذهول تام و قد وهبته كل حواسي ،وبعدما استوقفته التفاتة مجانية من الخلف استرسل في الكلام :" إنك أنا قبل أن تكون أنت إنه زمني متصل بزمنك رغم انفك ،سترتاد ذلك الإسطبل الذي يسمونه الجامعة و الذي ارتديته ذات مرة من مراحل عمري، هناك سترى تلك الجثث الضخمة تتدحرج من و إلى الجامعة ،سترى عميدا يتمطى قي حفل الجامعة مزهوا كالطاووس فقط لأنه نجح في تشتيت الفصائل الطلابية ، وسترى أساتذة يكرهون كل شيء إلا أجساد الطالبات سترى و سترى... و ستراني أنا أيضا ،ستتسلل في الحافلات أثناء الأداء و ستصبح أيامك عدس و أحلامك عدس فأنت أنا شئت أم أبيت لأنك تشبهني...إلى حد بعيد تشبهني". كان صباح يوم ربيعي من مارس حيث يفرج عن الطيور من أوكارها و يسافرون وقتما شاؤوا بدون تذكرة ،و حيث السمش ساطعة كعادتها تمارس علبنا- بأشعتها الذهبية - احتيالها الغريب و تدغدغ عواطفنا ،وحيث موعدنا المعتاد في المقهى بالقرب من المحكمة أو أمام الجميلات اللائي يحملن مشروع طلاق في ربيع عمرهن.أجلس و يجلس "المنسي" كان ثملا كعادته بعد لحظات قال لي بلهجته العميرية :"الطباشير أحسن من العرب"هكذا قال لي قال لي ثم مضى ،أما أنا فقد شدتني تلك العبارة تأملتها و أنا أقتفي أثره لم افهم شيئا مما قاله لكني أدركت أن شيئا مهما فاتني هذه المرة . خرج من منزله صفق الباب وراءه نفث دخان سيجارته في اتجاه عمودي ثم سلك طريقه المعتادة ،تلك الطريق المعبدة التي تمر بجانب فيلا البرلماني الذي أتى من الأراضي القاحلة كان فصيح اللسان شديد اللهجة كان يتملق لكل شيء حتى فنجان قهوته الصباحية . لم تكن الطريق المعبدة و المختصرة التي تشد انتباه "المنسي"، بل تلك التفاحة التي تعتلي شجرة من أشجار حديقة البرلماني كانت تفاحة حمراء فاقع لونها تسر الناظرين، كل يوم تزداد هيبة و وقارا كأنها أميرة و ما حولها خدم و قيان. توالت الأيام و توالى مرور"المنسي" من أمام التفاحة طمعا في إلقاء التحية عليه، كلما جانبها نظر إليها بتمعن و يداه ترتعشان. بدأ طموح "المنسي" يكبر و شرع يحلم باقتطاف التفاحة كلما تحركت عصافير بطنه، لكنه كان يتذكر قوله تعالى "لا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين"، ولما لا يقطفها وهو ذلك الرجل الذي لم يتذوق طعم التفاح و خصوصا مثل هذه التفاحة التي خلقت فقط لتزين حديقة البرلماني . كان صباح يوم حزين عقد "المنسي" عزمه و أصر هذه المرة على اقتطاف التفاحة رغم الحراس و رغم العواقب،.يخرج من الباب يلتفت إلى ورائه يهز رأسه في الضوء الباهت يغادر في اتجاه التفاحة ثم يقطفها بيديه النحيلتين خلسة ، يقضمها قضمات متعاقبة و متسارعة فجأة يضيء نور حوله ثم تتهاوى علبه الركلات من كل حدب و صوب فيسوقونه إلى مخفر الشرطة بتهمة الترامي على أملاك الغير . أذكر ذلك اليوم كانت ساعة متأخرة من الليل عندما حضرنا آخر جلسة ،إذ يستعد القاضي للنطق بالحكم ،جلس الناس متراصين حضر الشهود ثم تناهت إلى سمعنا دقة حزينة بمطرقة على الطاولة معلنة بداية الجلسة ،فتح القاضي محضر الشرطة خفض نظارته من على عينيه ثم سال المتهم ما اسمك صمت "المنسي" صمتا طويلا ثم أحاب بصوت متهدج :"أنا الرجل الذي يحب التفاح "، لم يمهل القاضي الجلسة متسعا من الوقت طوي أوراق المحضر بطريقة عفوية ثم قال كمن يتخلص من شيء ما :"رفعت الجلسة للمداولة" . خرجت متعبا من المحكمة متثاقل الخطى قاصدا بيتي الخرب ،ولجت إلى غرفتي صاغرا ذليلا بأنفاس مستقطعة كأنما أصعد في السماء نظرت الى وجهي في المرآة كان وجهه هو. حميد المعرفي الفقيه بن صالح 2012/04/01