إعتمد الإنسان على مرالعصورمنذ الفراعنة إلى اليوم العنف أساسيا في أوقات الترفيه والفرجة الجماعية ، لكن ما بالنا اليوم بدأنا نلاحظ إرتفاع العديد من الأصوات التي تناهض كل مظاهرالعنف الترفيهي والفرجوي الذي تعرضه وسائط الإتصال باختلاف وسائلها ومؤثراتها السمعية البصرية !!؟ وجوابا على هذا التساؤل قام كل من «غي باكيت» و«جاك دوجيز» وهما معا أستاذان بجامعة لافال بكندا لمدة سبع سنوات بدراسة لست قنوات كندية «أفلام كوميديا مسلسلات وبرامج خاصة بالأطفال باستثناء الرسوم الكارتونية» وتكشف لهما أنه منذ 1993 إلى اليوم قد إرتفعت نسبة مشاهد العنف الجسدي ب 378 بمعدل أربعين مشهدا في الساعة . وقد إرتفعت هذه النسبة لدى المشاهدين الفرنكفونيين حيث بلغت 540 بينما إرتفعت لدى المشاهدين الأنجلوسكسونيين بنسبة 183 وقد بثت قناة «الفصول الأربعة» الكندية لوحدها ما يناهز49 من مجموع مشاهد العنف الجسدي . الباحثان المذكوران آنفا سجلا كذلك في إطاربحثهما قلقا حادا فيما يخص العنف النفسي خصوصا في السنين الأخيرة، فقد أوضحت دراستهما أن فقرات العنف النفسي قد عرفت بعض الإستقرارإلى حد ما منذ سنوات التسعينات إلى حدود السنين الأولى من مطلع هذا القرن غيرأنها مع الأسف عرفت إرتفاعا ملحوظا بعد ذلك وقد سجل العنف النفسي حضورا أقوى من العنف الجسدي في مختلف القنوات الغربية . ومن الواضح ان القنوات التلفزية الغربية تتأثركثيرا بالصناعة الإعلامية الأمريكية. وحسب نفس الدراسة فإن 80 من مشاهد العنف هي من إنتاج أمريكي، وبالتالي فإن حصة كبيرة من العنف الذي تبثه القنوات الفرنكفونية يجد تفسيره في ميل هذه القنوات إلى بث الأفلام الأمريكية . إن العنف الذي نجده في الإنتاجات الكندية مثلا يتم بثه من خلال قنوات خاصة مستقلة حيث فقرات العنف مضاعفة ثلاث مرات أكثرمقارنة مع ماتبثه القناة العمومية الكندية . وبالمتوسط فإنه في مجموع القنوات العمومية أوالخاصة ف 87 من كل مشاهد العنف تقدم ضمن برامج يتم عرضها قبل التاسعة ليلا و39 منها تقدم في حصص يومية قد يشاهدها الأطفال. بعض الأبحاث والدراسات بينت أن العنف الإعلامي لم يرتفع فحسب بل صارأكثرإقبالا على الفرجة والمشاهدة من ذي قبل، وأكثرإثارة للمواضيع الجنسية الخليعة . مشاهد الصورالسريالية لجسد إنسان يتشظى أشلاءا وأشلاءا في لقطات تصويربطيئة بسبب قذيفة مدفعية على كتف البطل أومشاهد جثث تغرق في دمائها ، كلها مشاهد باتت مألوفة عند الجمهور... أما على المستوى العالمي فالملايين من المشاهدين ومن بينهم نسبة هامة من الأطفال يشاهدون البطولات والمباريات الإستعراضية العالمية للمصارعة النسائية حيث المتباريات تتجاذبن وتتنافشن شعوربعضهن البعض أو تعمدن إلى تمزيق بدلات منافساتهن إربا إربا للتشهيربهن ... ومن بين ألعاب الفيديوالأكثرمبيعا في العالم نوع من الألعاب حيث يكافؤاللاعبون بمجموع النقط بعد إقدامهم على علاقة جنسية إفتراضية تنتهي بقتل المومسات بعصا البيزبول !! إن القلق الذي يولده العنف الإعلامي يكبربموازاة مع الإنتشارالعالمي الواسع للسينما والتلفزة . لقد قامت منظمة اليونيسكوببحث في أوساط الأطفال من 23 بلدا وتكشف لها أن 91 منهم من شاهدوا التلفزة على الأقل مرة واحدة في حياتهم ، والبحث لم يقتصرعلى أطفال الولاياتالمتحدةالأمريكيةأوكندا أو أوروبا ولكنه شمل كذلك دولا عربية ودولا من أمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقيا . أكثرمن 51? من الأطفال يعيشون في مناطق توترأو حروب حيث الأفعال الإجرامية تقتدي بأبطال أفلام العنف