ماذا يعني الاحتفال باليوم العالمي للمسرح مغربيا؟ وهل الكلمة التي وجهها اليوم المسرحي الفرنسي جيرار لوباج إلى مسرحيي العالم تعني شيئا بالنسبة إلى حال الممارسة المسرحية في المغرب؟ أم إن الرجل لا يعرف بالفعل المشاكل التي يتخبط فيها مسرحيون يقفون على حافة الفقر المادي، تعصف بهم حاجات اليومي وتحد من ابتكارهم بنية تحتية معدومة وتاريخ طويل من الإحباطات والآمال المعلقة زادها الدعم المسرحي حسرة وخسارة؟ ميزة احتفالية هذا العام أنها تأتي في سياق مغاير نسبيا للسنوات الماضية، فاليوم توجد على رأس وزارة الثقافة وزيرة هي في الأصل فنانة مسرحية، ومنذ اليوم الأول أعلنت أنها ستعمل على الرفع من السوية الفنية للممارسة المسرحية في البلاد. وهو وعد يحتاج إلى الكثير من النضال الفني ومن إرساء ممارسة مسرحية على قاعدة صلبة، وربما الأماني لا تحل من المعضلات القائمة شيئا. شهد شهر مارس، على غير العادة، إقامة مهرجان مسرحي في البيضاء، وآخر في الرباط وثالث في مراكش، نظمت في تواريخ متقاطعة، وتحاول أن تستقطب إليها الأنظار باعتبارها مهرجانات متكاملة أو تسعى إلى أن تنال صفة المهرجان. أول ما يسترعي الانتباه في ظاهرة مهرجانات شهر مارس هو احتفاؤها بالمسرح، وهي المرة الأولى التي تنطلق فيها حركة مسرحية على هذه الدرجة من التنافس، بعد تولي المسرحية المغربية ثريا جبران مسؤولية وزارة الثقافة. وإذا جاز الربط، فإن هذا العام هو عام المسرحيين المغاربة. لكن إشكالية جمهور المسرح لاتزال قائمة، ويتطلب رده إلى قاعات المسارح الكثير من الجهد الفكري والأدبي، ومن النقد الذاتي الذي على المسرحيين المغاربة القيام به. وفي هذا الإطار، نظمت مؤسسة الفنون الحية في الدارالبيضاء الدورة الثالثة لمهرجان: «لنذهب إلى المسرح» ما بين 6 و16 مارس الجاري، وحاولت الدورة أن تتوجه إلى الجمهور الواسع من أطفال وشباب، كما قدمت عروضا بالدارجة المغربية وبالفرنسية، واستضافت 14 فرقة مسرحية مغربية، ويصل إجمالي المسرحيين المشاركين في الملتقى إلى أكثر من 60 مسرحيا. وقدمت مؤسسة الفنون الحية بتعاون مع فرقة تانسيفت في مراكش، مسرحية «كيف الطوير طار»، وهي مقتبسة من أعمال لبريشت وموليير. كم قدمت مسرحية «فيولولن سين» من إخراج عبد المجيد الهواس، ومسرحية فوزي بنسعيدي «12 قصة حب» وعروض مسرحية أخرى. وفي إطار هذه المهرجانات الفنية المتزامنة، نظم فرع النقابة الوطنية للمسرح في جهة الرباط-سلا-زمور-زعير مهرجان شالة المسرحي ما بين 5 و10 مارس الجاري بمشاركة مجموعة من الفرق المسرحية المغربية (العربية والأمازيغية)، وحضر المهرجان عدد من الوجوه الفنية والباحثين والنقاد، وتخلله ورش عمل وندوات ولقاءات تقييمية لوضعية الممارسة المسرحية في البلاد وأيضا لدور النقابة الوطنية للمسرح في الدفاع عن المكتسبات المسرحية للفنان المغربي مدينة مراكش لم تسلم هي نفسها من «حمى» المهرجان المسرحي، حيث نظمت كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الدورة الثانية للمهرجان الدولي للمسرح الجامعي، وذلك في الفترة ما بين 11 و14 مارس الجاري. هل هذه الحمى المهرجانية زائلة أم إنها دليل عافية على حال الممارسة المسرحية في المغرب، وحقن الجسد المسرحي في عهد وزيرة وفنانة مسرحية بإمكانات جديدة؟ الجواب الجاهز يقول إن تعدد المهرجانات شيء إيجابي، لكن «إنزالها» في وقت واحد في شهر مارس يشير إلى الخلل العميق في البرمجة الثقافية وإلى تضييع الفرصة على الممارسين وعلى المهتمين بالنشاط المسرحي المغربي. من جهة أخرى، احتضنت كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة عبد المالك السعدي في تطوان، ندوة «الفرجة والتنوع الثقافي، مقاربات متعددة الاختصاصات»، وكرمت الندوة رائد الفرجة بالمغرب الدكتور حسن المنيعي. وحاولت الوقوف على فن الفرجة في المغرب وتحولاته السوسيوثقافية وعلاقاته بالمجال الجغرافي وبالتنوع في الثقافة المغربية بمكوناتها الأمازيغية والعربية. أشرف على تنظيم الملتقى المركز الدولي لدراسات فن الفرجة وجامعة عبد المالك السعدي بتعاون مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ووزارة الثقافة ومسرح محمد الخامس. وقد اعتبر خالد أمين، المشرف العام على الندوة ومدير المركز الدولي لدراسات فن الفرجة، في تصريح سابق ل«المساء»، أن هذه الندوة، حول تمظهرات فن الفرجة في المغرب والمنظمة بشراكة مع جهات متعددة، تأتي في إطار انفتاح الدرس الأكاديمي على المكونات الغنية للفرجة المغربية، عربية وأمازيغية وحسانية. وقال أمين إن هذه الندوة تبغي لفت الانتباه إلى أهمية الحفاظ على المكون الفرجوي في الثقافة المغربية باعتباره شكلا ما قبل مسرحي يدلل على الغنى الكبير لثقافتنا المغربية، ويؤشر على أن مجال البحث الأنثربولوجي والإثنوغرافي مايزال في بدايته بالنسبة إلى البحوث المتعلقة بالبحث في الثقافة المغربية. وأضاف أن الكثير من طقوس الاحتفال في المغرب شكلت مع مرور الزمن فنا في الفرجة، وأنه على مر الوقت وقع تلاقح كبير بين مكونات الثقافة المغربية، الأمازيغية والعربية. واعتبر خالد أمين أن الفرجة تحظى، اليوم، باهتمام بالغ في مختلف الدوائر الثقافية والأكاديمية، وذلك نظرا إلى علاقتها القوية بالحياة الفردية والجماعية للإنسان، وكذا بتمثلاته عن وجوده الطبيعي والثقافي على حد سواء. ويعتبر مجال «دراسات الفرجة» من بين المباحث العلمية الأكثر ازدهارا وتطورا اليوم ولاسيما في الفضاءات الجامعية الأنجلوساكسونية. لقد أصبحت الفرجة موضوعا معرفيا مثيرا للاهتمام، تتقاطع فيه انشغالات أكاديمية وتخصصات معرفية مختلفة. يمكن النظر إلى الفرجة على أنها دراما اجتماعية مصغرة تعبّر عن لحظات حاسمة ودالة في الثقافة الإنسانية. وهذا ما يحمل على القول بأن الفرجة تتميز، في أغلب الأحيان، بالمضاعفة، بل الأكثر من ذلك أن مضاعفة صناعة الفرجة لا يمكن أن تنفلت من قبضة الانعكاسية. وهذا المنحنى من الفرجة إلى الحياة، رغم حفاظه على المسافة المرآتية، يجعل من الفرجة الشكل التعبيري الأكثر حظوة للتعليق على الصراع بشتى تجلياته؛ وفي السياق ذاته، يمكن اعتبار الفرجة شكلا فنيا مصوغا. ولعل ما يميزها عن باقي متاهات الحياة اليومية هو تلك الخصائص الطقوسية والجمالية.