الاعتداء على مدير مستشفى سانية الرمل بالسلاح الأبيض    بينهم آيت منا وأحمد أحمد.. المحكمة تؤجل البت في طلبات استدعاء شخصيات بارزة في قضية "إسكوبار الصحراء"        وفاة أكبر معمّر في العالم بعمر ال 112 عاماً…وهذا سرهّ في الحياة    المغرب جزء منها.. زعيم المعارضة بإسرائيل يعرض خطته لإنهاء الحرب في غزة ولبنان    معاملات "الفوسفاط" 69 مليار درهم    دين الخزينة يبلغ 1.071,5 مليار درهم بارتفاع 7,2 في المائة    الجواهري: مخاطر تهدد الاستقرار المالي لإفريقيا.. وكبح التضخم إنجاز تاريخي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    ما هي أبرز مضامين اتفاق وقف إطلاق النار المحتمل بين لبنان وإسرائيل؟    المغرب التطواني يندد ب"الإساءة" إلى اتحاد طنجة بعد مباراة الديربي    النقابة الوطنية للإعلام والصحافة … يستنكر بشدة مخطط الإجهاز والترامي على قطاع الصحافة الرياضية    "بين الحكمة" تضع الضوء على ظاهرة العنف الرقمي ضد النساء    الجزائر و "الريف المغربي" خطوة استفزازية أم تكتيك دفاعي؟    في حلقة اليوم من برنامج "مدارات" : عبد المجيد بن جلون : رائد الأدب القصصي والسيرة الروائية في الثقافة المغربية الحديثة    أساتذة اللغة الأمازيغية يضربون    نزاع بالمحطة الطرقية بابن جرير ينتهي باعتقال 6 أشخاص بينهم قاصر    العائلة الملكية المغربية في إطلالة جديدة من باريس: لحظات تجمع بين الأناقة والدفء العائلي    التوفيق: قلت لوزير الداخلية الفرنسي إننا "علمانيون" والمغرب دائما مع الاعتدال والحرية    الجديدة مهرجان دكالة في دورته 16 يحتفي بالثقافة الفرنسية    اللحوم المستوردة تُحدث تراجعا طفيفا على الأسعار    توهج مغربي في منافسة كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي بأكادير    توقيف ستة أشخاص في قضية تتعلق بالضرب والجرح باستعمال السلاح الأبيض ببن جرير    مسرح البدوي يواصل جولته بمسرحية "في انتظار القطار"    شيرين اللجمي تطلق أولى أغانيها باللهجة المغربية    اتحاد طنجة يكشف عن مداخيل مباراة "ديربي الشمال"        القنيطرة.. تعزيز الخدمات الشرطية بإحداث قاعة للقيادة والتنسيق من الجيل الجديد (صور)    الأمم المتحدة.. انتخاب هلال رئيسا للمؤتمر السادس لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط    البيت الأبيض: جو بايدن سيحضر حفل تنصيب دونالد ترامب    برقية شكر من الملك محمد السادس إلى رئيس بنما على إثر قرار بلاده بخصوص القضية الوطنية الأولى للمملكة        بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    غوارديولا قبل مواجهة فينورد: "أنا لا أستسلم ولدي شعور أننا سنحقق نتيجة إيجابية"    مواجهة مغربية بين الرجاء والجيش الملكي في دور مجموعات دوري أبطال أفريقيا    حوار مع جني : لقاء !    الرباط: تقديم كتاب 'إسماع صوت إفريقيا..