بعد مرور سنة على الدستور الجديد، وصعود الإسلاميين إلى السلطة في المغرب، تساءل حقوقيون وسياسيون بارزون عن مدى التقدم الذي حققه المغرب في المجالات الحقوقية والسياسية. وكان محور الندوة التي نظمتها مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد هذا الأسبوع بمدينة سلا، وعرفت نقاشا ساخنا بين التنظيمات الحقوقية حول نجاعة الأداء الحكومي: هل لازال المغرب يعيش في ظل الاستبداد ؟ وخلال الندوة، تواجه كل من عبد العلي حامي الدين، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية وخديجة الرويسي، القيادية في حزب الأصالة والمعاصرة. ففي الوقت، الذي تؤكد فيه الرويسي على أن «سبب التخلف الذي يشهده المغرب هو القوة المحافظة التي يقودها البيجيدي»، يرد حامي الدين على أن المغرب دخل منعطفا جديدا بعد أن «كادت تجربة الحزب الوحيد التونسية النشأة تقود المغرب إلى المجهول». فيما اقتصرت مداخلات كل من خديجة مروازي، وخديجة الرياضي على الجانب الحقوقي، دون الدخول في الحسابات السياسية بين الأذرع الحقوقية للأحزاب. ودعت الحقوقيتان عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، إلى «وقف العنف ضد المتظاهرين وتوقيف التبرير لاستعمال بطش القوات العمومية وإطلاق سراح المعتقلين الإسلاميين وكذا الافراج عن معتقلي حركة 20 فبراير».
هل نعيش الاستبداد؟ رغم الحراك الشعبي الذي شهده المغرب، خلال سنة 2011، والتعديلات الدستورية لفاتح يوليوز، وما تلاه من صعود الإسلاميين إلى السلط، لا يزال البعض يطرح السؤال عن مدى خروج المغرب من الاستبداد والفساد. خديجة المروازي، الكاتبة العامة لجمعية «الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان»، تؤكد على أن المغرب قطع أشواطا كبيرة بعد الدستور الجديد، وفند أطروحة عزوف الشباب عن السياسية، معتبرة دستور 2011 انتصارا للمنظمات الحقوقية والحقوق الاجتماعية والاقتصادية.
من جهته، يقول عبد العلي حامي الدين، رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، إن المغرب خرج من الشوط الأول من الاستبداد، وهي مرحلة كانت تهدد استقرار البلد، لأن شباب حركة 20 فبراير استوحوا شعارات كبيرة أطلقت خلال الاحتجاجات، التي عمت العالم العربي، مبرزا أن «هناك تفاعل سريع وذكي من أعلى سلطة في البلاد، في التاسع من مارس 2011، مما قاد إلى نزول سقف المطالب، التي لم ترتفع كما وقع في بعض الدول».
القيادي في حزب العدالة والتنمية، أشار في السياق نفسه إلى أن «المغرب قطع بالفعل مع التعددية المتحكم فيها والحكومة التي لا تحكم، والقانون الذي لا يطبق والانتخابات المزورة»، مشيرا إلى أن 2002 كان بداية تراجع الانفتاح السياسي الذي دشنه التناوب التوافقي، حيث أضحى الصوت الانتخابي بدون قيمة، بعد الخروج على المنهجية الديمقراطية وكثرة الاعتقالات بالشبهة والاختطافات بالجملة، وممارسة التعذيب، وكل ما يصاحب ذلك من محاكمات غير عادية، بالإضافة إلى التزوير، وبداية التأسيس للتجربة التونسية أي إنشاء حزب الدولة لاكتساح المجال العام.
في المقابل، أرجعت خديجة الرويسي، رئيسة بيت الحكمة، ما شهده المغرب قبل الدستور الجديد إلى «محاربة الفكر التحديثي والتقدمي من طرف الأصوات المحافظة»، مشيرة إلى أن «حزب العدالة والتنمية يتصدر المدافعين عن الفكر الرافض لقيم حقوق الإنسان العالمية وللفكر الليبرالي». وتضيف النائبة البرلمانية عن حزب الأصالة والمعاصرة أن «المغرب، عرف خلال مرحلة معينة من تاريخه، قمعا ممنهجا وحصارا للمد التقدمي، قبل أن يأتي الدستور الجديد ليكون بمثابة صك لحقوق الإنسان، بفعل دينامية خلقتها حركة 20 فبراير»، مشيرة في الرد على اتهام حزب الأصالة والمعاصرة بكونه صنيعة الدولة أن «بعض الأحزاب المحافظة أسست للقيام بدور المشاركة في القمع وحصار المد التقدمي».
