1 "" فتح عينه، بصعوبة، على نور الصباح الفاتر بعد ليلة قضاها كعادته في شرب الخمرة و سجائر محشوة بالممنوع، وسيلة تعود عليها في مكافحة الإرهاق الذي يصيبه بعد يوم عمل شاق مُجهد. همّ بالنهوض و مغادرة ما يسميه فراش، لكن جسمه الهزيل استكبر و أبى مطاوعته. كرّ المحاولة للمرة العاشرة دون أن يظفر بموافقة من أعضائه. كان يعد نفسه كل صباح بعدم العودة إلى عادته السيئة هذه و لكن الرغبة في الممنوع كانت تشتد كل مرة مع غروب الشمس فيجد قدميه تسير به نحو فران الحومة حيث يلتقي برفاقه المدمنين على شرب الخمرة و تدخين الممنوع. هذا الفران الذي كان لا يؤمّه إلا مرة كل يومين أو ثلاثة يسلم خلالها العجين ليستلمه، بعد فترة، خبزا طازجا، تحول فجأة في حياته إلى نادي ليلي من درجة المهمشين المنبوذين تجتمع به كل ليلة شلة من المستضعفين في الأرض يتسامرون حول زجاجة نبيذ أحمر طراز"بو لبّادر" و ملفوف الحشيش المعروف في الأوساط الشعبية ب"جوّانات". كان لكل مهمته في الشلة فحمّودة الطرّاح، و كان رجلا مربوع القد نحيف الجسم أسمر اللون أشرف على الأربعين، جُعل من اختصاصه انتقاء الحشيش ذو الجودة الرفيعة أو كما يسمونه أهل "الزطلة": "النكعة" أو "السم" و ذلك لخبرته الطويلة و كفاءته العالية في علم النباتات و الأعشاب المؤثرة في خيال الإنسان. فقد كان إذا شرع في انتقاء الحشيش، من باعته أو "البزناسة"- على حد لسان اللغة العامية- المنتشرين، علانية، في كل مكان كباعة الطماطم و البصل، ترى نظر عينيه الصغيرتين قد احتد و ارتعشت أرنبة أنفه الغليظ و اتسعت فتحتاه، حتى لتعتقد أنهما نفقا قطار. ثم بعد ذلك يأخذ في استنطاق "البزناس"، كضابط تحقيق، عن عملية تحضيره و مكوناته و منطقة مصدره، إذ كان لا يعترف إلا بمنتوج منطقة "كتامة" الشهيرة في أوساط المدمنين. إنه كان حقا أستاذا في علم زراعة و تحضير الحشيش. أما احمد "لسورطي" فكان قصير القامة بدينا من دون إفراط و شاحب اللون في الثلاثين من عمره. و قد أُطلق عليه لقبه لمعرفته الواسعة بخريطة تموقع "الكرّابة"، أي بائعي الخمرة بطريقة غير مشروعة، في جل أحياء المدينة، لذلك اختص في إحضار الخمرة خاصة في أيام الشدة كالأعياد مثلا. لم تكن لاحمد لسورطي مهنة محددة فهو اليوم حمّال و غدا سباك و بعد غد خياط و هكذا، لذا كانوا كلما تحدثوا عنه تذكروا المقولة الشعبية "سبع صنايع و رزق ضايع". و تميز بوشعيب "الراديو"، الرجل الطويل لحد الإفراط في حدود الخامسة و الثلاثين، ليس بالثرثرة كما قد يوحي لقبه للبعض و إنما حمل اللقب لما كان يبلغ به صحبه من أخبار جديدة كل يوم لا أحد يعلم مصدرها و لا كيف يحصل عليها. فقد كان حقا "وكالة أنباء المغربي العربي" بكاملها لوحده. أما هو فكان إسمه لعربي "الصحراوي" دخل عقده الخامس، و لقبه هذا جاء نتيجة لشهرته بالعناد و ليس لانحداره من جدور صحراوية إذ لم يكن كذلك. فقد كان يحب العناد إلى حد كبير و إذا قال رأيه لا يتنازل عنه حتى و إن تبين عدم صوابه. ربما كان هذا نتيجة لشعوره بالنقص بسبب أميته و اعتقادا منه بأن العناد يجعله ذو نفود بين صحبه. و بالرغم من طبعه العنيد هذا فإن أصدقاءه أحبوه و أخلصوا في صداقته لما تميز به من شهامة و طيبوبة قد تصل مستوى السذاجة و كرم يصل، أحيانا كثيرة، مستوى