أعظم مقتطفات خطب صاحب الجلالة الملك محمد السادس'    عبد اللطيف حموشي يبحث مع المديرة العامة لأمن الدولة البلجيكية التعاون الأمني المشترك    مرشد إيران يطالب ب"إعدام" نتنياهو    المناظرة الوطنية الثانية للفنون التشكيلية والبصرية تبلور أهدافها    الدولار يرتفع بعد تعهد ترامب بفرض رسوم جمركية على المكسيك وكندا والصين    تزايد معدلات اكتئاب ما بعد الولادة بالولايات المتحدة خلال العقد الماضي    اندلاع حريق ضخم في موقع تجارب إطلاق صواريخ فضائية باليابان    ملتقى النقل السياحي بمراكش نحو رؤية جديدة لتعزيز التنمية المستدامة والابتكار    إطلاق شراكة استراتيجية بين البريد بنك وGuichet.com    صقر الصحراء.. طائرة مغربية بدون طيار تعيد رسم ملامح الصناعة الدفاعية الوطنية    المحامي والمحلل السياسي الجزائري سعد جبار: الصحراء الشرقية تاريخياً مغربية والنظام الجزائري لم يشرح هوسه بالمغرب    الرباط.. انطلاق الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء    إيرادات فيلمي "ويكد" و"غلادييتور 2″ تفوق 270 مليون دولار في دور العرض العالمية    مهرجان الزربية الواوزكيتية يختتم دورته السابعة بتوافد قياسي بلغ 60 ألف زائر    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة        لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة الوحدة العربية
في ضمير الشعر العربي الحديث

عاش شعراؤنا العرب قضايا أمتنا بكل أحاسيسهم يفرحون لإنجازاتها و انتصاراتها الرائعة فيهتزون طرباً فتفوح قصائدهم بأريج زكي فيه عبقُ النصر والاعتزازُ بالعروبة و يحزنون إذا ما أحاطت بأمتهم النكبات و المصائب و ما أكثرها ! تراهم في هم وغم . قصائدهم نسيج ألم، ونهر دموع متدفق لا تعرف عيونهم طعمَ النوم ولا نفوسهم طريق الراحة و الاستقرار .
في عصرنا الحديث و مع انتهاء القرن التاسع عشر وقعت الأمة العربية في قبضة الغرب و مقالبه السياسية و ما فيها من مكر و غدر فكانت الأمة العربية دريئة يسدد عليها أهدافه و رصاصه. يجزِّئ و يقسِّم و يعكر صفو حياتها و يتغلغل في ثنايا تاريخها و تراثها مشككا و طاعنا. و هذه الحملة لا تزال مستمرة و تنمو و تتضخم من جراء الأكاذيب و الغدر.
إن الشعراء العرب وقفوا مستنكرين و مستغربين أحوال أمتهم بكل ما يملكون من إمكانيات مادية و معنوية فرفعوا الصوت عاليا و كشفوا أساليب الإمبريالية و الغرب فأوضحوا مقومات العروبة و تبنوا الدفاع عنها بكل ما أوتوا من قوة و وسائل فلا حياة بدون تضحية للعروبة التي تتخبط في الجهل و الظلام و القيد كما قال الشاعر الأخطل الصغير :
نحن لا نحسب الحياة حياة
لن نراها إن لم نمت في هواها
أو نفدِّي أوطاننا المعبودة
أمة حرة ودنيا جديدة
فلا وجودَ لعرب أباحوا لأعدائهم أن يعبثوا بمقدراتهم الثقافية و المادية من أرض و ثروة و تاريخ فالاعتزاز بالعروبة وما تحويه في قلبها من تاريخ و تراب و أصالة ردٌّ مباشر و عفوي على تلك الحملات القاسية فالقروي يبدو معتزا بعروبته التي خرجت من معاركها أكثر مضاء و قوة :
أنجبتنا أمة ما برحت
زرعوا الأرض سيوفاً وقنا
كلما قيل انطوت أعلامهم
تنجبُ الأبطال من قبل ثمود
ثم روَّوْها بإحسان و جود
و انطوَوا هبَّوا إلى مجدٍ جديدِ
فالأبيات السابقة غرسة أمل و عودةٌ روح و استرداد اعتبار لأمة بنت فأعلتْ أعطتْ فأفادت.