وعبرت خديجة الرياضي، رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، عن ضرورة تغيير الدستور الحالي بدستور جديد تضعه جمعية تأسيسية منتخبة، وتابعت: «لا يمكن أن نبني الديمقراطية بالصيغة الدستورية الحالية، لأنها من وضع الملك، وركز كل السلطات في يده مما يتنافى بشكل مطلق مع الديمقراطية»، مؤكدة على أن الدستور الحالي والحكومة الجديدة لم تمنع «استمرار التعذيب والاعتقال السياسي وانتهاك حقوق الإنسان».
قمع الاحتجاج وفيما يخص قمع الحركات الاحتجاجية، وتفريق المظاهرات، أكدت خديجة الرياضي على أن هناك استمرارية في الأساليب التي تنهجها السلطة، ولم يحصل هناك أي انتقال من وضع إلى وضع آخر، بل إن التعاطي مع الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات أصبح أكثر شراسة باسم «هيبة الدولة». مردفة : «أنا تعرضت للضرب وأنا واقفة في الشارع العام، بدون أن أرفع لافتة أو شعار، ما ينم عن غياب التسامح واستمرار المقاربة الأمنية والإفلات من العقاب.
في السياق نفسه، استنكرت الرويسي «انتهازية» بعض الأطراف التي تستعمل ورقة حقوق الإنسان قبل صعودها إلى الحكومة لتتنكر لمطالبها، مشددة على أن «البوليس أصبح يفرط في استعمال القوة، بشكل غير مقبول، ويجد مساندة من طرف رئيس الحكومة، الذي عوض أن يعد بوقف انتهاك الحقوق الأساسية يبحث عن مبررات غير مقبولة في البلدان الديمقراطية». وزادت أن «القوانين والمواثيق الدولية ضد الضرب والعنف والقمع والبحث بعد ذلك عن مبررات العنف ضد المواطنين». وطالبت رئيسة بيت الحكمة عبد الإله بنكيران بتحمل مسؤوليته «لأن الدولة لا تغضب ولا تنفعل. فقط تطبق القانون، وعليه أن يسمي لنا الجهات التي تعرقل عمله، ولا يكتفي بالحديث عن العفاريت والتماسيح».
من جهة أخرى، حاول حامي الدين التماس بعض الأعذار للحكومة الحالية، قائلا: «إن الديمقراطية عملية تراكمية، ولا أتفق مع من يعتقد بأننا سننتقل بشكل فجائي إلى الديمقراطية»، مشيرا «اليوم لم نعد نتحدث عن الاختطاف والمعتقلات السرية». ويرجع أسباب قمع الحركات الاحتجاجية إلى ترسخ هذه الثقافة عند القوات العمومية، أو ما سماها «العقيدة الأمنية»، مؤكدا على أن المسؤولية لا تتحملها الحكومة، ولكن الجهات التي تعطي التعليمات». داعيا إلى ضرورة فتح نقاش واسع حول الحكامة الأمنية والطريقة الناجعة لإعادة تكوين قوات الأمن بيداغوجيا، مما يتناسب مع حقوق الإنسان.
المعتقلون السياسيون فيما يخص المعتقلين السياسيين، أجمع كل المتدخلين على ضرورة إطلاق سراح معتقلي الرأي في حركة 20 فبراير، وعلى رأسهم «الحاقد»، والإفراج عن المعتقلين في إطار ملف السلفية الجهادية، الذين لم يتورطوا في الدم. وقالت مروازي إن «دستور 2011 كان يتطلب تدابير أكبر من الثقة، خاصة في مسألة الإفراج عن المعتقلين الإسلاميين، لأنه لا يعقل أن يتم إطلاق سراح زعماء التنظيمات الإرهابية المزعومة، وما يزال أعضاء هذه التنظيمات قابعين داخل الزنازين». وهو نفس ما عبرت عنه الرويسي، بتأكيدها على «ضرورة إطلاق المعتقلين الإسلاميين، الذين انخرطوا في مراجعات عميقة، ولم يتورطوا في القتل، وهم بالعشرات».
