تساقطات أبريل تجدد آمال الفلاحين بشأن الزراعات الربيعية والأشجار المثمرة    تعليمات خاصة من مورينيو للنصيري قبل مواجهة سيفاس سبور    إدارة سجن تطوان ترد على مزاعم "انتشار الحشرات" ورفض مقابلة السجناء    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    إيران والولايات المتحدة سيستأنفان محادثات البرنامج النووي الأسبوع المقبل    الغضب من القرصنة يدفع النقابيين إلى دعم حماية معطيات الأجراء بالمغرب    ما صحة الأنباء المتداولة حول تغيير موعد الانتخابات الجهوية والتشريعية؟    "الماص" يهزم الفتح بهدف لصفر    التحول الرقمي وتجربة الزبون في البنوك المغربية.. أطروحة دكتوراه تكشف رهانات وتوصيات استراتيجية    غرفة الصناعة التقليدية بجهة الشرق تكرم الهلال الناظوري لكرة القدم النسوية    حادث مطار فاس : راعي غنم مصاب يهمل وطاقم الطائرة يعالج في مصحة خاصة    حاجيات الأبناك من السيولة فاقت 131 مليار درهم خلال مارس 2025    القضاء الفرنسي يلاحق ثلاثة أشخاص بتهمة خطف معارض جزائري    النسبة الإجمالية لملء السدود والمنشآت المائية تتجاوز 38% في المغرب    بين طموح الهجرة وظلال الجريمة : حكما قاسيا ضد عصابة استدرجت ضحاياها في طنجة    الدوزي يمنع من دخول أمريكا بسبب زيارة سابقة له للعراق    بين أعمدة الأطلس وأروقة برلين .. شراكة اقتصادية تولد من رحم التحديات    مندوبية التخطيط: تراجع قيم الواردات مدفوع بانخفاض أسعار الطاقة والمواد الغذائية    بنسعيد: المغرب يخطو بثبات نحو الحداثة والتقدم    أمسية فنية استثنائية للفنان عبد الوهاب الدكالي بمسرح محمد الخامس    ‪المغرب يبادر إلى تصدير أول "شحنة بلدية" من غلة القنب الهندي الطبي    تزامنا مع المعرض الدولي للكتاب.. قضايا الصحافة والخطأ القضائي والعدالة الرقمية في صلب اهتمامات العدد الجديد من مجلة "محاكمة"    التكنولوجيا تفيد في تجنب اختبار الأدوية على الحيوانات    إقليم الحسيمة.. هزة أرضية بقوة 4.0 درجات تضرب تارجيست    "واتساب" تطلق 12 ميزة جديدة لتحسين الأداء وسهولة الاستخدام    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    غموض يكتنف انتشار شائعات حول مرض السل بسبب الحليب غير المبستر    الصناعة التقليدية بإقليم العرائش في قلب تنظيم المغرب لكأس العالم 2030 سبل النهوض وتجاوز الإكراهات والمعيقات التحديات والفرص    عبد الصمد المنصوري يحصل على شهادة الدكتوراه بميزة مشرف جدا    أهازيج الرمال توحد القلوب في محاميد الغزلان    بحضور سفير الهند.. الإخوة بلمير يطلقان فيديو كليب 'جاية'    مدرب المنتخب الإسباني: حظوظ ريال مدريد لا تزال قائمة لتحقيق ريمونتادا ضد أرسنال    تشريح ثلاثي يفجر مفاجأة في وفاة الممرضة فاطمة الزهراء بخنيفرة    مسؤول بوزارة الاتصال: المنصات الرقمية الدولية تحظى ب7 مليارات درهم من الإشهار المغربي    عودة الديربي إلى "دونور": ملعب محمد الخامس يحتضن الكلاسيكو البيضاوي بعد الإصلاحات    "كارولينا الجنوبية" تواصل تنفيذ أحكام الإعدام بالرصاص    عشرات الجيوش تلبي دعوة المغرب وأمريكا للمشاركة في "الأسد الإفريقي"    فرنسا توجه الاتهام لموظف في قنصلية جزائرية باختطاف أمير ديزاد.. قنبلة دبلوماسية في قلب باريس    المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم داخل القاعة يفوز وديا على نظيره الصيني (8-0)    ميسي يقترب من تجديد عقده مع إنتر ميامي    الغابون تفتح مراكز الاقتراع الرئاسي    فراقشية الصحافة.. من يوقف هذا العبث؟    