هذا الحب للعرب و العروبة و هذا الانتماء الصادقُ نراه منتشرا في دواوين الشعراء العرب من مشرق الوطن العربي إلى مغربه و في المهاجر الأمريكية و على مختلف ديانات الشعراء و مذاهبهم فالعروبة ذلك الوعاء الرحب الذي تغرف منه كل الديانات فلذلك تجاوز الشعراء تلك النزعات الإقليمية و الطائفية التي حاول الاستعمار و أعوانُهُ أن يرسِّخوها فالقروي لا يعرف سوى حب العروبة حبَّا صوفيا نقيا :
أنا العروبة لي في كل مملكة
شغلْت قلبي بحب المصطفى و غدت
إنجيلُ حب و لي قرآن أفعال
عروبتي مَثَلي الأعلى و إسلامي
و نبقى مع القروي في هذا المنحى الرائع من الحب للعروبة و هو في بلاد المهجر فالعروبة باعتقاده دينٌ واحد يوحد شمل العرب من مسلمين و نصارى ...
إني على دين العروبة واقف
يا مسلمون و يا نصارى دينكم
قلبي على سُبُحاتها و لساني
دينُ العروبة واحدٌ لا إثنان
فالعروبة في مفهومه دين و معتقد يوحّد شمل العرب و إنّ شعرنا العربي الحديث حافلٌ بالمواقف القومية التي تجعلنا نعتز بشعرائه الذين رصدوا بكل أحاسيسهم قضايا أمتهم فآلمهم التمزق العربي والتجزئة العربية التي رسخها الغرب و حافظوا عليها بتشعب أهوائهم و تصاعد خلافاتهم فالشاعر عبد الحميد الرفاعي يرى ضعف الأمة بسبب التجزئة و إن الاتحاد سبيل القوة.
ما تصلح الدنيا و لا ناسها
هبوا بني العرب إلامَ الكرى
فلنتحد فعلا عسى همةٌ
وتُنْعشُ الأنفسُ من أمة
ما لم يلِ الأقوامَ أجناسُها
و قد دها الآمالَ دهّاسُها؟؟
يهتاجُ بالتوحيد أقباسُها
تلهَّبتْ بالذلِّ أنفاسها
فالشعراء العرب تذمَّروا من الواقع العربي المجزأ و من أساليب الغرب و غدرهم فالشاعر الزركَلْي يكشف نوايا الأحلاف و هدفهم من سياستهم.
فيمَ الونى و ديارُ الشام تُقتَْسَمُ؟
ما بال بغداد لم تَنبُسْ بها شفة؟
أين العهودُ التي لم تُرْعَ و الذممُ؟
و ما لبيروت لم يخفقْ بها علمُ؟
لقد كان الشعر مزيجاً من الألم و الحرقة لواقع مؤلم دفعَ الكثير من الشعراء لوضع أيديهم على الجرح الدامي فالشاعرُ نزار قباني في هوامش على دفتر النكسة يعري أمراضنا و يحدد العلل :
لو أننا لم ندفنِ الوحدة في التراب
لو لم نمزقْ جسمها الطري بالحرابِ
لو بقيتْ في داخل العيونِ والأهدابِ
لما استباحتْ لحمَنا الكلابُ

و في قصيدة ثانية لنفس الشاعر تحت عنوان ( إفادة في محكمة الشعر ) يرمي سهما حادا إلى أعيننا التي ألفت رؤية البلادِ مجّزأة .
وحدويّون ! و البلادُ شظايا
كلُّ جزء من لحمها أجزاء
و بالمقابل يعتصر الشاعر إبراهيم سلمان ألما و حسرة لهذا الواقع المأساوي من تمزق و ضياع و شتات فيدعو بحرقة للوحدة و جمع الشمل .
