تنظم يومي 14 و15 مارس الجاري في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة عبد المالك السعدي في تطوان، ندوة «الفرجة والتنوع الثقافي، مقاربات متعددة الاختصاصات»، وتشمل فعاليات الندوة أيضا تكريم رائد الفرجة بالمغرب الدكتور حسن المنيعي. تمثل هذه الحلقة الدراسية لحظة من اللحظات العلمية للوقوف على فن الفرجة في المغرب وتحولاته السوسيوثقافية، وعلاقاته بالمجال الجغرافي وبالتنوع في الثقافة المغربية بمكوناتها الأمازيغية والعربية. يشرف على تنظيم الملتقى المركز الدولي لدراسات فن الفرجة وجامعة عبد المالك السعدي بتعاون مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ووزارة الثقافة ومسرح محمد الخامس. وقال خالد أمين، المشرف العام على الندوة ومدير المركز الدولي لدراسات فن الفرجة في تصريح ل«المساء»، إن هذه الندوة حول تمظهرات فن الفرجة في المغرب والمنظمة بشراكة مع جهات متعددة تأتي في إطار انفتاح الدرس الأكاديمي على المكونات الغنية للفرجة المغربية عربية وأمازيغية وحسانية. وقال أمين إن هذه الندوة تبغي لفت الانتباه إلى أهمية الحفاظ على المكون الفرجوي في الثقافة المغربية باعتباره شكلا «ما قبل مسرحيا» يدلل على الغنى الكبير لثقافتنا المغربية، ويؤشر على أن مجال البحث الأنثربولوجي والإثنوغرافي مايزال في بدايته بالنسبة إلى البحوث المتعلقة بالبحث في الثقافة المغربية. وأضاف أن الكثير من طقوس الاحتفال في المغرب شكلت، مع مرور الزمن، فنا في الفرجة، وأنه على مر الوقت وقع تلاقح كبير بين مكونات الثقافة المغربية، الأمازيغية والعربية. واعتبر خالد أمين أن الفرجة تحظى، اليوم، باهتمام بالغ في مختلف الدوائر الثقافية والأكاديمية، وذلك نظرا إلى علاقتها القوية بالحياة الفردية والجماعية للإنسان، وكذا بتمثلاته عن وجوده الطبيعي والثقافي على حد سواء. ويعتبر مجال «دراسات الفرجة» من بين المباحث العلمية الأكثر ازدهارا وتطورا اليوم ولاسيما في الفضاءات الجامعية الأنجلوساكسونية. لقد أصبحت الفرجة موضوعا معرفيا مثيرا للاهتمام، تتقاطع فيه انشغالات أكاديمية وتخصصات معرفية مختلفة. يمكن النظر إلى الفرجة على ما أنها دراما اجتماعية مصغرة تعبّر عن لحظات حاسمة ودالة في الثقافة الإنسانية. وهذا ما يحمل على القول بأن الفرجة تتميز، في أغلب الأحيان، بالمضاعفة، بل أكثر من ذلك، فإن مضاعفة صناعة الفرجة لا يمكن أن تنفلت من قبضة الانعكاسية. وهذا المنحنى من الفرجة إلى الحياة، رغم حفاظه على المسافة المرآتية، يجعل من الفرجة الشكل التعبيري الأكثر حظوة للتعليق على الصراع بشتى تجلياته. وفي السياق ذاته، يمكن اعتبار الفرجة شكلا فنيا مصوغا. ولعل ما يميزها عن باقي متاهات الحياة اليومية هو تلك الخصائص الطقوسية والجمالية. وتعتبر أرضية الندوة أن الفرجة تتضمن لغة شعرية، أو حركات تعبيرية رفيعة المستوى، أو عناصر فنية أخرى. كما أنها تعرض أمام جمهور يتكون من أغلبية لها ذاكرة مشتركة مع صانعي الفرجة. وفي هذا الإطار، فإن انفصال الفرجة عن الحياة اليومية لا يصل إلى حد القطيعة، ولكنه يجعلها تجربة مكثفة وموسومة. وهذا ما يتيح إمكانية التوحد الوجداني التي تتفكك فيها العلاقات البنيوية بين الناس لتتحول إلى شيء آخر كالزمالة المبنية على التجربة الجماعية المشتركة. وتكون محصلة هذه التجربة الوجدانية اختراق الهوة بين الملاحظ والملاحَظ، المتلقي والمرسل، وتنتج هابيتوس Habitus مشتركا يضم كلا من صانعي الفرجة والجمهور. ينبعث المجتمع، إذن، عبر ومن خلال الفرجة. وتتوسل الفرجة بتعبيرات وطقوس وشعائر واحتفالات، كما تستثمر وسائل مختلفة، منها الكلمة والحركة والجسد والإيقاع وغيره من الوسائل التي تتنوع بتنوع الثقافات والمجتمعات البشرية. في ضوء هذه الاختلافات، يتعين النظر إلى الفرجات المغربية، سواء منها تلك التي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ المغربي أو تلك التي أفرزتها صيرورة المجتمع وتحولاته السوسيوثقافية. ولعل ما يضفي على الفرجات المغربية طابعا مميزا هو كونها تعكس بصدق وبعمق الوجه الثقافي المتنوع للمغرب باعتباره مجالا متنوعا وخصبا للتعبيرات الثقافية ذات الأصول العربية والأمازيغية والإسلامية والإفريقية والمتوسطية... ويبدو أن ما تعرفه مختلف الجهات المغربية من تظاهرات ومهرجانات خاصة بأنماط فرجوية معينة، يعبر بشكل جلي عن هذا التنوع الفرجوي ويجعله جديرا بالتأمل والتفكير والبحث، وذلك في أفق بلورة خطابات ومقاربات علمية حول الفرجة باعتبارها تعبيرا عن التنوع الثقافي بالمغرب. فمن زاوية النظر الحداثية، تبدو ضرورة صد الخطابات ذات الإيديولوجيا الماهوية أمرا بديهيا من خلال بناء ائتلافات من أجل التعددية الثقافية؛ ولكن هذه التحالفات المحايثة تكشف عن نفس المخاطر الماهوية. صحيح أن التعددية الثقافية تكشف عن اندحار المنظومة الحداثية وخطاباتها المتمركزة... ولكن أصوات مثقفي الهوامش المحايثة سرعان ما تتجه إلى التمركز الاثنوغرافي، أحيانا ضدا على كل أشكال الهجنة والمثاقفة... وبالتالي، تختزل الحقيقة في بناءات ثقافية ماهوية خالصة تعتمد الاحتفاء بالجسد الإثني وعزله من حيث هو تجمعات إثنية منكفئة في مواجهة المفهوم الأحادي للثقافة الوطنية. من هنا تكمن أهمية هذه الندوة التي نريدها أن تجسد روح التنوع الثقافي والاختلاف البناء عوض الإقصاء غير المجدي للآخر، ذلك أن السقوط في الماهوية يمتح أساسا من الخطابات الممانعة التي ترفض جدلية الحوار الدائم بين الإنية والغيرية، كما ترفض مبدأ المثاقفة. وتشتمل الندوة العلمية على المحاور التالية: الفرجات بالمغرب: التصنيف والنمذجة والأصول السوسيوثقافية للفرجات بالمغرب والفرجات والجهات: سؤال الخصوصية ومقاربات والفرجات المغربية قي ضوء التخصصات المعرفية الجديدة.