والحركة ، بل ما يقلق أكثرهو أن 88 من الأطفال قد تعرفوا بسهولة وبسرعة على إسم الشخصية السينمائية التي لعب دورها الممثل الأمريكي ذي الأصل النمساوي أرنولد شوارزينيجر، في فيلم «تيرميناتور». وحسب نفس البحث الذي أجرته منظمة اليونيسكو فإن نسبة هامة من الشباب تعتبرمواقف «تيرميناتور» هي المواقف الفعالة والمجدية في حالات الدفاع عن النفس والمواجهة . إن فكرة العنف كحل لجميع المواقف قد وجدت التأييد لها سواء من طرف الفئات التي تنزع إلى السلوكات العدوانية أوالمجموعات التي تنزع إلى أفعال الخيروالطيبوبة . وحسب المركزالأمريكي للإعلام والشؤون العامة الذي أنجزمنذ عشرسنوات تقريبا بحثا حول العنف في التلفزة والسينما والفيديوكليبات فإن ماينهازنصف السلوكات العنيفة قد تم إرتكابها من طرف أناس طيبين وعاديين . إن أقل من 10 فقط من برامج التلفزيون أفلام وكليبات ما تنبه بجد للعواقب الوخيمة لاستعمال العنف باعتباره وسيلة طبيعية وحاسمة ، وباختصارلقد صارالعنف هوالوسيلة المجدية لحسم الصراعات سواء أكانت بين أفراد أوجماعات !!. إن الآباء المنشغلون في الهموم اليومية (شغل فاتورات صحة نقل مآرب مختلفة) والذين يحاولون ما أمكن حماية أبنائهم من عنف وسائل الإعلام قد وجدواأنفسهم أمام مسؤولية عويصة . وقد أوضح المركزالأمريكي للإعلام والشؤون العامة أن العنف حاضرفي مختلف القنوات الإعلامية التلفزية بما فيها قنوات الكابل وبالتالي فمن الصعب تجنب مشاهد العنف عن طريق الزابينغ. وللإشارة أيضا فنشرات الأخبار المسائية تسهم هي كذلك في تعميق هذا المشكل فصورالعنف المتعلقة بالأحداث المتنوعة والمتفرقة تسيطرعلى كل المشاهد بالرغم من كون نسبة أحداث الإجرام قد إنخفضت بشكل ملحوظ في الولاياتالمتحدةالأمريكية . وما يؤجج أيضا هذ المشكل هو تنافس القنوات التلفزية على إستقطاب أعلى نسبة من المشاهدين وبالتالي فهي تلجؤإلى صورالإثارة الصادمة فمشاهد الموت والقتل والعنف قد رفعت من عدد المشاهدين وليس نشرات الأخبار. وليس باستطاعة الآباء إنتقاء برامج الأفلام لتحديد ما إذا كانت مواضيعها ملائمة للمشاهدة أم لا. إن الأفلام الموجهة للشباب تحقق عائدات مالية أعلى من الأفلام الممنوعة على أقل من 18 سنة . ولقد بدأنا نرى اليوم ظاهرة جديدة في ترتيب الأفلام .. فالأفلام التي تصنف في خانة ممنوع على أقل من 18 سنة قد تحولت إلى أفلام يمكن مشاهدتها لكن بعد إستشارة الوالدين بالنسبة للأطفال الأقل سنا من 13 سنة والسبب في هذا التحول واضح وهوالرفع من عدد وتوسيع فئات المشاهدين . أما في القاعات السينمائية فقد يوجد نوع من المراقبة لكن في المقابل من الصعب ثني الأطفال على مشاهدة أفلام خاصة بالكبارخصوصا في العديد من القنوات الموضوعاتية . كما أن الأطفال باستطاعتهم الوصول إلى ألعاب الفيديو الخاصة بالكبار، فحسب لجنة التجارة الإتحادية في و.م.أ .. فإن بائعي ألعاب الفيديوقد مكنوا ما يناهز78 من الشباب ما بين 13 و16 سنة من شراء برامج ألعاب فيديو خاصة بالكبارومن دون مصاحبة أوموافقة آبائهم . وفي جانب آخرتبدو مهمة المراقبة والإشراف أكثر تعقيدا لكون الأطفال غالبا ما يتوفرون في غرفهم الخاصة على أجهزة تلفزة وألعاب فيديو. وحسب دراسة أنجزت في هذا الإطار فإن 57 من بين 8 إلى 16 سنة يتوفرون على تلفزة مرفوقة بجهازألعاب فيديو. لكن في جانب آخرإذا كان الآباء قلقون من مشاهد العنف أو مشاهد الكوميديا الساقطة في الكثيرمن برامج الأطفال فإن ثقافة أخرى للعنف يجب ألا تغيب عن أذهانهم وهم لا يولونها أية إهتمام ، فالموسيقى