لمن أقصُّ ؟ لمن أروي حكاياتي
و كيف تُقْبَلُ أعذاري و آفتُنا
فللشعوب سموٌّ في توحُّدها
دعوا التفرَّق يا أبناءَ أمتنا
و الجهلُ يا أمَّتي أسبابُ مأساتي؟
هذا التشرذُمُ من أسباب عاهاتي؟
و فرقةُ العرب أمراضي و علاَّتي
لأمة العرب كمْ تسمو انتماءاتي
فالأبيات عصارة ألم مر. ركَّز فيها الشاعرُ على العلَّة و المرضِ و وصفَ الدواءَ الشافي المتمثل بالاتحاد. و لذلك أمام هذا الواقع المأساوي و المؤلمِ تبرزُ مهمة الأديب ودورُه في أداء رسالته القومية بصدقٍ وحماسةٍ لا تخمدُ وموقفٍ لا يعرفُ اليأسَ فكثرتِ القصائدُ وتدفقتِ المشاعرُ التي تُثبتُ أولويَّةَ العرب بالوحدةِ وتُثْبِتُ الصلاتِ الوثيقةَ التي تجمع بين العربِ وهي بمثابةِ ربطٍ معنويٍّ متين يشدُّ العربَ إلى بعضهم . تغنى الشعراء باللغة العربية وما فيها من سحر حلال وبلاغة بقيت متلألئة ومضيئة رغم ظلام الجهل الذي خيم على أمتنا فكانت مصباح ظلمتهم و طريق حريتهم فالشاعر شفيق جبري يشيد بدورها و هو يكرِّم الشاعر حافظ ابراهيم الذي زار دمشق :
تضمُّنا لغة لم يمحُ رونقَها
لولا قوافٍ بواد النيل ننشدُها
لقُطِّعتْ بيننا الأرحامُ واضْطربتْ
زحفُ السنينَ بآلام وأشجان
في غوطةِ الشام أو في أرزِ لبنانِ
بنا الوساوسُ في وصلٍ وهجرانِ
وكذلك يرى الكاتب أنيس الخوري المقدسي في اللغة رابطا قوياً وإن استفحلت المصائب واشتدت الأزمات
إنْ فرَّقَ الإيمانُ بين جموعنا
قَرُبتْ بهِ الأقطار وهْيَ بعيدةٌ
فلسانُنا العربيُّ خير موحِّدِ
وتوحَّدتْ من بعد فتٍّ في اليد
فلا يخلو ديوان شاعر من تغنٍّ بالعروبة وأركانها و هذا أمر طبيعي في ظرف تراكمت عليها الأهوال وأطاحتْ بها المؤامرات والدسائسُ فالألم واحدٌ والآمال واحدة فيرى الشاعر أحمد شوقي في اللغة والألم عاملاً مدعماً لوحدة العرب :
ونحن في الشرقِ والفصحى بنو رحمٍ
ونحنُ في الجرحِ والآلامِ إخوانُ
وفي سوريا يغرِّدُ صوتُ العروبة والوطنية الصادقةِ عمر أبو ريشة بأعذب الأبيات مشيداً بدور الخطوب في جمع شمل العرب تحت رعاية واحدة .