الولايات المتحدة وفرنسا تمران للسرعة القصوى بتنسيق مع المغرب لإغلاق ملف الصحراء المغربية بشكل نهائي    العصبة المغربية لحقوق الإنسان تراسل وزير الداخلية بشأن حرمانها من وصل الإيداع    الوداد يحتفل بمشاركته في مونديال الأندية بمهرجان فني    ترامب يستبدل صورة أوباما في البيت الأبيض بلوحة تظهره وهو ينجو من محاولة اغتيال    الوداد الرياضي يستقبل درع كأس العالم للأندية بحفل في الدار البيضاء    تونس: عريضة تطالب قيس سعيد بالتنحي وتحذر من خطر انهيار الدولة    حملة أمنية واسعة بطنجة لمواجهة الجريمة وتعزيز الشعور بالأمن        الذئب الرهيب يعود من عالم الانقراض: العلم يوقظ أشباح الماضي    السلطات الصحية بجنوب إسبانيا تتأهب لمواجهة "بوحمرون" القادم من شمال المغرب    سلطات مليلية تحتجز كلب "مسعور" تسلل من بوابة بني انصار    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موسيقى
نشر في طنجة الأدبية يوم 14 - 02 - 2008


رأيت فيما يراه النائم.
الذي يحكي الحلم '' الآن:''
لسان في كامل صحوه.
و لن.....
أسمي نظام الحروف ولا محمولها بِ '' اليقظة ''.
لأن اليقظة تأتي دائما وفي سلتها الخير العميم لكل البشر:
وتغني في أذن الأبله فقط ليصحو من عار غبش ضيق قبر مهزلة سقوطه: السماء حق للجميع.
ويقول المثل الذي يرتعش رعبا أمام قوم لا يعرفون الله أو نقيضه: عينك ميزانك..
و قد يجلس على غيمة ويحاكم نيات البشر.
وهنا يحفر قبرا لليقظة.
لا أدري....
ذاكرتي
ذاكرتي لا تحتفظ إلا المرض من الأحداث ولكي أخلق معها حالة تعايش أحولها إلى حروف. وقد
أسمي دفئها: قصة،شعر، رواية.....
وقد تكون الألوان سيدة الحضور وأسمي جرح الذاكرة: لوحة.
غير أن الموسيقى خطوة إلى السمو....لا يختلف حول وقعها على النفس: اثنان.
لا أدري لماذا الموسيقى التي ينظمها '' الجرح '' والتي عادة تحتاج إلى صوت يمتطي صهوة
جرح: تسكر الروح؟
لقاء لا يعلو جمال حضوره ببهاء سفر الإِسراء إلى المعراج صعوداً نحو القمم العذراء إلا في حالات نادرة ومرة واحدة مع دورة شمس كاملة حول الوجع..
في الحقيقة لو كنت كاتبا لزرعت في كل حرف: نغمة.
لا شيء يوحد احتدام البشر غير النغم الخلاق.
لا أدري في ساعات عزلتي وفي آخر الليل عندما أنصت إلى تراتيل كتاب مقدس ما: أبكي.
وأنا الجاحد.
في الحقيقة ما أبكاني إلا شجن النظم العظيم.... وشجنه يدعوني إلى التفكير في أسباب شجنه.
وهناك تضيق العبارة وأدعوه إلى الرقص وبأقدام حافية معا مع شجني.
هو كريم وطيب عِلمه:
سفره الطويل وأخيرا الجلوس على الأرض والإنصات إلى كل من أبتلي بالظلم القهر والعذاب الذي لا يأتي عادة إلا من أبواب أحبابنا. فهو قبل أن يكون عدوا كان لنا نعم الرفيق. هل
تفهمني؟
البلاء قدر الأنبياء وبعده يأتي الخير العميم.
أليس حب الناس لحضوره سعادة لا يعادلها سلاسل جبال دهب؟
بلى.
وقد استغل أولاد الأبالسة جمال أنغامها وحولوها إلى مخدر للجنود ساعة اللقاء بالشبيه/العدو.
حتى المعابد القديمة حلقت أنغامها تحت سقف قببها. تحمل أسماء العازفين والمنشدين والرسامين خلدت أسماؤهم، على جدرانها.