الإسراف. و قد بادلهم حبا بحب و ازداد إخلاصه لهم لما أبدوه من وفاء له خلال و بعد النكبة التي أفجعته في عقر داره بوفاة ابنه الرضيع على إثر مرض كان علاجه غير عسير لو توفر له المبلغ المطلوب لإجراء العملية، ثم فقدانه لزوجه التي عز عليها فراق وحيدها فالتحقت به بعد نصف سنة. و الحقيقة أنه قبل فقدانه لأعز الناس على قلبه ما شرب الخمر قط و لا عرفت هي طريقا إلى فيه أبدا و لا كان يتعاطى الحشيش بالرغم من معاشرته لصحبه المدمنين عليهما. فقد كان زوجا مخلصا و أبا حنونا و مسلما مطيعا لتعاليم دينه دون تعصب. كما كان يحب المواضبة على الصلاة في أوقاتها داخل البيت أو العمل. أما المساجد فكان يتجنبها دفعا للشبهات عن نفسه، نظرا للظرفية السياسية التي كانت تجعل من كل متردد على المساجد موضع شك و اتهام لدى أجهزة الأمن و الاستخبارات. و هكذا قطع على نفسه وعدا،ربما للمرة الألف، بألا يعود إلى عادته السيئة في الصباح لكن مع حلول المساء اشتدت رغبته الملحة في الخمرة و الحشيش بشكل أنساه، كذلك للمرة الألف، ما قطعه من عهد على نفسه في الصباح. 2 سار حتى وصل باب الفران، المغلق عادة في مثل هذه الساعة من الليل، فقبض يده و طرقه بها ليسمع حمودة الطراح يقول: "الصحراوي وْصْل". و بعد برهة سمع الباب يفتح من الداخل، فطلع عليه وجه حمودة الأسمر بابتسامة أبانت عن فم افتقد نصف أسنانه من جراء السكر و تعاطي الحشيش. - و السلام عليكم يا هاد الراجل، مالك على هاد التعطيلة؟ اجماعة راهم كلهم هنا، نتسناو غير فيك.. - واش غدير الطوبيس لي جي عامر غايطردق، اضطريت نجي على رجليّ.. - زيد زيد بوشعيب الراديو راه جايب اخبار جديدة عوتني.. - الله يسمعنا خبار لخير.. مسا لخير أجماعة.. - مسا لخير ألصحراوي.. جلس لعربي الصحراوي بين رفاقه، و مدّ له حمودة الطراح كأس الخمرة متبعة بملفوف الحشيش قائلا: - هاك رد المزاج باش تسمع "النشرة الأخيرة" ديال الراديو.. تناول الكأس و أفرغ محتواه في فيه جرعة واحدة، و كأنه ظامئ تائه في صحراء عثر على بركة ماء في واحتها، ثم شد على الملفوف بشفتيه بشوق العاشق لحبيبه ليملأ فضاء الفران بسحابة دخان تفوح كتامة قبلة الحشاشين. ثم توجه لاحمد الراديو مداعبا و سائلا: - آش من خبار جايب هاد الليلة يا الراديو المنحوس؟ حدّجه بوشعيب الراديو بنظرة العارف للجاهل و أجابه مبتسما: - يا الأمي كون كنت تقرا الجرائد كون اعرفت بأنه بدات حملة اخرى ضد اصحاب لحايا. فأجابه لعربي الصحراوي بحزن و عتاب واضحين في نبرات صوته: - عندك الحق أنا أمي ما قريتش، الله يخد الحق فاللي مخلينا كلبهايم نجريوْ غير علخبز أما القرايا ما خلاو لينا وقت و لا دماغ باش نفكرو فيها. لام احمد لسورطي بوشعيب الراديو على كلامه بقوله: - النبي صلى الله عليه و سلم كان أمي. زعما انت قاري نوض الله يعفو علينا و عليك، كتهجا الجريدة بحال لتتقرا الضمياطي. ثارت ثائرة بوشعيب الراديو و رد على احمد لسورطي بعند: - إيّه أنا قاري ما شي بحالكم الأميين. فردعه حمودة الطراح بقوله: - و راك قاري حسيفة، نوض تنعس و خليك من الهرّان حدك الشهادة و خرجت منها. تلت سنين و انت تعاود فيها و ماجبتها حتى مرة. الله يعفو علينا و عليك. قالك قاري و راك خاري ماشي قاري. أحب احمد لسورطي من تلطيف الجو، الذي