رغم الألم و الضياع و الحاضر الحزين، فقد تراوده الأحلام، شاعرا كان أم عاشقا للأحزان، تسيل الدموع من عينيه دمعة دمعة و يبتسم لها بسمة بسمة، هو ذلكم الثعبان المقدس رغم جراحه و آماله المغتالة فغنه يتمنى أشياء خارج حدود الزمان و المكان، يشدو، يغرد، يغني، ... من أجل الحلم الجميل: تمنيت لو كان بيننا عالم يتنبأ بآخر الزمان، يخطط لآلاف الأيام، يميز بين مفهوم الغش و مفهوم الإتقان، يفهم ما معنى أن تحب جيل وتكره أجيال، يفكر بنظام بالدليل و البرهان، و لكن العرب لا يؤمنون إلا باثنين : الصدفة و قراءة الفنجان. تمنيت لو كان بيننا فنان يرسم بريشته لا بريشة غيره، أو عازف يطرب الآذان، أو واعظ يعظ نفسه قبل أن يعظ غيره، أو شاعر يبعث إلى القلوب السرور أو الأحزان، و لكن العرب لا يميزون بين اثنين: الإنسان و الإنسان. تمنيت لو كان بيننا صحفي لا يبدل الكلم عن مواضعه، و لا يحذف المعنى عن مقاصده، لا يساوي بين الصدق و الكذب، و يعرف بين المشهور و المغمور، لا يتستر عن شئ بل يجهر بأشياء، و لكن العرب يغتصبون اثنين : الحقيقة و شرف الأقلام. تمنيت لو كان بيننا من كانت بلاغته كبلاغة "لامرتين" رغم انه لم يعش في حياته إلا مع كلبه الأمين، و من كان له لسان كلسان "دي موسيه" إلا انه لم ينصب له تمثال فنسي مع مرور الأيام، و من كانت له شجاعة كشجاعة "مسلمة فارس بني مروان" رغم انه لم تدون الأقلام اسمه ، و من كان له قلب كقلبي إلا أن التاريخ لا يعرفه، و لكن العرب لا يفقهون الفرق بين اثنين : رجل نام في النور ورجل استيقظ في الظلام. تمنيت لو كان بيننا بطل يهز العروش التيجان، يقهر الجبابرة و ينصر المظلومين، يعيد القدس من أيدي الصهاينة المستعمرين، و من كان اسمه كاسم "صلاح الدين" فليسأل عن تقدم الغرب و تأخر الشرقيين، و لكن العرب لا يجيدون إلا اثنين : السباحة في الرمال و شيء يحدث الآن. حميد المعروفي الفقيه بن صالح