أصبح إقحام مشاهد السكر أو مشاهد الإباحة الجنسية أو هما معا في الأشرطة السينمائية المغربية ظاهرة تستوجب طرح العديد من الأسئلة. وتقحم في هذه السلوكات نماذج تمثل عادة المثال والقدوة كالآباء والأمهات والأزواج بلباسهم التقليدي وببساطتهم، والأعيان والمسؤولين والبرلمانيين والمربين...كشخصيات نمطية تمثل شريحة واسعة من المجتمع المغربي. والمقصود من إلحاق هذه السلوكات بهذ الشريحة هو من جهة إحداث استجابة نفسية لدى المتفرجين في إطار مبدإ التمثل الذي يقضي بأن يتعاطف المتفرج مع الشخصية التي تقترب من آماله، ومن جهة أخرى هو يقصد من ذلك سحب الثقة من هذه الشريحة التي تمثل الأخلاق والآداب والتعاليم الدينية والقيم التربوية في المجتمع أو ما يسمى في مدرسة التحليل النفسي ب»الأنا الأعلى»... ومن تم الوصول إلى فوضى وتطبيع مع الفواحش والمحرمات لتصبح أمرا طبيعيا وأمرا مقبولا. من يكتب سيناريو هذه الأشرطة؟ نعرض لبعض النماذج في شريط "البحث عن زوج امراتي" (وهو عنوان يقصد منه الاستهانة بالمبدإ القرآني: (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره). يقدم الحاج موسى تاجر الجوهرات والمتزوج من ثلاث نساء والأب الذي يشبه غالبية الآباء في لباسه وسلوكه، يقدم في صورة المستهتر يشرب الخمر عند الفجر في غرفته بينما زوجته الأولى تؤدي صلاة الصبح. وفي شريط "حب بلا فيزا" (يعني بدون عقد زواج)، نرى الأم الأرملة التي تسير مقهى منصوبة على قارعة الطريق، تتجول في شوارع وسط المدينة بلباسها الذي تلبسه النساء في البادية وفي المدينة، رفقة خادمتها، الحاجة البحث عن عروس لابنها، تفتتن بفتاة شبه عارية في رشاقة عارضات الأزياء فتتبعها في الطرقات في غياب أي اهتمام من طرف المارة، حتى تدخل حانة، فتجلس الأم إلى منضدة الشرب، يأخذ الخادمة العجب وهي ترى ربتها تطلب كأسا من الخمر فتجيب الأم: ولم لا نحن أيضا؟، وهي تتابع الحركات الماجنة للفتاة حول طاولة لعبة (الكولف أزور). وفي مشهد آخر تدعو الأم رجلا هو صديق العائلة إلى غرفتها بعدما فعلت كل ما تستطيع ليختلي الابن بالخادمة لكنه وهو المصاب بالسيدا يتورع... وعندما يباغث الأم رفقة الرجل في الفراش يخرج هذا الأخير ورقة ضاحكا. والهدف من كل هذا هو تقويض الثقة لدى الشباب واليافعين في الرموز التي يشكلها الآباء والمربون. والقواعد التي تنظم المجتمع بما فيها عقود الزواج.. أما في الشريط الأخير لحكيم نوري: «قصة حب»، فإن الأم الفاسدة تدفع ابنتها إلى أحضان "الباء الراقي" في أوساط المسؤولين والبرلمانيين.. ويطرح السؤال هنا من يكون هذا البرلماني الذي لا يتمتع بالحصانة.. الزوجية والخلقية، والذي أشبعه المخرجون نكاية في أشرطتهم التي يقولون إنها من الواقع، بما في ذلك الواقع البرلماني؟ في هذا الشريط الذي يعج بمشاهد الجنس حسب النقاد الذين استطاعوا رؤيته (انظر مقال جريدة لوبنيون)، لم يجد المخرج إلا صديقة لابنه في الثانوية لتمثيل دور شخصية البنت العاهرة وفاء (هنا أيضا استهزاء من خصلة الوفاء في العلاقات الزوجية...) وركز المخرج في تصريح له على أنه حصل على موافقة والدي الممثلة الجديدة، وخاصة، كما قالت هي في «بلاتو» القناة الثانية، أمها. كما صرح المخرج قبل ذلك بأن الممثلات المغربيات رفضن أداء هذا الدور. ويذكر أن الممثل الذي لعب دور الابن في شريط "حب بلا فيزا" كان قد عبر للصحافة عن ندمه على المشاركة في ذلك الشريط. فتحية للممثلين والممثلات