والفيديوكليبات باتت تحتل يوما بعد يوم مساحة هامة في مشاهد العنف ... عندما قدم مغنى الراب الشهير «أيمينيم» IMINEM إلى تورانتو سنة 2000 طالب بعض السياسيين والمنظمات المناهضة لكل أشكال العنف منع المغني «إيمينيم» من الدخول إلى التراب الكندي وإلغاء الحفلات التي كان سيقيمها بدافع الحقد الذي يكنه هذا الرابورللنساء عموما ولأمه على الخصوص والذي عبرعنه في العديد من أغانيه ومنها أغنية KIM والتي يصور فيها كيف سيقتل أمه وأغنية KILL YOO والتي يدعي فيها الإقدام على إغتصاب وقتل أمه !!! وبالرغم من تحريضه على العنف فقد حقق الرابور «إيمينيم» شهرة واسعة وأرباحا طائلة سنة 2000 . فقد بيع من ألبومه Marshal Mthers ما يناهز679597 نسخة في كندا ما جعله يحتل المرتبة الأولى في التوب تين . وفي سنة 2002 حقق أيضا ألبومه EMINEM SHOW أرباحا هائلة وبقي يتصدرقائمة المبيعات لشهورعديدة بمعدل 18000 نسخة في الأسبوع . وليست حالة المغني «إيمينيم» حالة إستثنائية فالنصوص المحرضة على العنف في أقصى درجاته قد أصبحت نصوصا مألوفة في الصناعة الغنائية . وقد أشارت كبريات شركات بيع الأسطوانات إلى موجة الإحتجاج على العنف المازوشي الذي تتضمنه كلمات أغاني الراب على الخصوص ، وعلى سبيل المثال مرة أخرى فقناة MTV لم تقم ببث أغنية مادونا What it feel like for a girl سوى مرة واحدة بسبب تضمينها لمشاهد عنيفة . إن العنف بصفة عامة والعنف الجنسي على وجه الخصوص حاضران بقوة في ألعاب الفيديو. فما هو شائع في قواعد هذه الألعاب يقوم على جعل اللاعب «المواطن» شريرا وقد يجازى على فعله العنيف بمجموعة من المكافآت «النقط» كلما تمكن من مصارعة وقتل بعض الأشخاص العابرين في طريقه الإفتراضي وبالرغم من كون هذه الألعاب تتوجه في صناعتها أصلا للكبارحصريا فإن ذيوعها في أوساط الأطفال رائج وبشكل مثير. لقد بلغ العنف درجة مقلقة في عادات وسلوكات الشباب ، فقد بين بحث أنجزته شبكة التربية والإعلام تحت عنوان «الشباب في عالم الربط » أن 32? مابين 9 و17 سنة يمارسون ألعاب الفيديوكل يوم وأن 60? من هذا العدد يفضلون ألعاب المصارعة والحركة . يبدوالعنف الإفتراضي أيسرللوصول في الشبكة العنكبوتية حيث بإمكان الأطفال واليافعين تحميل كلمات الأغاني العنيفة بما فيها تلك التي حجزتها الرقابة كما يمكنهم زيارة مواقع إلكترونية تعرض فيديوكليبات عنيفة بمشاهد جنسية . وتتيح بعض المواقع للممارسين إختيارأي نجم من نجوم البرامج التلفزية المشهورين ويقترح عليه العديد من السيناريوهات اللعبية لقتل تلك الشخصية التي يتقمصها ... ويشكل الموت أهم موضوع في مجال البيع في مواقع أخرى التي تعرض سلسلة من الأفلام القصيرة التي تظهرمجموعة من نظراء الشخصيات من صميم الواقع والتي يتم قتلها إفتراضيا !!! وهناك مواقع أخرى تبث لقطات حية لحوادث السيرومشاهد التعذيب الجسدي وتشويه الجثث ..إلخ إن هذا التراكم من العنف في وسائل الإعلام يعرض الشباب حتما إلى عنف لاينتهي ينطلق من صلافة بعض البرامج إلى مظاهر المازوشية والسادية والعدوانية ... وما يشجع على التربية العنيفة هوأن الشباب يتقنون التعامل وبمهارة مع وسائط الإتصال أحسن من آبائهم ... ففي معرض البحث الذي أنجزته ( شبكة التربية والإعلام ) ف 16? فقط من الشباب من أكدوا أن آباءهم كانوا على علم بنشاطهم الشبكي . بمعنى أخرأن الإنترنت قد أصبح ظاهرة مقلقة شرعت تأخذ مكانها المتميزوسط الأسروالعائلات وأن الكثيرمن الأباء يؤيدون إنشغال أبنائهم في الإبحارالشبكي على مشاهدة البرامج التلفزية .