ابتدأ يتكهرب، فنطق مبتسما: - شتيوْ هاد مّالين لحايا جبدو لينا غير الصداع الله يخليهم بلخلا، زيدو نضربو واحد الكاس آخور نشطو به الراس مع هاد جوان السم و خلّونا من الخوانجية و ما يجي من حسهم. قضوا ليلتهم، كالمعتاد، في العربدة إلى ما قبيل الفجر بقليل، ثم قام كل منهم إلى بيته، و الأصح إلى كوخه أو جحره، و رجلاه لا تقوى على حمله. كان الوقت فجرا و الشارع يكاد يكون مقفرا لو لا بعض المواظبين على صلاة الفجر يخطون خطوات شبه سريعة و تكاد الثؤباء تمزق أفواههم احتجاجا على الصحوة القصرية. سار لعربي الصحراوي في الشارع متمايلا مرة يمينا و أخرى يسارا و هو يطرب: بين البارح و اليوم.. ليلة يا محلاها.. بها الفرح يدوم.. عمري ما ننساها .. لكن صوتا جهوريا مؤنبا إياه قطع عليه إطرابه و أرجعه إلى صحوته أو لنقل حاول التظاهر بذلك: - لعربي عوتني سكران، واش ما بغيتش تتقى الله و ترجع لطريق؟ وقع صوت جاره هشام لخوانجي ، المتوجه إلى المسجد، عليه كوقع الدبوس من الرأس، لما يعلمه مسبقا من لوم و عتاب له من طرفه على شربه للخمرة و تعاطيه الحشيش. و لكم من مرة عزم على مواجهته بغلظة للتخلص منه إلا أن شيئا غامضا مبهما كان يمنعه من ذلك و يحثه بقوة على كن الاحترام له و الشعور بالخجل أمامه بسبب عادته السيئة. لذلك عندما حاول لعربي الرد عليه لم يطاوعه لسانه و كأنه أخرص لا يقوى على النطق، فتابع هشام تأنيبه له قائلا: - و الله العظيم لو لا الجورة لي بينتنا، و الرسول صلى الله عليه و سلم وصانا علجار، ما كنت نصدع راسي معاك. واش ما كتعرفش بلّي الشراب حرام و ما فيه غير المضرة لصحة و الجيب؟ حتى لاين غتبقى على هاد الحالة؟ لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم، اللهم نسألك التوبة و حسن العاقبة. ادخل.. ادخل تنعس.. دبا ما كاين هضرة معاك.. فتح باب كوخه بصعوبة و خطا خطوة برجْل لم تطاوعه إلا بمجهود جبار، ثم أقفل بابه و سقط على أرض كوخه المفروشة بحصيرة و فرو خروف دُبح، ربما، في عهد سيدنا إبراهيم على السلام. 3 صحا على عويل نساء مزق صمت الصباح الهادئ و ضجة رجال دل وقع أقدامهم على حركة منتظمة مما جعله يفكر بأن الحملة الجديدة وصلت بيت جاره هشام. أطل من ثقب في بابه فرأى من يسميهم "اصحاب الحال" في لباس مدني يرمون بجاره إلى داخل سيارة ثم يركبون أخرى و ينطلقون به إلى مكان غير معروف، بينما وقفت أم هشام و أخته و زوجته يصرخن و ينعلن في يأس و إحباط. رجع إلى فرشه بقلب يكاد يفارق صدره من شدة الفزع و هو يغمغم: - الطاسة و لقرطاسة و لا السياسة و لحبسات..الطاسة و لقرطاسة و لا السياسة و لحبسات، هاد البلاد اللي ما سكرش و ما تحشاش يحماق. أشدانا لشي سياسة.. الطاسة و لقرطاسة و لا السياسة و لحباسات.. حاول النوم مرة أخرى لكن جفونه لم تطاوعه فأخذ يتخيل جاره و "اصحاب الحال" يعذبونه تارة ب"القرعة" و أخرى ب"الجفاف" و ثالثة بالطائرة و رابعة بخلع أظافره و خامسة ب.. فاقشعر جلده و اهتز قلبه و ارتعشت أعضاؤه فقام كالمحموم يبحث عن قطعة حشيش يدخنها فتغيبه عن عالم السياسة و "اصحاب الحال" و الخوانجية. لم تفارقه طيلة اليوم، أثناء عمله، صورة جاره المقدوف به داخل سيارة و نظرة الاستعلاء و التحدي التي كان يحدج بها العالم من حوله حتى استغرب من أمره. رجل ألقي القبض عليه بتهمة خطيرة "الإخلال بالنظام العام و إقامة تجمعات غير مرخص لها و الانتماء إلى تنظيم محضور" و هذا يعني أن مصير مستقبله غير معروف، و مع ذلك لم يجبن و لم يظهر عليه الارتباك بل ظهر كجلمود صخر يتحدى خصومه و آليتهم. و لوهلة خطرت بباله فكرة انصب من جرائها جبينه عرقا باردا و سرت مع عموده الفقري رعشة و تغير لون وجهه "ترى لو كنت مكانه هل كنت سأقدر على وقفته هذه؟"