لمَّتِ الآلامُ منَّا شملنا
فإذا مصرُ أغاني جلقٍ
بورك الخطب فكمْ لفَّ على
ونَمَتْ ما بيننا من نسب
وإذا بغدادُ نجوى يثرب
سهمه أشتات شعبٍ مُغْضَبِ
فإيمان الشعراء بوحدتهم لا يشوبه شك ولا تضعفه سموم الأعداء للعروبة لأنهم آمنوا بقوة الصلةِ ومتانتِها بين الأقطارِ العربيةِ فالشاعر أبو الفضل الوليد من المهجر يبرز وحدة الأصل العربي بين الشعوب العربية :
الشامُ أختٌ للعراقِ ومنها
أهلوها أبناءُ عمٍّ. كلُّهمْ
نور العروبة للضليل الناشد
عَرَبٌ بآدابِ لهمْ وعوائدِ
فالشاعر يعتز بدور العرب الحضاري وفي نفس المنحى يبرزُ الشاعر الأخطل الصغير معتزاً بوحدة النسب العربي منذ الأزل
بردى شقيق النيل منذ أميَّةٍ
نسبٌ كخدِّ الوردِ في شَفَة الضحى
جُمِعا على الأفراح والأتراحِ
يختالُ بين العاص والجرّاحِ
فالقصائد التي أشادت بالنسب العربي ووحدة الأصل كثيرة فنبقى مع الشاعر الأخطل الصغير وهو يدور في دائرة العروبة ويستمد من مركزها أريجَها وعبيرَها الذي يمنحه الثقة والأمل في وحدة العرب
نحنُ يا أختُ على العهد الذي
يثربٌ والقدسُ منذ احتلما
قد رضعناهُ من المهدِ كلانا
كعبتانا وهوى العرب هوانا
فالعروبة في نظر الأخطل الصغير ذمة وعهد متين يربط بين الأقطار العربية ويبدو ذلك عند اشتداد الأزمات وتفاقم المصائب :
من مُبْلغٌ مصرَعّنا ما نكابدُهُ
ركنان للضاد لم تُفصِمْ عرىً لهما
إن العروبةَ فيما بيننا ذممَ
هم نحنُ إن رزئت يوماً ونحن همُ
ولذلك يستغرب الشاعر خليل مردم بك كيف لا توحِّد الآلام والآمال بين العرب وتجعلهم صفاً واحداً بالرغم من مقومات الوحدة التي تشدهم إلى بعض فأبياته استنكار واستغراب من واقع العرب السيِّىء
تأبى الأواصرُ من قربى ومن لغة
إن المصائب والأحزان تجمعنا
إلا الوفاقَ فكيف اليوم نختلف؟
والسعيُ والأملُ الفينانُ والهدفُ
فلم يبق أمام العرب إلا أن يسعوا إلى الوحدة التي رأى فيها الشعراء والمفكرون قوة للعرب وكياناً لهم فالوحدة ضرورة ملحة وهدف أساسي ليقف العرب على أرجلهم فهي مصدر قوتهم وتطورهم ، ففي كل مناسبة يدعون إليها فالقروي في ذكرى يوم الوحدة بين سوريا ومصر عام ألف وتسعمئة وستين يشدو طرباً بهذا اليوم الأغر الذي يعتبره مصدر راحة وشفاءٍ لجراح العروبة
باسم العروبةِ بعد الله أفتتح
شرحتُ صدري لها طفلاً وهل لسوى
حسبي اسمُها يا نديمي إنني ثملٌ
أسقطتُ دعواي يا دنيا فهاك يدي
للَّهِ ثم لعيد الوحدة السُّبَحُ
ِ ذكر العروبة صدرُ الحرِّ ينشرحُ؟
كالشاربين ولا خمرٌ ولا قدحُ
لم يبق لي ألم يُشْكى ولا جُرحُ
وأما الشاعر أحمد محرم الذي تبرز في شعره نزعتُهُ الإسلاميةُ وميلُهُ إلى الدولة العثمانية يتحول إلى واعظٍ للعربِ يدعوهم للوحدةِ والأخذ بأسبابِ القوة لتقوى الأمة العربية :
أممَ العروبةِ جاء يومُكِ فاعلمي
هذا زمان ليس يفهم أهلهُ