التائبين، ونسأل الله تعالى أن يتقبل توبتهم، كما نسأله الهداية للمخرجين والمخرجات خصوصا في هذا الظرف الذي تتعرض فيه الأمة الإسلامية لهجمة شرسة من طرف أعداء الدين. في شريطه المقبل "دقيقة زائدة من الشمس" يصور نبيل عيوش مشاهد إباحية، وقد استدعى (حسب مصادر صحفية) لهذا الغرض شبانا وشابات من أبناء المهاجرين المغاربة في أوروبا (هولندا). إن كل هذه الأشرطة تنتج بمساهمة من صندوق الدعم الذي وضعته الدولة للنهوض بالسينما المغربية. وكلها مر من لجن للقراءة.. وكيفما كان تكوين هذه اللجن وممن تتكون وجود تمثيلية بها لقطاع الشؤون الإسلامية أو عدمه.. فإننا نعتقد أن أفضل رقابة هي الرقابة الذاتية، التي يفرضها المبدعون الحقيقيون على أنفسهم (التجديد عدد 237) ... اشتكى المخرجون المغاربة من الرقابة الإدارية والشعبية من قبل، فهل خلا لهم الجو أخيرا ليفعلوا مايشاؤون، وهل يدخل ذلك في مجال الحقوق أم في حرية الفسوق والعقوق؟ . "قصة حب" لحكيم نوري: سيناريو بدون أصالة بخصوص آخر شريط لحكيم نوري "قصة حب" أرى بأن سيناريو الشريط يشكو من نقصان شديد في الابتكار وعمق في الرؤى، وعنوانه في الحقيقة تافه ودون مغزى، ذلك أن الأغلبية الساحقة من الأشرطة في العالم أجمع تدور حول "قصة حب". إذن منذ البداية نجد أنفسنا مقابل خيبة أمل. وفيما يخص مضمون الحبكة نفسها تبدو القصة في تفاهة فظيعة: فتاة تجد نفسها مكرهة على البغاء لتعيل أسرتها. قصة من القصص الكلاسيكية، نفس الأغنية تتكرر.. حقا إن الأشرطة المغربية تشكو من أزمة سيناريو حادة.. السينمافي بلادنا على العموم تحتاج إلى أفكار جديدة وإبداع خصب في مجال الكتابة، يجب التطرق إلى مواضيع أخرى أكثر أهمية، ومواضيع تعالج المشاكل الاجتماعية الحقيقية. ملاحظة أخرى تعمي الأعين وتتمثل في الإكثار والمبالغة في عرض المشاهد الجنسية من بداية الشريط حتى نهايته.. وتهان المرأة في صورتها، وفاء بطلة الشريط تضاجع عدة مرات رجالا متنوعين وتفعل ذلك مع سائح أجنبي، وجسمها نصف عار في أغلب الأحيان. مآسيها سببها لها أبوها الذي أنفق جميع ماله في لعب القمار مما أدى إلى دخوله السجن بعد أن أصدر شيكات بدون رصيد، وتكلفت الأم بعد طلاقها بتربية أبنائها الثلاثة، أي ببنتين وولد.. سقط الولد في أتون المخدرات والبطالة، والأم تمرغت في وحل البغاء، ولم تتردد في جر ابنتها إلى نفس المآل وهو ما يبدو غريبا لأن أي أم تستحق صفة الأمومة لا يمكن أن تفعل هذا أبدا. وهذه إهانة أخرى للمرأة! وتدفع وفاء إلى أحضان عصام البورجوازي الثري الذي قدم لهما شقة جميلة وسيارة فخمة، هذا الرجل القوي على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي يستغل جسد الفتاة أيضا للوصول إلى أهدافه ولقضاء مصالحه فيسلمها إلى صديقه البرلماني مرتين ليستغلها بدوره في إشباع رغباته.. حقا إن هذا الشريط لا يمكن أن تشاهده أسرة مغربية أصيلة بحضور كامل أفرادها! إننا بحاجة إلى سيناريوهات تخرج عن المألوف ولا تجتر موضوع البغاء الذي تناوله عدد كبير من الأشرطة العربية، نريد أشرطة تنآى بنا عن السقوط في عالم الجنس الرخيص، لا نريد أشرطة ذات صبغة تجارية صرفة. نريد فنا يحترم الذوق الرفيع للأخلاق المغربية الأصيلة في معالجة أي موضوع كان يستجيب إلى تطلعات المواطنين.. الجانب الآخر الذي لا يروق لأحد هو تلك اللهجة الساقطة والمخجلة التي يستعملها الثري عصام في شتائمه التي تصدم حياء الجمهور، ثم الأم التي تنعق بلا خجل بملاحظتها: «من غير عصام، الرجال كلهم أولاد الحرام»! إنها كلمة مخزية وغير مسؤولة، كان من الممكن بل من الواجب تفاديها في الحوار. وأتساءل أليس هناك لجان لمراقبة الحوار لتصفيته من الكلمات الجارحة؟ "عود الريح" أو الدابة السريعة في اليوم الافتتاحي للدورة الثانية للملتقيات السينمائية الذي نظمتها جمعية المهرجان السينمائي للدار البيضاء بين 20 و24 مارس الماضي، عرض شريط "عود الريح" للمخرج المغربي داوود أولاد السيد. وقدم هذا الشريط الثاني للمخرج في عرضه الأول بالمغرب في إطار تكريم حظي به الممثل محمد مجد الذي مثل معه في دور البطولة المخرج فوزي بنسعيدي. ويحكي الشريط قصة رحلة في ثلاثة أيام وثلاث ليال وليلة لشيخ (محمد مجد) وشاب (ف بنسعيدي) جمعهما المسير في طريق واحد ولكن إلى هدفين متناقضين. فالشيخ، الطاهر هارب من الحياة مع أسرة ابنه متحججا بزيارة قبر زوجته الثانية بمدينة آزمور، والشاب ادريس ساع إلى البحث عن أمه التي لا يعرف عنها أي شيء سوى وصف لها (وشمة) في رسالة من فاعل خير يدعي معرفة مكانها بمدينة الصويرة. وأبادر إلى التطرق إلى النهاية (الغامضة شيئا ما)، فالشاب لم يبلغ هدفه ولم ير أمه، لقد رآى "تمثالا" جالسا في ركن بضريح أحد الصالحين إلتجأ إليه عدد من المرضى العقليين.. الشاب تتملكه رهبة وهو يدخل برفقة الشيخ مسبوقا بالبحار الذي يتولى أمر أمه كاعتراف لها، منذ أن كانت تشفق على حاله كلما شرب كثيرا في الحانة التي كانت تعمل بها حسب قوله.. نستعرض المرضى كأسلوب للتشويق لقد أصبحنا معنيين برؤية هذه الأم بعد رحلة طويلة لنشاهد العناق.. تحركت الكاميرا نحو الداخل ليظهر البحار جالسا في اطمئنان إلى جانب امرأة ساكنة. وإذ ذاك نرى الشاب يقف في ذهول ويتطلع إلى يدها الموشومة فلا يتمالك نفسه ويندفع إلى الخارج راكضا نحو أمواج البحر في الظلام والصخب والشيخ من ورائه يمسك به ويعيده إلى الضريح في الليلة الأخيرة.. هل أصيب بالجنون وبات من نزلاء الضريح هو وصاحبه؟ "عود الريح" هوالدراجة النارية.فإلى أي مغزى يشير هذا العنوان؟ وسيلة نقل تحمل الحالمين مثنى وفرادى بعيدا.. وتزيد من عزلتهم، وهي على عكس الحافلة التي تعطلت في مقدمة الشريط، جاهزة توصلك إلى عين المكان حيث ترغب وتنتظرك حتى تنتهي. في بداية القصة نرى ابن الطاهر الملتحي يدخل ممسكا بدابته السريعة آخر النهار إلى فناء المنزل التقليدي (المكان: مدينة سلا) بينما نسمع صوت (أوف) لعله لزوجته تلعن اللصوص الذين يسرقون الغسيل وحتى البارابول (الزمن الحاضر) يكتفي هو بالنظر إلى أعلى دون أن يقول شيئا.. تخبره بعد ذلك بأن أباه خارج ليبيع آخر أدوات العمل.. يتوضأ بينما تعد هي الطعام بالبهو كناية عن ضيق المسكن.. يحيي أباه حول مائدة العشاء في جو فيه رهبة.. ملامح الطاهر لا تعبر عن الرضى، ولا نقتنع بسبب تضايقه من السكن مع ابنه هل من جراء قسوة زوجته؟ إلا أننا نرى الإبن عندما يختلي بأبيه بعد العشاء حول كؤوس الشاي في هذه الليلة الأولى يدعوه إلى التوبة، مماذا؟ ولا نرى انفراجا في أسارير الطاهر إلا عندما سأله حفيده "هل صحيح أنك ستموت يا جدي؟" ليصطنع ابتسامة ويجيب: "كلنا سنموت، نم، نم يا بني" وسينام هو في نفس الغرفة على سريره الواسع الذي يشعر بالوحدة، وسيخرج باكرا في الصباح دون أن يخبر أحدا بوجهته. أما عود الريح الذي يمتطيه الطاهر مع إدريس فهو من نوع خاص لا وجود له في الواقع الحالي. إنه بقايا الحرب العالمية ذاك الذي يستعمله القناصة في الملاحقة على الطريق وهو مزود بعربة صغيرة مثبتة في محور العجلة الخلفية، حصل عليه إدريس من أخيه الذي قضوا عنده الليلة بعد أن ساروا إليه مشيا على الأقدام إثر تعطل الحافلة التي جمعتهما. ثم توالت بعد ذلك المشاهد التي توضح جوانب من ماضي الطاهر الذي وصل إلى حالة قصوى من الإنفراج وهو على قبر زوجته فتساوي بعد ذلك عنده الأمر. كما تسلط الأضواء على الحالة النفسية للبطلين وانسجامهما كما تعلق الأمر بالتحليق عاليا فوق هموم الواقع في اتجاه ماض بعيد بالنسبة للطاهر ومستقبل غامض بالنسبة لإدريس الذي أصر على أن يرافقه للقاء أمه، وقضوا ليلتهم التالية بحمام في آزمور. صرح المخرج في وقت سابق لوكالة المغرب العربي للأنباء في الدورة 25منتدى برلين للأفلام الفتية بمناسبة عرض الشريط منتصف فبراير الماضي بأنه حرص على أن لا يتعرض السيناريو الذي عرضه على عدة شركات للإنتاج السمعي البصري بفرنسا على الخصوص لتغييرات تمس جوهره وعارض بشكل مبدئي إدخال أي مشاهد إباحية من شأنها المساس بالموروث الاجتماعي التقليدي الذي يحافظ عليه وخدش الأخلاق تحت ذريعة الاعتبارات التجارية، وأضاف «إذا كان الأمر يختزل في المال.. فأنا أرفض العرض من الأساس». غير أننا لاحظنا مع ذلك أن هذا الشريط الذي عرض في الأيام القليلة الماضية في مهرجان باريس السينمائي، لم يخل من إشهار لأحد تلك المحرمات التي يجب أن تتأثت بها الأشرطة السينمائية المغربية حتى تحظى برضى المنتجين والمساعدين على الإنتاج الغربيين. نعم كان هناك إشهار للخمر ولعلاقة تجارية بالذات لنوع منه في ليلة الدارالبيضاء، حيث رأينا إدريس يعبئ قنينات بشكل شهواني أثناء سمره مع الطاهر في بيت أخيه، ولنوع آخر في ليلة الصويرة مع البحارة في سمرهم. أما المشاهد الإباحية فهي فعلا غير موجودة، إلا أن هناك مع ذلك نجد تلميحا إلى دينامية المرأة وجاهزيتها في مقابل عدم اهتمام من البطلين، لأنهما مستلبان من أم الخبائث. ويتضح ذلك من سلوك زوجة ابن الطاهر المندفعة في سلا، وفي الدارالبيضاء ليلا زوجة أخ إدريس، ترحيب وإعداد للمائدة التي ستتحول بعد العشاء إلى طاولة للشرب، وتلصص فوق السطح على الأخوين وهما يتشاوران في شأن الرسالة التي وصلتهما، وفي أزمور المرأة ترحب بالضيوف في غياب الزوج ولاعبة الدراجة النارية تعرض مهارتها في الركوب أمام إدريس وهو في جلسته على الشاطئ لا يتحرك فتأتيه وتكلمه، ورغم شاعرية المكان لا يهتم... عندما يحاول المخرج أن يكرس وهما من الخيال فإنه يكرس عكسه في الواقع، فعندما ينشرح الشيخ لنموذج هذا الشاب رغم ما علمه منه من إصابته بمرض خطير وكونه كان نزيل مستشفى وكونه يحب اللهو والشراب.. وينسجم معه ويتمنى لو كان إبنه في الواقع مكان ابنه الذي ينهمك في السعي لكسب القوت وتوفير مسكن لائق، فكأني به يقول إن هذا النموذج للابن الصالح غير مرغوب فيه، هذا الابن الذي حسب قوله يشكو من كون ثمن كيس الإسمنت يقارب ثمن كيس الدقيق. إنه إذن يفضل لو كان ابنه معربدا و.. غير مسؤول. ومن هنا نتأكد من أن سبب تضايق الطاهر ووجومه في بيته بسلا هو كون ابنه منشغل بمصيره ويحاول أن ينصحه بالتوبة قبل الموت. وهكذا نرى أن هذا الشريط ينضاف إلى أشرطة مغربية أخرى لا تعير أهمية للقيم الأصلية وتضع دور التربية والتنشأة والقدوة الحسنة موضع الشك، تحاول أن تقوض ما تبقى من احترام الصغار للكبار وتدعو إلى الانحلال والتفسخ الأسري . عبد الله المتوسط