وقيل أن بعض المستشفيات بدلوا المحقنة بوجع أنغامها.
وأتت أنغامها بالخير العميم.
الموسيقى التي تطرب سكان الأكواخ وحفر قمم الجبال التي تزوجت بالثلج. وبأقدام مدماة حافية رقصت على وجع أنغامها: عصفور شجن.
إجلس
إجلس إليه وحول نغمه الحائر الحزين إلى حروف. ولا تنس أن للبياض طهره يئن كلما دنس.
موسيقى القصور؟؟؟؟؟؟
هيهات !!!!!!!!!!
هيهات لمثلي الاستحمام في مائها.
من يطلب يدها
من يدنو من سور حديقتها
مفقود
من حاول فك ضفائرها يا ولدى
مفقود مفقود
موسيقى القصور تحتفي بالهدوء و الرقي...وهذا سر خلود عروشها....غير أن الإنسان الشريف العاشق الحقيقي للأرض يشك في هدوئها ويرى في هذا الرقي أسلاك سوط يعلو ويلمس جرحه،
ولهذا السبب خلق لنفسه موسيقاه لينزل هذا الرقي من عليائه وينثر همسه غضبا في هدوئهم فوضاه عين هدوئه الحقيقي. حرة ولها نظامها الخاص، حتى لا تصبح فوضاهم تفسد وتسمم هواءالزاهد في سفر أنغامها، لعله يجد في إيقاعها وطنا لا يسيره ميزان الموت.
قل لي أي نوع من الموسيقى تسمع أقول لك من أنت.
تماما كالحلم مع روايته يكتشف الخبير بالنفس من أنت. وبيني وبينك هذا وهم كبير لا تصدقه وأنت حر. على الأقل في حالتي ماعدت أصدق.... وحده الإنسان يملك مفتاح سعادته.
والمشكل جلسة حكي وإنصات، تعادل طعام يوم لعائلة جائعة على الدوام.
وعندما تقضي الأيام والفصول وأنت تحكي وهو ينصت، يلخص جرح حياتك بأقراص مهدئة.
كرهت....
كرهت سلسلة الأقراص المسكنة للأعصاب، وليس من الضروري أن تكون أدوية كيميائية. هل تفهمني؟
إلا الحديث والسؤال:
من أين؟ وكيف؟ ولماذا؟ ومتى؟
جوابهم:
الحفر...
الحفر سبب تمزق أعصابك. دع ذلك الجمل نائما في يقظته الشر الوبيل.
و
( دع القلق وابدء الحياة)
كتاب حفظته عن ظهر قلب رغبة في الحياة الجديدة
ومعناه....أخرج من حلمك وواصل دفع عربتهم من الخلف.
وقد تتحول الموسيقى إلى أفيون أقول محمولها من كلام. احذر وعودها،قد تمنحك زيف عطر يعد بميلاد حديقة لوردتك فوق غمامة. غمامة لا تعد بقطرة ماء واحدة.
رأيت فيما يراه النائم...
فضاء أبيض !!!!!!!!!!
لطخ وسطه بالضبط بضربة فرشاة خاطفة، مبللة أهذابها بصباغ: أخضر
يميل إلى لون الرماد.
أكدت لنفسي أو هكذا خبرتني أن الرسم لن يكون إلا لضريح ولي من الأولياء الصالحين وما
أبعدنا عن صلاحهم.
و...
بقوة
بقوة انفعال حاد، يد من الخلف دفعتني لأجد نفسي داخل الضربة الخاطفة للفرشاة.
فضاء أخضر!!!!!!
سرحت بنظري باحثا عن رقاد الولي.
يستحيل تمييز الحي هنا من الميت....يستحيل.
كل الروائح رحيقها واحد.
وطوبى للأصيل.
انتبهت أن تمة نقطة سوداء تلوح من بعيد... تقترب.... يتسع حجمها مع كل رمشة عين، إلى أن أخذت شكل مائدة....مائدة مستديرة تطفو في الهواء وحولها تحوم كراسي...كراسي بعدد
النجوم. البعض منها دون قوائم، والبعض منها مقلوبة والكل في احتدام.
أكدت لنفسي أو هكذا خبرتني أن المكان ليس لولي بل قاعة لإدارة شؤون البلد.