وأشارت الرياضي إلى أن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تندد باستمرار الاعتقال السياسي، وتطالب بالإفراج عن معتقلي حركة 20 فبراير، معلنا عن عزم الجمعية تنظيم قافلة وطنية من أجل المطالبة بإطلاق سراحهم عاجلا. من جهته، اعتبر حامي الدين استمرار الاعتقال السياسي مؤشرا سلبيا لا يبعث على الاطمئنان، داعيا إلى إطلاق سراح أفراد حركة 20 فبراير، والأصوات الإسلامية في السجون. غير أنه في الوقت نفسه ينفي أن تكون الحكومة هي المسؤولة عن اعتقالهم، مشيرا إلى أن القضاء هو الذي زج بهم في السجون، ولا تستطيع الحكومة أن تفرج عنهم لأن العفو بيد الملك وليس الحكومة.
عقوبة الإعدام وفيما يتعلق بالنقاش الدائر حول عقوبة الإعدام، دعا القيادي في رئيس منتدى الكرامة إلى إلغاء عقوبة الإعدام في القضايا ذات الصلة بالسياسة وجرائم القتل العادية، لكن مع الإبقاء على الإعدام في حالة الجرائم المروعة، ضاربا المثل بجريمة طنجة التي كان بطلها شاب دخل إلى منزل، فدشن مذبحة هزت الرأي العام بقتله كل أفراد العائلة. وقال حامي الدين: «برأيكم كم يستحق هذا الشخص، إذا حكمنا عليه بالمؤبد فبكم سنحكم على من قتل شخصا واحدا؟»، مشيرا إلى أن «إلغاء الإعدام سيتبعه مباشرة تخفيض كل العقوبات السجنية الأخرى بدءا بالمؤبد». أما كل من المروازي الرياضي والرويسي فقد انسجمت أصواتهن على ضرورة إلغاء عقوبة الإعدام إلغاء تاما، وفق المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. وأشارت الرويسي في هذا الصدد إلى أن الدولة تتحول إلى مجرمة عندما تنفذ عقوبة الإعدام في حق المواطنين، لأن الإحصائيات والأرقام تبين في الولاياتالمتحدةالأمريكية على أن الإعدام لا يمنع من اقتراف جرائم القتل.
حرية المعتقد استغلت الرويسي الحديث عن حرية المعتقد لتوجيه سهامها إلى حزب العدالة والتنمية، مشيرة إلى أن هذه القوة المحافظة هي التي تدخلت في آخر لحظة من أجل سحب هذا المكتسب الحقوقي من الدستور الجديد. مضيفة أن «لجنة عبد اللطيف المنوني لتعديل الدستور كانت تتجه بنا إلى الأعلى، وكان حزب العدالة والتنمية يجرنا إلى الأسفل». وأشارت القيادية في حزب التراكتور إلى أن «الإنسان لا يمكن أن يجبر أحدا على الإيمان بعقيدة لا يريدها، ومن هذا المنطلق يقول الله من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، ولا إكراه في الدين... مما يعني ضرورة احترام عقائد الناس»، مردفة: «إن رفض حرية العقيدة دعوة إلى نفاق مجتمعي، لأن الإنسان يضطر بذلك لإخفاء عقيدته الحقيقية».
خديجة الرياضي هي الأخرى دعت بقوة إلى حرية المعتقد، مشيرة إلى أن القوانين الموجودة عندنا اليوم في هذا المجال جد متخلفة، داعية إلى احترام تعهدات المغرب، والقوانين التي صادق عليها، وعلى رأس العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، مبرزة أن بعض الأرقام تشير إلى أن عدد المسيحيين في المغرب أكبر من اليهود، مما يعني ضرورة حماية المواطنين بكل أطيافهم. وتابعت: «من واجب الدولة حماية معتنقي الأديان الأخرى من رد فعل المجتمع والعائلة، لأن الكثيرين يتسترون على عقائدهم، خوفا من الآخر».
