نظرت إلى نفسها فى المرآة، لم يكن رأسها موجودا، صرخت بالفزع دون أن يخرج صوتها، رجل صوته غريب يناديها من الصالة، اسمه محفور فوق رقعة نحاس على باب بيتها، وفوق بطاقتها الشخصية، وفوق جسدها فى النوم، وفوق كراريس أطفالها، وفوق جبينها قبل أن تولد، يناديها الناس، فى حياته وبعد موته، حرم السيد، اختفى اسمها مع رأسها، أمسكت القلم وكتبت «الرأس»، أصبح للكلمة وجود مادى فوق الورق، خلقت بالكتابة شيئا من اللاشىء، أحست بالسعادة. قالوا لها: الخالق ليس له شريك، فما بال شريكة من الجنس الآخر؟ أصبحت لعنتها مضاعفة: امرأة وكاتبة تتجول بين البشر دون الدخول فى مجال رؤيتهم، كتلة رخوة سوداء، كيس مملوء بالقش أو بالقطن، إن هى دخلت مجال الرؤية ينتابهم الرعب، تراهم من الثقبين فى قمة الكتلة السوداء، يهتز جسدها نشوة لكل رجل لا يمكنه إبعاد عينيه عنها. ترج النشوة بؤرة الروح فى جسدها مع الحنين الطاغى للحب، تكتب سرا فى الليل: أنتم لا ترون إلا جسمى، إن رأيتم وجهى تقعوا فى حبى. يخلو جسدى فى عيونكم من الجمال، لكن جمال روحى أبقى وأرقى. الجسد أعلى مرتبة من الروح فى نظر الرجل المادى، لكن الرجل الروحانى يخترق جسدى إلى بؤرة روحى فى مكان العينين يوجد الثقبان، مقلتان لونهما أسود من الليل، بياض العينين أصفر مبقع بالدم، رموشها مرتعدة تشبه رموش السمك الميت. شعرها المجعد مثل فروة الخروف المذبوح فى العيد. تكتب: لا يغسل الدم إلا الدم ولا يعالج الجروح إلا الجروح. الشعر ينمو فى الظلمة فوق شفتها العليا والصدغين والجبهة والأنف، البلولة من تحت الجلد تروى جذور الشعر، وقطرات تسقط من بين الجفون، ورخاوة المخ داخل الجمجمة، لحيتها تنمو وشاربها يزيد قبح المرأة بازدياد شعرها، يقولون إنها الشيطان، الرجل يزيده الشعر شبها بالفلاسفة والأنبياء. جلدها ملمسه خشن، جذور الشعر المنزوع بالقوة تركت فوق الجلد ثقوبا واضحة مثل الدمامل والبثور، تشبه جلود الأسماك المنزوعة القشرة، تتناول حبوبا تعالج هشاشة العظام، اللحم المتراكم ينحشر داخل قميصها الداخلى، جسدها يتدلى رخوا داخل جلبابها الواسع الطويل. هل يقع أحد فى حب هذا الجسد مهما بلغت الروح من الجمال؟ عندما تزوجت السيد كانت صغيرة، كان عجوزا أحدب، متعدد الزوجات، له أحفاد من عمرها. قالوا: جسده قبيح لكن روحه جميلة. صرخ الأطفال حين رأوه: بشع. رأسها تحت الكتلة الصماء بعيدا عن الشمس والهواء، تحمل عيناها رعب العالم فوق بياضها المبقع بالدم، وسوادها الباهت المسحوق بلون الرماد. قال الطبيب: اكشفى رأسك للشمس. قالت له كشف جسدى معصية صغرى، كشف رأسى معصية كبرى. سألها الطبيب: إذا كان للحب الروحى بؤرة فى جسدك فأين تكون؟ أصبحت أرملة شابة تبحث عن رزقها. قرأت إعلانا: مخرج يبحث عن امرأة منتقبة. فكرة الظهور على الشاشة أصابتها بالنشوة. قال المخرج: لا نخرج أفلام الرعب. قالت: طلبتم امرأة منتقبة أليس كذلك؟ قال: هناك نقاب يثير الخيال الحسى أكثر من العرى الكامل. قالت: الجمال إحساس داخلى ينبع من الروح. قال: لا نريد روحك، ويمكن بالمكياج عمل نقاب لك مثير لغرائز الرجال. قالت: نعم، ما دمت لا أكشف رأسى.