الخط : إستمع للمقال لم يعد هناك مجال للشك في أن حزب التجمع الوطني للأحرار، بقيادة عزيز أخنوش، قد استنفد كل محاولاته لإقناع المغاربة بأنه جاء لإرساء معالم "الدولة الاجتماعية"، بعدما تحولت شعاراته إلى واجهة لاستراتيجية انتخابية مكشوفة، تقوم على استغلال المال العام، وتسخير المؤسسات، واختراق المجالس المنتخبة لتوزيع "القفف الرمضانية" وأشياء أخرى عبر شبكة محسوبة على الحزب، تعمل تحت غطاء العمل الخيري، لكنها في جوهرها ليست سوى أداة انتخابية معدّة لخدمة مشروع سياسي قائم على التحكم وإعادة إنتاج الولاءات. ما وقع في سيدي إفني كان جزءا من معادلة سياسية واضحة تتجلى في استغلال الجماعات الترابية، واستخدام آلياتها اللوجستية لخدمة أجندة الحزب القائد للتحالف الحكومي، حيث أن ظهور شاحنة جماعة تيوغزة، التي يرأسها أحد منتخبي حزب التجمع الوطني للأحرار، وهي تنقل مساعدات مؤسسة "جود" أمام منزل أسرة مصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة كان بمثابة شهادة دامغة على مدى توغل الحزب في البنيات المؤسساتية، وتحويلها إلى أدوات حزبية بامتياز. لكن ما زاد المشهد قتامة، هو تعامل الناطق الرسمي باسم الحكومة مع هذه القضية، إذ بدل تقديم توضيحات تحترم وعي الرأي العام، لجأ إلى المناورة السياسية، متجاهلا الأسئلة الحارقة خلال ندوته الصحفية الأسبوعية، ومتجنبا الحديث عن الموضوع، وكأنه لا يعنيه، مكتفيا بالحديث عن أسعار زيت الزيتون، في محاولة ساذجة للالتفاف على قضية رأي عام تهدد مصداقية الحكومة برمتها. ولم يكن ذلك سوى بداية سلسلة من الفضائح المترابطة، فبعد ساعات فقط، انتشرت مقاطع فيديو من إقليم ميدلت توثق شاحنة أخرى، تابعة لجماعة "تنوردي"، وهي تُستخدم لنقل مساعدات مؤسسة "جود" الذراع الجمعوي لحزب "الحمامة" مما دفع منتخبين محليين إلى اعتراضها وفضح عملية توزيع "القفف الانتخابية" في حملة سابقة لأوانها. ولم يعد الأمر يتعلق بحالة استثنائية أو تجاوز إداري، بل بات نموذجا ممنهجا لاستغلال إمكانيات المجالس المنتخبة في إعادة تدوير الولاءات السياسية، في ظل حكومة أصبحت رهينة لأجندة حزب يوزع خيراتها كما يشاء. والأخطر، أن التجمع الوطني للأحرار لم يكتفِ باختراق المجالس المنتخبة واستغلال نفوذها، بل لجأ إلى سياسة الترهيب والابتزاز السياسي، إذ أن مصطفى بايتاس، الذي بدا مرتبكا بعد فضيحة سيدي إفني، لم يجد سوى تحميل المسؤولية لمنتخبي الحزب المحليين، مهددا بعضهم بعدم التزكية في الانتخابات المقبلة، وكأن المؤسسات الجماعية تحولت إلى ضيعات حزبية، يُكافأ فيها من يخدم أجندة الحزب، ويُقصى من يجرؤ على كشف المستور. أما عزيز أخنوش، فقد اختار كالعادة الصمت المطبق، وكأن الفضيحة لا تعنيه، رغم أن حزبه غارق حتى النخاع في استغلال المؤسسات، وتوظيف بنياتها التحتية لخدمة مشروعه الانتخابي، وهذا التجاهل الفاضح، هو في حد ذاته إدانة سياسية لحزب لم يستطع أن يفصل بين كونه يقود الحكومة، وكونه ماكينة انتخابية لم تتخلص بعد من عقلية الريع السياسي واستعمال المال العام لترسيخ نفوذه. إن