من جهة أخرى، نبه حامي الدين إلى ضرورة التصدي لمن يسعى إلى تنصير الأطفال في بعض المدارس المغربية، مشيرا إلى أن استغلال الأطفال هو بمثابة التغرير بهم وتوظيف الفقر والتهميش لجر المواطنين إلى عقائد أخرى، وهو مسألة غير مقبولة بتاتا. لكنه في المقابل، يتفق مع ضرورة احترام تغيير الراشد لديانته عن قناعة، لأنها تدخل ضمن الحرية الشخصية، مؤكدا على أن «حرية العقيدة عندنا هي قاعدة أسمى من الدستور، هي القرآن الكريم».
تزويج القاصرات من النقاط التي أثارت الجدل خلال الندوة كذلك، مسألة تزويج القاصرات. ففي الوقت الذي دعت فيه خديجة الرياضي إلى ضرورة منع تزويج الفتيات أقل من 18 سنة، وتغيير القانون الجنائي الحالي بما يتلاءم مع النظر إلى المرأة كإنسان وليس كشيء. أشارت مروازي إلى أن الأرقام تشير إلى أن حوالي 10 في المائة من القاصرات يتزوجن سنويا. واعتبرت الرويسي تزويج الفتاة القاصر بشخص أكبر منها «اغتصاب وانتهى الكلام»، مشيرة أن الفتاة القاصر لا تميز بين مصلحتها الحقيقية وما يضرها، حتى ولو وافقت مبدئيا على الزواج، مضيفة أنها وضعت مقترح قانون من أجل إلغاء الفصل 422، الذي يزوج الفتاة بمغتصبها. وعابت الرويسي على حكومة حزب العدالة والتنمية عدم احترام حقوق المرأة، قائلة:» من المؤشرات السلبية على اقصاء المرأة هي تعيين امرأة واحدة في الحكومة».
واعتبر حامي الدين القانون غير كاف للحيلولة دون تزويج الفتيات أقل من 18 سنة، مبرزا أن «الكثيرين سيلجؤون إلى الزواج بالفاتحة، إذا رفض القانون تزويج الفتيات أقل من 18 سنة»، مؤكدا على أن إخراج هذا القانون سهل جدا، لكن يجب أن نفكر في البوادي التي تنشأ البنت فيها منذ ولادتها على كونها مشروع زواج، داعيا إلى تعزيز برامج تدريس الفتاة في الوسط القروي، حتى تنمحي تلك الصوة في أذهان الناس.
مطالبنا إلى بنكيران في آخر الندوة، رفع المتدخلون مجموعة من المطالب إلى رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، حيث طالبت خديجة مروازي بضرورة إطلاق سراح المعتقلين الإسلاميين، ومعتقلي حركة 20 فبراير، منبهة بنكيران إلى ضرورة تقييم السياسات القطاعية والتفكير بعمق في الانسجام الحكومي.
أما خديجة الرياضي، فرغم أنها تؤمن ب»غياب سلطة حقيقية لدى الحكومة الحالية»ّ، فقد طالبت بقرار سياسي لإطلاق سراح معتقلي حركة 20 فبراير، ومحاسبة الجميع، «لأنه لا يمكن أن نتقدم خطوة واحدة في ظل الإفلات من العقاب». ودعت الرويسي إلى «احترام حرية الصحافة والإعلام، والاتجاه للمناصفة في كل القطاعات العامة، وعلى رأسها الحكومة، والانتباه إلى الوضعية المزرية للسجون بفرض الرقابة القضائية على سجون المملكة». مضيفة أنه «يجب أن يكون من أولويات الحكومة ضرورة إطلاق سراح السلفيين، الذين قاموا بمراجعات عميقة ولم يتورطوا في الدم ومحاربة الاعتقال الاحتياطي ، والإفراج عن معتقلي حركة 20 فبراير «.
ولعلها المرة الأولى التي يتفق فيها حامي الدين مع الروسي، حينما طالب هو الآخر ب»العفو عن المعتقلين الإسلاميين السلفيين، والمساهمة في إنضاج شروط العفو، والمصادقة على اتفاقية روما للمحكمة الجنائية الدولية، وفتح ورش الحكامة الأمنية، وإصلاح الإعلام العمومي، لأنه لا يزال على حاله».