انتشرت صور وزيرة العدل الفرنسية، كريستيان توبيرا، أمس الأربعاء، كالنار في الهشيم، وهي تغادر مقر الوزارة على متن دراجتها النارية، بعد تقديمها لاستقالتها اعتراضا على مناقشة قانون « إسقاط الجنسية » عمن يثبت ضلوعهم في قضايا الإرهاب. وبغض النظر عن خلفيات الاستقالة، تبقى استقالة وزيرة العدل الفرنسية، حبلى بالكثير من الدروس التي يتعين على المسؤوليين المغاربة، مدراء مؤسسات عمومية كانوا، أو وزراء داخل الحكومة، استخلاصها في الكيفية التي من المفترض أن ينظر بها المسؤول للمنصب. أول هذه الدروس ضرورة أن يتشبث الوزير بمبادئه ومواقفه وألا يزيغ عنها مهما كانت الظروف والضغوط، وأن يكون دائما مستعدا للاستقالة من منصبه إن فشل في فرض تصوره أو قراراته داخل القطاع الذي يشرف عليه. في المغرب لم يسبق أن قدم مسؤول وزاري استقالته من الحكومة رغم أن العديد منهم اتهموا بتبذير المال العام، وب »الفساد »، والفشل في تدبير القطاع الذي يشرفون عليه، ورغم ذلك ظلوا متشبثين بمناصبهم وكراسيهم ضاربين عرض الحائط بالأصوات الشعبية، و »الفايسبوكية » المطالبة برحيلهم. الدرس الثاني يكمن في النظرة التي ينظر بها المسؤوليين في الدول الديمقراطية للمسؤولية كيفما كانت..في البلدان المتقدمة ينظر الوزراء وكبار المسؤوليين للمسؤوليات والمناصب كمهام جسمية يتعين الاضطلاع بها على أكمل وجه، بصرف النظر عن امتيازاتها وتعويضاتها. في المغرب العكس هو الحاصل تماما، فالمسؤولون المغاربة ينظرون للمنصب كوسيلة للترقي الاجتماعي، والنفوذ والسلطة، وتشكيل شبكة قوية من العلاقات في دواليب الدولة، وتمرير الصفقات والاغتناء السريع، والاستفادة من « كعكة » الدولة والمخزن . ولهذا يستحيل أن تجد وزيرا مغربيا مستعدا لتقديم استقالته كيفما كانت الظروف، والفضائح التي يتورط فيها، رغم أن العديد منهم قد يلوح بها بمجرد تحمله للمسؤولية في محاولة لكسب ود الجماهير، لكن ما أن يذق « نعمة » السلطة والكرسي حتى يغير مواقفه تماما، وتجده يبحث عن مبررات لتبرير سلوك معين داخل وزارته، أو فشله في القطاع الذي يشرف عليه. الدرس الرابع هو مغادرة وزيرة العدل لمقر الوزارة على متن دراجتها، تاركة وراءها سيارة الخدمة التي تضعها الدولة رهن إشارة مسؤوليها في صورة تجسد أرقى مظاهر الديمقراطية. هنا في المغرب يحصل العكس تماما فكثير من المسؤوليين يتشبثون بسيارات الخدمة، والسكن الفخم، بعد نهاية ولايتهم الحكومية، بل منهم من يسلك جميع الطرق للاحتفاظ بالامتيازات التي كان المخزن يغدقها عليهم عندما كانوا يتمرغون في السلطة ونعيمها. وزيرة العدل كريستيان توبيرا غادرت أيضا مقر الوزارة وعلى رأسها خوذة في سلوك مواطن يدل على أن القانون فوق الجميع، وليس هناك أي مبرر لخرقه مهما كان وضعك الاعتباري في المجتمع، في حين ينظر الوزير لنفسه في المغرب كشخص يعلو على القانون، ولايحق لأحد مؤاخذته على أي سلوك. والكل يتذكر كيف أن وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة الأسبق عمد إلى التدخل أمام قبة البرلمان المغربي، حيث تشرع القوانين، لإنقاذ ابنه من ورطة في سلوك وجد له الوزير آنذاك مبررا ومخرجا.