أممَ العروبة جدَّ جدُّك فانظمي
وإلى مكانِكِ فانهضي وتقدَّمي
إلا حديث النارِ أو لغة الدمِ
من عِقْدِكِ المنثورِ ما لم يُنْظَمِ
و هذه الصيحة الحارةُ و الدعوة الملحة ما زالت مفتوحة أمام العرب يرددها الشعراء في كل مناسبة و محفل . فالشاعر أحمد غنيم لا يرى خيرا للعرب طالما لا يستعيد العرب أركان أمتهم و لا يسعون لتوطيدها :
لن يستعيدَ العربُ سالفَ مجدهمْ
إن يرفعوا ما انقضَّ من بنيانهم
ولسانُهم غَرَضٌ لكلِّ سهامِ
فالضادُ أول حائطٍ و دعامِ
فالوحدة العربية عاشت أملا يسعى إليه الشعراء و الأدباء و ينتظرونه بفارغ الصبر يبذلون لأجله الغالي فيضحون و يصابون بخيبة الأمل ثم يتجدد الأمل من جديد فرحلتهم مع الوحدة رحلة عذاب حلو تهون من أجله الأهوال و المصائب فسليمان العيسى يوجز لنا رحلته في قصيدة سماها - قصيدة العمر –
شبعنا احتلالا يا ترابي و ذلَّةً
خلاصي سألتُ اليأسَ عنه فردَّني
أطلِّي علينا وحدةً طيفَ وحدةٍ
وهبتُكِ عمري ، ما وُهبتُ سوى الظما
شبعْنا فخذْ كوبي و ليلي وعلقمي
إلى أمَلٍ يقتاتُ شوكَ جهنمِ
بريقاً سراباً كيفما شئْتِ فاقدمي
إليكِ أنا الحادي القتيلُ، أنا الظمي
فالأبيات نفحة صوفية عميقة هي مزيج من اليأس و الأمل و الظمأ والحب المطلق للعروبة. وهناك أبيات نسجها أصحابها من ألمهم و صاغوها من أمنياتهم التي أوصلتهم لبوح صريح غير معقول و القروي لا يبغي سوى الوحدة ومن ثم يهون كل شيء أمامه :
أكرِّمُ هذا العيدَ تكريمَ شاعرٍ
و لكنَّني أصبوا إلى عيد أمة
هَبونيَ عيدا يجعلُ العربَ أمةً
سلامٌ على كفرٍ يوحِّدُ بيننا
يتيهُ بآيات النبيَّ المعظّمِ
مُحرَّرة الأعناق من رقِّ أعجمي
و سيروا بجثْماني على دينِ برهمِ
و أهلاً و سهلا بعدهُ بجهنمِ
فهذه الزفرة بماذا توحي إلينا ؟ و ماذا تضع أمامنا من أسئلة لا زالت مطروحة ؟ فالوحدة تعيش مراحلها في خلجات نفوسنا ، تصحبنا مع كل شهقة ألم عربي ، و مع كل قطرة دم عربي يسير فوق تراب العروبة فلا غرابة أن نرى الرصافيَّ داعياً للوحدة و اليقظة ومؤنبا ساخرا :
يا أيها العربُ هبَّوا من رقادكمُ
كيف النجاحُ وأنتم لا اتفاق لكمْ
مالي أراكم أقلَّ الناس مقدرةً
فقد بدا الصبحُ و أنجابتْ دُجى الخطر
و العودُ ليس له صوتٌ بلا وتر
يا أكثر الناسِ عدّاً غير منحصرِ
فالشعراء تألموا للواقع المؤلم من الانقسامات و التخلف الذي حل بالأمة العربية فكان سبب شقائها، فالشاعر عبد الله يوركي حلاق في ديوانه (( خيوط الغمام )) يدعو للأخوة العربية:
وحدةُ العربِ نحن نسعى إليها
لن يضنَّ الزمانُ بالفوز يا قو
إنما الحقُّ في النهايةِ يسمو
عانقَ المسلمون أبناء عيسى
فليمتْ زراعُ الشقاقِ فإنا
سعيَ فردٍ يبغي العلاءَ مقاما
ميَ مهما عنَّا الزمانُ تعامى
و قديما حقُّ الجدودِ تسامى
و النصارى قد عانقوا الإسلاما
أمة تأبى أن تموت انقساما