'' كتاب مفتوح'':
وضع وسط المائدة، ونور مصباح خافت تدلى يضيء مساحة الكتاب المفتوح بالضبط. المصباح شد خيطه إلى شرخ في السقف وتسلل ليلامس غيوم سماء.
أوراق الكتاب المفتوح بكر.
في ركن من القاعة، جلست هناك على بساط يعلو عن الأرض بمسافة شبر. أحضن طفلة سرقت كل ملامحي. في هدوء وشبه نائمة ترضع من تديي الجاف الذابل.
استغربت لأمري إلى حد جعلني أشك في رجولتي وبحركة هستيرية تلمست شيئي.
قلت في نفسي:
إنه في مكانه.
وصمت لحظة أفكر:
إذن ما معنى هذا !؟
من خارج القاعة يأتيني لغط نساء وبكاء مواليد.
التفتت إلى موضع الجلبة وعبر باب مقوس تزينه حروف متداخلة. دخل رجال عراة.
وببصر مائع نظرت إلى الحروف المتداخلة وتهجيت:
* جئنا إلى الدنيا عراة وعراة نعود *
الرجال العراة كل واحد منهم يحضن فتاته باليسرى، و اليمنى تغازل خنجرا.
وضعوا فتياتهم أمامهم وجهزوا الخنجر و..................
تبادل الرجال العراة القبل على الخدود وربت كل واحد على كتف صاحبه مهنئا وهم في قمةالبهجة، النشوة والانشراح.
لعقوبا ألْعامْ جَايْ ياسيدي
ولَّهْ أنهارْ أكْبيرْ هذا أسيدي
هههههههههههههههههههه
ولحظة انتبه أ حدهم إلى تواجدي، يبدو أنه زعيمهم. عيونه تقول ذلك، أحمد الله أني خبير بالعيون. طبعا تجربة الحياة الطويلة في الوحل علمتني إتقان القراءة.
بنقلة أقدام بطيئة اقترب مني وأمر جماعته بالصمت وبصوت الدهشة والحيرة وزمهرير غضب،قال:
واه واش أنْتَ إنسان حَيْ وَ لا ميت؟
اكتفيت بتحريك رأسي مع العلم لا نجاة بعد الجواب من الموت. إذا أثبت لهم أني حي أين هو دليلي على حياتي وطفلتي إليهم بعيون الاحتقار إليهم تنظر؟، وإذا كان الجواب بالنفي
الطفلة لا محالة ينفد في حقها الحد.
وإذا تظاهرت بموتي سأدفن حيا. يعني فيك فيك.
وكرر الزعيم السؤال:
واش أنْتَ إنسان حَيْ وَ لا ميت؟
وأنا أواصل الصمت وتحريك رأسي تارة بنعم تارة بالنفي، وفجأة وجه لكمة قوية بقبضته اليسرى إلى وجهي، ويده اليمنى تحكمت في شعري يرافق حدة العنف كلمات حروفها على هيأة
رمح:
واش كتسنا ندبحوها لكْ ياوجهْ (.... )
واصلت الصمت كتقية.
إلى متى سأظل سجين تقيتي؟
النعلة
من الخارج يأتيني غناء هزيل ومتنافر الإيقاع أما الكلمات شبيهة بمعطف شاحب اللون، نسج
بخيوط عنكبوت. سمها هيهات لنعلة سريانه في دم المسلوب حقه.. و زغاريد
مديد ة.
احتضنت طفلتي بقوة. فتحت عينيها وتبسمت لي.
هذه النظرة عزيزتي المنحنية المملوءة بلمعان بريق ذكاء وتحدي تهمزني، تزعزعني.
تحولني إلى حمل ضعيف ومع هذا التحول لمرات عديدة خسرت نفسي ولا أحب أن أكون دوما الضحية.
مصيرك عزيزتي محدد وأنا لا أريد أن أموت الآن. مصيرك عزيزتي محدد.....آسف
جدا عزيزتي.....
آسف....
ومن باب التودد، قبل أن أقوم ودون رغبة الاحتفاء مع هؤلاء الأوغاد القتلة بهذا العيدالمقدس. وأمرر خنجري على دبيحتي.
سألتها:
ما اسمك، ابنتي؟
وكالمسيح كلم أمه وهو في بطنها قالت:
أبي اسمه عزة، وأمي نعمة، وأنا كرامة.
