[B ]استقبل الصباح كعادته بغضبه المعهود أدرك أن الأيام تستمر و أن الزمن قد عتا في الحياة فسادا، أخرج يده النحيلة من جيبه نظر إلى الساعة تذكر صراع الإنسان مع الزمن شعر باستنجاد الناس و هم يتلهفون لاستنشاق الجرائد ليغتالوا ما تبقى في حياتهم من اويقات. رغم أن الجو لم يكن يسمح بالخروج فإنه كان يتأبط محفظة جرائده و يقصد مورد رزقه متحديا غضب السماء و جبروت الفيضانات و قساوة الريح، فقط ليخترق عالم دريهمات معدودة تفي بمصروف عائلته لليلة واحدة. هكذا اعتاد "سي علي" أن يصارع الفقر منذ حصوله على الإجازة من جامعة أدمنت على تفريخ ضحايا الكتب و الأقلام... تناسى الحريفات اللقيطة التي شحنوه بها أساتذة ببغاوات ... أعاد شريط الجامعة تذكر سلطة الأستاذ و جبروت الاواكسات و أيام العدس و الهروب من الأداء في الحافلات ... اعتقد "سي علي" أن أيام المعاناة ستحلق بعيدا و ستنسى سنوات الرصاص، لكن يد القضاء كانت أسرع إليه فصار موعده مع بيع الجرائد و أصبح عبقريا في عد أخبار الحوادث العريضة التي اغتصبها مداد بني البشر، حمل "سي علي " حقائق الجرائد على عقله عوض كتفه فأتعبه الضمير صب جام غضبه على الكاتب و المكتوب، فقد راودته العناوين عن نفسه فسولت له نفسه أن يفتح جريدة لكنه اختلط لديه الصدق بالكذب و الحق بالباطل و المشهور بالمغمور. أدمن "سي علي " على امتحانات الوظائف ليجد نفسه وجها لوجه مع ظرف يحمل طابعا الأمن الوطني، امسك الظرف و جده خفيفا فأدرك أن طلبه مقبول وأنه شرطي منذ الآن. لا سيرة في الحارة غير سيرة « سي علي ول بوليسي» على طاولة المائدة و طاولة لعب الكارطة و طاولة ... لأول مرة أحس بالعظمة و استوطنته لغة آمرة و لو أنها صالحة للسيارات فقط . هناك في الشارع حيث دخان السيارات يطاول السماء و يرتدي زي الضباب، و حيث الأقدام تعبت من المسير فولت وجهها نحو المجهول، يقف "سي علي " في مفترق الطرق بعيون جاحظة و كأنه يتأهب لمقابلة الشيطان، هناك بجانب الرصيف سيارة سوداء، فخمة تقف في وضعية غير قانونية تحمل حروفا لكلمات مختصرة لا يدركها إلا الراسخون في العلم، سأل "سي علي " السائق: أوراق السيارة من فضلك ؟ فهاجمه رجل من الخلف : - عرفتي معامن تتكلم ؟ - لا أسيدي - غدا غادي تعرف . و في الغد كان الرجل مخلصا لكلمته و كان "سي علي " كان يتأبط محفظة جرائده من جديد. [/b] حميد المعروفي الفقيه بن صالح [email protected]