محاولة حزب التجمع الوطني للأحرار تقديم مؤسسة "جود" كبديل جمعوي وخيري يوازي مؤسسة محمد الخامس للتضامن ليست سوى خطوة محسوبة ضمن استراتيجية سياسية تهدف إلى خلق توازنات غير واقعية داخل المشهد الاجتماعي، حيث أن مؤسسة محمد الخامس تجسّد الرؤية الملكية الرامية إلى تحقيق التنمية الاجتماعية بعيدا عن أي حسابات حزبية أو رهانات انتخابية ضيقة. ومحاولة الزج ب"جود" في هذا السياق لا يعكس فقط رغبة الحزب في فرض حضور سياسي مقنع عبر بوابة العمل الخيري، بل يكشف أيضا عن سوء تقدير سياسي، حيث يتم استغلال الحاجة الاجتماعية كوسيلة لتعزيز نفوذ حزبي ظرفي، دون أدنى مراعاة للبعد الوطني للمسألة. والأدهى من ذلك، هو أن هذه المناورة لا تهدد فقط نزاهة العمل الخيري، بل تُعرّض ثقة المواطنين في المؤسسات الكبرى للخطر، من خلال خلق حالة من التشويش المؤسساتي، تجعل التضامن الاجتماعي يبدو وكأنه ساحة لتصفية الحسابات السياسية. هذا النوع من المقاربات لا يُضعف فقط العمل الخيري، بل يضرب في العمق فلسفة الدولة الاجتماعية، حيث يصبح الدعم الموجه للفئات الهشة مجرد وسيلة لترسيخ الولاءات الحزبية، بدل أن يكون أداة لتحقيق العدالة الاجتماعية. لكن السؤال الأهم الآن: هل يعتقد أخنوش ومعه بايتاس أن المغاربة لا يدركون تفاصيل هذه المسرحية السياسية؟ وهل يتخيل حزب التجمع الوطني للأحرار أن شعار "الدولة الاجتماعية" يعني استخدام الجماعات الترابية كمخازن للقفف الانتخابية بدل بناء سياسات عمومية حقيقية تخدم المواطنين؟ وإذا كانت هذه الحكومة عاجزة عن تقديم رؤية سياسية واضحة، فهل أصبحت مساعدات مؤسسة "جود" هي الحل السحري لضمان البقاء في الحكومة؟ ما يجري اليوم قد يكون بمثابة استهداف مباشر لجوهر المؤسسات، وإعادة هيكلة مفهوم الدولة ليخدم مصالح حزب بعينه، في مشهد يعيد إنتاج أسوأ أنماط التحكم، حيث تتحول الحكومة إلى مجرد أداة في يد السلطة الحزبية، التي تحاول تثبيت نفوذها عبر وسائل غير مشروعة، مغلفة بشعارات اجتماعية زائفة. لكن ما لم يدركه رئيس الحكومة، هو أن المغاربة لم يعودوا يقبلون بهذا الشكل من التدبير، وأن الزمن السياسي الذي كان فيه استغلال الفقر وسيلة للبقاء في السلطة التنفيذية قد انتهى، وأن القفف التي يتم توزيعها اليوم، قد تصبح غدا عبئا سياسيا ثقيلا، يجر الحزب إلى هزيمة انتخابية مدوية، لأنه ببساطة، لا يمكن بناء مشروعية سياسية على أساس استغلال حاجات الناس، ولا يمكن لحكومة تدّعي الإصلاح أن تكون في الوقت نفسه غارقة في توظيف موارد مؤسسات الدولة لخدمة أجندتها الحزبية. إنها ليست قضية "جود"، ولا شاحنة جماعة هنا أو هناك، بل هي أزمة سياسية بامتياز، تتآكل معها شرعية هذه الحكومة يوما بعد يوم، ليس فقط بسبب غياب الإنجاز، ولكن أيضا بسبب حجم التناقضات والانتهاكات السياسية التي ترتكبها دون أي إحساس بالمساءلة أو الخجل. وما لم يدركه رئيس الحكومة والناطق باسمها، هو أن التاريخ لا يرحم، وأن المغاربة قد يصبرون، لكنهم لا ينسون. الوسوم أخنوش عزيز القفف الرمضانية المغرب حزب الأحرار مصطفى بايتاس