، حاول التخلص من هذا التفكير الخطير بسرعة و أخذ يلعن الشيطان الرجيم منبع كل كابوس لعين ثم أخذ يتلو في نفسه الآية "أعود برب الناس ..". باءت كل محاولته بالفشل إذ أن الفكرة لم تفارق مخيلته طيلة اليوم و فضلت ملازمة بها كصورة الجارة فاطمة ذات الثديين الناهدين المغريين و الجسم الفائح شهوة باكتناز لحمه، لكم حضنها و ضمها إليه في خياله الواسع و كم مرة رءاها و هي تشاطره فراشه متأوهة تارة و مهتزة أخرى و هو يبدل جهده الجهيد لإرضائها في منامه. قطع عليه أفكاره المزعجة صوت صاحب الورشة المدوي كالرعد و هو يسب و ينعل: - يا ولاد القحاب واش بغيينّي ندخل الحبس؟ أدويو يا وجوه الحبس ديال بصّح، ما بقى لإماكم غير السياسة ، صافي شبعتو خبز؟ أجابه أحدهم محاولا عبثا تهديئه: - أنعل الشيطان ألمعلم و برّد، و قول لينا أش وقع.. إلتفت إليه صاحب الورشة و أطلق عليه نظرات حية من عيار غضب عارم و حقد دفين ثم رماه بقذائف كلمات: - يا ولاد الزنى مشي مشكلة.. و مصيبة كبيرة، أش دا ربكم لشي سياسة، و الله يا حنّاكم ما نغطي على شي واحد منكم. مزيان مبقى ليا غير D.S.T. الله ينعل بو ربكم يا ولاد القحاب.. عند سماعه كلمة D.S.T. كاد يبلل سرواله بسائل دافئ و خارت قواه و عجزت رجلاه على حمله، عندما خانته ركبتيه، حتى كاد ينهار على أرض الورشة العفنة الدالة على انعدام مفهوم "ظروف العمل الصحية" و غياب حضور النقابات في مثل هذه الورشة و إن كان في الواقع هي غائبة في كل الأماكن اللهم فيما عدا المناسبات و الأعياد الوطنية كعيد العرش، لكن كوعه ارتكز في حركة آلية برفوف الأدوات فلم يسقط. تابع صاحب الورشة هذيانه قائلا: - فين داك الزا.. ديال مصطفى؟ بغيت نشوفو دابا.. فلحين. أجابه صبي الورشة: - مصطفى مشى لجامع يصلي العاصر و يرجع. فزمجر رئيس الورشة: - دين الكلب مزال زايد فعمييتو و باللاتي على يماه حتى يرجع. ثم موجها كلامه للصبي: - كيف يرجع قولو باغي نشوفو فلحال. كان جواب الصبي بالطاعة: - وخّا ألمعلم.. 4 وقف مصطفى أمام صاحب الورشة محمر الوجه لا من الخجل أو من الخوف بل من شدة حنقه و عدم قدرته، في الظرف الراهن، عن إطلاق العنان لغضبه في وجه من يسميهم عبيد المال و الشهوات كرئيسه هذا، و انطلق الآخر في السب و اللعن: - أدوي يا وجه الغضب بغيتي تخرج عليّ ؟ غير انت لي مسلم حنا يهود.. واش دين امكم غير اللي دار شي لحية يولي حساب راسو نبي؟ قاطعه مصطفى بصوت هادئ: - غفر الله لك.. فثارت ثائرة صاحب الورشة و اشتد غضبه فتابع هستيريته : - يحفر لبوك الجدر واش عارف يا الكلب بأنني ساعة و نص و انا عند اصحاب الحال فجرتك انت.. كنجاوب على أسئلتهم و انا ما فراسي ما يتعاود؟ فتساءل مصطفى متعجبا: - فجرتي؟ فواصل صاحب الورشة: - إيه في جرة دين امك.. قاطعه مصطفى هذه المرة بحدة: - حسن ألفاظك ألمعلم.. و استغفر ربك.. فتراجع الآخر و كأنه يعتذر: - أسي مصطفى انت خدام ما عندي ما قول فيه.. و لكن السياسة راها غتخروج عليك.. واش بغي تخلي اولادك يتامى؟ خدم على راسك و ديها فسوق راسك.. و خلي عليك السياسة بعيد. اليوم مشيت ل( و دنا من أذنه حتى لا يسمع أحد ما سيقوله له أو ربما لقناعته بأن عيونهم و آذانهم في كل مكان) D.S.T حيت عيطو لي على ودك سولوني عليك مع من كتهضر، مع من كترافق، مع من كتجمع.. واش فهمتي و لا لا؟ فسأله مصطف بعد أن أجابه ب "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا": - و ما قالو ليكش علاش؟ فهز الرجل رأسه في يأس و حيرة، و الواقع أنه كان يحب مصطفى و يقدره لتفانيه في العمل و لأنه رأى فيه الشخصية التي كان يتمنى أن تكون فيه.. لكن حبه للخمرة و بنات المدارس اللائي دون السابعة عشرة حال دون تحقيقها في نفسه. كما أنه على غلظته و شدة معاملته للعمال أحيانا كان رجلا طيبا لا يعرف قلبه الحقد و الحسد و يده كانت مبسوطة مع عماله في الأعياد و المناسبات لذلك كانوا لا يعيرون اهتماما لنوباته الهستيرية التي كان يطل عليهم بها من حين لآخر. استأذن مصطفى منه للذهاب إلى بيته بحجة مرض أحد أبنائه، فنظر إليه و كأنه يقول له "الله يكون فعونك فلمحنة اللي جياك" و أذن له بالذهاب و هو يحق أنه قد فقد عاملا ممتازا و أنه ربما لن يراه بعد اليوم، لأنه كان يعرف أن مصطفى إنما احتج بعلة ولده ليعد نفسه للهرب. قبل أن يغادر الورشة ناداه ثم اقترب منه و دس في جيبه كومة ورق لم يفتشها مصطفى إلا عندما دخل بيته فوجدها مبلغا ماليا بحدود مائتي درهم. ابتسم و قال في نفسه "ألمعلم يرجى منك خيرا، فأنت لم تفقد فطرتك بعد". 5 وصل لعربي الصحراوي، كما ينادي عليه أصحابه، إلى الفران و عندما أحب بوشعيب الراديو إخبارهم بخبر جديد قاطعه لعربي و قال: - اليوم أنا هو الراديو، اليوم أنا اللي عندي خبار جديدة و خطيرة.. انتبه إليه الجميع في استغراب و عيونهم متوسلة إليه بإطلاق فرج شوقهم فقال بصوت منخفض خوفا من أن يكون لأولئك آذان مصغية في الجدار أو السقف أو الأرض أو في بيت النار و من يدري: - اليوم اصحاب الحال جاو لجاري و دّاوه.. و فالخدمة المعلم جا عينيه فلتات يسب و يربّبْ علاودّاش استدعاوه ل(هنا أخفض صوته أكثر و دنا من أصحابه) D.S.T بسباب مصطفى لخوانجي. هنا توجه حمودة إليه بسؤال: - و مالك انت كتقفقف؟ كلا يعوم فبحرو و حنا مالنا؟ أجابه لعربي: - أخاي ما نخبيش عليك أنا تنخاف من اصحاب الحال، لمخزن ما معاه لعب. أنا غير لراف إلا كانت دايزا حدايا.. و معايا وراقيّ.. قلبي تيبدا يضرب بحال الطبل.. رد عليه احمد لسورطي متهكما: - وا يني خواف انت بلا قياس.. فأجابه لعربي: - اللي خاف نجا.. أفرغ حمودة محتوى الكأس في جوفه ثم قال: - ما ديرش ما تخافش.. فالمغرب بعّد غير من السياسة و السلاح و قل عاش الملك.. و دير ما بغيتي.. تحشش و شرب و تقرقب.. و ما يكلمك حد.. احمد لسورطي، الذي بدأ الحشيش و الخمرة يلعبان برأسه، فاجأهم بكلام غير معتاد منه: - حتى لاين غنبقاو عايشين بحال لبهايم غير نجريو على عضة دلخبز و ما نقولوش رأينا فتسيير البلاد واش حنا عبيد و لا مواطنين؟ رد عليه لعربي و قلبه يرجف على غير عادته و جبينه ابتدأ يتصبب عرقا: