الجريمة وقعت فى مدينة المنصورة بعد ظهر الأربعاء 10/9، إذ قتل مجهولون أحد المحامين، الذى تبين أنه ابن مستشار بمحكمة استئناف القاهرة بإطلاق الرصاص عليه. الخبر وصل إلى الصحف يوم الخميس، يوم الجمعة ذكرت صحيفة الأهرام أن المصادر الأمنية رجحت أن الذى كان مستهدفا من الجريمة ليس ابن المستشار، ولكنه مدير العمليات بمديرية أمن الدقهلية وهو مقيم بنفس البناية الذى كان قد اشترك فى ضبط العديد من الخلايا الإرهابية. فى نفس اليوم (الجمعة 12/9) ذكرت صحيفة «المصرى اليوم» أن فريق البحث فجر مفاجأة من العيار الثقيل. إذ تبين لهم أن المستهدف بالاغتيال لم يكن ابن المستشار، ولكنه أحد ضباط مديرية أمن الدقهلية، الذى يشبه الضحية فى الملامح، وهو مالك «الجراج» الذى اعتاد المستشار ان يودع فيه سيارته. أضافت الصحيفة ان الجناة كانوا يستهدفون الضابط الذى كان قد غادر الجراج قبل 6 دقائق من الحادث. جريدة «الشروق» نشرت على صفحتها الأولى ان التحقيقات أثبتت أن قتلة ابن المستشار كانوا يخططون لاغتيال مفتش مباحث الدقهلية. وعلى صفحة داخلية قالت ان: تحريات المباحث أكدت ان المستشار المذكور كان يضع سيارته الخاصة فى الجراج التابع لمفتش المباحث، وأن المحامى المجنى عليه اتجه لإخراج سيارة والده الذى كان بانتظاره فى الشارع، فاقترب منه ملثم كان يستقل دراجة بخارية وأطلق الرصاص عليه فأرداه قتيلا. يوم السبت 12/9 ذكرت جريدة «الوطن» على صفحتها الأولى أن المقدم السعيد شعير رئيس قسم العمليات فى مديرية أمن الدقهلية ذكر أمام نيابة الكلية بالمنصورة أن المجنى عليه قتل عن طريق الخطأ. وأن الجانى كان يستهدفه هو لاشتراكه فى ملاحقة العناصر الإرهابية مؤخرا. مما سبق نخلص إلى ما يلى: إننا بصدد جريمة إرهابية قتل فيها مواطن مصرى، الأمر الذى يستوجب تحريا دقيقا وحسابا عسيرا وعقابا مشددا لكل من شارك فى الجريمة. إن المجنى عليه قتل بالخطأ فى حين ان الشخص المستهدف كتبت له النجاة حين قدر له أن يغادر المكان قبل ست دقائق من وقوع الجريمة. إن الابن المجنى عليه كان ضحية تشابه بينه وبين ضابط الشرطة الذى كان مستهدفا، وأن أباه قاضى الاستئناف كان خارج دائرة الاستهداف، بدليل أنه كان يقف فى الشارع وقت وقوع الحادث بانتظار قدوم ابنه بالسيارة. بسبب تلك الخلفية فإن نقابة المحامين لم يصدر عنها أى رد فعل بعد مقتل المحامى الابن. وتركت التحقيق يأخذ مجراه الطبيعى. فاجأنا رئيس نادى القضاة حين تجاهل كل تلك الملابسات واستبق التحقيق وتحريات الأمن، وافتعل معركة وهمية انطلق فيها من أن القضاة وذويهم مستهدفون. لقد ذكرت توا ان الصحف الصادرة يوم الجمعة نشرت تفصيلات الحادث ونقلت عن المصادر الأمنية ترجيحها لفكرة القتل الخطأ، وأن المستهدف لم يكن الابن المحامى ولا الاب القاضى، ولكنه أحد ضباط مديرية أمن الدقهلية. إلا اننا وجدنا ان رئيس نادى القضاة قد هرول إلى وسائل الإعلام معلنا الدعوة إلى عقد جمعية عمومية غير عادية للقضاة فى اليوم ذاته. وطبقا لما ذكرته صحيفة الأهرام يومذاك فإن رئيس النادى دعا إلى ذلك الاجتماع غير العادى «لبحث ومناقشة سبل مواجهة التصعيد الإرهابى ضد القضاة وذويهم، والمطالبة باتخاذ كل الإجراءات الكفيلة بحفظ أمن القضاة وأمن أسرهم». بدا المشهد عبثيا، لأننا صرنا بإزاء حكم صدر فى غير قضية. ذلك ان القضاة بجلالة قدرهم استنفروا ودعوا إلى اجتماع غير عادى لمناقشة قضية وهمية ومفتعلة لم يكونوا طرفا فيها. لم يقف الأمر عند ذلك الحد، وإنما ظهر رئيس نادى القضاة يوم الحادث (الأربعاء 10/9) على قناة «التحرير» فى برنامج الأستاذ جمال عنايت وقال ما نصه ان القضاة سيكون لهم رد مزلزل (رددها مرتين) إذا ثبت ان الحادث إرهابى (فى أهرام الجمعة وصف الحادث بأنه جريمة سياسية وليست جنائية وانه نقلة نوعية من جانب الإرهابيين). مساء يوم الخميس ظهر رئيس النادى على قناة «دريم» فى برنامج الأستاذ وائل الإبراشى متحدثا بلغة أخرى حيث قال ما نصه: الثأر عند القضاة أقوى منه فى الصعيد. والمسألة لن تمر مرور الكرام. فكما ان لنا أبناء فإن لهم أبناء. وكما ان لنا بيوتا لهم بيوت. وانا قادر انا وزملائى على حماية القضاة وأسرهم ولو من خلال أمن خاص يستأجر. ثم أضاف: دم بدم وروح بروح ونفس بنفس. وحين نبهه الأستاذ وائل إلى خطورة ما قاله فإنه صوب كلامه قائلا ان الانتقام الذى يتحدث عنه سوف يتم من خلال الإجراءات القانونية. وجه الغرابة ليس فى افتعال قضية من العدم أو إصدار حكم فى قصة وهمية، إذ لم يعد ذلك مفاجئا تماما فى زماننا. لكن مبعث الاستغراب يتمثل فى مدى العصبية والشطط فى التعبير الذى اتسم به خطاب بعض من ينتسبون إلى القضاء. لأننا نفهم أن القاضى لا يصدر حكما أو يطلق رأيا إلا بعد التمحيص والتروى، الأمر الذى برر قول من قال بأن قرار القاضى بمثابة إعلان للحقيقة. مع ذلك فلست أخفى خاطرا خبيثا خطر لى حين تابعت ما تناقلته وسائل الإعلام بخصوص القضية. ذلك ان كثيرين دأبوا على الاستخفاف بما تنشره الصحف حتى اعتبر «كلام الجرايد» عنوانا لأى كلام فارغ يقال فى أى موضوع. وقد انتابنى شعور بالرضا والحزن حين وجدتنى أردد: إننا لم نعد وحدنا فى ذلك على أى حال.