فالتفرقة في نظر الشعراء سبيل للذل والهوان أما الوحدة مصدر قوة و عز و منعة و هذا ما عبر عنه و باح به الشاعر (( أحمد رامي )) في مهرجان الشعر في بغداد :
يا بني العمِّ آن نجمعَ الشملَ
فاصنعوا المعجزات من عزمنا الما
وَصِلوا الحبالَ و استقلُّوا بعين الن
ثم نُعْلي للعربِ أعلامَ مجدٍ
و أنا بينكمْ أردِّدُ شعري
ونبني على متين الأساس
ضي و من صبرنا وطول المراسِ
صر نبلغْ بها أمين المرامي
و نحيِّي معالمَ الأعراس
و على ذكرِكمْ أشعشعُ كاسي
و في نفس المعنى يعبر الشاعر ابراهيم سلمان من المهجر فيدعو للوحدة وتجنب الخلاف و رص الصفوف لمواجهة الأعداء :
دعوا الخلاف و هبوا للصراع معا
و وحِّدوا الجيش للتحرير واتحدوا
رصُّوا الصفوفَ إلى التحرير و اتحدوا
فالضدُّ في وثبة الصاروخ يَزْدَجِرُ
إلى متى الصبرُ و الأعداءُ قد فَجِروا
فالعزُّ في وحدةٍ يحلو بها الظفرُ
فالشعراء اعتقدوا و بيقين مطلق أن الوحدة سبيل الخلاص فتفاءلوا بها و آمنوا بدورها فلا خلاص من المآزق والمصائب التي تتعرض لها الأمة العربية إلا بالوحدة العربية و لهذا يلتفت الشاعر ابراهيم سلمان للغرب الشامتين في أمتنا فيبدو متفائلاً بالنصر الذي سيأتي بعد وحدة عربية تعيش في نفوسنا أملا:
إن كان أغراكم تمزُّقُ أمَّتي
و غداً نسير إلى الصراع بوحدة
فغداً بوحدتنا الكبيرةِ تَفْخَرُ
منها التمزُّقُ و التشرذم يُصْهَرُ
و كذلك يرسم الشاعر التونسي (( نور الدين صمود )) طريق الوحدة للأمة العربية ببساطة و عفوية بعيدا عن التنظير :
إن أردنا للعرب وحدة صف
و لْنسرْ في الطريق جنبا لجنب
شيمةُ الشمس أن تضيءَ و تعلو
فلنكن أمة تواكبنا الشمس
فلنوحِّد قلوبنا و هوانا
وَ لْنقوِّمْ على طريقِ خُطانا
في سماها وتملأ الأكوانا
و ننسى البغضاءَ و الأظعانا
و تبقى هذه الأمنية و هذا الهدف أملا للعروبة فيومُ الوحدةِ يومُ قوةٍ و جمعُ شملٍ و سوف يمسح عن عيونِ الأمة العربية و الشعب مسحةَ الحزن و الأسى و يرفع ستارَ الخيبةِ و التشاؤمِ و التخلفِ ليرسمَ لها عالما جديداً عالما رحبا بالتقدم و الازدهار و أختم مقالي بهذين البيتين للشاعر المهجري زكي قنصل :
دارُ العروبة أنَّى يَمَّمَتْ قدمي
إن كنتِ تبغين في العلياء منزلة
داري و سكَّانُها أهلي و مستندي
يا أمتي اتحدي يا أمتي اتحدي
و أنا أقول معبرا عن اعتزازي بعروبتي و خوفا عليها :
فيا عربا كفاكم إنقساما
بلاد العرب أرهقها خلاف
فصرنا كالبغاث مشتَّتينا
فهبو للخلاص مُوحِّدينا
المراجع :
1. الاتجاهات الأدبية في العالم العربي الحديث / أنيس المقدسي. 2. شعراء العصبة الأندلسية ، د. عمر الدقاق.
3. الاتجاه القومي في الشعر العربي الحديث ، د. عمر الدقاق . 4. ديوان القروي .
5. ديوان الأخطل. 6. ديوان أحمد شوقي. 7. ديوان عمر أبو ريشة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.