وأين تقيمون؟
قالت:
في نفس كل شريف.
قلت والدمع في الحلق:
النعلة أنْحَرْتِني أكْبدْتي...إنعل لِربَهُمْ....والله.....
بإغماضة عين رتبت مشهد موتي. احتضنت طفلتي بقوة حب كبير شاسع وقلت في نفسي:
هذا هو المقدس الذي لا يطعن في بهائه إلا خبيث.
وجهزت نفسي لنموت معا ونطقت بالشهادتين جهرا..على دوي حركات عنيفة، فتحت عيني:
المائدة.
المائدة المستديرة تحولت إلى ساعة والكراسي تداخلت وتناسلت إلى أرقام، وكل رقم أخذ مكانه الخاص.
قلت في نفسي، شيء غريب حقا: ساعة دون عقارب.
وكيف سنحدد زمن وجودنا؟
وتذكرت أن الحلم يعلو على الزمن والأمكنة مرفوعة.
على صوت نفير قوي ودقات طبول. تحركت الأرقام في جنون سرعة وقفزت من إطارها الدائري.
تضاعف عددها بعدد النجوم وتساقطت كندف ثلج.....
وقبل أن تلمس قعر هاوية: تعلو.
قرع سيوف يأتي من بعيد، يتماوج مع إيقاع موحد لأحذية عسكرية تطأ الأرض....تقترب.
الأحذية تقترب.
دبابات تواجه أفواهها نساء عاريات يمسدن بلذة الصبا فروجهن. يضحكن. يرقصن على أنغام
موسيقى جنائزية. منازل محاصرة تحترق في الهواء. في...في إحدى زقاقها أطفال حفاة ينطون كفراشات وحول رأس جندي فصل عن جسده. يحومون وحولوه إلى كرتهم المفقودة. رجل مشوه الخلقة قصير القامة ببطن منتفخ...شبه عار في حالة هلع وكأن شيئا ما يطارده يعدو بين جثت غارقة في سائل أصفر يسيل من ثقب
حائط يفصل البحر عن رمال مبللة ببقع دم خاتر. من عيون موتى وهم يغادرون قبورهم يزحف نمل. يتحركون في صمت. يحملون لافتات عديدة بعدد النجوم.....بكل لغات ولهجات الكون.
وحملتني نفسي إلى لغتي:
الحياة للجميع. لا لعبودية الإنسان للإنسان.
الأحذية العسكرية تقترب من المتظاهرين.
كنت من الأوائل وانتبهت أن لافتتي تفوق حجم جسدي ووزني. وأن حروفها تتساقط وقبل أن تلمس قعر هاوية: تعلو.
تقترب....
حاولت الركض. شيء ما يشد قدمي. سلسلة تحكمت ربطها جيدا. ألتفت إلى الخلف. إلى يميني، إلى يساري: لاأحد.
حاولت التخلص من السلسلة.
يزداد الشد شدة.
الأحذية تقترب. فجأة وجدت نفسي حرا من السلسلة وركضت باحثا عن مخرج داخل الضربةالخاطفة للفرشاة.
اتجهت نحو الباب المقوس. الباب الذي دخل منه العراة. كان بابا دون مزلاج. انتبهت أن الباب رسم على الجدار. وفجأة مع محاولة فتحه، تحول الباب إلى نافذة مشرعة شرفتها على
البحر.
كان الماء يصل إلى أسفل النافذة.
الماء
الماء يتصاعد.....
ببطء يتصاعد.....
يتصاعد............
من بعيد يأتي طنين حبات مسبحة تدوي كقرع أجراس حرب.
والذبح... بح.............بح
عويل نساء. بكاء مواليد. شحاذون يستعطون. طلقات رصاص. يتصاعد الماء. يتجاوز حد النافذة ويتسرب إلى الداخل. يبلل مشط القدم. قارب صغير زين جنباته بالورود. مبطن وسطه بريش الهدهد. يطفو قريبا من النافذة. جذبته من حبل مشدود إلى مقدمته. بكل هدوء وضعت طفلتي التي سرقت كل ملامحي. ابتسمت لي. قبلتها.في حين الماء يتصاعد.....
يتصاعد............. دفعت القارب بجنون صراخ باطني حاد. تحرك القارب وأبتلعه الضباب.
الماء يتصاعد.... الأقدام تقترب.....
تقترب.
.......................
.......................
شعرت...
شعرت بصفعات خفيفة وناعمة على وجهي وقطرات ماء تبلل جبهتي وشفتاي.
ومع...
مع شهقة...ف.....فتحت عيناي.
.......................
.......................
قالت الممرضة سيلفيا:
هل أنت بخير الآن؟
قلت:
نعم. مجرد (وصمت )
حملت سيلفيا اللحاف القطني الذي سقط على الأرض. غطت جسدي وقالت:
هل تريد شيئا عبدول؟
شكرا. سأحاول النوم من جديد. تصبحين على خير ومعذرة سيدتي. إنني.......
قاطعتني بلطف وابتسامة:
لا تهتم عبدول ولا داعي لشكر. قمت بواجبي.
كانت تضع على أذنيها جهاز تصنت وانتبهت أن نظري يشتهي جهازها الصغير وأضافت:
هل تحب الموسيقى عبدول؟
إكتفيت بالنظر والصمت.
قالت:
خذ....في الصباح أستعيده منك. مغنية لا أدري هويتها لكن أعبدها. أكيد كلماتها تصف نعلة وخراب حياة أرض ما... إنها واحدة من الملائكة... خذ...
وضعته على الكنبة و تحركت نحو الباب وهي تحاول الضغط على الزر الكهربائي، قلت:
من فضلك سيلفيا لا تطفئي الضوء.
تركت السرير !!!
شربت كأس ماء في جرعات متواصلة. نظرت إلى الساعة: الثانية صباحا.
أكيد مع هذا الكابوس لن يطاوعني النوم. فكرت في بلع قرص نوم كامل. عدلت عن ذلك. أخذت كرسيا ووضعته قبالة النافذة وجلست.
سرح نظري في الأزهار النابتة خلف المقعد الإسمنتي. لا أدري ما الذي يجعل من هذا المقعد مكان استراحة لي بعد فترة النزهة المسائية المقدسة؟ أحيانا يتشبث الإنسان بشيء ما
وإلى حد الموت دون أن يعلم لعشقه سببا.
قد يرى الناس قبح الشيء، لكن هو يراه بعين أخرى. هل نصدق عين الأخر ونسير خلف حكمه
كبهيمة رعناء؟ طيلة حياتي أتقنت هذا الدور.
ورغم شدة الظلام استطعت تمييز ألوانها، كما يقولون بقي لي من الحياة شهقة واحدة،
ويأخذ صاحب الروح روحه. وأية روح؟ أكيد عطر الاحتراق ستحول قلب الرب إلى رحيم كبير وأن القادم إليه استحم في وحل الإثم إلى حد الغرق العظيم.عندما كنت طفلا سألت فقيه الحي:
هل الله يبكي؟ أو على الأقل يضحك؟ في الحقيقة أنا الذي بكيت ومنعني من الدخول نهائياإلى الكُتَّاب. في الحقيقة خيرا فعل، ما ينقصني الآن إلا تفسيره المعطوب الروح الكون. ومع ذلك أحيانا أحن إلى تفسيره لكي أروح على نفسي قليلا. وقد أحسده على سعادته. لكن وأنا أتأمل شقاء حياته أقول في نفسي: تلك السعادة لا أرغب فيها.
...................
..................
جلست إلى الطاولة بعد إحكام إغلاق النافذة. أعدت قراءة الصفحة الأخيرة من '' إعترافاتي ''. تهجيت بنزق وإكراه:
(.........
دخلت الممرضة سيلفيا تدفع عربة صغيرة وهمست:
مساء الخير عبدول، موعد الفحص اليومي والدواء.
محقنة
ونوم طويل
شطبت على '' محقنة '' وعلى '' نوم طويل ''
جلست أحدق في الظلام، أنتظر أشعة شمس الصباح الأولى.
وقلت في نفسي وأنا أنصت إلى جهاز التسجيل الصغير:
غدا أحدث سيلفيا وطويلا عن صاحبة الصوت الملائكي.
وينك رايح يا شادي
اندهله ما يسمعني
ويبعد يبعد بالوادي
ومن يومتها ما عدت شفته
ضاع شادي
هل جنوني ضحية لهذه الموسيقى؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.